الإعلامية والروائية غادة عبود: أستحقُ أن أكون وزيرة إعلام بجدارة الحياة

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 18 نوفمبر 2018

طموحها بلا حدود، وسعيها لتحقيق أحلامها دؤوب. بعدما امتلكت أدواتها الإعلاميّة والمعرفيّة والأدبيّة، رصدت بالعين المجرّدة الصراع الطبقي في مجتمعها، وبجرأة أدبية وأسلوب متفرد صاغت روايتها الحديثة “بايبولار” لتسلّط من خلالها الضوء على واقع اجتماعيّ معاش متلوّن بين الفقر في جنوب جدّة، والثراء في شمالها، متمنيةً أن يتحوّل المجتمع السعودي بمجمله إلى قطاعٍ عامّ حتى يعمَّ العدل. “لها” التقت الإعلاميّة والكاتبة غادة عبود لتبحر في مسيرتها الإعلاميّة وتغوص في تفاصيل روايتها.

 

-  “بايبولار”، أو “ثنائي القطب” مرض نفسيّ. هل اخترت هذا الاسم تحديداً لترمزي من خلاله إلى مجتمع مريض، أم أن بطلة الرواية مصابة به؟
هو مرض تعانيه بطلة الرواية كنتيجة حتمية لظروف مجتمعيّة قاسية مرّت بها، فأخذتُ القارئ في رحلة ليكتشف بنفسه أن بطلة الرواية ليست المعنية وحدها، بل يعاني المجتمع أيضاً من ذاك المرض القاتل، نظراً للعصر الذي نعيش فيه، والذي تتحكم فيه الماديات، فيضطر أفراد المجتمع للعمل ليلاً ونهاراً ولا يستفيد من جهودهم إلا 10 في المئة من سكان المجتمعات والباقي يذهب الى مغاور الفساد العتيقة، لانعدام الإنسانية في عصرنا هذا.

-  لماذا اخترت مدينة جدّة بالذات لتُسقطي عليها روايتك؟
لأن جدّة مدينة لا يمكنها الانفصال عن المجتمعات العالمية في ظل التطور الحاصل والذي ينمُّ عن عولمة ورأسمالية متوحشة... والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أرض الواقع هو: هل يمكن أن نتطور من دون أن نفقد إنسانيتنا ومبادئنا؟

-  ومن هو المريض الذي ينبغي علاجه في الرواية؟
الدكتورة كرمة عبدالودود التي مرت بظروف صعبة وعانت الكثير بسبب فساد بيئة العمل، فعاشت منبوذة في ظل التفرقة الاجتماعية والمادية التي أصبحت سيدة الموقف، مما اضطرها إلى ارتداء كل الأقنعة حتى تتمكن من التعامل مع الآخرين.

-  ما أكثر ما يؤلمك؟
هناك مؤشرات خطرة في المجتمعات العربية جاءت بها العولمة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ندوات تطوير الذات، المكتبات التي أصبحت تغصّ بعلم الطاقة، ما هي إلا جزء من فلسفة الشركات العالمية والتي نشكل نحن السعوديين جزءاً منها ولا ننفصل عنها، ونقع ضحيتها، تحت شعارات شتى (أنتَ أو أنتِ لا تستحق/ لا تستحقين النجاح ـ أنتَ أو أنتِ/ فاشل/ فاشلة/ لأنكَ تفكر بطاقة سلبية/ لأنك تفكرين بطاقة سلبية) فنُنفق الأموال الطائلة على تدريبات الطاقة والتنمية البشرية، في حين أن رجل المال والأعمال صاحب الشركة يبحث عن كسب مادي أعلى قد يتجاوز 60 مليون ريال في السنة بدلاً من 40 مليون ريال... وهكذا دواليك ليتخلص من بعض الموظفين.

-  ألهذا السبب اخترت عنوان الرواية “بايبولار” رمزاً للمجتمع؟
عنوان الرواية “بايبولار” ما هو إلا رمز لما نعيشه ونشعر به من صراع مع الواقع المعاش الذي يغلي في الصقيع، والسعي القاتل للحصول على لقمة العيش والتي أصبحت صعبة المنال في ظل الغلاء الفاحش والصراع الطبقي.

-  الفقر يسيطر في جنوب جدّة، والثراء في شمالها، ما الذي دفعك للنبش في الجمر؟
سئمت من المواضيع النمطية، وقبل البدء بالرواية فكرت كامرأة أن أخرج من الصندوق بعيداً من المرأة المقهورة والمجتمع الذكوري، والحسد، والجن... لأكتب عن القابعين في الصندوق، المنسيين الذين لا يلتفت إليهم أحد، فأحببت أن أكون صوتهم والناطقة باسمهم لإنصافهم.

-  هل الصراع الطبقي هو أحد أسباب الحراك المجتمعي؟
نعم، وهذا يعود الى العولمة الجائرة التي أصبحنا جزءاً منها ولا نستطيع الانفصال عنها، فالمتغيرات الاقتصادية تفرض المتغيرات المجتمعية، والمادة هي سيدة الموقف في تغيير المجتمعات، كون النظام العالمي المهيمن لا يرحم الضعفاء. بينما التطور بمعناه الحقيقي، نلمسه ونعيشه مع الطبقة المتوسطة، وهي التي تقوم عليها معظم المجتمعات، والتي بدأت بالانقراض في كل المجتمعات العربية نتيجة تفشّي البورجوازية الحديثة التي طفت على السطح ولا قارب للنجاة مما نحن فيه.

-  وهل هذا ما أودى بالمجتمعات إلى الطب النفسي؟
الطب النفسي بات واقعاً مفروضاً في ظل اقتصاد العولمة، وأصبحت مافيات الأدوية النفسية التي تُصدَّر لنا، تدر مئات المليارات سنوياً على رؤوس الأموال العالمية، مما خلّف أعراضاً جانبية ظهرت في جنوب جدّة... حيث المعنويات هابطة ولا أمل أو نجاة إلا بالعمل، والبطالة تسجل رقماً قياسياً كبيراً، بينما في الشمال أكثر ما يشغلهم أين يمضون إجازة نهاية الأسبوع، داخل جدّة أم خارجها! هذا التناقض الكبير بين شطرَي المدينة في أبسط الحقوق الإنسانية له دلالته المؤلمة.

-  ما العوامل التي جعلت الطب النفسي يطفو حالياً على السطح مقارنةً بالماضي؟
تفكك الروابط الأسرية والاجتماعية وانحلالها، إضافة الى أسلوب الحياة السريع، وما الدكتورة كرمة عبدالودود إلا واحدة من اللواتي عِشْن في أسرة مفككة، فالأم مطلّقة ومتزوجة، والأب مزواج يبدل زوجاته وفق أهوائه، وبطل الرواية “عمر” عاش بين ثقافتين مختلفتين من أم فرنسية وأب سعودي، وزوجة أميركية تركت له خمسة أطفال وعادت الى وطنها الأم... بينما في الماضي كانت المجتمعات مترابطة وقوية، والأسر متكاتفة وبعيدة من المتطلبات العصرية التي تجعل الإنسان عرضة للضغوط العصبية والنفسية.

-  كيف تصفين موظفي الشركات بعد هذا النظام؟
الموظفون في الشركات العالمية يجسّدون العبودية في نظام العالم الجديد.

-  لماذا ركزت على أن الفساد يستشري في القطاع الخاص وليس في القطاع الحكومي؟
القطاع الحكومي يحترم آدمية الإنسان، ففيه يتوافر الأمان الوظيفي، وعدد ساعات العمل المنتظمة، إضافة الى التأمين الصحي، والتمكين من الراتب التقاعدي، أما القطاع الخاص فساعات العمل فيه ممتدّة، والتأمين الصحّي لا يغطي الحالات المرضية في أكثر الأحيان، ومنظومة العمل غير منتظمة إذ يحق لصاحب العمل أن يطلب دواماً إضافياً من دون عائد مادي، ويسعى إلى زيادة الأرباح على حساب الموظف. 

-  في الرواية صببت جام الغضب على رجال الأعمال السعوديين، ما السبب؟
لأن هؤلاء كوّنوا ثرواتهم بدعم كبير من الحكومة الرشيدة في زمن الطفرة، وتشكلت رؤوس أموالهم الكبيرة آنذاك، فمن باب أولى رد الجميل للحكومة بتوظيف شباب الوطن وليس باستغلالهم ورفضهم والتشكيك بقدراتهم تحت شعارات واهية لا أساس لها من الصحة، وعبارات غير مقبولة بأن الشباب السعودي غير مؤهل للعمل، فلتمتد يد رجال الأعمال وتؤهلهم بدلاً من التشكيك بمهاراتهم وعدم توظيفهم أو التذرّع بوجود موظفين غير سعوديين، فالعمل كثير والقطاع الخاص يستطيع استيعاب السعودي وغير السعودي في آن واحد، لكنهم أحجموا عن توظيف الشباب مما أدى إلى قطع الأرزاق، وخلق بطالة كبيرة في المجتمع.

-  البطلة طبيبة نفسية تعاني مرض “ثنائي القطب”... متقلبة المزاج والطباع والانفعالات، فكيف لها أن تعالج المرضى النفسيين؟
من السهل جداً علاج الآخرين وإرشادهم، وتذليل الصعاب أمامهم، لكن من الصعب إيجاد حل لمشكلتها الشخصيّة التي تنبع من داخل بيئة العمل الفاسدة التي تعمل فيها والتي تعود الى نظام عمل غير مُنصف. وحين كان يأتيها الهوس تردّد مقطعاً من أغنية لأم كلثوم “أهرب من نفسي أروح على فين”.

-  علاقتها العاطفية مع البطل عمر، مهندس الديكور، كانت متأرجحة ومتقلّبة، وينقصها التوازن والاستقرار، كيف استطاع تحمّل انفعالاتها التي لا رادع لها ولا حدود؟
على الرغم من الظروف الصعبة التي مرّ بها البطل “عمر” والتي سببت له ضياعاً في الهوية، أسعفته ثقافته وشخصيّته في تقبّل الآخر، وجعلتْه يتفهم الدكتورة “كرمة عبدالودود” التي بلغت سنّ الأربعين وهو تعدّاها بقليل، فالرجل في تلك السنّ لا يجري وراء الحب والمغامرات بمقدار ما يبحث عمّن يشاركه الحياة بالمحبة والمودة والرحمة.

-  وهل يستطيع الإنسان أن يعيش من دون حبّ؟
الحياة بلا حب كالجدول بلا ماء، لا طعم لها ولا لون، لكنّ بناء الأسرة على الحب وحده لا يكفي، فلا بدّ من تفهّم الآخر وتقبّله، وسيادة المودّة والرحمة بين الشريكين. في مجتمعنا، اختلّت الأسس فتصدّعت مؤسسة الزواج.

-  ما هو الصوت/الرسالة الذي تريد الروائية غادة إيصاله إلى المجتمع؟
أهمس في أذن كل أب: أولادك بحاجة إلى الوقت تمضيه معهم مملوءاً بالحب وهو أثمن من أي مادة تتلقاها وتنفقها عليهم، فالبنت تحتاج الى احتواء الأب لها، حتى تزيد ثقتها بنفسها، وتشق طريقها الصحيح نحو تحقيق ذاتها، وابنك يحتاج إلى بناء شخصية مميزة وقوية لها قيمتها في المجتمع.

وإلى كل أم أقول: حاولي إبعاد أولادك عن الخلافات الشخصية وامنحيهم الحنان.

أما رجل الأعمال، فأقول له: تزوّد بقليل من الإنسانية، وقليل من الوطنية، وقليل من أداء واجبك نحو وطنك وأهلك، سواء كانوا من بلدك أو من خارجه لأنهم أمانة في عنقك.

-  كيف تقرأ غادة التحوّلات الاقتصادية الراهنة في المجتمع السعودي والتطوّر الملحوظ الذي يشهده؟
التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي قدمتها الحكومة الرشيدة رائعة، خلقت فرصاً كبيرة للبسطاء وللمرأة على وجه الخصوص بإعادة اكتشاف ذاتها وبناء مستقبلها، فهناك أمل كبير لكل إنسان مجتهد، وما من إنسان فاشل، وإن لم تجد الفرصة فاخلقها بنفسك/ اخلقيها بنفسكِ في ظل التحول الاقتصادي، وإن كان رأس المال بسيطاً.

-  هل تطمح غادة إلى أن تحمل حقيبة وزارة الإعلام؟
أستحق أن أكون وزيرة إعلام وبجدارة الحياة.

-  ما الذي تطمحين لتغييره في الإعلام؟
تأسيس محتوى إعلامي ترفيهي يحترم عقل المشاهد، والابتعاد عن برامج معلّبة من الخارج، ولدينا الكثير من المهارات في المجال الإعلامي يستطيعون تقديم برامج بجدوى ثقافية رائعة.

-  تقولين إن الصورة بألف كلمة، أهذا ما دفعك إلى دخول المجال التلفزيوني؟
الصورة أسرع من الكلمة وأحياناً أفعل، لذلك كان طموحي أن أدخل هذا المجال للقاء نجوم الفن العالميّ من مطربين وفنّانين وكتابٍ استطاعوا أن يحققوا نقلة كبيرة من أناس بسطاء إلى مؤثّرين في الحركة السينمائية العالمية، وأوجّه لهم أسئلة إنسانيّة تكون الإجابات عليها حلقة الوصل بينهم وبين جمهورهم.

-  هل السوشيال ميديا استعمار فكري؟
هي فكر جديد لا نستطيع الانفصال عنه، لكن أصبحنا أسراه وضحاياه.

-  درست في الجامعة الأميركيّة في القاهرة، كيف استطعت التأقلم والعيش في مجتمع مختلف، ما هي التحدّيات التي واجهتْك؟
التحديات كبيرة لأن الأنظمة التعليميّة تختلف بين بلد يعتمد على التلقين والحفظ والرأي الواحد، وبلد تعتمد أنظمته على اختلاف الرأي والمناقشة المفتوحة، وبفضل المدارس الصيفية الأوروبية التي كنت أرتادها في صغري وشبابي، استطعت تجاوز تلك التحديات التي واجهتني في المرحلة الجامعية، وهذه التجارب المتنوّعة أغنتني وأفادتني في كتاباتي المستقبلية.

-  كانت لكِ تجربة كتابة المقال في جريدة “اليوم السابع”، كيف استطعت النفاذ إلى الإعلام المصري؟
ذهبت إلى رئيس التحرير خالد صلاح متسلّحةً بخبرتي الإعلامية، سواء في الصحافة أو في وسائل الإعلام من “عرب نيوز” إلى قناة “العربية” والتلفزيون السعودي، مما أهّلني لـ”أحطّ” في “اليوم السابع” ولأغادر في ما بعد وأوثّق اسمي كروائية متفرّغة للعمل الأدبي.

-  قدّمت برنامج “لها” في التلفزيون السعودي، ما أهمّ القضايا التي طرحتها؟
طرحت قضايا مهمة في الثقافة والأدب والفن من خلال أسئلة تلامس الجانب الإنساني ليستفيد المشاهد من التجربة، وأغتنمها فرصةً لأوجّه الشكر الجزيل للسيدة علياء المشيِّخ والأستاذ خالد البيتي.

-  ماذا حقّقت لك تلك التجربة؟
تحقّقتْ ذاتي حين وضعتْني على أرضٍ صلبة وقويّة.

-  هل من مشاريع جديدة في الإعلام؟
أركّز على الكتابة الروائيّة والعمل الأدبي، إلى أن تسنح فرصة جميلة لاحتلال حيّزٍ على الساحة الإعلامية.

-  من هي غادة عبود الإنسانة؟
امرأة بسيطة تعتزّ بإنسانيتها. منحني والدي مساحة كبيرة من الحرّية الفكرية والتعليمية لأبني ذاتي، وأكوّن شخصيتي، وحان الوقت لرد الجميل ليكون فخوراً بي، حين أحقق نجاحاتي على المستويين الإعلامي والأدبي، ومهما عملت لن أوفّيه حقّه.

-  ماذا تقولين لـلمرأة عامة؟
أنت أجمل النساء، وتستحقّين كل الحب. تحقيق الذات شيء جميل، والأجمل الأمومة العظيمة، توّجي نجاحك بأسرتك وكوني زوجة مُحبّة وأمّاً حنوناً وابنة بارّة، وأختاً عظيمة.

-  ما المطلوب من رجال الأعمال السعوديين؟
أن يتعلّموا من التجارب العالمية أو الخليجية، وعليهم ردّ الجميل للحكومة السعودية بتوظيف شباب الوطن ولمن جاء يطلب رزقاً في أرضنا ورحَّبنا به، وعدم إعطاء الفرصة فقط لأقاربهم ومن في دائرتهم. 

-  ما هي رسالتك للمرأة السعودية؟
ها قد فُتِحتْ كل الأبواب أمامك أيتها المرأة السعودية، ولديك الفرص لتحقيق ذاتك في كل المجالات، وحصلت على حقوق لك كنت تفتقدينها من خلال رؤية 2030... فلا تنسَي أسرتك ولا أهلك، كوني واثقة من خطواتك فالرجل ليس عدوك بل أبوك وأخوك وزوجك وصديقك، وسندك الحقيقي.