خمسة مرافئ ...
سلمى المصري, أميركا, سفرجل, سياحة, ثمار البحر, أوروبا, الهند, كندا حنا, قارة آسيا, قارة إفريقيا, شاي أخضر, القطب الجنوبي
12 فبراير 2013

كوشين في الهند
ناثرة عبق الهال وكبش القرنفل والملح، تمزج كوشين أو كوشي، المستريحة على شاطئ مالابار في كيرالا الهندية، بين التأثير الهولاندي والإنكليزي والفرنسي.
بيد أن الصينيين هم الذين تركوا البصمة الجميلة للمرفأ.
فشباك الصيد التي يستعملها صيادو كيرالا تعرّفوا عليها عبر تجّار قصر كوبالاي خان بين 1214 و1294.
فهذه الشباك المثبّتة على صوارٍ من الخشب يتعدّى ارتفاعها العشرة أمتار، لترمى في الماء بفضل لعبة بكرة، تجتاح الشاطئ على امتداده وتزنّر حصن كوشين وجزيرة فيبين، مما يجعل المشهد في ساعات الصباح الأولى وساعات الغروب انغماساً في عالم البحر الهندي بكل تموجاته وألوانه المتكسّرة في لحظات تبدّل الليل والنهار... رغم أن كوشين أكبر مرافئ كيرالا وفيها شركة الصيد فإن هذا لم يحد من جمالها الطبيعي وبساطة العيش فيها، فشواطئها المتعرّجة وقواربها الصغيرة التي تشق القنوات والأنهر، والأسماك الطازجة التي يعرضها الباعة تجعل منها لوحة هندية تعبق بالأحساسيس المنفلتة من فوضى العصر لتكون المكان الأمثل للإسترخاء على شاطئ هادئ يستريح على بحر العرب.

مرفأ الفردوس في القطب الجنوبي
حين نذكر فردوسًا أرضيًا تتفنن مخيلتنا بطبيعة خلابة عناصرها متناغمة تضج بالألوان، ولكن هل تخيّلنا يومًا فردوسًا جليديًا معزولاً ولكنه مسكون بالبطريق؟ هذا ليس خيالاً بل واقع نلمسه في مرفأ الفردوس القطبي- جنوبي.
ورغم أنه نادرًا ما ترسو السفن في هذا الأرخبيل القطبي فإن الزوار يدهشون بالريف الأبيض العظيم، وبالجبال الجليدية العائمة ولعبة الأنوار القطبية وحركة الجدران الجليدية. والإبحار في الزوارق النفاثة pneumatique يجعلك تكتشف سحر القطب، وتستمتع أثناء الإبحار في أروقته المائية التي تحدّت الجليد، وبتبختر البطريق وتزحلقه على الهضيبات الجليدية، ورقص قطيع الحيتان أو الفقمة التي تقترب لتلقي التحيّة على الزوار.
الإبحار إلى هذا الفردوس الجليدي يكون بين تشرين الثاني/نوفمبر وآذار/مارس، حين تنطلق المراكب من أوشوايا جنوب الأرجنتين نحو هذا الأرخبيل الفردوسي. وتستمر الرحلة من ثمانية إلى عشرة أيام.

هاليفاكس كندا
لم يخطئ الهنود الأميركيون، الميكماكس، عندما أطلقوا على هذا المكان شيبوكتو أي المرفأ الكبير.
فيما بادر البريطانيون بتسمية المدينة التي يستريح عليها المرفأ هاليفاكس وهو إسم كونت إنكليزي مجهول، وبالتالي أصبح اسم المرفأ هاليفاكس.
تزنّر هذا المرفأ الذي هو ثاني أكبر مرفأ في العالم مدينة تضج بالحياة، لا تنطفئ فيها الأنوار، تسابق عجلة العصر فتستفيق كل صباح على إيقاع جديد كما موج المحيط الأطلسي الذي تسبح فيه المدينة.
ولعل من المعالم المهمّة الموجودة على رصيف المرفأ متحف نوفا سكوتيا الثري بالإرث البحري، ثم المتحف البحري للأطلسي الذي يكتشف زائره قصص تحوّل هذا المكان من محترف صغير لبناء السفن إلى مواكب للأساطيل البحرية الحربية خلال الحرب العالمية، يتعرّف إلى تاريخ الإبحار من أيام المراكب الشراعية إلى عصر المراكب البخارية، من «تايتانيك» إلى انفجار هاليفاكس.
قصص وأحداث وأسماء أشخاص لا سيما ضحايا «تايتانيك» الذين تعرض صورهم وأشياؤهم الخاصة التي لفظها البحر أثناء الكارثة... كلها معروضة في هذا المتحف البحري.

عندما يفكّر الواحد منا في لحظات الإسترخاء يتخيّل نفسه جالسًا على مقعد أحد أرصفة الموانئ البحرية يتأمل الموج وهو يتلاعب بالمراكب الصغيرة، وطيور النورس تغط وتحلق وكأنها تغازل الموج باحثة عن سمكة صغيرة خدعها صفاء الماء فلم تتنبّه إلى أنها أصبحت فريسة الطير بعدما أفلتت من صنارة هاوي صيد.
وعندما نسافر تكون رحلتنا إلى المدن البحرية فريدة من نوعها. أرصفتها لا تعرف النوم، فمع شروق الشمس تغتسل مرافئها العتيقة بدفء خيوطها الأرجوانية ناسجة أجمل القصص لتاريخ مدن اختارت البحر رفيق أيامها وفي جوفه أسرارها، لترمي في الليل غشاءها الفضّي الذي لا يأفل بريقه إلا بعودة الشمس.
وفي العالم موانئ بحرية كثيرة وكلها جميلة، اخترت خمسة منها يمثّل التجوال فيها إبحاراً في التاريخ وفي عالم الطبيعة الأسطوري.
مرفأ الإسكندرية
في سنة 331 قبل الميلاد بنى الإسكندر الكبير الذي أطلق اسمه على واحدة من أكبر المدن الساحلية على حوض البحر الأبيض المتوسط، مرفأ الإسكندرية.
هذا المرفأ الذي يحتفظ بحره بواحدة من العجائب السبع للعالم القديم، وهي منارة الإسكندرية التي يبلغ ارتفاعها 138 مترًا كانت تقف على جزيرة فاروس لتنير المرسى البحرية على امتدادها.
ابتلعها البحر في جوفه خلال زلزال ضرب المدينة في القرن الرابع عشر.
وبعدما شيّد الإسكندر المرفأ سرعان ما تحوّلت المدينة و ما زالت إلى المرفأ الأول في مصر، على طريق القوافل التجارية للحوض الأبيض المتوسّط.
وهذا التبادل التجاري ساهم في ازهار النشاط الثقافي للمدينة وفي تأسيس المكتبة الكبيرة التحفة الثانية.
من بين أجيال العلماء الذين تعاقبوا على مكتبة الإسكندرية وعكفوا على الدراسة والتمحيص، أرخميدس واقليدس الذي طور هندسته، وهيبارخوس صاحب حساب المثلثات والنظرية القائلة بجيومركزية العالم الذي قال إنّ النجوم أحياء تولد وتتنقّل لمدة قرون ثمّ تموت في نهاية المطاف، وأريستارخوس الساموزي الذي قدّم الأطروحة المعاكسة أي نظرية الهليومركزية القائلة بحركة الأرض والكواكب الأخرى حول الشمس وذلك قبل كوبرنيكوس بقرون عدة.
نشطت المدينة من جديد لتبحر السفن محمّلة بالقطن المصري، كما استعادت المدينة ازدهارها الثقافي بعد افتتاح مكتبة الإسكندرية عام 2002 ، وبقى المرفأ الشاهد الأكبر على تاريخ المدينة يحمل في جوف بحره اكتشافات بحرية لا تنتهي.
تضم مكتبة الإسكندرية آثاراً قديمة وُجدت في المرفأ.

مرفأ فيكتوريا في هونغ- كونغ
يمكن القول إن فيكتوريا مرفأ صيني بألق هوليوودي، فالخليج بين جزيرة هونغ- كونغ وأرخبيل كولون يعكس صورة العالم الجديد حيث تنبثق مجموعة ناطحات السحاب وأنوار النيون الفوسفوري، فتطغى بشكل قوي إلى درجة أنك بالكاد تدرك وجود مضيق.
المشهد كان مختلفاً تمامًا عندما أعلنت فيكتوريا الملكة البريطانية أن الجزيرة خاضعة للتاج البريطاني عام 1842.
أزدهرت هونغ- كونغ أو «مرفأ العطور» كما يدل اسمها لتصبح القوة التجارية الأولى على سواحل بحر الصين الجنوبي، وبالتالي اكتسب المرفأ أهمية دولية في دروب الشحن البحري.
للإستمتاع بمشهد بارونامي للمرفأ على الزائر أن يخوض هذه التجربة بركوب «فيري ستار» أو مركب من فيكتوريا بيك.