لماذا تغيّب المرأة المصرية عن المشاركة السياسية؟

المرأة والسياسة, عمل المرأة, حقوق المرأة, يوم المرأة العالمي, مشاركة المرأة, مساواة الرجل والمرأة, المرأة العربية / نساء عربيات

09 سبتمبر 2009

المرأة في مواجهة تحديات غير مشروعة

واجهت المحامية بالنقض هويدا مصطفى سالم، جبروت المال والسلطة عندما ترشحت كأول سيدة في انتخابات مجلس الشعب المصري عن دائرة السمبلاوين الريفية في محافظة الغربية عام 2005.
وتؤكد أن تخصيص المقاعد النسائية في البرلمان كان مطلباً قديماً للناشطات السياسيات ومنظمات حقوق المرأة، نظراً الى ما تواجهه المرأة من تحديات غير مشروعة تؤدي إلى فشلها. وكما كانت المطالب قديمة وكثيرة كانت الوعود بالاستجابة أكثر، ولكن دون جدوى حتى طالب مبارك بهذا الأمر بنفسه.
وترى هويدا مصطفى أن خوض المرأة الانتخابات عام 2010 سيكون أفضل حالاً من الدورة البرلمانية السابقة (عام 2005)، لذا لن تفقد الأمل وسترشح نفسها ثانية في الدورة المقبلة ضمن مرشحات الحزب الوطني، علماً أنها كانت مستقلة في الدورة الفائتة.
وعن أسباب ضيق نطاق المشاركة السياسية للمرأة، تقول مصطفى: «الأحزاب السياسية تتنصل من المرأة ولا تساندها رغم أنها مؤهلة سياسياً وقادرة على خوض الانتخابات بنجاح وخدمة أهل دائرتها بجدية، ولكن كل الأساليب الملتوية مباحة للحرب ضدها في الانتخابات، ومن لا تملك المال والسلطة لا تستطيع الصمود حتى النهاية».
وتتابع : «عانيتُ الأمرّين في تجربة الاتنخابات، فقد عملت جاهدة على زرع ثقة المجتمع الريفي بالمرأة المرشحة. وبعيداً عن الألاعيب السياسية، واجهت الصعاب على أيدي المتعصبينً. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما كنت أزور الدائرة كانوا يعلّقون لافتات مكتوباً عليها «لعن الله قوماً ولي أمرهم امرأة »، «هل فلح الرجال لكي تفلح النساء؟». وكانوا يوجهون الى مندوبي الدعاية التابعين لي أقذر الشتائم.
حتى في المؤتمرات الانتخابية كان يأتي أحدهم ولا يستحي من طول لحيته ويقذفني بأقذر الشتائم ووراءه أطفال صغار يرددون كل ما يقول. ويلف البلدة كلها على قدميه ليسمع الناس ماذا يقول من إهانات في حقي. ولكني لم أعر أسلوبهم اهتماماً وكنت أتابع السير في حملتي الدعائية. وأقول دائماً إن كل ذلك يقويني لأنني لو كنت نكرة لما هاجمني أحد. ولكن هذا لا يمنع كون ألفاظهم جارحة واللافتات المعلقة كانت تحرجني وتحرج أهلي.


التعيين يجنّب المرأة المعاناة السياسية

إذا كانت الأحزاب تتنصل من المساندة السياسية للنساء، وإذا كانت ساحة الانتخابات المنافسة فيها تحمل العديد من الأساليب الملتوية، كيف استطاعت حواء دخول الساحة البرلمانية لتشارك سياسياً؟
تؤكد الدكتورة جورجيت قليني عضو مجلس الشعب ان أحداً لا يسمح لحواء باجتياز دورها المحدود إلا عن طريق التعيين كما هو حالها، مشيرة إلى أنها اجتازت دورتين في مجلس الشعب بالتعيين. وترى أن تجربة التعيين ناجحة، لذا تقدمت منذ 7 سنوات بمشروع زيادة النسبة المعينة من النساء في الانتخابات المحلية أو مجلس الشعب. ورغم أن المادة 18 من قانون الأحزاب تنص على ضرورة مشاركة المرأة سياسياً بنسبة لا تقل عن 21 في المئة، فإن الأحزاب ومجلس الشعب تتجاهل الأمر. واستمر الحال على ما هو عليه حتى أُقرت التعديلات الدستورية، فنصت المادة 62 على أن تكون هناك نسبة عادلة لمشاركة النساء في مجلسي الشعب والشورى.


ثقافة المجتمع تحرمها المشاركة

تتعجب قليني من رفض المجتمع مشاركة المرأة السياسية، طالما أن الإيجابيات تعُم عليه مرة أخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل قصور المشاركة ناتج من عيب ذاتي فيها؟ أم عيب خارج عنها؟
وتقول: «كل الوظائف العلمية التي تعتمد على التعيين أثبتت المرأة نجاحها فيها بجدارة على صعيد المواقع المختلفة،فأصبحت أستاذة جامعية لا مثيل لها، ومحامية تنافس أقرانها الرجال بكفاية لا تقل عنهم، وطبيبة متميزة، ومهندسة نابغة. وفي المقابل لم تنل حق المشاركة السياسية، لأن هناك ثقافة اجتماعية كرّسها النظام التعليمي والإعلام ضد المرأة. هناك فكر دخيل على مصر رسخّ في ثقافة الشارع ومؤاده أنه لا يجوز مشاركة المرأة سياسياً. ولأن الأصوات الانتخابية تأتي من الشارع  تتحكم فيها ثقافة العيب في انتخاب المرأة، مما يجعلها مرفوضة سياسياً. كما أن النظام الفردي (الترشيح المستقل) يعيق المرأة عن النجاح، ويجعلها في مهب الريح بمفردها دون مساندة، إذ تواجه وحدها المنافسة وهي قادرة عليها، ولكنها تواجه أسلحة البلطجة التي يستخدمها البعض، كما تواجه الكثير من الشائعات المغرضة. لذا فإن المرأة المعينة أكثر حظاً من المنتخبة، ولا أدري لماذا يحاربها الرجل إذا كانت قاسمته التعليم والخبرة العملية، فلما لا يستفيد منها في المشاركة السياسية؟»


خطوة في طريق التمكين

إذا كانت الدكتورة جورجيت قليني تؤكد أن مشاركة المرأة السياسية حق عليها تجاه الرجل الذي قاسمته فرصة التعليم، فإن الكثير من الرجال يرون أن مشروع تخصيص المقاعد السياسية للمرأة ما هو إلا وجاهة اجتماعية وسياسية وسط المجتمع الدولي، حتى لا يقال إن نساء مصر مضطهدات، وسوف تثبت حواء فشلها لأنها غير مؤهلة.
ترد على هذا الإدعاء أمل محمود استشارية التنمية وعضو مؤسس لمتلقى تنمية المرأة، ومنسقة إئتلاف الجمعيات المعنية بتطبيق اتفاقية (السيداو)، بقولها: «إن هذا الإدعاء المعني بتثبيط همة المرأة، ليس له علاقة بتأهيل المرأة بل تأهيل المجتمع، فحتى الآن لا يزال المجتمع المصري يعتقد أن السياسة شأن الرجال وقدرات المرأة تنحصر بالتربية داخل البيت. أما قدراتها السياسية فغير معترف بها، وبالتالي يميل المجتمع الى اختيار الرجل مهما كانت كفايته. وإذا كانت في مواجهته امرأة أكثر كفاية وأكثر علماً فانها لا تجد فرصة للوصول».
وتستشهد بتجارب حية قائلة: «لدينا الكثير من الجامعيات والمثقفات، منهن على سبيل المثال أمينة شفيق عضو الأمانة العامة للمجلس القومي للمرأة والصحافية في جريدة الأهرام والكاتبة المتميزة، فضلاً عن كونها سياسية رأست اتحاد النساء التقدمي (تابعة لحزب التجمع) في فترة سابقة. غير أنها خاضت الانتخابات أكثر من مرة ولم تجد فرصتها للنجاح، ولم تجد سبباً موضوعياً للفشل. إنها كانت أيضاً قائدة لنقابة الصحافيات وكانت تنجح بجدراة. فماذا نستطيع القول عن هذه المرأة غير أنها ذات فكر سياسي ودور في التعبير عن احتياجات الواقع.

هذا نموذج واضح لمرأة قادرة وموقع ثقة لا تجد فرصتها في الانتخاب. وهناك غيرها العديد من الأمثلة. لذا عندما نتحدث عن نظام لتخصيص المقاعد فاننا لا نقصد التشكيك في  قدرات المرأة وكفاياتها الذاتية التي  تؤهلها لدور ريادي في المجتمع، ولكنها آلية لمواجهة والثقافة التقليدية التي ينبغي أن تتغير تدريجياً في اتجاه الاعتراف بالحقوق الكاملة للمرأة كمواطنة. غير أن هذا الأمر ليس الآلية الوحيدة ولكن لا بد أن تواكبه آليات أخرى تتضمن التوعية بأساليب التنشئة الاجتماعية الصحيحة والقائمة على المساواة بين الجنسين داخل الأسرة، وأيضاً تغيير المناهج وصورة المرأة في المناهج التعليمية بحيث يتم غرس الوعي بالأدوار المختلفة للمرأة وعدم الاقتصار على دورها كأم أو كزوجة. بالإضافة إلى تغيير صورة المرأة في الاعلام». وترى استشارية التنمية أن وجود حوار داخل المجتمع المصري يناقش دخول المرأة القضاء أو توليها منصب عمدة، معناه «أننا مازلنا في حاجة إلى التغيير. فحينما تولت المرأة القتال في الحرب في المعارك كانت السيدة خولة بنت الازور واحدة من المقاتلات وهي ملثمة، حينما أوصانا الرسول (صلى الله عليه وسلم) «خذو نصف دينكم عن هذه الحميراء» كان يعزز مكانة المرأة في المجتمع، ولكننا ونحن نناقش قدراتها التي لم تكن موضع شك.

خطوة مهمة ولكن

رغم أن عضو ملتقى تنمية المرأة أمل محمود، ترى أن مطالبة الرئيس مبارك بزيادة عدد المقاعد المخصصة للنساء في الدوائر السياسية خطوة مهمة، فإنها تؤكد أن الأهم هو تقنينها بقانون سريع، على أن يأتي بالمواكبة معه تدريب للنساء، كما تفضل أن ترتبط الانتخابات بالقائمة ضمن مجموعة وفي إطار سياسي محدد عبر برنامج سياسي تعبّر عنه المنتخبة.
ويبدو أن هذه الخطوة لم تلق ترحيباً من الرجال، فأخذوا يرددون ان تخصيص المقاعد النسائية ونظام الكوتا مخالفان للدستور لذا لا يجوز اعتمادهما. ولكن أمل محمود تردّ أن هذه الانتقادات ليست في محلها لأن الدستور ينص على الآتي: «المواطنون سواء ويجب أن تكفل الدولة تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء، وحينما تكون هناك فرص غير متكافئة تعمل الدولة عمداً على إحداث التكافؤ والمساواة وسد الفجوة ما بين فرص الجنسين».
ونصت المادة 62 على ضرورة وجود نظام انتخابي يضمن تمثيلاً للمرأة في مجلسي  الشعب والشورى. لذا يمكنا القول إن المعترضين على تخصيص المقاعد بحجة التعارض لم يقرأوا التعديلات المصرية، واتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة التي  صادقت عليها مصر العام 81 19، والتي تنص على أنه على الدولة اتخاذ تدابير ايجابية لإزالة التمييز القائم ضد المرأة.


مطلوب مشاركة أكبر

أما الدكتورة هدى بدران رئيسة مجلس إدارة رابطة المرأة العربية، فلا تقبل القول ان المرأة غير مؤهلة لخوض التجربة السياسية. ورغم أنها ترى تخصيص المقاعد خطوة إيجابية تقول: «كنا نطمع بأكثر من ذلك، ففرض مقعدين في كل دائرة يعني 56 مقعداً على مستوى الجمهورية. وهذا ليس عدداً كافياً للمشاركة السياسية المرجوة من المرأة. غير أنها خطوة مطلوبة من أجل تحقيق تمكين المرأة سياسياً، خصوصاً أن نسبة الـ 2 في المئة التي كانت متاحة للمرأة في المجلس من قبل كانت نسبة لا تُذكر، فكان عدد النساء المشاركات 9 فقط وبعضهن بالتعيين ولم يخضن التجربة الانتخابية.
وتضيف: «56 مقعداً للمرأة هي النسبة الدنيا ومن الممكن أن تحتل عدداً أكبر من المقاعد. لذا أعتبر هذه فرصة جيدة لتدريب المرأة على منافسة متكافئة مع امراة أخرى في ظروفها نفسها، مما يجعلهاأكثر قدرة على منافسة الرجل الذي مارس السياسة قبلها بسنوات عدة، وبالتالي  كانت قواعد اللعبة السياسية في مصلحته وهذا ما جعل عدداً صغيراً من النساء يتجرأ على المنافسة في الماضي. ولكن تنافس المرأة مع امرأة نوع جيد من التدريب. أرجو فقط أن تكون المنافسة حضارية، خصوصاً أن بعض الرجال يروّجون أنها ستكون منافسة ذات مستوى متدن لأن النساء يكرهن أنفسهن».
وترى بدران «ان نجاح النساء في الفوز بتلك المقاعد سيقيم تكتلاً نسائياً في مجلسي الشعب والشورى، يجعل المرأة قادرة على المطالبة بتحسين أوضاع المرأة السياسية والاجتماعية دون حرج أو دون ضعف، أو دون خوف من اضطهاد الرجال».


دراسة تكشف: تراجع المرأة العربية سياسياً!

لماذا تفشل المرأة العربية في الانتخابات؟ ولماذا يتكرر الفشل من دورة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر؟ هل المرأة العربية هي الوحيدة المسؤولة عن هذا الوضع؟ أم أن كل المجتمع العربي، بعاداته وتقاليده وبمختلف مكوّناته ساهم في هذا الفشل المتكرر؟ وهل يمكن تجاوز الفشل مستقبلا؟
أسئلة عدة ومتباينة يثيرها العدد 28 من «كوتريات» الصادر عن مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث «كوثر». ولا يكتفي هذا العدد الخاص بإثارة الأسئلة بل تناول تجارب عربية مختلفة من مصر واليمن والكويت والبحرين والمغرب ولبنان. وعكس تجارب نساء فشلن ولم يقفن عند الفشل بل أعدن الكرة وأعدنا الترشح، والبعض منهن حللن تجاربهن وعمدن الى الاستعانة بآراء خبراء وخبيرات ليقفن عند أسباب الفشل بحيث يمكنهن البناء من جديد والنجاح في الانتخابات.
وعكس العدد 28 من «كوتريات» كذلك نضال المرأة العربية وكل المجتمع العربي لتحظى المرأة بحقها في الترشح والانتخاب. نضال على المستوى التشريعي في هذا البلد، ونضال من أجل تطبيق القوانين في بلد ثان، ونضال في بلد ثالث من أجل تجاوز الفجوة الحاصلة تاريخيا على مستوى المشاركة السياسية خاصة والمشاركة في الشأن العام عموماً عن طريق إقرار التمييز الإيجابي أو الكوتا.

ففي مصر مثلاً التي شهدت أواخر القرن الثامن عشر تأسيس أول مدرسة ابتدائية حكومية للبنات ومشاركة المرأة المصرية في ثورة عرابي وصدور كتاب «المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين» لرفاعة الطهطاوي الذي دعا فيه إلى تعليم البنات، تراجعت نسبة تمثيل المرأة المصرية في البرلمان من 2.5 في المئة سنة 2000 إلى 1.8 في المئة سنة 2005، إضافة إلى تراجع نسبة المرشحات بأكثر من 20 في المئة.
وحسب أحدث إحصائيات الاتحاد البرلماني الدولي في تموز/يوليو 2008، يحتل العراق اليوم المرتبة الأولى عربياً من حيث تمثيل المرأة في البرلمان بنسبة 25.5 في المئة، تليه تونس بنسبة 22.8 في المئة، فالإمارات العربية المتحدة 22.5 في المئة، فموريتانيا 22.1 في المئة، فالسودان 18.1 في المئة. واحتلت جيبوتي المرتبة الخامسة عربياً بنسبة 13.8 في المئة، تلتها سورية 12.4 في المئة فالمغرب، 10.5 في المئة والصومال 8.2 في المئة ثم الجزائر 7.7 في المئة فليبيا 7.7 في المئة فالأردن 6.4 في المئة ولبنان 4.7 في المئة والكويت 3.1 في المئة والبحرين 2.5 في المئة فمصر 1.8 في المئة ثم اليمن 0.3 في المئة، والسعودية وعمان وقطر صفر في المئة.
وينقل لنا العدد 28 من «كوتريات» آراء الخبراء والإعلاميين المتابعين وتجارب ناجحة لنساء عربيات حتى لا نكتفي مستقبلا بعدِّ النجاحات السياسية على أصابع اليدين.