الفنانة الهندية دبجاني بهاردواج: “تشكيل” يحفز الفنان على تقديم أعماله بأعلى المعايير

كارولين بزي 20 أكتوبر 2018
عاشت الفنانة الهندية دبجاني بهاردواج، لعقد من الزمن بين الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، واستضاف مركز “تشكيل” في دبي في العام 2011 أول معرض منفرد لها، وحمل عنوان “مغزل مكوك إبرة”. بعد سبع سنوات، تعود بهاردواج إلى “تشكيل” بمعرضها الجديد “قصص تُروى”، فهي بدأت رحلتها الفنية في العام 2008 من المركز نفسه، الذي يسعى الى تحفيز الفنانين على تقديم أعمالهم الفنية بأعلى المعايير. وتتمحور قصص الفنانة حول المرأة القوية والحكيمة، وتعتبر أن الفضول دفعها الى اكتشاف الحكايات الشعبية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بثقافة البلدان التي عاشت فيها. في هذا الحوار، تتحدث بهاردواج عن دور “تشكيل” في تكوين شخصية الفنانة لديها، وعن “مغزل مكوك إبرة” و”قصص تروى”، وعن مقاربتها للإنسان المعاصر والتقليدي، لا سيما في كل من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، إضافة إلى دور المرأة في أعمالها الفنية.

- تم تنظيم معرضك الأول في “تشكيل” في العام 2011، واليوم تعودين بعد 7 سنوات، ما الذي تغيّر؟

استضاف “تشكيل” المعرض المنفرد الأول لي “مغزل مكوك إبرة” في العام 2011. وهو لشرف لي أن يتم اختياري مجدداً للمشاركة في برنامج “الممارسة النقدية” في “تشكيل” بمعرض “قصص تُروى”. سعيدة للغاية منذ أن بدأت في “تشكيل” رحلتي الفنية في العام 2008، وأيضاً لأن المعرض انتقائي في ما يتعلق بنوعية الأعمال الفنية التي ستُعرض هنا. يحفز مركز “تشكيل” الفنانين دائماً على الحفاظ على أعلى المعايير، سواء من حيث المفهوم أو التنفيذ. أنا متأكدة من أن كل فنان مرتبط بهذا المعرض ممتنٌّ جداً لهذا التحدي لأنه يؤدي إلى نضوج تجاربهم الفنية.

- ما الفرق بين “مغزل مكوك إبرة” و”قصص تُروى”، كيف تغيّر أسلوبك؟

المعرضان يتميزان بالنمط السردي أو الروائي. “مغزل مكوك إبرة”، تناول قصصي الشخصية، بعضها حقيقي وبعضها خيالي، سردتها بطريقة متوازية بين الخيال والحقيقة. وبالنسبة الى “قصص تُروى”، هي عبارة عن ترجمة لبعض الروايات التقليدية من الخليج العربي، أو قصاصات من روايات حول عدد كبير من الناس استوعبتها وقدمتها بطريقتي. في “مغزل مكوك إبرة”، عرضت أعمالاً مطبوعة، ومنحوتات من السيراميك يدوية الصنع، بينما في “قصص تُروى” استخدمت طبقات عدة من الورق. المعرضان يظهران حبي للطراز القديم، وكثافة العمل الفني فيه.

- ما القصص التي تروينها من خلال المعرض؟

أروي قصصاً عن الخليج العربي. هناك ثلاثة أنواع من الحكايات الشعبية، تلك المتأثرة بالطبيعة الخارقة، وبالخيال، وتلك التي يؤدي فيها الأبطال أعمالهم البطولية، أما النوع الثالث حيث تُواجه الشخصيات المركزية بظروف متنوعة، ولكنها تتمكن من الانتصار بسبب نقاوتها وإيمانها وعزمها الداخلي. لا نلمس لديها البراءة فقط، بل نتعرف في الحكايات الشعبية على شخصيات خيرة، وشيطانية، الغيرة والعقول السادية أيضاً تثبت وجودها في القصص، فهذه الحكايات مثيرة للاهتمام بسبب أبعادها النفسية والثقافية. وطريقة سرد القصص مسرحية، وذلك باستخدام الضوء والظلال والتركيب التفاعلي.

- ما وجه الشبه بين حالات الإنسان المعاصر والقصص التقليدية من الإمارات العربية المتحدة وعمان؟

الفولكلور هو انتقال للوعي الجماعي للمجتمع والاتجاهات البشرية التي ظلت على حالها على مر السنين. هناك أعمال انتقامية، غيرة، خوف، جشع، خرافات وجوع للسلطة، التي نجدها في هذه القصص التقليدية ولا نزال نشهدها حتى الآن. إن الخرافات ووأد المواليد والعداوات الشخصية هي أخطار متكررة وضحاياها يبتكرون طرقاً لمعارضتها. كما تعارض النساء السلطة الذكورية من خلال المثابرة والقوة والحكمة. هذه الروايات تنقل رسائل متعددة عن مقاومة الواقع والأمل في الهروب منه.

- لماذا اخترت الإمارات العربية المتحدة وعمان لإجراء هذه المقاربة؟

لأنني عشت في الإمارات وعمان لأكثر من عقد من الزمن، وأردت أن أغوص أكثر في عمق ثقافة هذه المنطقة. حاولت أن أستكشف خبرات الكون من خلال شخصيات قد تكون خيالية، لكن يعيش مثل هؤلاء الأشخاص بيننا. تنتقل الروايات الشعبية من خلال السرد الشفوي، وهي جزء من التاريخ والأعراف الثقافية للمجتمع. تختلف الروايات باختلاف الأماكن والتجمعات، والتي تتضمن درجة ولو بسيطة من الحقيقة. كنت أشعر بالفضول لمعرفة المزيد عن هذه القصص التي تمثل الناس الذين يعيشون في هذا المكان. حاولت أن أشاهد هذه الروايات من خلال عدسة حديثة وعرضها في شكل لغة بصرية.

- ما أكثر القصص التي تلهمك؟

القصص التي تثير اهتمامي تلك التي تساعد الناس بذكاء على فهم الظواهر غير المبررة، مثل الكوارث الطبيعية وتعليم الأطفال توخّي الحذر، بدلاً من إصدار التوجيهات الصارمة، وبالتالي نقدم هذه التحذيرات بشكل بسيط وهزلي. كما أنه غالباً ما تكون هناك تفسيرات معقولة لما يبدو أنها ظواهر ما قبل طبيعية تدعم هذه الحكايات، مثل قصة “سلامة وبناتها”، أو على سبيل المثال شخصية “دجين”، نصف الإنسان ونصف الحيوان، وهي مخلوق شرير يظهر للأطفال الذين يلعبون تحت أشعة الشمس وقت الظهيرة، وبالتالي الحكمة من القصة أن يبقى الأطفال في أمان في منازلهم عندما ترتفع درجات الحرارة في فترات الظهيرة.

- ما أول قصة لك في سلسلة “قصص تُروى”؟

هي قصة متكررة في معارضي وتتناول “أم الدويس”، وهي حكاية لشخصية خارقة للطبيعة، إذ تمارس “دجين” الانتقام المميت، فهي امرأة جميلة جداً ويمكنها أن تتحول إلى دجين، أي إلى شخصية من نصف إنسان ونصف حمار مع سيف حاد في إحدى يديها. تغري الرجال المتزوجين بجمالها ورائحتها العطرة، ثم تقتلع حناجرهم بسيفها لأنهم غير مخلصين لزوجاتهم. وكان لهذه الشخصية تأثير قوي فيّ، الى درجة أنها ظهرت في العديد من أعمالي الفنية.

- ما المساحة التي خصّصتها للمرأة في هذا المعرض؟

رواياتي تتمحور حول المرأة، وتلعب النساء أدواراً رئيسية في أعمالي الفنية. تتحلّى النساء في الحكايات الشعبية التي تناولتها بالقوة والحكمة والدهاء. هؤلاء النساء لديهن القدرة على تغيير أوضاعهن المعاكسة للواقع والخروج منتصرات في النهاية، مثل روايات :No Safe place to Hide، Night in a Deep Well ...