المرأة أمام الزواج الثاني...شهادة حياة من لبنان

مشكلة / مشاكل إجتماعية, تحقيق, طلاق, المجتمع السعودي, يوم المرأة العالمي, الأعراض, بشرى قبيسي, علم إجتماع, الأمومة, المرأة العربية / نساء عربيات, شهادات حيّة, علم النفس, الزواج الثاني, الحب الأول, الزواج الأوّل, رضوى سعيد عبد العظيم, قصر العيني, الآث

03 نوفمبر 2009

الزواج الثاني بعد طلاق توافقي أو تصادمي، خطوة "لا تحتمل الفشل" عند المرأة لا الرجل. قرار حذر قد تقدم عليه المرأة المطلّقة تاركة كنية الزوج الأوّل لتقترن بشريك ثانٍ بحثاً عن الإستقرار أو هرباً من نظرة المجتمع الظالمة غالباً. قرار قد يسلب المرأة إمتيازات الزواج الأوّل خصوصاً إن كانت والدة، حتى أن الرجل يستثنيها أحياناً كشريكة مستقبلية، «لأنه ليس مضطراً للزواج من كائن ناقص».

تجربة أمّ مطلقة تزوجت من جديد ونظرة «رجل اليوم» إلى وضعها ورأي علم الإجتماع في هذا التحقيق من لبنان: زهرة صالح


زهرة أمّ لبنانية تجرّأت وطلبت الطلاق من زوجها بعد حب كبير كلّله الزواج الذي إستمرّ تسع سنوات رغم معارضة الأهل. زوج كاد يسلبها حقّها في متابعة تحصيلها الجامعي لكنه لم ينجح سوى في الحصول على منزل رسمته بخط يدها وأشرفت على أدق تفاصيله تصميماً وتمويلاً. تطلّقا وتمت خطوبته بعد ثلاثة أيام، تزوج وتطلّق ثانية، ثم تزوج للمرة الثالثة. أما زهرة فقد تزوجت لاحقاً ونتيجة ذلك كان حرمانها من ممارسة أمومتها ورؤية إبنها مرة شهرياً ولمدة ساعة. التفاصيل ترويها إمرأة أحبّت ثم تزوجت ثم تعذبت ثم أنجبت ثم عُنّفت ثم طلّقت ثم تزوجت ثم أحبّت..


الحب الأول

«هو قريب كان يتردد إلى بيتنا. كان يقطن في الجبل ويعمل في بيروت. أسرتي كانت تعامله كصديق العائلة. عندما تدهورت الأوضاع الأمنية في فترة الثمانينات، بات يمضي أوقاتاً أطول في منزلنا. أبي هو من أمّن له وظيفة وكان تردّده إلى المنزل لتلبية بعض الخدمات نوع من الإمتنان. أصيب في الحرب، تعاطفت معه وشعرت أنني أكنّ له معزة خاصة وأكترث لأمره. يوماً بعد يوم بدأت أفتقد وجوده كذلك هو وهنا بدأ التقارب بيننا. في هذه المرحلة كنت قد شارفت على دخول الجامعة وقد تنبّه أهلي إلى أن دخول هذا الشاب إلى المنزل لم يعد ضمن إطار القرابة بل إن ثمة علاقة تنمو بيني وبينه.

عارض أبي الأمر بشدة لأنه لم يرَ إنسجاماً بين واقعينا الأسريين. كان قلبي يطغى على كل تفكيري، لجأت إلى خالي لإعلامه برغبتي في الإرتباط بهذا الشاب. لكن أبي ظلّ معارضاً خصوصاً أنه لا يحمل شهادة جامعية. لكن إصراري في تلك الفترة كان صلباً وكنت حريصة أن أظهر لأبي قدرتي على التغيير وتعديل شخصيته. قدمت له طلب إنتساب إلى كلية الحقوق في إحدى الجامعات اللبنانية وكنت حريصة على تدوين محاضراته لتشجيعه. لكن عبثاً كان يتنصل ويختلق الحجج لئلا يجلس على مقعد الدراسة. تمت خطوبتنا وكنت سعيدة ومقتنعة بأن هناك الكثير من التفاصيل رهن التغيير. بدأ يشعر بالضيق من دراستي الجامعية ويتذمّر من عالمي الجديد. كنت أتكتم عن كل تصرفاته لأنني كنت مقتنعة بأنني المسؤولة عن الحفاظ على تلك العلاقة، علماً أنني لو عدت إلى الماضي لكنت فسخت خطوبتي عند أوّل مشكلة.


الزواج الأوّل بخطى حبيبة وهواجس طالبة

شعرت بنظرته المادية إلى الأمور كان خائفاً من مترتبات عقد القران لكنني كنت متمسكة به لأنه مختلف عن عالمي الجامعي وربطت نضجه بسنّه فهو يكبرني بعشر سنوات. يوم عقد قراني كان أبي يشعر بأنه يقدم إبنته على طبق من فضة لرجل لا يستحقها. تزوجنا وإزداد إنزعاجه من الجامعة وفكرة الدراسة رغم أنني كنت أضاعف جهدي في تلبية كل واجباتي الزوجية ولا أهمل أي تفصيل. هنا أيقنت أنه يخاف ويستبق فكرة تفوقي عليه.. رسبت في السنة الجامعية الثانية لكني عاودت الدراسة. كنت أشعر بالإرهاق الشديد حملت وأجهضت مرتين.

عانيت كثيراً للحصول على شهادتي الجامعية. أبي دعمني كثيراً كان يذهب بنفسه لتقديم طلب تسجيلي وشراء الكتب ومستلزمات الدراسة. كان يقول لي عليك فقط الدراسة، كان يشعر أن العلم سيكون سلاحي وكان يريد لي الأفضل في المجال المهني. نلت إجازتي الجامعية وهنا فجّر زوجي كل خوفه وأعلن هواجسه. شعر بالدونية الثقافية رغم أنني لم أسعَ يوماً إلى إرساء هذه الأجواء وكان إحساسه عفوياً ومنطقياً. وجد أبي لي وظيفة أفضل بعدما أقصيت فرصة العمل في جامعة الدول العربية حرصاً على حياتي الزوجية .

بدأ يستغلني مادياً وكنت على الدوام أرجح كفة العاطفة خصوصاً بعد ولادة إبني رغيد. بنينا منزلاً في الجبل من تصميمي وساهمت في جزء كبير من تكاليف بنائه فراتبي كان يفوق ما يتقاضاه من عمله. كان يستاء من زيارة صديقاتي وزملائي ويريد أن يفرض عليّ عزلة إجتماعية. حتى أنه بات يترصدني ويراقب تنقلاتي. بدأت الأمور تتأزم يوماً بعد يوم وتعرضت للضرب أكثر من مرّة وخضعت لتقرير طبيب شرعي. تحوّل الحب إلى إنتقام  وتشكيك. كان يبحث دون جدوى عن عامل التغيير الذي طرأ على شخصيتي الثقافية لا الزوجية.


هاية الحياة الزوجية وخطوبة الزوج بعد ثلاثة أيام من الطلاق

بدأت أفكر في مخرج وطلبت الطلاق بعدما إجتمعت مع محامي العائلة الذي قال لي أنني أطلق شرعاً بوجود أسباب موجبة وبالفعل تحرّرت منه دون إرادتي لأنني حتى اللحظة الأخيرة كنت أراهن على تقويم سلوكه. كان رغيد في الرابعة من عمره. قال لي لنهرب إلى منزل جدتي كان يحبها كثيراً. طفلي كان حافزاً  لكي أظل قوية متماسكة. تطلقنا في جلسة واحدة. وتمت خطوبته بعد ثلاثة أيام وتم الإحتفال به كرجل سعيد بطلاقه.

صُدمت كثيراً لسلوكه خصوصاً أنني تحديت أسرتي من أجله ولم يقدّر عواطفي. علمت أنني أحرقت عشر سنوات من حياتي. تزوج بعد أشهر قليلة لكن زواجه لم يستمر أكثر من سنة. في هذه الفترة تحلّق الأقارب حولي سائلين عن رغبتي في الرجوع إليه. لكن كرامتي المجروحة منعتني من دخول منزلي الذي عبثت به إمرأة أخرى. في تلك الفترة لم تفارقني نظرة المجتمع القاسية التي تعد خطواتي حتى على الدرب المؤدية إلى العمل.


واجه للمرة الثالثة ثم زواجي للمرة الثانية

تزوج للمرة الثالثة وأنا أيضاً تزوجت بعدها لكنه حرمني أمومتي الطبيعية بعدما إنتقل رغيد للعيش معه. لم أشأ الدخول إلى المحاكم ثانية حرصاً على إبني الذي كان في السابعة والنصف من عمره رغم أنني أستطيع إنتزاع حقي في رؤية طفلي الذي أقنعته بسيناريو الإبن الذي يسافر إلى الخارج لمتابعة تحصيله العلمي بعيداً عن حضن والدته وأن المسألة مرتبطة بالوقت الذي سيمضي لا محال. وجدت دعم الأسرة وزملاء العمل وتقدم أحدهم بطلب الزواج مني بعد قدومه من بلغاريا إثر إنهائه دراسته في الهندسة.

تعلّق بإبني كثيراً ومنحه عاطفة كبيرة، إبني عمره اليوم ١٤ عاماً وهو يتكيّف مع ظروفه وزوجة والده الثالثة تعامله جيداً حتى أنها أنجبت له شقيقاً. تزوجت للمرة الثانية رغم معارضة عدد من أفراد عائلة زوجي الجديد لكنه تمسك بي كثيراً وبدّد ترددي لأن ثقتي بالآخر خصوصاً الرجل كانت هشّة للغاية. كان منسجماً وتفكيري وتجمعنا قواسم إجتماعية وثقافية مشتركة. بت أنظر إلى طلاقي أكثر من أي وقت مضى ونصحته بالزواج من إحدى صديقاتي لكنه وجد فيّ الزوجة والشريكة والصديقة خصوصاً أننا في السن نفسها. تزوجت بعد ثلاث سنوات من طلاقي وشعر أهلي أنني أتزوج للمرة الأولى ولا أظن أنني سأجد حياة زوجية أنجح. زواجي الأول هو حب أدى إلى ندم أما الثاني فهو نضج منحني حباً حقيقياً».


الزواج الثاني في ميزان علم الإجتماع
: المرأة هي المُلامة غالباً في فشل الحياة الزوجية
تقرّ الدكتورة بشرى قبيسي أستاذة علم الإجتماع في الجامعة اللبنانية بنظرة المجتمع غير المتساوية للفتاة التي تتزوج لأول مرة والمطلقة التي تريد الإرتباط للمرة الثانية. «غالباً ما تكون المرأة هي المُلامة في فشل حياتها الزوجية وتدفع ثمن وقع كلمة الطلاق دون معرفة أسبابه. فقد وضعها المجتمع ضمن هالة قاتمة وما إن تقرر الزواج مرّة أخرى خصوصاً إذا ما تزوجت في فترة ليست ببعيدة عن طلاقها تثار الأقاويل من حولها رغم وجود بعض البيئات المنفتحة التي تنظر إلى هذا الموضوع بكثير من العقلانية باعتباره محاولة بحث عن الإستقرار من جديد.

من جهة أخرى يكفي للرجل أن يطلق حتى يتزوج في اليوم التالي لا بل إن المرأة هي من تدين المرأة أحياناً وتشجع الرجل على الزواج من فتاة لم يقرب منها أي رجل حتى شرعاً». وتأسف للمجتمع الذي يرمق المرأة المطلقة بعين الشفقة أحياناً كونها إنساناً ضعيفاً لكنه في الوقت نفسه يدينها إذا عثرت على الشريك الذي تقوى به ويضعها تحت بقعة الضوء لتقويم تجربتها الثانية. فالفشل ممنوع هذه المرّة وسيرتبط الفشل الثاني إذا ما وقع بالفشل الأوّل».

وتجد أن المرأة المطلقة وفق خلفيتها الأسرية والثقافية يمكن تصنيف خيار زواجها الثاني ضمن ثلاث خانات: «المرأة الضعيفة التي تقبل بأي عرض زواج بغية إيجاد السّند والتخلص من ملاحقة المجتمع وعقوبته المعنوية والعبء الإقتصادي الذي قد تشكله لأهلها، المرأة المستقلة مادياً  وتبحث عن شريك يؤنس وحدتها وتطمح معه إلى حياة أفضل وهو شريك على كل المستويات، والمرأة التي لا تأبه بالمجتمع بل تتصرف إنطلاقاً من قناعتها وراحتها».

وعن سبب معارضة المجتمع لفكرة إرتباط الإبن بمطلقة تقول: «لا يزال المجتمع  يضع عامل عذرية الفتاة في المرتبة الأولى ويربط خطوة الزواج بعامل الجسد، والرجل في مجتمعنا الشرقي "تتحقق رجولته" إذا تزوج من فتاة عذراء مع العلم أن المرأة المطلقة قد تؤمن مقومات الزواج الناجح خصوصاً أنها خاضت تجربة زواج وباتت أنضج في ظل مجتمعنا الذي لا يسمح للمرأة بدخول عالم الرجل».

وحول ما يجب أن تراعيه المرأة في زواجها الثاني تقول: «المرأة المطلقة خصوصاً الأم عليها أن تختار الزواج المناسب وأن تكون مسؤولة تجاه طفلها ولا تستقيل من دور الراعية والحامية كما أنها يجب أن تعرف ما سيكون عليه وضعها الإجتماعي الجديد ضمن عائلة الزوج  وأن يكون إختيارها نابعاً من التأني والصراحة والوضوح».

وتلفت إلى أنها سبق أن أجرت دراسة عن المطلقات وإنعكاس الطلاق عليهن وتوصّلت إلى نتيجة مفادها «أن الزوجة الثانية لديها دائماً حساسية من أولاد الزوج كذلك الأمر بالنسبة لأبناء الزوجة من زواجها السابق، مما يعني أن هناك إحتمالاً لنشوء مشاكل تخرج من إطار علاقة الشريكين وترتبط بالمحيط ونتائج التجربة السابقة. وتختلف غاية الزواج مع العمر، فالمرأة الثلاثينية تبحث عن الزوج والأب أما من تخطت عقدها الرابع فهي تبحث عن شريك لوحدتها.

وتختم بالقول: «المجتمع الإسلامي ولغايات راقية وإنسانية كان يحتضن المطلقة ويعرض عليها زواجاً مدبراً من أجل إبعادها عن الإنتقاد».


أعراض ما بعد الصدمة في نظر علم النفس وعلم الإجتماع
الدكتورة رضوى سعيد عبد العظيم
طبيبة الأمراض النفسية والعصبية في قصر العيني، تقول: «دخول المرأة تجربة ثانية يعتمد على أكثر من عامل، مثل شخصية تلك المرأة، وظروف الزيجة الأولى وما حدث فيها والأسباب التي أدّت إلى الطلاق، وظروف الطلاق نفسه وكيف حدث. وأهم شيء أنها تجربة أولى يجب أن تتعلّم وتدقّق في الاختيار الثاني، وتطلب حقّها الشرعي في التحقّق من الشخص الذي يريد أن يتزوجها، فالرجل له الحق في المعاينة والاختيار فلماذا لا تأخذ هي أيضاً هذا الحق.

طبعاً هناك دائماً خوف لدى المرأة المطلّقة لإحساسها بالتهديد بأن تحصل على لقب مطلقة مرة أخرى إذا فشلت للمرة الثانية، فهناك ما يُعرف في الطب النفسي بأعراض ما بعد الصدمات، فيكون هناك قلق بعد تلك التجربة الأليمة وإحساس شديد بالخوف، واكتئاب، لأن الطلاق يوازي أن يتعرض الشخص لزلزال شديد أو كارثة طبيعية. ولكن يجب على المرأة أن يكون لها كيان وتعتمد على بنيانها النفسي، وتتحمل مسؤولية قراراتها، وتغلق كل ملفاتها الأولى من حيث النفقة وخلافه، قبل فتح ملف جديد».


جاوز الآثار السلبية

وتقول أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور: «في المجتمعات الشرقية المجتمع يتحامل على المرأة في حالة الطلاق، وتكون هي المذنبة، ويقال إنها سبب فشل التجربة. فهذا الاتهام يجعلها تخاف من الدخول في تجربة أخرى. وحتى لو كان زوجها سيئاً يقولون إنها فشلت في تغييره لذلك حدث الطلاق. وهذا الإحساس بالفشل يجعلها تخشى أن تفشل في تجربة ثانية، لأنها في هذه الحالة ستثبت فشلها هي وليس فشل التجربة.

كما أن المرأة المطلّقة لها درجة ثانية في الاختيار، وفرصها في الزواج الثاني تكون محصورة في رجل مطلّق أو لديه ظروف معينة، وهذا يزيد احتمالات الفشل، خصوصاً أن المرأة تدخل تجربة ثانية وليس لديها ثقة بنفسها، ولكن يجب عليها أن تتجاوز الآثار السلبية للتجربة الأولى، وذلك بثقتها لنفسها، إلى جانب أنها يجب أن تعمل حتى تختار رجلاً مناسباً.

كما أن العمل سيجعلها وسط مجتمع الرجال فتختار الأفضل. ويجب أن تضع في عقلها أن تتزوج من أجل أن يحقق لها هذا الزواج إضافة، وليس الزواج من أجل الزواج فقط، فساعتها تستطيع المرأة أن تدخل تجربة ثانية بكل ثقة».