بين الأهرام ومياه النيل قصص تاريخ خطّته حضارة 5 آلاف عام

القاهرة كارولين بزي 08 ديسمبر 2018

ما إن حطت الطائرة في مطار القاهرة الدولي حتى بدأ قلبي يخفق بسرعة. أكن لتلك المدينة مشاعر مختلفة، ولطالما سألني أصدقائي المصريون عن سبب محبتي لبلدهم، إلا أنني لا أملك جواباً واضحاً، ربما لأنه يُقال إن من يشرب من مياه النيل يعود إليها مجدداً، أو لأنها تمثل حقبات تاريخية مختلفة، أو لأنها بالنسبة إليّ رمز للعروبة، وبالتالي أشعر فيها بالانتماء، بالحنين إلى ذاك التاريخ العريق الذي بنى أبناؤه أبرز وجوه الحضارة الفرعونية، الأهرام... إلى نيلها الذي أعاد الحياة الى الصحراء، إلى شعب لطالما اتسم بالطيبة وحس الفُكاهة.

من مطار القاهرة توجهت إلى فندق The Nile Ritz Carlton، أخذت قسطاً من الراحة في ثاني أكبر جناح في الفندق بإطلالة ساحرة على النيل، ثم تحضّرت لموعد العشاء الذي أُقيم في الطابق العلوي المطلّ على واحد من أجمل المناظر الخلابة في القاهرة، حيث يستريح نهر النيل، أحد أطول أنهار العالم عند ضفة القاهرة، تلك المدينة التي لا تنام، والمُشرف من الجهة الثانية على المتحف الوطني، وميدان التحرير أشهر ميادين القاهرة. وبخلطة سرية أعدّ الشيف في الفندق ألذ أنواع المشروبات ليستقبلنا على العشاء، وكان المفضّل عندي شراب الفراولة مع المياه الغازية والليمون.

خلال العشاء، أخذتني مخيّلتي إلى عالم عمالقة الفن والطرب أبناء مصر الفرعوينة، مع عازفي الموسيقى الذين حضروا ليطربوا ليلتنا الأولى في القاهرة. بعد ليلة ممتعة اختلطت فيها الأطباق الشهية بالموسيقى والأغنيات العربية، توجهت إلى غرفتي لأخلد إلى النوم.

 

هل استيقظتم يوماً وأنتم على سطح النيل؟

في الغرفة المطلّة على نهر النيل، تشعر عندما تفتح عينيك وكأنك مستلقٍ بين أحضان مياه النيل...

لن تشعر أنك في مصر إذا لم تزر الأهرامات، فكانت الوجهة الصباحية إلى أهرامات الجيزة. في الطريق إلى مقصدنا، تجتاحك الشوارع بأطفالها المتأبّطين أيدي آبائهم وأمهاتهم والمتجهين إلى المدرسة، تلتقي بأولئك الشبان القاصدين أعمالهم والفتيات اللواتي تجمّعن ليذهبن معاً إلى المدرسة أو الجامعة. في طريقك إلى الأهرام تلتقي بالشعب الطيب الذي أنهكته الحياة وما زال يكافح ويعاندها بعزيمته، تلك العزيمة التي شيّد بها الفراعنة واحداً من أهم المعالم الأثرية في التاريخ، وإحدى عجائب الدنيا السبع، الهرم الأكبر الذي بناه قدامى المصريين.

وصلنا إلى الأهرام، إلى عراقة التاريخ، إلى حضارة عمرها أكثر من خمسة آلاف عام، إذ وُلدت الحضارة المصرية حوالى عام 3150 ق.م.

وسط حضارة مصر القديمة كانت المفاجأة، إذ تم نقل فندق خمس نجوم إلى الصحراء، فكان في استقبالنا واحد من أهم فرق الضيافة في فندق St Regis في القاهرة. الفطور فكان خيالياً، من حيث طريقة تقديمه المحترفة ومذاقه اللذيذ والمتنوع، فلم أتوقع أبداً أن أجد مطعماً بخمسة نجوم يجاور الهرم، كما لم أحلم بعيش هذه الرفاهية والترف عند الأهرامات وكأنني كليوباترا أو نفرتيتي ابنتا مصر القديمة.

ضيافة لا مثيل لها

المفاجأة لم تنته هنا، فبعد أن تناولنا ألذ الأطباق العالمية على مائدة الفطور، قصدنا الخيمة لنجد صالون تجميل متكاملاً، حيث كان في انتظارنا أشهر خبيرات التجميل في مصر، ليضعن لمساتهن الساحرة على إطلالتنا. ولكن ماذا عن ملابسنا؟

تم إحضار عدد من الفساتين والعباءات والأكسسوارات لتكون الإطلالة مكتملة. وبالفعل عندما انتهت خبيرة التجميل سالي رشيد من توجيه الارشادات لوضع الماكياج المناسب لبشرتي، طبّقت على بشرتي الماكياج الصحراوي الذي يليق بها وبرمال الجيزة وأهراماتها.

بعدها قصدت خزانة الملابس لاختيار فستان يتناسب مع ماكياجي، فحرتُ بين فستان ذهبي قصير، وتنورة طويلة بلون البيج مع قميص برونزي برّاق، لكنني اخترت التنورة وقميصها لأنهما تليقان بلون بشرتي والماكياج الذي وضعته.

خرجت من الخيمة وكان في انتظاري مصورون محترفون ليلتقطوا لي عدداً من الصور بالقرب من الأهرامات، وعقب جلسة التصوير، استقللت السيارة برفقة عدد من الزملاء وقصدنا فندق الـSt.Regis، وهو أحد أفراد عائلة فنادق الماريوت في العالم، يتألف هذا الفندق من 39 طبقة، شرفاته مطلّة على النيل والمدينة من مختلف جوانبها، إلا أنه لم يفتح أبوابه بعد.

إلى فندق The Nile Ritz Carlton عدنا أدراجنا، لنرتاح قليلاً ونتهيأ للعشاء، إلا ان التحضيرات هذه المرة كانت مختلفة، حضر إلى الفندق مصفّفو الشعر وخبراء التجميل، للاهتمام بإطلالاتنا المسائية.

صففت شعري وأضفت مريم لمسة فنية على وجهي، اختارت فيها الألوان الترابية التي تليق ببشرتي، ثم ذهبت إلى غرفتي وارتديت ملابسي وتوجهت برفقة الزملاء إلى قصر محمد علي أو متحف قصر المنيل، الذي يقع في جزيرة منيل الروضة في القاهرة.

بنى القصر الأمير محمد علي توفيق الابن الثاني للخديوي توفيق، وقد اختار الملك فاروق موقع القصر بنفسه. ويعكس القصر أسلوب حياة القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كما أن لكل غرفة فيه ثقافة معينة، وحضارة مختلفة، فمنها ما يعكس الطابع المصري وغرف أخرى تعكس الطابع العثماني، الفارسي والشامي...

في ذلك القصر الذهبي الساحر تعيشين وكأنك ملكة تتربع على عرش قصرها الفخم. أسلوب الضيافة كان مميزاً إذ أتقنه النُدل العاملون في فندق الـSt.Regis، فكانت كل حركة بما فيها تقديم الطبق أو رفعه عن الطاولة مدروسة بدقة واحتراف. لم يعتمد المنظمون على جمال قصر محمد علي وأسلوب الضيافة فقط، بل على أطباق حيكت بإتقان لإرضاء مختلف الأذواق. وفي المقابل ارتأى المنظمون اختيار موسيقى الجاز التي كانت عنصراً أساسياً في أغلب الأفلام المصرية القديمة، فكانت ليلة امتزجت فيها الفخامة وعراقة التاريخ والفن الراقي.

متعة الأطباق الشهية والمنافسة الرياضية

في الصباح الباكر وضّبنا أمتعتنا، وتوجهنا إلى فندق JW Marriott في منطقة التجمع الخامس في القاهرة. استقبلتنا إدارة الفندق في مكان تشعر فيه أن الطبيعة تحاصرك من كل حدب وصوب. هناك حيث تمت استضافة أشهر مطابخ العالم لتلبية متطلباتنا من كل ما لذ وطاب، بالتأكيد كان لا بد لنا من أن نتناول الأطباق المصرية التقليدية، ثم اخترت تجربة الأطباق الآسيوية وذهبت إلى حيث المطبخ الذي أعشق، أي الإيطالي وقد قمت بتحضير الباستا وفقاً للمكونات التي اخترتها.

بعد الغداء، اخترت بين صناعة الحلويات وبين الغولف، رياضة الغولف. إذ إن هذا الفندق يتميز بمساحات خضراء شاسعة تتيح لمحترفي الغولف ممارسة تلك الرياضة، ويجد المبتدئون متخصصين ومدربين لهذه الغاية. وبالفعل تدربنا قبل أن تبدأ المنافسة بيني وبين الزملاء، خلال المباراة كان على كل واحد منا أن يرمي الطابة ثلاث مرات ومن يصيب الهدف الأبعد يفوز، وكاد الحظ أن يحالفني، لكنني لم أستطع تخطّي النقطة القصوى، ولكن لا أنكر أنها كانت تجربة رائعة.

بعد الغولف توجهت إلى الشاطئ الرملي حيث تم تصميم شلالات تتدفق منها المياه إلى البحيرة الصغيرة التي نسبح فيها.

مساءً وقبل تناول العشاء، خضعت لجلسة تدليك لمدة ساعة. مع جلسة التدليك تترك أمتعتك من التعب خارجاً وتغوص في عمق الصحة النفسية، فتستريح من التفكير وتطلق العنان لجسمك لكي يستريح.

في اليوم التالي، بعد تناول الفطور مع الأصدقاء، توجّهت الى حوض السباحة ومن ثم استعددتُ للذهاب إلى أحد المولات التجارية القريبة من الفندق. بعدها عدت أدراجي فوضبت أمتعتي وإلى المطار كانت وجهتي، في رحلة لن أنساها.

لطالما كانت القاهرة من أكثر المدن التي أحب، نظراً لإعجابي بتاريخ تلك المدينة العريقة ومحبتي لشعبها الطيب، ولكن مع مجموعة فنادق Marriott عشت الرفاهية والفخامة وتعرفت على القاهرة وأهراماتها من زاوية مختلفة وأكثر جمالاً.