ليالي رمضان لا تحلو...

الخليج العربي, شهر رمضان, مسحراتي

02 أغسطس 2012

نشيد محبب يرافقه إيقاع الطبلة، ينادي به شخص كرّس شهرًا من حياته ليوقظ الناس في ليالي رمضان الكريم لتناول سحورهم.
إنه المسحّراتي الذي يعتبر شخصية تقليدية لا يمكن الاستغناء عن حضورها الرمضاني مهما ابتكرت التكنولوجيا الحديثة أدوات وتقنيات لتحل مكانه.
فالمسحراتي هو هذه الشخصية الشعبية المحببة إلى قلوب المسلمين، أينما وجدوا، والمحفورة في ذاكرة تاريخهم، لا يزال الصغار والكبار ينتظرون قرع طبلته التي تسبق نداءه معلنة أن المسحرّاتي يمرّ بحيّهم أو زقاقهم أو شارعهم يدعوهم إلى السحور، فمن دونه لا يكتمل مشهد رمضان الكريم.

ولظهور شخصية المسّحراتي تاريخ يرافق بدايات التاريخ الإسلامي.
ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم، كان المسلمون يستيقظون على أذان بلال بن رباح ليتناولوا السحور، ويمتنعون عن الطعام عندما يؤذن عبد الله بن أم مكتوم، وفي مكّة كان الزمزمي ينادي من أجل السحور، وكان لديه طريقة خاصة في إيقاظ الناس، إذ كان يرخي طرف حبل في يده يتدلّى منه قنديلان كبيران حتى يرى نورهما من لا يستطيع سماع ندائه من مئذنة المسجد.
ومع قيام الدولة الإسلامية، يذكر المؤرخون أن شخصية المسحّراتي ظهرت في عصر الدولة العباسية في عهد الخليفة المنتصر بالله عندما لاحظ والي مصر عتبة بن اسحاق أن الناس لا يتنبّهون إلى وقت السحور ولا يوجد من يقوم بمهمّة إيقاظهم، فتطوّع وصار يطوف في شوارع القاهرة لإيقاظ أهلها وقت السحور من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط ، وكان ذلك عام 282 ميلادية، مناديًا الناس: «عباد الله تسحّروا فإن في السحور بركة».
وفي عصر الدولة الفاطمية أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمرًا لجنوده بأن يمرّوا على البيوت ويقرعوا على الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور.

ومع مرور الزمن كُلّف شخص بهذه المهمّة ويعرف بالمسحّراتي.
ويذكر المستشرق والرحالة الإنكليزي إدوارد لين الذي زار مصر في القرن التاسع عشر أن نساء الطبقة الوسطى في العصر العباسي كن يضعن نقودًا معدنية داخل ورقة صغيرة ملفوفة ويشعلن النار بطرفها ثم يلقين بها من المشربية إلى المسحراتي حتى يرى مكانها، وما أن يأخذها يرتفع صوته بالدعاء لأصحاب البيت ويقرأ الفاتحة، وينشد بعضًا من المدائح النبوية ولارتفاع صوته يصحو الجيران وأول سيدة تستيقظ تنادي جاراتها.مسحّراتي مصر
طوّر المصريون أسلوب المسحراتي في إيقاظ الناس على السحور، فبدل استعمال العصا والقرع بها على الأبواب، ابتكروا الطبلة ليقرعها أثناء مناداته للسحور، وكانت هذه الطبلة تسمّى بازة، وهي طبلة صغيرة الحجم يقرع المسحراتي عليها إيقاعات منتظمة، ثم تطوّر أسلوب المسحّراتي وصار يستعمل طبلاً كبيرًا أثناء تجواله في الأحياء والأزقّة ويشدو أشعارًا شعبية خاصة بالمناسبة.
وفي ما بعد صار يرافق المسحرّاتي مجموعة أشخاص معهم طبل بلدي وصاجات وينشدون أغانيَ وأشعار من أشهرها:

إصحى يا نايم وحّد الدايم
وقول نويت بكرة إن حييت
الشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم...
وصار المسحرّاتي شخصية شعبية يحبّها الأطفال الذين كانوا يتحلّقون حوله حاملين الفوانيس ويغنون:
حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو
فك الكيس وادينا بقشيش
يا تروح ما تجيش يا حالو...

مسحّراتي السودان
في السودان يطرق المسحراتي على الأبواب وبرفقته طفل صغير يحمل فانوسًا ودفترًا ينادي أصحاب البيت بأسمائهم.

مسحراتي لبنان
لا يزال اللبنانيون متمسكين بشخصية المسحرّاتي الموروثة من عصر المماليك، حين كان أغلب الذين تولوا هذه المهمة من المتصوفين والدراويش، طمعًا بالثواب والتقرّب من الله.
ولكل حي وشارع من مدن لبنان التي تكون غالبيتها مسلمة مسحراتي من أبناء المنطقة يورث هذه المهمة لأبنائه من بعده، والمسحراتي اللبناني يجول في الشوارع والأحياء ويقرع الطبل ويكون برفقته شخص أو إثنان يتداولان قرع الطبل والمسحراتي ينادي.
وفي الأيام العشرة الأخيرة من رمضان يتلقى من الناس إكراميات أو ما يعرف باللهجة اللبنانية بالـ «عيدية».
حين يبدأ بجولة بعد صلاة العشاء والتراويح فيصعد إلى البيوت ويقف عند كل باب ويبدأ الأناشيد فيفتح له أصحاب المنزل ويعطونه عيديته.
ولكنه يستمر بإيقاظهم على السحور حتى اليوم الأخير من رمضان.

مسحراتي الكويت وعُمان
يعرف المسحّراتي في الكويت بأبي طبيلة ومن عاداته أن يصطحب معه أبناءه وينشد الأدعية وهم يكررونها خلفه مثل الكورس.
أما في سلطنة عُمان فيستعمل المسحرّاتي الطبلة والناقوس لإيقاظ الناس مناديًا: يا نائمين قوموا تسحروا ... سحور يا مسلمين... سحور يا صائمين.

نساء مسحراتية
يروي المؤرخون أن النساء شاركن في مهنة المسحرّاتي في العهد الطولوني حيث كن ينشدن الأناشيد من خلف المشربية، شرط أن تكون السيدة صاحبة صوت جميل ومعروفة لدى سكان الحي الذي تقطن فيه، فما أن كانت تشدو الأناشيد حتى يستيقظ سكان الحي لتناول السحور.

وتعتبر الست إحسان أول سيدة عملت مسحراتية، بعدما ورثت المهنة عن زوجها في القرن التاسع عشر ميلادي.

واللافت اليوم في تركيا قيام إحدى البلديات فيها على تدريب مجموعة من النساء على مهنة المسحراتي، بهدف إثبات قدرة المرأة التركية على منافسة الرجل في كل شيء.