مأساة ومعاناة "زين" تجسدها نادين لبكي في "كفرناحوم"

كارولين بزي 18 سبتمبر 2018

تتكرر صور المتسولين في يومياتنا، تقتحمنا من كل حدب وصوب، نتذمر ونشفق أحياناً، لكن خلف تلك الوجوه المجبرة على النزول إلى الشارع، قصص وحكايات ومأساة صورتها المخرجة اللبنانية نادين لبكي في فيلمها "كفرناحوم".

تبدأ القصة مع زين، ذلك الطفل الذي أنجبه والداه لخوض معركة الحياة، حياة قاسية بدءاً من ذلك الحضن الذي من المفترض أن يكون دافئاً، إلى فوضى الحياة وقسوتها. ولم يجد الطفل حلاً لحياته إلا باللجوء إلى المحكمة، إلى القضاء، لرفع دعوى ضد والديه اللذين أنجباه. رفع دعوى على الجهل الذي سيطر على عائلة لم تدرك مدى المعاناة التي تفرضها على أطفال لم يبلغوا الحلم بعد، فدمرت مستقبلهم.

لم يحوّل أصدقاء زين الأخشاب التي بحوزتهم إلى أسلحة عن عبث، بل لأنهم وُلدوا في بيئة استوطنت فيها الحروب، والقتل والسلاح. كان زين يحلم بأن يستقل الباص متوجهاً إلى المدرسة، لكن الضائقة الاقتصادية التي تعيشها عائلته جعلتها تدفع به إلى الشارع بحثاً عن عمل يسد جوعهم.

اختبر زين، ابن الثانية عشرة عاماً، ظلم الشارع، فرفض أن يُزوج شقيقته الطفلة التي لم تبلغ الحادية عشرة من عمرها إلى صاحب الدكان الذي يعمل فيه، لكن ما من مشهد أكثر قسوة من عائلة تبيع طفلتها من أجل العيش في منزل بمثابة خرابة. فما كان من زين إلا أن ترك منزل عائلته والتجأ إلى الشارع، واتجه إلى جهة مجهولة، علّ ظلمها يكون أخف وطأة من ظلم العائلة.

لجأ إلى "رحيل" العاملة الأثيوبية التي تواجه مشكلة ايجاد عائلة لبنانية تكفلها، مثلها مثل العديد من العاملات الأجنبيات اللواتي يعيشن في لبنان. حملت "رحيل" وأنجبت في لبنان، فتخلى عنها والد الطفل ولم يعترف به، لكنها أصرت على الاحتفاظ بطفلها ورفضت بيعه لعائلة ميسورة من اجل المال، على الرغم من الضائقة المادية التي تعيشها.          

تحوّل زين بعد إلقاء القبض على "رحيل" إلى والد ومعيل لـ"يوناس" ابن رحيل، فجال به في الشوارع والأزقة باحثاً عن والدته، وعن لقمة يسد بها جوع ذلك الطفل المسكين.  

بعد محطات عدة، وقف زين خلف عدسة الكاميرا مجبراً على اظهار ابتسامة لاستصدار أوراقه الثبوتية، ولكن الابتسامة لا تلغي سنوات تفوق سنه من الظلم والمعاناة والحرمان.

أتقنت المخرجة نادين لبكي إدارة الممثل الموجود داخل زين الرفاعي، الطفل السوري الذي لجأ إلى لبنان، لتجسد معه كل معاناة اطفال سنه الذين قست عليهم الحياة.

"كفرناحوم"، الفيلم الذي حاز جائزة لجنة تحكيم مهرجان "كان"، في جميع صالات السينما اللبنانية بدءاً من العشرين من شهر أيلول/سبتمبر الجاري.