كنز محمد خان مشوار حياته يرويه سعيد شيمي من خلال خطاباته

القاهرة – طارق الطاهر 09 ديسمبر 2018

لا شك في أننا أمام كتاب غير عادي، بحيث أعدّه واحد من أهم مصوّري السينما المصرية والعربية، الفنان سعيد شيمي، عن صديق عمره المخرج الفذّ الراحل محمد خان، من خلال الخطابات التي كان يرسلها إليه، سواء من الإسكندرية أو لندن، فنحن هنا لسنا أمام خطابات عادية، بل خطابات تروي جزءاً من تاريخ السينما.


يحمل الكتاب الصادر عن دار “الكرمة”، عنوان “خطابات محمد خان إلى سعيد شيمي... الجزء الأول مشوار حياة”، وقد قدّم للكتاب الناقد محمود عبد الشكور، الذي توقف عند أهمية الكتاب، وما تطرحه الرسائل من موضوعات تخص التطور الفني لمحمد خان: “سعادتي لا توصف بأن البذرة “الرسائل” قد صارت ثمرة ناضجة، وأن سعيد شيمي اتخذ المنهج الصحيح، فقد جعل من صديقه بطل الكتاب الأساسي، فكأننا أمام دراما هائلة تمثّل قصة حياة خان في سنوات الشباب، مكتوبة بصراحة مطلقة...”.

كشف سعيد شيمي في مقدّمته أهمية هذه الخطابات التي تُعدّ بمثابة “الحياة” بين الاثنين، فقد قرّبت المسافات والأفكار والرؤى والطموحات، يقول شيمي: “كانت الخطابات بيننا هي التواصل المستمر بأخبارنا وأحلامنا وانكساراتنا وحبّنا، والسينما تشغل الحيز الأكبر من مساحة هذه الخطابات. للأسف، ضاعت خطاباتي له مع أمتعته عندما شحنها للمرة الأخيرة من لندن إلى القاهرة، ولم تصل أبداً، ولكن خطاباته لي محفوظة، فهي سجل فنّي للأفلام التي كان يشاهدها ويقيمها ويُطلعني عليها أولاً بأول، وغالبية هذه الأفلام لم تُعرض في مصر، ولكنني كنت على علم بها من خلاله، ومع مرور الزمن تكوّنت لدي معرفة بكثير من الاتجاهات الفنية، حتى قبل نشاط نادي السينما في القاهرة، ولا شك في أن هذا أثرى ثقافتي السينمائية بشكل كبير، وكنت أزوّده دائماً بأخبار تطور السينما في مصر، وأنشر له المقالات التي يرسلها، حتى أصدر وهو في لندن عام 1969 أول كتاب عن السينما المصرية باللغة الإنكليزية باسم “مدخل إلى السينما المصرية”.

هذه الخطابات ليست شخصية بالمعنى الضيق، بل خطابات ترصد تطور مسيرة محمد خان، والعقبات التي واجهته في سبيل إتمام دراسة السينما في لندن، ومتابعته الحركة السينمائية هناك وملحوظاته عليها. ففي كل خطاب كان ينقل إليه انطباعه عن الأفلام التي شاهدها ويحلّل بعضها، أو يحكي عن تجاربه في لندن، ومن ذلك خطابه الذي أرسله إليه في 22 آذار/مارس 1961، ومما جاء فيه: “أخي سعيد... تحية وبعد، وصلني خطابك أمس، ولم أتمكّن من الرد في الوقت نفسه لاستعجالي في الخروج، إذ ليلة أمس كان الحفل الأول للتمثيلية التي أشارك فيها، ونجحتْ والحمد لله، والليلة أيضاً سيُقام الحفل الثاني إذ إننا نقدم التمثيلية في حفلين حتى يكون المكسب كبيراً، وأمس بعد انتهاء التمثيلية خرجنا وقابلنا كاتب التمثيلية نفسه، إذ هو ممثل في الإذاعة والتلفزيون، أيضاً كان رجلاً ذا دم خفيف وبدأ ينقد أدوارنا حتى نمثلها الليلة أفضل من أمس...”.

الجدير ذكره أن محمد خان واحد من أهم مخرجي السينما المصرية والعربية. ولد لأب من أصل باكستاني وأم مصرية في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1942، ويُعدّ أحد أبرز مخرجي السينما الواقعية في ثمانينيات القرن الماضي. شارك في كتابة 13 قصة من أصل 25 فيلماً قام بإخراجها، وحصل عنها على عشرات الجوائز المحلية والعالمية، ومن أهمها “ضربة شمس” و”موعد على العشاء” و”خرج ولم يعد” و”زوجة رجل مهم” و”أحلام هند وكاميليا” و”سوّاق الأتوبيس” و”الحرّيف” و”أيام السادات” و”في شقة مصر الجديدة”. وقد توفي في 26 تموز/يوليو 2016.

ويعتبر سعيد شيمي من أهم مديري التصوير السينمائي في العالم العربي. ولد عام 1943 في حي عابدين في القاهرة، وربطته صداقة قوية بمحمد خان. عشق السينما والتصوير منذ طفولته، فصوّر أول أفلامه وهو في العشرين من عمره. تخرّج في المعهد العالي للسينما، واشترك كمتطوع في تصوير أحداث حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر. وكان أوّل من صور سينمائياً تحت الماء في العالم العربي.

صوّر سعيد شيمي حوالى 75 فيلماً تسجيليّاً وقصيراً و108 أفلام روائية طويلة .