الدار البيضاء

مهرجان الدار البيضاء, مترو الأنفاق, المدينة العتيقة, مهرجان سينما الذاكرة المشتركة المغربي

10 يونيو 2009

 إنها مدينة تضج بالصخب الذي يجعل زائرها خاضعًا لديناميكية فريدة من نوعها، تدهشه بهندستها المعمارية الفريدة التي تطغى على شوارعها وأحيائها حيث الأبراج الشاهقة المغلّفة بالزجاج ذات النمط الأميركي العصري تحدق إليها فيللات متناثرة بين أقدامها جاءت هندستها على النمط الأوروبي، وكأنه تحدٍ صامت بين حضارتين على مدينة تنبسط غرب المملكة المغربية وعلى المحيط الأطلسي. ولعلّ فيلم «كازابلانكا» للمخرج مايكل كورتيز والذي قام ببطولته همفري بوغارت وأنغريد برغمان، يوم كانت شاشة هوليوود أربعينات القرن الماضي بلونيها الأبيض والأسود، يعكس سحر مدينة لعبت تيارات سياسية أدواراً في تشكيل معالم مستقبلها. فكانت شاهداً على المشروع الفرنسي والمشروع الأميركي الاستعماريين والتيار التقدّمي المحلي.
ومهما كان الصراع التاريخي فإن كازابلانكا ما زالت حسناء مغربية تعبق بالسحر الأندلسي يعب من زرقة الأطلسي الذي ترتاح أمواجه على شاطئها اللؤلؤي فتذوب في جسد مدينة لا تملّ حكايات البحر وأسراره.
واسم كازابلانكا أو الدار البيضاء حديث العهد، فحول الهضبة التي لا تزال تعرف باسم أنفا كانت في العصور الوسطى مدينة صغيرة بربرية تتواصل مع الأسبان  والبرتغاليين من خلال مرفئها البحري الذي كان يضم أيضًا أسطولاً بحريًا صغيرًا للقراصنة الشرعيين. إذ كان في إمكان هذا الأسطول مصادرة سفن العدو التجارية، مما جعل البرتغاليين يقررون تدمير المرفأ، فهاجموا المدينة عام 1468 ودمرّوها وأخلوها من أهلها فأصبحت تشبه مدينة الأشباح مدة ثلاثة قرون.
وُلدت المدينة من رحم التاريخ مرة جديدة في القرن الثامن عشر خلال حكم السلطان محمد بن عبد الله، وغيّرت اسمها إلى الدار البيضاء. بيد أن الأوروبيين لا يزالون ينادونها كازابلانكا . ومهما يكن فهما اسمان لمعنى واحد.
في منتصف القرن التاسع عشر ومع تحوّل النقل البحري إلى السفن البخارية، شهدت المدينة حركة تجارية تجاه أوروبا بتصدير الحبوب والصوف. وفي بدايات القرن العشرين شهدت المدينة ولادة ثالثة وأصبحت مقصد الاستثمارات الأوروبية، فانتعشت الحركة التجارية فيها. 

ساحة الأمم المتحدة

تعتبر ساحة الأمم المتحدة مهد دار البيضاء العصرية. هنا، تحت أسوار المدينة العتيقة كان في بداية القرن العشرين سوق قديم أصبح قلب المدينة النابض، تتفرع منه شرايين الحركة التجارية. ففي شارع الحرس الملكي تجتمع المصارف ووكالات السفر وتنتشر دور السينما والمطاعم والبوتيكات الراقية في بولفار محمد الخامس الذي يتفرع منه بولفار الأديب الفرنسي فيكتور هوغو.

حي حابوس: الحداثة وشغف التراث

عند جنوب الدار البيضاء وخلف القصر الملكي يقع حي حابوس الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1923 وكان يعرف بالمدينة الجديدة. لم يكن الهدف من بنائه الفصل بين الأحياء المغربية والأوروبية، وإنما بناء مدينة حديثة على الطراز المغربي التقليدي الذي يتميّز ببوابته ومساجده وشوارعه الصغيرة. وقد  صمم بناء هذا الحي المهندس الفرنسي ميشال إيكوشار الذي ساهم أيضاً في التخطيط المُدني لمدينتي بيروت ودمشق. وعلى طول شوارع الحي  وحول الساحات تصطف القناطر حيث توجد البازارات التي تعرض الأعمال الفخارية والنحاسية والملابس التقليدية، إضافة إلى المكتبات. كما يضم الحي «المحكمة»، وهو معلم أثري يتميّز بالقباب المزخرفة بالفسيفساء الأخضر وقد شيّد على نمط الهندسة المعمارية المغربية. ويقع في مقابل «المحكمة مسجد محمد الخامس الذي تحيطه حديقة غنّاء تعكس شغف المغاربة بالطبيعة».

أنفا حي يراقب أمجاده ببهاء

على هضبة تشرف على الدار البيضاء يقع حي أنفا الراقي الذي شهد التنافس الحاد بين الحضارتين الأوروبية والأميركية. فمع نزول الحلفاء في الدار البيضاء خلال الحرب العالمية الثانية عام 1942 ازدهرت حركة المدينة الاقتصادية، وتراجعت الهندسة المعمارية التقليدية أمام النمط الأميركي، فارتفعت ناطحات السحاب، وشُيدت بيوت البرجوازيين على نمط البيوت في كاليفورنيا. يتميز الحي بحدائقه الغناء وشوارعه العريضة. ويعتبر فندق أنفا من أشهر الفنادق، ففيه أقيم مؤتمر الدار البيضاء في كانون الثاني/ يناير 1943 والذي أعلن خلاله تشرشل وروزفلت الانسحاب من النورماندي الفرنسية. ومنذ ذلك الوقت أصبح لأميركا دور في منطقة شمال أفريقيا.

المدينة العتيقة حنين يقف عند بوابة التاريخ

تعكس المدن العتيقة جزءاً أصيلاً في حضارتنا العربية، فهي الحنين الذي يسكن ذاكرتنا التاريخية ليأخذنا إلى عالم بسيط نحتاج إلى الهروب إليه  بين الحين والآخر من حاضر يصخب بتعقيدات لا تنتهي. والمدينة العتيقة في الدار البيضاء نموذج مثالي لمن يريد خوض تجربة الهروب هذه. الولوج إليها يكون عبر بوابة مراكش أولى الخطوات نحو السحر الأندلسي حيث تستقبلك بسطات متلاصقة فرشت عليها أجمل الأعمال الحرفية تنافسها روائح البهارت الحرّيفة التي يشتهر بها المغرب وتتراقص فوقها العباءات المغربية، مما يشعر المتجوّل بأنه وسط كرنفال تتيه فيه الحواس.