'نجوم السينما' لإدغار موران بالعربية...

السينما السورية, أطفال النجوم, النجومية المبكرة, سينما العربيّة, السينما المصرية

08 أكتوبر 2012

السينما وحدها تصنع النجوم... خشبة المسرح لم تولّد نجوماً... والعالم لم يعرف قبل السينما معنى كلمة «نجم» بمفهومها السيكولوجي والسوسيولوجي. فاقترنت كلمتا «نجوم» و»سينما» في اللغة العامّة حتى أصبحتا عبارة أو بالأحرى كلمة واحدة.
ربما هذا ما أراد التعبير عنه الكاتب وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران في كتابه الشهير «نجوم السينما»، الذي صدر قبل عقود ليُصبح واحداً من أهمّ الكتب الكلاسيكية الرائدة في مجال الفنّ السابع.
يتناول فيه موران المراحل التي تمرّ فيها صناعة النجم والتحولات الجذرية التي يعيشها، مع التمييز بين مفاهيم محدّدة مثل «النجم- السلعة» و»النجم- الممثل» و»الناس والنجم».
ويغوص أيضاً في شرح الطقوس النجومية والبحث في تفاصيل العلاقة «النجم/الجمهور/المعجبين» من وجهة نظره «السوسيولوجية»، مع عرض لشهادات خاصة بالمعجبين المتيمين بنجوم، بعضهم رحل عن الدنيا ولكنه ظلّ أسطورة حيّة في قلوب معجبيه، من أمثال جيمس دين.
ويُخصص الكاتب لهذا النجم- الأسطورة باباً يضعه بعنوان «منعطف: جيمس دين» وباب آخر «غروب نظام النجوم وانبعاث النجوم».
وفي هذين البابين يوغل الكاتب في التحولات التي يعيشها النجم من كائن بشري إلى كائن أسطوري.
ثمّ يُشير إلى فكرة النهايات أو الأصحّ قولاً المصائر التي كانت تنتظر هؤلاء النجوم.


هذا الكتاب الذي شغل أهل السينما ومحبيها في العالم، نقله الكاتب والناقد السينمائي ابراهيم العريس إلى العربية في كتاب صدر أخيراً عن «المنظّمة العربية للترجمة».
ولم يكتفِ العريس بالترجمة التي شملت أيضاً مقدّمة الطبعة الثالثة من الكتاب بقلم إدغار موران، وإنما خصّص له مقدّمة تنقل إلينا أيّاماً سينمائية أمضاها ابراهيم العريس برفقة إدغار موران نفسه في طنجة.
وفيها نتعرّف إلى الأحاديث السينمائية التي دارت بين الكاتب والمترجم حول هذا الكتاب وحول مفهوم النجومية في السينما.
وينقل العريس رأي الكاتب الحالي من مفهوم النجومية التي لم تعد محصورة أبداً في زمننا بنجوم السينما: «اليوم لم يعد نجوم السينما ما كانوا عليه.
وليس فقط لأنّ نجوم الرياضة والتلفزيون وعارضات الأزياء وسيدات المجتمع صاروا جميعهم نجوماً تُضاهي «أساطير» السينما والغناء، بل كذلك لأننا، إذا أخذنا بقول آندي وارهول، سنجد أن التلفزة تحوّل فيها كلّ فرد في أيامنا نجماً ولو لربع ساعة من حياته». وأضاف أنّ «السينما نفسها تغيّرت كما تغيّر جذرياً مفهوم البطولة... والنجومية».

ومن فكرة المصائر التي ختم بها موران كتابه الشهير، ينطلق العريس ليضع أمامنا ملحقاً خاصاً تحت عنوان «ملحق المترجم» يُكمّل فيه خاطرة موران بأسلوب سلس ودقيق يُشعر القارئ بأنّه أمام كتاب سينمائي قائم بذاته وليس مجرّد ملحق في كتاب.

«نجوم السينما» الذي صدر للمرّة الأولى في فرنسا في سبعينات القرن الماضي لاقى الكثير من الرواج والنجاح وتلّقفته الأقلام الناقدة في الآداب والفنون باهتمام كبير لكونه يدرس «النجم» كظاهرة لها من الغرابة والخصوصية ما يجعلها مادة للبحث العلمي والنفسي والاجتماعي.

أمّا ابراهيم العريس في ملحقه، فلم يقف عند «النجم» كحالة خاصة بل اهتمّ بمصائر النجوم وتحديداً في النهايات التراجيدية التي عرفها بعض النجوم والتي كانت أحياناً سبباً إضافياً لتحويلهم إلى «أسطورة» بالمعنى الحقيقي للكلمة. فيستهلّ ملحقه بمشهد «الجنازة» الرهيبة التي أُقيمت لل«قنبلة البلاتينية» وواحدة من أولى نجمات السينما الأميركية جين هارلو.
فالشقراء الجميلة التي ماتت عن ستة وعشرين عاماً إثر مرض لم يُمهلها طويلاً صدمت أهلها وأصدقاءها وجمهورها بموتها المفاجئ، فراحوا يقيمون لها جنّازاً أشبه باحتفال ضخم لم تعرف هوليوود قبله إلاّ في وفاة رودولف فالنتينو ولن تعرف بعده إلاّ في رحيل نجوم من طراز جيمس دين وإلفيس بريسلي.
ثمّ يعرض بعدها مصائر نجمات كنّ يُجسدن في أزمانهن الجمال قبل أن ينتهي بهنّ القدر شابات راقدات تحت التراب أو عاجزات منسيات في منطقة هنا أو هناك من العالم.

وبأسلوب يُقابل بين «الصعود» و«الهبوط» و«المجد» و«التراجع» و«القمّة» و«الحضيض»، يروي ابراهيم العريس حكايا نجمات السينما العظيمات ليرصد نهاياتهن التي تجعلهن كخارجات من الميثولوجيا أو المسرح التراجيدي حيث تُمثّل «لعنة» القدر خواتيم حياة الأبطال والبطلات.
فينتقل من فيفيان لي إلى غريتا غاربو وريتا هايوارث وآفا غاردنر ورومي شنايدر، ثم مارلين مونرو التي تحولت من نجمة إلى أسطورة حيكت حولها الأخبار والحكايات في حياتها كما في مماتها.
فبعد حياة صاخبة انتقلت فيها مونرو من «الميتم» إلى استوديوهات هوليوود التي أضاءتها بجمالها ودلالها ولونها الذهبي الفتّان ليُصبح الرجال من بعدها «يُفضلّون الشقراوات»، انتهت مونرو جثّة هامدة في شقتها وهي مازالت في قمّة شبابها وجمالها ومجدها.
وربما يكون رحيلها المبكر هذا سبباً من الأسباب التي خلّدت مارلين مونرو في الذاكرة البشرية الحيّة مثلها مثل جيمس دين وإلفيس بريسلي وغيرهما...

ومن السينما العربية لم يختر ابراهيم العريس سوى سعاد حسني ليرصد حياتها كواحدة من النجمات اللواتي عرفن مصيراً تراجيدياً يوازي في قسوته مصائر النجمات الغربيات.
«حين مثلّت سعاد حسني أوّل أدوارها في «حسن ونعيمة» كانت في الثامنة عشرة، وحين مثلّت دورها في أهل القمّة، كانت قد بلغت الأربعين.
وتربعت بين هذين الفيلمين على عرش السينما المصرية... وإن كان رحيلها في لندن حصل بسبب انتحارها أو لأي سبب آخر، فيُمكن القول إنها عاشت، خلال السنوات العشر الأخيرة، حالة انتحار بطيئة ومؤلمة، منذ العام 1991، إثر الفشل الذي كان من نصيب آخر أفلام مثلّتها ومنها «الراعي والنساء» و«الدرجة الثالثة».

لماذا سعاد حسني وحدها دون غيرها من النجمات والنجوم في السينما العربية؟ لا يُمكن أن نذكر نجوما ونجمات لقوا مصائر طبيعية كالزواج والإنجاب والاعتزال أو الموت في سنّ متقدّمة بموازاة، نجوم كانت لهم مصائر تراجيدية بالمعنى الحقيقي للكلمة.
في العالم العربي لم يعرف أحدهم مصيراً تراجيدياً كالذي عرفته سعاد حسني. هذا ما يؤكّده ابراهيم العريس الذي وضع اسم سعاد حسني وحده بين نجمات العالم ذات النهايات المؤلمة.

سعاد حسني، النجمة التي عشقت وغنّت ورقصت وأدهشت الجمهور بأدائها وجمالها واستعراضاتها، قبل أن تتدهور حالتها الصحيّة والنفسية وتعيش مرحلة تبدّل مظهرها من «السندريللا» إلى المرأة السمينة والمتعبة.
«زوزو» التي أحبّها الجمهور العربي من الخليج إلى المحيط، هاجرت إلى لندن التي اختارتها عاصمة لعزلتها ووحدتها وكآبتها، وكانت تعاني يومياً ألم الخسارة... خسارة الشباب والجمال والنجومية والصحة والأهل، والوطن.
فانتهت رامية نفسها (أو مرمية) من طابق علوي في العمارة التي سكنتها لسنوات.

أي النهايات هي الأكثر تراجيدية: الغياب في أوج الشباب والعطاء والنجومية أم الشيخوخة وفقدان الجمال والمال والنجومية؟

عن هذا السؤال يُجيب العريس إجابة واضحة لا شكّ فيها. إنه يرى أنّ «الترهّل» الجسدي والنفسي هو أكثر إيلاماً بالنسبة إلى النجم الذي يصل إلى القمة ويُدمن الترف والسلطة ومحبّة الجمهور، ثمّ يجد نجوميته تهوي أمام عينيه بينما يُشاهد نجوماً، أكثر منه جمالاً وشباباً، يصعدون إلى القمّة التي تربّع عليها طويلاً.
أمّا الموت في أوج عطائه فيكون بمثابة تراجيديا لمحبيّه وليس له، وغالباً ما يحولّه هذا الموت المبكر والمفاجئ إلى أسطورة خالدة.