سيدات السعودية يدخلن مجال البيع بقرار ملكي

عمل المرأة, الرضاعة الطبيعية, المرأة السعودية / نساء سعوديات, حقوق المرأة السعودية

16 يناير 2012

لم تعد تستغرب دخول سوق تجارية في السعودية وخصوصا في المدن الرئيسية لتجد فتيات وسيدات داخل المحال يمارسن مهنة البيع، بل أصبح من الطبيعي عملهن في المحلات المختصة بالمستلزمات النسائية. وفي ظلّ ما أكده القرار الملكي الصادر في العام 2011 بتعيين النساء السعوديات كبائعات فإن العام 2012 سيشهد حركة نسائية بكل معنى الكلمة.

«لها» تابعت تنفيذ القرار الذي ألزم أصحاب الأسواق والمراكز التجارية بتعيين الفتيات بائعات، ورصدت ردود فعل أصحاب الشأن المباشر من أصحاب المحلات، والبائعات، وحتى السيدات الموجودات داخل المراكز، إضافة إلى العقوبات التي ستفرض على المحال المختصة ببيع المستلزمات النسائية في حال عدم التنفيذ.


دخلنا أحد المولات المعروفة في محافظة جدة لتقصّي حقيقة الوضع، لنجد عددا لا بأس به من المتاجر بدأ فعليا تنفيذ القرار الذي نصّ على تعيين الفتيات السعوديات كبائعات في محال المستلزمات النسائية خصوصا الداخلية منها. ولكن ما لفت النظر أن بعض المحلات قد عينت نساء قبل صدور القرار بفترة كبيرة.

سارة بن سهل مديرة منطقة نعومي للسيدات في جدة التقيناها داخل مقرّ عملها في السوق التجاري وقالت: «تحت إداراتي ما يقارب 12 معرضاً في جدة، وأنا التحقت في العمل بعد تخرجي من الجامعة حيث عملت في البداية لمدة عامين في شركة ريتال، ومن ثم انتقلت للعمل في محال نعومي قبل ما يقارب ست سنوات، وهي تنفذ سياسة التأنيث منذ سنوات، وعندما صدر قرار تأنيث محلات المستلزمات الداخلية كنا السباقين الى ذلك حيث بدأنا بمحلات «للعائلات فقط» وهي لافتة موجودة على أبواب المحلات توضح أنها للعائلة، الى جانب عدد من المحال المخصّصة للنساء فقط لتكون المتسوّقات أكثر راحة».  وأضافت بن سهل: «المحلات المخصصة للنساء وجدت من يرتادها خصوصا أننا وفرنا خدمة غرف القياس، وهي غرف خاصة وآمنة جدا للنساء توفر عليهن مشقة إرجاع القطعة إذا لم تكن مناسبة. أما المحلات المخصصة للعائلة فتتيح دخول السيدة مع زوجها والتشاور في شأن القطعة المناسبة».

وأكدت سارة أن نساء سعوديات كثيرات أبدين ارتياحاً إلى القرار، فالشراء من بائعة يوفر الكثير من المرونة والسهولة. ولفتت إلى أن «القرار الملكي أتاح لسيدات عديدات إعالة أنفسهن، بل وجعل كثيرات منهن يواصلن دراستهن الجامعية بكل سهولة. وأيضا كان فرصة جيدة لعمل الأرملة والمطلّقة، وفتح لهما الطريق الى حياة أفضل ماديا، واجتماعيا». وعن عدد السيدات قالت: «لا استطيع أن أحصر عدد السيدات العاملات في الشركة، ولكن يمكن أن أقول إن في منطقتي التي أشرف عليها 44 سيدة وفتاة يعملن تحت إدارتي في جدة فقط».


تجربة

أسماء الراوي مديرة المعرض قالت: «بدأت العمل منذ ما يقارب خمس سنوات، وكنت قد تعرفت على الوظيفة من خلال إعلان لعبد اللطيف جميل. تقدمت مع 12 فتاة، وكنت من أولى الدفعات التي تحل محل الشباب كمديرات للمعارض، وقد خضعنا قبل ذلك لعدة دورات تدريبية على المهمات التي تتطلبها الوظيفة في المكتب، ومن ثم كان لدينا دورات تدريبية داخل المعارض على أرض الواقع. في البداية كنا نشعر بالضغط لأننا لم نكن قد تعودنا على هذا النوع من العمل، كما واجهتنا صعوبات اجتماعية».

أضافت أسماء: «بعد المقابلة الشخصية لم أتوقع قبولي، وقد فوجئت عندما تم الاتصال بي. التحقت بالعمل، وخضعت لكثير من الدورات خصوصا في طرق التسويق. وما شجعني على خوض التجربة بيئة العمل التي تتمتع بكثير من الخصوصية والتي ناسبت أهلي، مع العلم أن من يرَ الصورة من الخارج يعترضْ عليها كون العمل داخل مركز تجاري. ولكن في الواقع البيئة جدا مناسبة للعمل بالنسبة الينا كفتيات».

وعن المجتمع قالت: «واجهنا كثيرا من النماذج التي اعترضت على عملنا كبائعات خصوصا عندما تعلم الزبونة أن البعض حاصل على الشهادة الجامعية، أو خريجة كلية. وطوال خمس سنوات قابلت كثير من هذه النوعية المعترضة، ولكن وبكل أمانة أن هذا العمل بالفعل مناسب للنساء في السعودية وعلينا أن نثبت أن فكرة تأنيث المحلات النسائية هي فكرة صائبة وفي محلها».

وعن تقبل الفتاة السعودية للعمل قالت: «كل فتاة تختلف عن الأخرى، ولا أنكر أن لدينا فتيات كثيرات يرفضن العمل في هذه المهنة خصوصا خريجات الجامعات، مع أنها مهنة جدا جميلة، وفيها اختلاط مباشر مع المجتمع. أيضا تكسب الفتاة خبرات عملية تسويقية كبيرة جدا، وإذا أرادت أن تطور نفسها وتفتح مشروعها الخاص يكون لديها ما يكفي من الخلفية لتحقيق النجاح في المشروع».


طالبتان

أماني مشعل (23 سنة) تدرس في جامعة الملك عبد العزيز عن طريق الانتساب. قالت: «فكرت في العمل لأني دراستي تتيح لي الكثير من الوقت، وكانت قد تحدثت إحدى الصديقات مع أختي وطلبت منها أن تبحث عن فتيات للعمل في المحلات النسائية، وعندما عرضت أختي الفكرة عليّ لم أمانع أبدا. وأنا حاليا موظفة في محلات اللانجيري منذ ما يقارب العشرة شهور، بعد نجاحي في المقابلة الشخصية».

في بداية عملها كانت تشعر بضغط العمل لأنها لم تعمل سابقا في أي مهنة، ولكن بعد فترة عشقت المهنة، وأصبحت مهمة جدا في حياتها لأنها أكسبتها كثيراً من الخبرة العملية من ناحية التعامل مع الغير، والتسويق، ومعرفة الذوق العام للسيدات. وأكدت أماني أن عائلات سعودية كثيرة تقبلت المهنة لفتياته، وخصوصاً في المدن الكبيرة.

ود باحيكم طالبة في جامعة الملك عبد العزيز قسم إدارة أعمال تخصص موارد بشرية. تعمل في أحد محلات بيع الملابس النسائية. وتوضح أن المعرض مغلق ومخصص للسيدات فقط. تقول: «في البداية كنت أعمل في محلات نعومي للملابس الداخلية، وعندما افتتحت الشركة قسماً للملابس الجاهزة انتقلت إليه بعد أن كنت انقطعت فترة عن العمل لظروف خاصة. وخلال عملي السابق تلقيت كثيراً من الدورات التدريبية في التسويق، المبيعات، التعامل مع الجمهور، القطعة وكيفية التعامل معها، الحسومات السنوية، والشهرية، وسواها». وقد بينت ود أن عملها يدعمها في دراستها إدارة الأعمال التي تتطلب كثيرا من المعرفة عن التسويق، والتعامل مع الغير.

حميدة دياب: حققنا نسبة ملحوظة من التحسن تصل إلى 15 في المئة

من جانبه، تحدث حميدة دياب مدير مبيعات الشرق الأوسط لمتاجر نعومي قائلا: «بدأنا  تجربة تعيين فتيات سعوديات داخل المحلات الخاصة بنا منذ عام 1997، وكنا قد افتتحنا أول معرض تباع فيه الملابس الداخلية وكانت من تبيع داخله مجموعة من الفتيات اللواتي تم تدريبهن على المهنة. أما في ما يخص المعارض الأخرى مثل ملابس الكاجوال، والفاشن، والماكياج فقد استقطبنا عددا لا بأس به من السيدات للعمل فيها بما يتناسب والقواعد الدينية والعرف السعودي».

وأوضح أن ما يقارب 80 في المئة من محلات اللانجيري تشغلها فتيات سعوديات، وفي ما يخص الأقسام الأخرى تشغل السيدات ما يقارب 20 في المئة من مهنة بائع داخل المحال في خطة لزيادة نسبة البائعات من السعوديات داخل محلات العطورات، والماكياج، والملابس الكاجول وذلك في مدن المناطق الشرقية والغربية والوسطى.

وأضاف: «لم تكن هي مجرد فكرة جديدة، بل إن الأمر نابع من اقتناع بأن المرأة قادرة على التعامل مع مثيلتها، وتستطيع أن توفر لها ما لا يمكن أن يوفره البائع الرجل من خصوصية كاملة، وراحة. والواقع أن الفترة التي تعاملنا فيها مع السيدة السعودية في هذه المهنة، أو كمديرة للمعارض، أو كمديرة للمنطقة، تؤكد مدى جدواها العملي ونجاحها، وأنها خطوة تخدم المجتمع بشكل كبير على الصعيد العملي».

وأكد أن الشركة وفرت عددا من المعارض الخاصة بالسيدات فقط وهي توفر خصوصية مطلقة لها، وهناك نوعية أخرى من المعارض مخصصة للعائلات حيث تستطيع السيدة الدخول مع زوجها لتكون قادرة على الاختيار الصحيح.  وقال إن عدد الموظفات داخل المحال المخصصة للنساء في السعودية 356 سيدة فيما تم تدريب ما يقارب 505 سيدات، وقد تحقق تحسن في المبيعات بنسبة 10 إلى 15 في المئة.


حطاب العنزي: في حالة عدم التقيد بتنفيذ القرار تحرم المؤسسة من خدمات الوزارة

في اتصال مع الناطق الرسمي باسم وزارة العمل حطاب العنزي قال: «كل بنود توظيف الفتيات داخل المحلات التجارية وردت ضمن قائمة وقد تم نشرها داخل موقع الوزارة، أما في ما يخص تنفيذ القرار القاضي بتعيين المرأة السعودية بائعة داخل محلات بيع المستلزمات النسائية من الملابس الداخلية فهو بتاريخ 10 صفر 1432 هجري، وفي حالة عدم التقيد بتطبيق القرار بعد المهلة الممنوحة تحرم المؤسسة أو الشركة من كل خدمات الوزارة، مثل استصدار الرخص، واستقدام العمالة وكل الخدمات الأخرى». ولفت إلى أن القرار ملزم حاليا لمحلات بيع الملابس الداخلية فيما يكون إلزاميا لمحلات الماكياج والعطور والملابس  بتاريخ 11 شعبان 1432 هجري.


 28 ألف فتاة سعودية تقدمن للعمل 

أشار عدد من المصادر الصحافية إلى أن ما نسبته 80 في المئة من المحال النسائية  تم تأنيثها في مدينة جدة، ومن 40 إلى 50 في المئة في الرياض، حتى أصبح مشهد عمل المرأة في المحال النسائية شبه مألوف لدى الكثيرين. وقد صرحت وزارة العمل أن أكثر من 28 ألف فتاة سعودية تقدمن للتوظيف في محال المستلزمات النسائية، وأن مئات من الفتيات السعوديات تم تأهيلهن وتدريبهن في الأشهر الماضية لممارسة العمل في الأسواق التجارية. ومنهن من تمارس بالفعل عملها بكل نجاح وراحة.

وقد صدر قرار تأنيث المحلات الداخلية النسائية من وزارة العمل قبل اكثر من سبع سنوات، إلا أنه تمّ تأجيله إلى أجل غير مسمى حتى صدر القرار من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله مطلع حزيران/يونيو الماضي بقصر العمل في المحلات النسائية على المرأة السعودية.

وأكد وزير العمل عادل فقيه في تصريحات عدة أن الوزارة جادة في تطبيق القرار بكل صرامة، وأن العمل سيقتصر على السعوديات، وسيتم احتسابهن من ضمن برنامج «نطاقات». وكان من ضمن الشروط الواجب التقيد بها من جانب العاملة الالتزام بالحشمة والزي الشرعي.


قصة مراسلة صحافية

داود الشريان
عن الشقيقة «الحياة»

قبل أكثر من عشر سنوات، سألتني مراسلة وكالة أنباء عالمية، وصلت الى الرياض حديثاً، ما هو الموضوع الاجتماعي المثير، الذي يمكن نشره في الصحافة الغربية عن المجتمع السعودي؟ ملابس النساء الداخلية يبيعها الرجال في بلادنا، أجبتها. لم تصدق. كيف يقبل مجتمع محافظ، مثل المجتمع السعودي، الذي يرفض أن تختلي المرأة برجل وهي في كامل حشمتها، ويسمح لها أن تصف مقاسات جسدها لرجل غريب، فضلاً عن ما يتخلل هذا الحوار من حرج الأنثى وفضول الرجل، سألتني الصحافية، وزادت، أنا لا أصدق ما تقول، كل دول العالم ترفض هذا المبدأ لأنه يتنافى مع الدين والعرف والذوق. قلت لها، لماذا لا تخوضين التجربة بنفسك، وتكتبين عنها. أعجبتها الفكرة.

في اليوم التالي، ذهبت الصحافية الى أحد الأسواق التجارية في الرياض، ودخلت الى محل لبيع الملابس النسائية الداخلية، وبدأت في حوار مع البائع عن مقاسات صدرها، وبطنها، وأردافها، وخصرها. وبين أخذ ورد، وتلميحات غير بريئة من البائع، قررت المراسلة أخذ ما تريد. سألت البائع هل لديك مكان للقياس؟ هذا ممنوع، أجابها. أدهشتها الاجابة. كيف يمنع النظام غرفة القياس، ويسمح بتعرية أجساد النساء، وان في شكل معنوي، حدّثَتْ نفسها. قالت للبائع، أريد أن أجربها؟ قال لها، بإمكانك الذهاب الى دورة المياه في المجمع التجاري وتجربينها، لكن عليك دفع الثمن قبل مغادرة المحل، وإذا لم تعجبك تبدلينها حتى تحصلي على ما تريدين، أو أعيد لك المبلغ. أخذت السيدة الملابس الداخلية وذهبت الى المرحاض، لكنها وجدته قذراً على نحو لا يوصف، فضلاً عن أنها لم تجد فيه مرآة. فقررت الاحتفاظ بالملابس للذكرى.

خرجَتْ من السوق، وكتبت موضوعاً صحافياً مثيراً، عن تحرش مقنن في أسواق السعودية. ونشر التحقيق في أهم الصحف الأميركية، وهي قالت إن بعض الصحافيين الغربيين اعتبر القصة نوعاً من الخيال للحديث عن المجتمع السعودي. أمس اتصلت بي الصحافية بعد أن سمعت عن تأنيث العمل في محال بيع ملابس النساء الداخلية. هي قالت، أنا سعيدة بالخبر، لكن تصحيح خطأ فادح لا يجب وصفه بالإنجاز... حقاً إنها مبالغة تليق بكم أيها السعوديون الأشاوس.