أحدث التقنيات الجراحية لأمراض القلب تقدّم الحلول المبتكرة للمرضى

كارين اليان ضاهر 10 نوفمبر 2018

أحدث التقنيات العلاجية لأمراض القلب وأكثرها تطوراً تأتي اليوم لتسهّل حياة مرضى القلب وتجنّبهم الجراحات التقليدية مع كل الصعوبات التي كانت تترافق معها. فلم يعد مريض القلب ملزماً الخضوع إلى جراحة لساعات طويلة تزيد فيها المخاطر، بل أصبح من الممكن أن يلجأ إلى تقنيات متطورة أكثر بساطة يتم فيها التدخل لفترة أقصر وبفاعلية كبرى مع التجهيزات الحديثة المتوافرة. كما تسمح له بمغادرة المستشفى في أسرع وقت بحيث يتمكن من العودة إلى حياته الطبيعية في فترة قصيرة. عن هذه التقنيات المتطورة التي أتت لتقدّم الحلول الفاعلة لمرضى القلب، وعن كل التفاصيل المتعلقة بأمراض القلب وطرق الوقاية منها بفاعلية كبرى، سواء لدى الرجل أو المرأة، تحدّث كل من رئيس قسم تعليم طب القلب في الجامعة اليسوعية البروفيسور رولان كساب، ورئيس قسم أمراض القلب في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس البروفيسور ربيع عازار، بالتزامن مع عقد المؤتمر الأول لطب القلب في لبنان بعنوان “الابتكار في طب القلب” الذي نظّمه قسم أمراض القلب في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس.


- ثمة تقنيات علاجية حديثة تعتمدونها اليوم في معالجة الأزمات القلبية، ما الجديد الذي تقدمه؟

التقنيات الحديثة التي نعتمدها اليوم في المستشفى هي الأكثر تطوراً في تشخيص مرضى القلب ومعالجتهم، وهي عبارة عن جراحات أقل عدوانية مقارنةً بتلك السابقة minimally invasive وفيها يتم الدخول من خلال شريان الساق والذراع لتغيير صمام القلب أو تصحيحه عند القدرة. أما الحالات التي يتناول فيها المرضى الأدوية مدى الحياة فأصبحنا نقدّم لها حلولاً من خلال الكي لتفادي مشاكل كهرباء القلب. وإذا كانت كهرباء القلب ضعيفة فيمكن تركيب أنواع معينة من البطاريات الفاعلة التي تحل المشكلة وتسمح بضبط الكهرباء وتقوّي عضلة القلب في الوقت نفسه. مع الإشارة إلى أن البطاريات كانت تُزرع في السابق داخل الشرايين، أما اليوم فتوضع تحت الجلد، وبطريقة أكثر سهولة مما مضى.

- هل يمكن القول إن هذا التطور الكبير الحاصل على صعيد التقنيات المعتمدة لمعالجة أمراض القلب، استطاع أن يقلّل من أعداد الوفيات ومن المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المريض بعد العملية؟

مما لا شك فيه أن هذه التقنيات ساهمت في الحد من اللجوء إلى جراحة القلب التقليدية، خصوصاً مع تزايد أعداد الأطباء الذين يتخصصون فيها. فمع توافر التقنيات الحديثة الأكثر سهولة وتطوراً لم تعد جراحة القلب المفتوح هي المفضلة أو الحل الأول الذي يتم اللجوء إليه. كما استطاعت هذه التقنيات الحديثة الحد من أرقام الوفيات ومن الاشتراكات التي تحصل على أثر الجراحة.

في كل الحالات، لا يمكن الوصول إلى مرحلة تلغى فيها المخاطر بشكل تام لكننا نتجه بثبات نحو ذلك. هذا ويشار إلى أن أمراض القلب كانت تحتل المرتبة الأولى من حيث الوفيات في الولايات المتحدة الأميركية، بينما أصبحت اليوم الثانية بعد السرطان مع التقدّم الحاصل في مجال طب القلب.

- إلى أي مدى يمكن القول إن التزام المريض بنمط الحياة المتبع بعد المعالجة يلعب دوراً في نجاح أي من هذه التقنيات العلاجية؟

ما من بديل لالتزام المريض، وهذا أمر لا شك فيه ولا بد من التشديد على أهميته. فثمة أمور لا يمكن إهمالها كضبط ضغط الدم ومعدلات الكوليسترول والسكري في الجسم والإقلاع عن التدخين، فبعد معالجة المشكلة القلبية يعود المريض ليصاب بالمشكلة نفسها كما في المرة الأولى للأسباب ذاتها. وبالتالي لا تكون للمعالجة أي جدوى. ومن هنا، يلعب المريض دوراً أساسياً ومن دونه لا فائدة للعلاج.

- كيف تتم المراقبة بعد العملية؟

من الضروري أن يلتزم المريض باستشارة الطبيب بشكل روتيني، ويتحقق من أن الصمام والكهرباء والبطارية التي تم زرعها في القلب تعمل كلها بشكل طبيعي وبانضباط. كما من الضروري ضبط الوزن ومعدلات الكوليسترول والسكري وضغط الدم وممارسة الرياضة بانتظام. هذا ومن المهم أيضاً أن يُحسن المريض التعرف إلى أية أعراض يمكن أن تصيبه وقد تدل على إصابته بذبحة قلبية لأن الوقت يلعب دوراً مهماً في هذه الحالة.

- إلى أي مدى يمكن المرأة أن تعمل على حماية نفسها في مرحلة انقطاع الطمث التي لا تعود فيها محمية وتصبح معرّضة للإصابة بأمراض القلب تماماً كالرجل؟

عند بلوغ مرحلة انقطاع الطمث، لا تعود هورمونات المرأة تحميها من خطر الإصابة بأمراض القلب. وبالتالي بعد سنّ الستين، تصبح المرأة عرضة للإصابة تماماً كالرجل. لكن كما سبق القول، قد يساهم تأخر التشخيص في زيادة الخطر على المرأة، إضافة إلى أن شرايينها رفيعة للغاية. أيضاً، هناك مشكلة أساسية في مجتمعاتنا تكمن في صب الاهتمام في العلاجات المقدّمة للرجل وتكريس التوعية له أكثر من المرأة.

- في أي سنّ يكون الخطر الناتج من الأزمة القلبية التي يمكن التعرض لها أكبر؟

مع التقدم في السنّ يزيد الخطر دائماً، وليس صحيحاً ما يقال من أن الخطر الأكبر يكون عند تعرض الشاب إلى ذبحة قلبية. خطر الوفاة من الذبحة يكون أكبر لدى الأكبر سنّاً.

- هل التقنيات العلاجية الحديثة التي تُعتمد في معالجة أزمة قلبية هي نفسها لدى الشاب كما لدى الأكبر سنّاً؟

التقنيات العلاجية هي نفسها أياً كانت السنّ.

- هل صحيح ما يقال من أن الأجهزة المعتمدة يمكن أن تكون آلات فاعلة أو غير جيدة النوعية؟

نستطيع القول إن هناك أجهزة أفضل من الأخرى، لكن لا يمكن استخدام أي جهاز غير موافق عليه من منظمة الأغذية والأدوية FDA، وفي المستشفى نستخدم تحديداً الأجهزة المعتمدة في الولايات المتحدة، وهي كلها من النوعية الفضلى.

- ما الذي تغير في التقنيات الحديثة؟

مع استخدام التقنيات الحديثة اليوم، أصبحت العملية تستغرق وقتاً أقصر، وبالتالي باتت أكثر سهولة وخفّ الخطر، وصار في إمكان المريض مغادرة المستشفى في وقت أسرع. كما أن المدة المطلوبة للتعافي بعد المغادرة قصُرت أيضاً.

- مع كل التطورات الحاصلة، إلى أي مدى يتم العمل اليوم على الوقاية من أمراض القلب نظراً لأهميتها الكبرى في الحد من هذه الأمراض وأخطارها؟

لا يمكن أن ننكر أهمية الوقاية التي هي أيضاً أكثر أهمية بعد من العلاج. والوقاية يتم العمل عليها على صعيد المجتمع ككل من خلال التوعية بين الناس حيث من الضروري أن يصبح الكل قادراً على التعرف على الأعراض التي يمكن أن تظهر وتترافق مع أزمة قلبية. سياسة الصحة العامة مسألة لا يُستهان بها أبداً.

- هل من عوامل خطر كان يُقلَّل من أهميتها ثم بيّنت الدراسات أنها أكثر أهمية فأصبح الأطباء يركزون عليها أكثر؟

على الرغم مما قيل عن أن الكوليسترول قد لا يشكل خطراً كبيراً على أمراض القلب، لا بد من التركيز على أهمية عامل الخطر هذا وضرورة ضبطه بشكل صارم للحد من خطر الإصابة بأمراض القلب. كما أن مريض السكري يعتبر مريض قلب من الناحية الطبية، فالخطر كبير لديه للإصابة بأمراض في القلب. لذا فإنه يعالَج كما لو كان مصاباً بذبحة قلبية، ويتم ضبط الكوليسترول والسكري وضغط الدم لديه، مع التركيز على خفض وزنه وممارسته الرياضة بانتظام.

- إلى أي مدى يلعب ارتفاع ضغط الدم دوراً في الإصابة بمشكلة في القلب؟

يعتبر ارتفاع ضغط الدم أيضاً من عوامل الخطر الأساسية التي تؤخذ في الاعتبار. فارتفاعه يزيد الخطر ولا بد من ضبطه بحزم.

- ما المؤشرات الأكثر وضوحاً التي يمكن التعرض لها وتشير إلى الإصابة بذبحة قلبية؟

ثمة مؤشرات كثيرة قد تظهر بحسب الأزمة القلبية التي يمكن التعرض لها. فإذا كانت المشكلة في الشريان، العارض الأكثر وضوحاً هو ألم في وسط الصدر وضيق التنفس ووجع عند القيام بجهد. لا بد من التوضيح أولاً أن أمراض الشرايين تبدأ كلّها بوجع فيما تبدأ أمراض الصمّامات بعدم انتظام في دقّات القلب وبضيق في التنفس. من المهم التوجّه إلى طوارئ المستشفى عند ظهور أي عارض قد يشير إلى احتمال الإصابة بمشكلة في القلب.

- بعد كم من الوقت يمكن أن يزيد الخطر على أثر ظهور العارض؟

فور ظهور العارض، يجب التوجه مباشرة إلى المستشفى، فنسبة 60 في المئة من الوفيات تحصل في الساعة الأولى من الإصابة بذبحة قلبية.

- إلى أي مدى تختلف الأعراض بين الرجل والمرأة؟

بشكل عام، الأعراض نفسها تظهر لدى المرأة والرجل، إلا أن المرأة أكثر ميلاً إلى إهمال الأعراض التي تصيبها. فغالباً ما تستبعد المرأة احتمال الإصابة بأزمة قلبية، بينما في الواقع تعتبر أمراض القلب المسبب الأول للوفيات بين النساء.

- هل هذا يعني أن الأزمات القلبية تسبب الوفاة لدى المرأة أكثر من الرجل؟

لا تؤذي الأزمة القلبية المرأة أكثر من الرجل، بل الأصح القول إن المرأة تميل أكثر إلى إهمال الأعراض التي تترافق مع أي مشكلة في القلب تتعرض لها، مما يزيد خطر حصول الوفاة لديها نتيجة التأخر في التشخيص، وقد أظهرت الدراسات أن الوفيات الناجمة عن أمراض القلب تزيد لدى النساء. يضاف إلى ذلك أن شرايين المرأة رفيعة أكثر مقارنةً بشرايين الرجل، مما يجعل الذبحة أكثر صعوبة بالنسبة إليها.

- ما المضاعفات التي يمكن توقّعها إثر الجراحات الحديثة المتطورة؟

المضاعفات موجودة في كل تقنية أياً كانت. الأجهزة والتقنيات الحديثة تتميز أيضاً في تخصص الأفراد الذين يستخدمونها. مع الإشارة إلى أنه بمقدار ما تزيد مهارة الأطباء الذين يقومون بهذه الجراحات، تقلّ فرص حصول مضاعفات. بات الأطباء الذين يستخدمون هذه التقنيات متميزين في تخصصهم ومهارتهم، وهم ينافسون الأطباء العالميين. حتى أن تغيير الصمّام الأبهري كان يتم سابقاً على أيدي أطباء أجانب من الخارج، أما اليوم فتُجرى الجراحة في المستشفى على أيدي أطباء لبنانيين. مما لا شك فيه أن أعداد الوفيات قلّت نتيجة مهارة الأطباء في استخدام التقنيات الجراحية، لكن هذا لا يلغي المضاعفات تماماً كما في أي تقنية جراحية من هذا النوع.