بمناسبة مرور 150 عاماً على افتتاحها: مارسيليا تستضيف معرضاً عالمياً عن قناة السويس

طارق الطاهر (القاهرة) 02 سبتمبر 2018

حدث ثقافي كبير تشهده اليوم مدينة مارسيليا في فرنسا، وهو استضافتها معرضاً عن «ملحمة قناة السويس»، بمناسبة مرور 150 عاماً على إنشاء القناة.

في البداية، يوضح جان كلود غودان عُمدة مدينة مارسيليا، أن اهتمام بلدته بالقناة قديم قِدم القناة نفسها، بل موغل في القدم، وعن ذلك يقول: «الإعلان عن فكرة شق قناة السويس أدى فعلاً الى ظهور الكثير من الأعمال في الأوساط التجارية في مارسيليا، نظراً للفرص التي أتاحها المشروع لتطوير الصناعات، وتكثيف حركة السلع والبضائع، والربط بين مكونات الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية من خلال ميناء مارسيليا، فتحمّس أهل مارسيليا للمشروع ودعموه، نظراً للعلاقات التاريخية بين الميناء الفرنسي ومصر. ومنذ العام 1825 كان جان باتيست باستريه قد أسّس وكالة لتجارة القمح والقطن في الإسكندرية، وفي العام 1847 كانت غرفة تجارة مارسيليا من أولى الغرف التجارية الأوروبية التي قدّمت دعماً مالياً للشركة لدراسة مشروع قناة السويس، كما خرج من أهل مارسيليا صناعيون كانوا من أهم المشاركين في شقّ القناة، من الإخوة دوسو وإسهاماتهم في بناء الحوض الجاف في السويس وأرصفة الميناء في بورسعيد، وصولاً الى المحركات التي صنعتها ورشات مارسيليا، وساهمت في شقّ القناة. وعندما أُقيمت حفلة افتتاح القناة في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1869، كان لمارسيليا حضور كبير، وكانت شركة فرنسية في مارسيليا صاحبة أول سفينة بخارية عبرت القناة في طريق عودتها من الجزر الهندية، مفتتحةً بذلك الخط البحري التجاري العابر للقارات، ولم يكن المشروع اقتصادياً فحسب، بل أثمر أيضاً عن مغامرات إنسانية استثنائية، تطلبت قيام حوار فلسفي وسياسي بين القارتين».
ويضيف عُمدة مارسيليا: «استطاع رجال القرن التاسع عشر، بفضل التقدم التكنولوجي، تغيير وجه العالم، فأعادوا للبحر المتوسط، بفضل هذه المنشأة العظيمة، وظيفته كوسيط بين الشرق والغرب، وقد حذا حذوهم المهندسون المصريون في القرن الواحد والعشرين، فتغلّبوا على التحديات التكنولوجية، واستطاعوا شق قناة جديدة في عام فقط.

شواهد فنّية

يقدّم المعرض لوحات لعدد من كبار الفنانين الذين خلّدوا القناة برسوماتهم، ومن ذلك أعمال جوليو كارليني، الذي قدّم لوحة مبكرة عن فكرة المشروع، ومفاوضات أهل البندقية مع السلطان لشقّ القناة، وكذلك أعمال الفنانين ثيودور فرير، أدولف كوفلي، فيليب دي ليون كريميير، أوغسط بارتولدي، يوستين كوزلوفسكي، إريميه ديزيريه، كما تضمن المعرض الوثيقة الخاصة بترجمة أول عقد امتياز منحه والي مصر لفرديناند دي ليسبس، والذي ينص على إنشاء الشركة العالمية لشق برزخ السويس واستغلال القناة بين البحرين، والذي وقّع في الإسكندرية في 19 أيار/مايو 1855».
ويعود الفضل في هذا المعرض الى معهد العالم العربي في باريس، الذي أُقيم فيه منذ شهور عدة، قبل أن ينتقل الى مارسيليا، وقد قدمه جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي بقوله: «يهدف هذا المعرض ليس إلى تصوير تاريخ فرنسي للقناة فحسب، بل إلى إحياء تاريخ فرنسي ومصري في آن واحد، تماماً كما يوحي لشعبين صديقين أن يفعلا، أياً كانت خلافات الماضي، بحيث تقاسما لحظات مهمة، كالافتتاح الذي أقامه الخديو إسماعيل في حضور الإمبراطورة أوجيني، في إنجاز يرمز إلى نهضة مصر... كانت بيننا أيضاً مواجهات مثل العدوان الثلاثي، الذي شنّته فرنسا وبريطانيا وإسرائيل في عام 1956، بعد قرار تأميم قناة السويس الذي أصدره جمال عبدالناصر... هذه الأزمة الغابرة قد ولّت، أما اليوم فنحن نتطلع الى المستقبل، مستقبل تصوغه القناة أولاً والمنطقة الاقتصادية التي تتطور حولها ثانياً، ونتمنى أن ينجح المعرض في تحقيق هدف إمتاع البصر وشحذ الفكر».

الرؤية المصرية

وقد شارك معهد العالم العربي في باريس في هذا المعرض، مجموعة من الأساتذة المصريين من المهتمين بأدب الرحلات، وهي مجموعة تضم عدداً من الأساتذة الجامعيين الذين سبق أن عقدوا مؤتمراً بعنوان «الرحلة من وإلى مصر»، وقد شاركوا في هذا العمل كما تقول الدكتورة رندة صبري، بإمداد المعرض بمادة علمية تمثل الرؤية المصرية للقناة وتاريخها، في النصوص الروائية والمسرحية والمذكرات والأفلام وآراء المؤرخين والمقالات التي كُتبت في الصحف المصرية والأغاني الوطنية واللوحات والأعمال الفنية التي أرّخت للقناة ومشروعها، كما شاركوا بمجموعة من الدراسات في الكتالوغ المصاحب للمعرض، وعناوين هذه الدراسات: «القناة في عيون المصريين» لعماد أبو غازي، «الخديو إسماعيل» لرندة صبري، «السخرة في حفر قناة السويس» لمي فاروق، «الحياة في مدن القناة الكوزموبوليتانية» لإيناس الصيرفي، «الجذور التاريخية لفكرة تأميم قناة السويس» لمحمد عفيفي، «المعارك في فتنة قناة السويس خلال حربَي يونيو 1967 وأكتوبر 1973»، «فتنة السويس من منظور أدبي» لرانيا فتحي، و»السينما والقناة» لسلمى مبارك ووليد الخشاب.

دراسات فرنسية

كما تضمن الكتالوغ دراسات أخرى لكتّاب فرنسيين، أهمها: «قناة الفراعنة من العصور القديمة إلى العصور الوسطى... بدايات فكرة قناة السويس» لكريستيان زيغلر، «دارا والأنصبة التذكارية على ضفاف القناة» لجوليان كوني، «برزخ السويس: بين بحرين وثلاث قارات» لجيلان ألوم، «بعد بونابرت وقبل دي ليسبس... مشاريع بروسير أنفانتان والسان سيمونيين»، «قناة السويس والقوى العظمى... الرهانات الاستراتيجية... منذ بداية المشروع وحتى 1956».
ومن المنتظر أن يُنقل المعرض الى القاهرة، بمناسبة مرور 150 عاماً على افتتاح القناة، كما من المقرر أن يُعقد مؤتمر دولي في جامعة القاهرة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل بعنوان «قناة السويس... رؤى أدبية وثقافية»، وفيه سيُسلَّط الضوء على تنوع المخيلة الإبداعية الخاصة بقناة السويس وثرائها، إلى جانب إبراز نقاط الالتقاء والخلاف التي اتّسمت بها والتصورات الثقافية والإبداعية التي أنتجتها، والتي نتجت منها. فالقناة، إلى جانب أهميتها الاستراتيجية والجغرافية، كانت مسرحاً لكثير من الأساطير: أسطورة الربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، أسطورة التزاوج بين الشرق والغرب، أسطورة تصدير الحداثة الأوروبية إلى أرض محمّلة بالتاريخ والعراقة، أسطورة «الممر المفتوح إلى الهند»، الذي تغنّى به الشاعر الأميركي وولت وتمن في قصيدة شهيرة... وفي مقابل تلك التصورات ذات الصبغة الاستشراقية، برز في الجانب المصري، خاصة بعد التأميم، تحول في مفاهيم البطولة والعزّة والنضال ضد المغتصب، وصاغ الخطاب الوطني ملحمة الفلاحين، أبطال حفر القناة الحقيقيين والضحايا المنسيين في رمال الصحراء.