مدينة 'دبي'

كأس دبي العالمي, برج دبي, دبي مول, الغولف

09 يونيو 2010

قبل هبوط الطائرة في المطار، كنت أتحدّث إلى السيدة اللبنانية التي تعيش في دبي منذ أكثر من عشرين عاماً وأردت أن أعرف منها ما إذا كانت هذه المدينة النابضة بالحياة هي حقاً كما نسمع عنها، علّني استشف شيئاً عن شكل الأيام الأربعة التي سأمضيها هناك. فلم تعطني جواباً محدداً، بل اكتفت بالسؤال عن مكان إقامتي خلال هذه الرحلة، فأجبتها بحماسة: «بارك حياة». عندها استعجلت الإجابة قائلة «انّه مكان رائع... لا بدّ أنك سوف تستمتعين برحلتك وقد تكررين الزيارة قريباً». هذه الجملة جعلتني أتفاءل بالرحلة وضاعفت لهفتي للوصول إلى دبي والبدء بمغامرة جديدة في مدينة طالما سمعت عنها ولم يسبق لي أن زرتها.


بداية المغامرة في «بارك حياة»
في المطار كانت تنتظرنا سيّارة Lexus بلونها الأسود الراقي لتنقلنا إلى وجهة الرحلة الأساسية «بارك حياة». وفي أقلّ من عشر دقائق وصلنا إلى الفندق بعدما مررنا بطريق طويل خاص تُحيطه الأشجار المضاءة ليلاً.

وما إن نزلت حتى رأيت صفّين من المضيفين يتوزعان على يمين الباب الخارجي ويساره، جميعهم يلقون التحيّة بلغتهم الإنكليزية ذات اللكنة الشرق آسيوية مع ابتسامة طيبة تمنحك منذ البداية شعوراً بالثقة والراحة والأمان.
ورغم أنني طالما آثرت الليل على النهار والسهر على النوم، فإنّ المنظر الساحر الذي رأيته من على شرفة الجناح المطلّ الذي نزلت فيه دفعني لمناشدة النهار بالبزوغ كي أتمكن من كشف سحر الطبيعة المختبئة تحت عطاء الليل المظلم. إذ أنّ كلّ ما أمكنني رؤيته عبر انعكاس ضوء القمر على البحر كان ذاك المدى الأسود اللامتناهي الذي اتخذّت منه اليخوت مسرحاً للرقص والتنزّه. لم يشدّني المنظر فحسب بل سحرتني الرائحة الطيبة التي تفوح من كل الأشياء المتناثرة في الجناح: «الشموع، الكريمات، المعطرّات»، وإذا بي أجدها جميعها موقعة باسم Blaise Mautin المصمم الحصري لعطور مجموعة «حياة» العالمية للفنادق.
كان عليّ أن أستيقظ عند التاسعة صباحاً للإنطلاق في البرنامج الذي حضرّته لنا مديرة التسوّق في فندق «بارك حياة»، إلا أنّ صوتاً أشبه بموسيقى فردوسية أوقظني من نومي غير العميق، فأسرعت في فتح ستار الغرفة لمعرفة مصدر ذاك الصوت العجيب، وإذا بي أجد أنّ الجمال كلّه الذي كان يقبع ليلة أمس تحت الحجاب الأسود قد تجلّى مرتدياً ثوباً تتماوج ألوانه بين الزهري والبنفسجي.

ومن سحر المشهد انطلقت من فوري لإحضار الكاميرا خوفاً من أن ينجلي هذا الضوء الشحيح ويحلّ مكانه نورٌ أكثر قوّة وسطوة. كانت حاسة النظر المتحكّمة الوحيدة فيّ وكان كلّ همّي في تلك اللحظة تخليد هذا المنظر المدهش بألوانه الزاهية في ساعات الفجر الأولى. وما هي إلا دقائق حتى استعادت باقي حواسي فعاليتها وإذا بي أسمع ذاك الصوت الشجيّ المنبعث من وسط الأشجار التي تلّف المكان من كلّ اتجاه. إنها زقزقات الطيور التي اتخذّت من حدائق منتجع «بارك حياة» الصحي مقرّاً لها. عندها أيقنت منذ اليوم الأوّل أنّي موجودة في مكان استثنائي في قلب مدينةٍ إستثنائية تعزف على أوتار حواسي ليجعلني أعيش متعة حقيقية لامتناهية.

«أمارا سبا»... متعة الراحة والإسترخاء
بعد وجبة فطور لذيذة في مطعم «بارك حياة» الرئيسي «أرابيسك»، انطلقنا إلى منتجع «أمارا الصحي» الذي يحتوي على 8 أجنحة منفصلة لكلّ منها حديقة خاصة، تُشعر الضيف براحة نفسية كبيرة حتى قبل أن تبدأ المعالجة الفيزيائية الآسيوية علاجها المحترف الذي يمنحك راحة جسدية لا مثيل لها. فخرير المياه المتدفقة من الشلالات الصغيرة والبرك المائية المسطحة وظلال الأشجار المتنوعة والمتوزعة حول مركز «أمارا» ورائحة العطور الخشبية المنبعثة من أجنحة المركز، جعلتني أشعر بأنني في رياضٍ غنّاء تتنشّق فيها كلّ أسرار الصحة والمتعة والجمال.

بعد دخولي الجناح المخصّص لي،  جاءت المدلّكة التايلندية جون وهي تحمل وعاء عميق فيه ماء ممزوج بمطيبات ذات رائحة جميلة ومليء بورق الورد الجوري الجميل، وبدأت علاج القدمين مدّة 15 دقيقة. ومن ثم دخلت الصالة الداخلية وتمدّدت على سرير أبيض عال حيث أمضيت ساعة من العلاج الطبيعي خبرت خلالها معنى الراحة والمتعة والإسترخاء. إلاّ أنّ مفعول الساعة التي أمضيتها في مركز أمارا سبا الصحّي كان كالمخدّر الذي شلّ حركتي وأغرقني في نوم عميق لمدّة ساعتين متتاليتين.

تجربة التسوّق الفريدة في أجواء فخمة ومريحة
أهم ما يميز «بارك حياة دبي» هو موقعه الجغرافي المتفرّد بإطلالته البحرية الساحرة وهدوئه المُلهم وقربه من مرافق الأعمال الرئيسية ومراكز التسوّق في دبي. وهذه العلامة جعلت الفندق نقطة جذب للسيّاح ورجال الأعمال الباحثين عن الخصوصية والخدمة الشخصية الفائقة ومعايير الفندقة والضيافة العالمية الرفيعة طوال اقامتهم.
في اليوم التالي كنت أكثر المتحمسين لزيارة محلات «ساكس فيفث أفنيو» في مركز برجمان لكثرة ما سمعته من شقيقتي الموجودة في نيويورك عن أهمية هذا المتجر العالمي وفخامته. إذ يُعدّ محل ساكس فيفث أفنيو الرمز المثالي لنمط وذوق نيويورك، وقد افتُتح عام 2004 في دبي ليكون المتجر الأكبر خارج الولايات المتحدة والثاني المرخّص له من ساكس عالمياً.

ويُغطّي المتجر مساحة 80 ألف متر مربع مقسمة على طابقين: الطابق الأول مخصّص لمستحضرات التجميل والعطور والهدايا والمجموعات المعاصرة وبوتيك دي أند جي والمتجر والصالة المخصصة للرجال ومصممي النظارات الشمسية وملابس الأطفال.
أمّا الطابق الثاني فتجتمع فيه كل محلات ومجموعات مصممي الأزياء الأفراد، بالإضافة الى القسم المخصص للزفاف وصالون الأحذية والحقائب اليدوية والملابس الداخلية، فضلاً عن قسم كبير مختص بالمجوهرات الراقية، حيث عُرضت أمامنا الساعة التي تعد من الأغلى في العالم والتي تصل قيمتها الى 800 ألف دولار أميركي بعدما اشترى القطعة الأولى منها رجل أعمال أنغولي.  كما تتضمن المتاجر الفردية الكثير من الماركات العالمية الراقية مثل دولتشي أند غابانا وديور وتيفاني ومانولو بلانيك وغيرها...
إنك ترى نفسك في مركز برجمان وتحديداً في محلاّت ساكس فيفث أفنيو مدعواً الى تجربة تسوّق فريدة في جوّ رائع يمزج بين الفخامة والراحة.

السهر في المدينة التي لا تنام
بعد تناول وجبة عشاء لبنانية غنية في مطعم «أوتار» في فندق «غراند حياة»، قرّرنا التجوّل في مدينة دبي ليلاً، وقصدنا «سوق البحر» حيث تكثر المطاعم والمقاهي على جانبي البحر، مقابل «برج خليفة» المعروف.

حركة السيارات كانت خفيفة، فاعتقدت أن تأخر الوقت كان السبب في ذلك. ولكن ما إن وصلنا إلى المكان المنشود حتى بدأنا نسمع أصوات المياه المتدفقة من «النوافير» الممحيطة بالبرج الأطول في العالم تتداخل وأصوات الزوار المكتظين في الداخل. أردت اكتشاف ذاك المكان المختبئ وراء مدخل «سوق البحر» الكبير بكل حواسي. وما إن دخلت حتى رأيت مشهداً اعتقدته في بادئ الأمر حلماً، ولم أعرف ما الذي عليّ تصويره أولاً. هل أصوّر «برج خليفة» الذي لا يبعد عنّي سوى أمتار أم أرصد منظر المياه المتدفقة عمودياً نحو السماء بخفّة الضوء أم أنني أركّز على أولئك الناس الذين يختلفون في ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم ويجتمعون معاً في المكان نفسه؟ والطريف أن الناس هناك يبذلون المجهود نفسه لرفع أصواتهم حتى يتمكنوا من سماع بعضهم البعض وسط زحمة المكان. إنّ ليل دبي في «سوق البحر»، ذكّرني بليل فيروز في «عودك رنّان» عندما غنّت: «الليل مش للنوم أصل الليل للسهر...».

نادي الغولف واليخوت: الترفيه اللامحدود
صباح اليوم التالي، ارتدينا ملابسنا الرياضية وصعدت وزملائي الصحافيون الأربعة في السيارة الكهربائية التي أوصلتنا إلى نادي الغولف واليخوت، حيث كانت بانتظارنا مديرة النادي وأستاذ الغولف البريطاني المحترف والمؤهل من «بي جي إي»، الذي رافقنا إلى ملعب يحتوي على تسع حفر، مخصّص لتعلّم الغولف على أصولها من طريقة مسك العصا وتثبيت الكرة إلى كيفية ضرب الكرة ووضعها في الحفرة.

ومن ثم انتقلنا إلى غرفة مقفلة مليئة بصور نجم الغولف العالمي تايغر وودز، حيث قمنا بتدريبات خاصة على التعامل مع الجسد أثناء اللعب، هذا إلى جانب جهاز كمبيوتر يُسجّل قوّة الضربة لدى كلّ شخص ويُعيد المشهد بإيقاع أبطأ للإستفادة من الأخطاء التي يُمكن أن نرتكبها في أداء هذه اللعبة.
 وبعدها، انتقلنا إلى ملعب البطولات الأساسي الذي يضمّ 18 حفرة وثلاث بحيرات للزينة وكذلك ثلاثة موانع مائية لزيادة الصعوبة، كجزء من المزايا التي يضمها الملعب.

إلى جانب عدد من المطبات الذكية على امتداد المسالك النظيفة والمرتبة التي تزيد مستوى التحدّي لدى اللاعب الهاوي والمحترف. وتُعتبر المساحات الخضراء الشاسعة إحدى أهم خصائص نادي الغولف، إلى جانب مرسى بحري يتسع لـ 115 زورق. وبعد ساعتين قضيناها في أكاديمية الجولف، أكملنا سيرنا إلى نادي اليخوت حيث تعرّفنا إلى المكان وقصدنا مطعم «أكواريوم» الذي يُعتبر من أهم وأرقى المطاعم البحرية في دبي. وهو على شكل زورق، ويجمع بين تصميمه الرائع وإطلالته على خور دبي وبحره الخلاّب وتقديمه لأشهى أنواع الأسماك والأطباق البحرية.

رحلة مشوّقة بين البحر والسماء
وجهتنا الأخيرة كانت نحو الطائرة المائية Seawings، وكانت هذه الرحلة أكثر ما يشغل بالي خلال وجودي في دبي لأنني أخاف المغامرات الجوية. إلاّ أنني ما إن صعدت فيها وأحسست بها تتراقص على سطح الماء حتى انتابني شعور غريب من الفرح والحماسة والتشويق. ففكرة الوجود في طائرة تتهادى على سطح البحر كطفل صغير كانت جديدة ومفرحة بالنسبة إليّ.

 كنّا نتأمّل خور دبي عن كثب عبر نوافذ الطائرة المائية، ولكن ما هي إلاّ دقائق حتى زادت سرعة الطائرة بشكل فائق وطارت من على سطح البحر نحو السماء، الأمر الذي أشعرني بشيء من الخوف ودفعني لإقفال عينيّ. وعندما استقرّت سرعة الطائرة في الجوّ فتحت عينيّ بتثاقل وإذا بي أجد نفسي قرب قمّة «برج خليفة»، أعلى برج في العالم.

المشهد كان أشبه بالحلم، وغرابة التجربة أنستني الخوف وجعلتني أتشوّق لأعيشها بكلّ تفاصيلها، لذا سارعت في اتخاذ الكاميرا وبدأت بالتقاط الصور التي تُبرز جمال المدينة بأبنيتها الشاهقة وطرقاتها المنظمّة وصحرائها النائية ومشاريعها الضخمة...
 إنّ رؤية دبي من الأعلى في وضح النهار هي بالفعل تجربة فريدة تجعلك تُدرك قيمة هذه المدينة التي يُخيّل إليك من فوق أنّها عبارة عن مجسّم أو لعبة Puzzle صُفّت عماراتها وأبراجها وطرقها وحدائقها لتُكوّن مدينة استثنائية على كلّ الأصعدة.

وبعد 40 دقيقة بين البحر والسماء بقيادة الطيّار الكندي المحترف، عادت Seawings إلى مرساها في نادي اليخوت وظلّت الذكرى الجميلة التي خلّفتها هذه الرحلة عالقة في رأسي بعدما دعتنا إدارة «بارك حياة» لخوض تجارب فريدة تُزاوج بين الرفاهية والترفيه والرقيّ والحماسة والإثارة والتشويق... منتجع «بارك حياة- دبي» يصحّ فيه القول إنّه واحة للهدوء والسكينة والأناقة في قلب مدينة تنبض بالحياة...