جبل المكمل اللبناني

سفرجل, سياحة, فيروز, بلد السياحة, جبل المكمل اللبناني, شمال لبنان, قمّة القرنة السوداء, جبال لبنان, وديع صعب, القيادة الجبلية, رياضة الانقضاض, سعيد عقل, قصيدة لبنان

24 نوفمبر 2009

في شمال  لبنان يقف جبل المكمل بشموخ حيث الغيم لا يستطيع أن يعانق الأفق الأزرق بل يسبح تحت قمّة القرنة السوداء التي يبلغ ارتفاعها ٣٠٩٣ متراً عن سطح البحر، مما يجعل الصعود إليها مغامرة في أحضان جبال لبنان وأوديته حيث يتنفس الصباح نسائم تعبق بشذا أشجار السرو السنديان، فينبلج نوره على أرز اختار لبنان منبته منذ أن كان.

أخبرني زميلي  وديع صعب عن رحلته إلى القرنة السوداء. وقال: «عبرنا الطرق الإسفلتية بسيارات رباعية الدفع إلى أن بدأنا ندور في دروب جبلية ضيّقة تجبرك على القيادة بحذر وكأنها تأمرك بأن تتأملي خلال ساعتين عالماً عذرياً يضج بجمال طبيعي مهيب يقطع الأنفاس. كل شيء هنا لا يزال على سيرته الأولى، وحتى سكّانه من بني البشر ليسوا سوى مجموعة ضئيلة من الرعاة  بنوا أكواخاً متواضعة حُشرت بين الأحراج تقيهم البرد المتسرب من القمم.

بعد حوالي الساعتين وصلنا إلى القمة، ورغم أننا في شهر آب/ أغسطس كانت روابي القرنة السوداء الصغيرة لا تزال مكلّلة ببساط من الثلج الأبيض الذي أفلت  من حرارة الشمس التي تحاول بكل ما استطاعت كسر حدة البارد القارس وكأنهما في صراع مناخي. والحمد لله أننا كنًا مستعدين للبرد فارتدى كل واحد منا سترة تقيه إياه.

هنا في قمة القرنة السوداء يأتي هواة القيادة الجبلية ليعيشوا مغامرة القيادة في  الطريق الوعرة الصخرية، فتجدين سيارات رباعية الدفع تدور في المكان متحدية كل الأخطار. أما هواة رياضة الانقضاض من المرتفعات  الجبلية (Parapante) ، كانوا يحلّقون في الفضاء متحدين الطيور الجارحة التي اختارت أوكارها في صخور تنظر إلى السفوح التي تبدو بحراً من الألوان الجبلية.
لم أتمالك نفسي ورحت ألتقط الصور، وبين الحين والآخر أتنفس الصعداء، فالمشهد مهيب يعز نظيره في العالم، إلى درجة أني كنت أشعر بأن كاميرتي عاجزة عن نسخ هذا الجمال في ذاكرتها، فأحاول قدر الإمكان ألا أفوّت تصوير مشهد قد ينفلت من أبعادها الثلاثية".أنهى زميلي  وديع حديثه قائلاً: «أتعرفين إن مغامرة اكتشاف روائع لبنان جعلتني أعيد التفكير في رغبتي في السفر إلى العالم الذي يسكن خلف البحر؟. هل سأستمتع بالتصوير كما أستمتع هنا! لا أدري، ولكن المؤكد أنني لم أعد أحسدك على رحلاتك السندبادية حول العالم».

أما أنا فرددت عليه بعض أبيات سعيد عقل «قصيدة لبنان» التي غنّتها فيروز:

من أين يا ذا الذي استسمته أغصان
إن  كنت من غير أهلي لا تمر بنا
و من أنا لا تسل سمراء منبتها
لي صخرة علقت بالنجم أسكنها
توزعتها هموم المجد فهي هوى
أهلي و يغلون يغدو الموت لعبتهم
من حفنة و شذا أرز كفايتهم
هل جنة الله إلا حيثما هنئت
هنا على شاطئ أو فوق عند ربى
كنا و نبقى لأنا المؤمنون به

 

من أين أنت فداك السرو و البان
أو لا  فما ضاق بابن الجار جيران

في ملتقى ما التقت شمس و شطآن

طارت بها الكتب قالت تلك لبنان

وكر العقابين تربى فيه عقبان

إذا تطلع صوب السفح عدوان

زنودهم  إن تقل الأرض أوطان

عيناك كل اتساع بعد بهتان

تفتح الفكر قلت الفكر نسيان

وبعد فليسع الأبطال ميدان