انتحار الفتيات في اليمن يثير تساؤلات

تحقيق, نساء, محاربة الإكتئاب, قتل, إنتحار, اليمن, ظاهرة نسائية, د. فؤاد الصلاحي, د. شفيقة علي نعمان, نبيل الحمادي, فتاة / فتيات

19 مايو 2009

تتزايد حالات انتحار الفتيات في اليمن يوماً بعد يوم حتى كادت تصبح ظاهرة إجتماعية. «لها» تحاول الخوض في هذا الموضوع ومعرفة الأسباب التي تدفع الفتيات إلى الإنتحار برغم حساسية هذا الموضوع..

ارتفعت حالات الانتحار في أوساط اليمنين خلال عام 2007 بنسبة  25 % عن الأعوام السابقة. وكشف تقرير أمني أن إجمالي ما سجّلته الأجهزة الأمنية من حالات انتحار بلغ 465 حالة خلال العام 2006، فيما بلغت الحالات المسجّلة خلال ثلاثة أعوام مضت 1401 حالة من 2004 إلى 2006.
وأوضح تقرير الداخلية أن 624 شخصاً انتحروا بالسلاح الناري، فيما استخدم 141 شخصاً وسائل أخرى.
وأرجع علماء نفس تفشي الظاهرة في المجتمع اليمني إلى الظروف المعيشية المعقّدة، بالإضافة إلى الخلافات الأسرية.
ومعظم المنتحرين بالسلاح الناري ذكور، ومعظم المنتحرات يفضّلن تجرّع السموم.
وتوضح الإحصاءات أن القضايا الجنائية والحوادث الأمنية المختلفة في اليمن شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات الماضية بلغت نسبة 37%، منها 16% انتحار، بينها فقط 8% حالات انتحار نساء وفتيات.
ويواجه الباحثون صعوبة كبيرة في الحصول على المعلومات الدقيقة الخاصة بالإنتحار، خاصة في ظلّ ما يحاط به هذا النوع من القضايا والحوادث من تكتّم وسريّة من الجهات المعنية.

وهنا بعض الحالات التي غطّتها الصحف اليمنية:

● صباح الأربعاء 5/12/2007، نشرت صحيفة خبر انتحار فتاة في محافظة لحج تبلغ السابعة عشرة من العمر، وذلك إثر سماعها بوفاة اثنين من أفراد عائلتها في حادث مروري.

● صحيفة رسمية نشرت أغرب قصة انتحار لفتاة عمرها ثمانية عشر عاماً كانت طالبة في الثانوية العامة، أنهت الإمتحان ورأت في منامها ذات يوم أنها رسبت فقرّرت الانتحار! وبحسب أقرباء الضحية الذين يؤكدون أن الفتاة روت لهم رؤياها في المنام، فإنهم يؤكدون أيضاً أنها مصابة بمرض الصرع منذ ثلاث سنوات.

● في كانون الثاني/ يناير من العام 2008 أعلن عن وقوع ثلاثة حوادث انتحار في يوم واحد، لأشخاص بينهم فتاة تبلغ من العمر (20عاماً).

المشكلة في هذا الموضوع أن المسؤولين والضباط المعنيين بجرائم القتل في إدارة البحث الجنائي ووزارة الداخلية اليمنية، يتحفّظون عن الإدلاء بمعلومات حول هذه الظاهرة بحجة أنها ستشوّه صورة البلد، ويكتفون بالقول أن الإنتحار قد يكون قتلاً عمداً تم تكييفه على أساس أنه انتحار باتّفاق عدد من أفراد الأسرة التي ينتمي إليها الجاني والمجني عليه، وهذا مايثير الشكوك والملابسات حول عملية الانتحار خصوصاً المتعلقة بالفتيات، إذ تشير بعض المصادر إلى أن بعض الفتيات يتعرّضن للقتل داخل الأسرة ثم تشيع أفراد الأسرة أن الفتاة انتحرت أو ماتت فجأة.

الإكتئاب

وترى الإختصاصية  النفسانية شفيقة علي نعمان أن الإقدام على فعل الإنتحار يرجع إلى مرض الإكتئاب النفسي الذي يصيب المنتحر أو عدم قدرته على التكيّف مع الواقع ومتغيّراته وتقلّباته، أوقد يكون نتيجة حالات اضطرابية سلوكية.
وتوضح أن جدولة أسباب الإنتحار تحت عوامل ومفاهيم عامة إقتصادية وإجتماعية ونفسية وإغفال الكثير من الأسباب والدوافع الخفيّة وراء معظم حالات الإنتحار، من الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تفاقم المشكلة وتمييعها، بالإضافة إلى غياب دور المراكز المعنية بحملات التوعية والبرامح التثقيفية الموجهة التي تقدم للشباب النصائح والإرشادات والمساعدات وتحلّ مشاكلهم النفسية وتخرجهم من دائرة الإحساس بالفشل.
وباختلاف الزمان تبرز المتغيّرات والتحوّلات المعاصرة، لكن الأسباب التي كانت تدفع بالفتاة للإنتحار قبل عشر سنوات لاتزال هي التي تدفعها إليه اليوم. ويبدو أن انفتاح المجتمع والفتاة على عالم اليوم عبر الكثير من الوسائط ووسائل الإتصال المختلفة كالإنترنت والفضائيات وغيرها، زاد من شعورها بالعيش على هامش الحياة، ودفع بالمختصّين في محاولتهم الإجابة على هذا السؤال الملحّ: لماذا تنتحر المرأة في اليمن؟ لإرجاع هذه الظاهرة إلى ثلاثة أسباب:

- الأول أن المرأة تعيش مشاعر الغبن وتشعر بعمق غربتها وتعاظم إحساسها بالتهميش.
- بينما السبب الثاني هو الضغوط الإجتماعية التي تسلّط على المرأة من الاتجاهات المختلفة، وهي أسباب وضغوط ربما انقرضت في أصقاع أخرى من هذا العالم، لكنها مازالت قائمة في اليمن.
- أما السبب الثالث فهو أن المرأة اليمنية المعاصرة لم تعد تقبل بوضعها كقطعة أثاث زائدة عن الحاجة أو وعاء لتفريغ الرغبات، فالمرأة في اليمن هي إبنة عصرها تعيش آمالها وإحباطاتها بقلق وتوتر حسب إيقاع الحياة المعاصرة اليوم، وتخوض معركة ضد غول الجهل والتخلّف حيناً بالإصرار على تغيير العالم وأحياناً أخرى برفضه.

الباحث نبيل الحمادي يرى ان هناك منطقة شديدة الحساسية في موضوع الانتحار وهي:

هل الانتحار واقعة فردية ام انه  واقعه  اجتماعية ؟ بمعنى هل الدافع فردي أم مجتمعي؟

ويقول أنه في مجتمع تقليدي مثل اليمن تقسو البئية على الفرد متضامنة مع العرف والتقاليد والدين والعيب الإجتماعي مما يجعل الاختيارات في حدّها الأدنى.
وتزداد المسألة تعقيداً مع التراتب، فأضعف الحلقات في المجتمع تتحمّل كثيراً من الضغوط. والمرأة والطفل هما الحلقة الأضعف.
وضمن هذا السياق يرى الباحث أن انتحار الفتيات هو آخر الاختيارات وإن لم يكن أحياناً الإختيار الوحيد الذي تستطيع عبره أن تعبّر عن نفسها الفتاة، وإذا تساءلنا لماذا الفتيات بالذات؟
سنجد أن الفتاة لا تواجه أشخاصاً بمفردهم حين تريد المواجهة، ولكنها تواجه مجتمعاً بأكمله بذكوره وإناثه. وأحياناً تزداد قسوة الإناث على بعضهن، لذلك تفقد الفتيات ارتباطهن بمحيطهن المغلق أساساً بحسب تقسيم الأدوار والعمل والأماكن بين الذكور والإناث.
وكلّما اشتدّت حدّة التخلّف في المجتمع ازداد اختيار الحلول المتطرّفة، فالوعي لايستطيع تحمّل كل هذه المتناقضات دفعة واحدة.
ويقول الحمادي أن هناك مؤشرات عديدة تدل على «أننا في المجتمع اليمني نعيش ظواهر ولدينا خطاب وسلوكيات مختلفة تماماً عن الكثير من المجتمعات، فعلى سبيل المثال تطالب الحكومة عبر مجلس النواب بقانون يمنع حمل السلاح وأحزاب المعارضة ترفض هذا القانون، وفي جانب آخر نجد إعلاناً لإحدى منظمات المجتمع المدني المناهضة للسلاح جاء فيه «رفض الإستخدام الخاطئ للسلاح» مما يعني أن هناك استخداماً صائباً للسلاح!
وفي مجتمع تنتشر فيه ظاهرة القتل بكثرة لا نستبعد أن يكون هناك تداخل بين ظاهرتي قتل الفتيات وانتحار الفتيات».

أما الدكتور فؤاد الصلاحي مدرّس علم الاجتماع في جامعة صنعاء فيرى أن الإنتحار «ظاهرة في اليمن لها جذورها الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والسياسية».
وينفي وجود رابط بين «ضعف الوازع الديني والإنتحار»، إذ يؤكد أن هناك من انتحر وهو مؤمن ويؤدّي كل الفرائض الدينية لأن الإنتحار هو هروب من متاعب الحياة، وشعور الفرد بأنه شخص لايدخل في حسبان دولته ولايهمّها أمره».

انتحار أم قتل

وتشير دراسات متخصّصة إلى أن عدداً من النساء يدفن على أساس أن وفاتهن طبيعية دون أن تتأكد الجهات الرسمية المختصة والمعنية من أسباب الوفاة، ودون أن تسعى أسرة المرأة المتوفاة لاستخراج شهادة وفاة معتمدة، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً على اجتهادات وعمليات شكّ عديدة حول طبيعة الوفاة وخاصة إذا كانت المتوفاة شابة في مقتبل العمر ولم تعان أي أمراض خطيرة ظاهرة طيلة حياتها.
ومن أسباب الاجتهادات والشكوك المتعلقة بالانتحار، أن الأغلبية العظمى من سكان المناطق الجبلية والريفية والنائية ترفض بحكم العادات والتقاليد وقانون العيب والعار الاعتراف بانتحار المرأة، سواء كانت متزوجة او شابة ارملة او عازبة، خوفاً من التأويلات والاتهامات المطنة وكشف المستور وشيوع القيل والقال.
ويشكّك عدد من المنظّمات الحقوقية والمدافعة عن حقوق المرأة في اليمن في صحة انتحار عدد من الفتيات، ويطالب الجهات المختصة وعلى رأسها الأمنية بإعادة التحقيق مع أسر الفتيات اللواتي يدعى أقاربهن أنهن انتحرن.
ولاتوجد أرقام رسمية لعدد حالات انتحار الفتيات في اليمن، إلا أن إحدى منظمات المجتمع المدني تقدرها بــ 500 حالة خلال السنوات الخمس الماضية.
وسواء كانت الأسباب ضغوطاً نفسية أو إقتصادية، أو كانت تلك المبرّرات مشروعة أو غير مشروعة، مقنعة أو غير مقنعة، يظلّ الانتحار فعلاً وجرماً، خاصة أن كثيراً من حالات انتحار النساء قد يكون وراءه أسباب متعلّقة بقهر الرجل واضطّهاده للمرأة، ومنها ما يتعلّق بجرائم العنف والشرف والخداع...