رئيس المركز المصري لحقوق المرأة نهاد أبو القمصان: الإنسان ينضج بالتجارب السيئة

جمال سالم (القاهرة) 23 ديسمبر 2018

حققت نجاحاً فريداً على المستوى الدولي، وكانت المرأة الوحيدة التي جمعت بين العمل في الأمم المتحدة والبنك الدولي وعمرها 27 عاماً، كما أصبحت أمّاً في سن الـ23، وتشغلها دائماً قضايا المرأة وهمومها، بحكم منصبها كرئيس المركز المصري لحقوق المرأة. نهاد أبو القمصان تكشف لنا الكثير من أسرارها الشخصية والمهنية، وتحكي عن آرائها في القضايا الشائكة التي تتعلق بأحوال المرأة المصرية خصوصاً والعربية عموماً.


- كيف أثّرت نشأتك في اتجاهاتك الدراسية والعملية واهتماماتك أيضاً؟
ولدت عام 1971، ولي 6 إخوة من البنين والبنات، ووالدي كان يعمل مدرّساً في وزارة التربية والتعليم، ثم التحقتُ بجامعة القاهرة ودرست في كلية الحقوق، وأنا أعتبر نفسي محظوظة جداً لأنني جمعت بين ثقافة الريف بحكم نشأتي في بيئة ريفية؛ وثقافة المدينة بحكم دراستي وعملي في القاهرة. ولطالما اهتم والدي بتعليمنا ومتابعة تحصيلنا العلمي حتى المرحلة الجامعية، وكان دائماً يشجعنا على التعلّم والحصول على الماجستير والدكتوراه، يدفعه إلى ذلك كونه مدرّساً وانفتاحه على العالم الخارجي. وعلى الرغم من البيئة الريفية المحافِظة التي تربّينا فيها، كان والدي لا يستمع إلى كلام الناس، ويشجّعنا على المشاركة في الأنشطة الطلابية والمعسكرات الخارجية في الجامعة.

- هذا عن الوالد، فماذا عن الوالدة التي عادةً ما تكون لها بصمة في حياة ابنتها؟
والدتي امرأة متعلّمة، لكنها كانت ربّة منزل ولا تعمل، ولأنها مثقفة جداً، أسّست في داخلنا قناعة بضرورة أن نعمل بعد إكمال دراستنا، لأنه لا يصحّ أن تتعلم المرأة ولا تعمل بشهادتها، لكن بالنسبة إليها فقد اضطرت إلى التزام البيت حتى تستطيع رعايتنا أنا وإخوتي، لأننا كنا 7 أبناء، واتفق الوالدان على رفض أي عروض لزواج أي منا قبل إنهاء دراستنا وقبل أن تتسلّم البنت منا عملها، حتى تضمن أنها ستستمر في العمل ولا تدخل في مناقشة مع زوجها حول مسألة الخروج للعمل من عدمه.

- كيف استطعت التوفيق بين عملك كمحامية شهيرة من جهة وناشطة حقوقية مهتمة بالشأن العام وخصوصاً ما يتعلق منه بقضايا المرأة؟
رغم انشغالي بالعمل العام والتطوعي في مجال حقوق الإنسان والمرأة، ما زلت أعمل محامية ولم أترك مهنتي يوماً واحداً، وعند دخولي العمل العام كانت نصيحة الرموز في هذا العمل للمستجدّين؛ أننا لا بد من أن نحافظ على وظيفتنا التي نمارسها، ولأن العمل في مجال حقوق الإنسان ليس مهنة ولا وظيفة فلا تشابك ولا تعارض بينه وبين هذه أو تلك.

- تزوجت بشخصية شهيرة مهتمة بحقوق الإنسان منذ فترة طويلة وهو الأستاذ حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، فكيف تم التعارف والزواج؟
أنا وزوجي كنا زميلين في كلية الحقوق في جامعة القاهرة وتعارفنا وارتبطنا عاطفياً، ثم تزوجنا بعد التخرّج، وأنجبت ابني الأول “إياد” وكان عمري 23 عاماً، وزوجي يعمل محامياً معي ويتفهّم طبيعة عملي واحتياجاته، وهذا معيار مهم جداً لاختيار الزوج، فليس الزوج الأفضل والأنسب هو من يدفع مهراً أكبر أو يملك أموالاً أكثر، بل هو من يتفهم طموحات زوجته ويسعى لمساعدتها.

- المحاماة من المهن الشاقة، فكيف وفّقت بينها وبين العمل العام على المستوى الدولي مع الاهتمام بالأولاد ودراستهم وحياتهم في ظل الإنجاب المبكر في سنّ الـثالثة والعشرين؟
كل هذه الظروف والانشغالات جعلتني أعرف قيمة الوقت، وابني الأكبر دخل الحضانة في سن 3 أشهر، مما جعل شخصيته اجتماعية جداً ويحب الاختلاط بالناس، كما كنت أصطحبه معي إلى مكتب المحاماة. وعلى الرغم من كثرة أسفاري لا أبقى خارج البلد أكثر من 15 يوماً، لأنني لا أستطيع أن أترك أولادي لفترة أطول من ذلك، وقد عملت في البنك الدولي وكنت أصغر مستشار فيه، وكان عمري 27 عاماً، وفي فترة من فترات عملي جمعت بين عضويتَي أرفع لجنتين في الأمم المتحدة، أولاهما “لجنة النوع والتنمية” في البنك الدولي وهي لجنة رفيعة المستوى تعمل على الاستراتيجية المتعلقة بالمرأة والاقتصاد في العالم، والثانية “اللجنة الاستشارية للمنظمات الأهلية للأمم المتحدة للمرأة”، وكنت أنا المرأة العربية الوحيدة التي جمعت بين هذين المنصبين في وقت واحد، وهذا لأن لديَّ خبرة في هذا المجال، وكنت أشارك مع البنك الدولي كمستشار.

- المسؤولية الدولية في سنّ صغيرة مع وجود أطفال مهمة ليست سهلة، فكيف نجحت فيها؟
لا أنكر موقف عائلتي وعائلة زوجي في مساعدتي على تحقيق التوازن بين بيتي وعملي، فكما ذكرتُ لك كنت لا أترك بيتي أكثر من 15 يوماً متواصلة في كل مرة أسافر فيها، واتفقنا أنا وزوجي على أنه أثناء سفري إلى الخارج لا يذهب أولادي للعيش مع أحد من أسرتي أو أسرته خلال هذه الفترة، بل يأتي أحد منهم ليظل معهم في بيتنا حتى أعود، وهذا يجنّب الأولاد الشعور بغيابي، فهم لم يخرجوا من بيتهم يوماً.

- لك ثلاثة من الأبناء “ولد وبنتان”، حدّثينا عن علاقتك بهم؟
هناك فارق في السنّ بين أبنائي “إياد وسهيلة وجميلة” أعطاني فرصة لتربيتهم بشكل جيد، إلى جانب خططي العملية، وعلاقتي معهم دائماً في إطار من الصداقة، لكن هناك قواعد لا يمكن تخطيها. أوّلاً، تخطينا المفهوم الشائع “الأم هي التي تقوم بكل الأعمال المنزلية بمفردها”، بل لا بد لكل فرد من أفراد الأسرة من أن يساهم في هذه المسؤوليات، أما القاعدة الثانية فهي أن الرياضة أساس في حياة الأسرة، ولهذا مارس الأولاد كل أنواع الرياضة منذ دخولهم المدرسة، إلى أن تخصصوا في رياضة معينة وركزوا فيها، مع التزام الجميع بمبادئ الصدق والوضوح والاحترام المتبادل.

- لك رؤية خاصة إلى قضية الدراسة والهواية في حياة أبنائك نودّ التعرف عليها!
أرى أن الدراسة مهمة جداً بالنسبة الى الأولاد، وأنا أتفهّم ذلك، لكنني لست مهووسة به حدَّ التطرّف، مع إدراكي أن لكل امرئ شيئاً معيّناً يتفوّق فيه، فهناك من يتفوق في الدراسة، وهناك من يتفوق في الرياضة وغيرها من الأنشطة.

- هل هناك تفرقة في التربية بين الولد والبنتين؟
لا فارق بين تربية الأبناء والبنات، بل على العكس هناك دائماً ثقة متبادلة ونتحاور ونتناقش معظم الأوقات، حتى في الهوايات والرياضات والسفر، علماً أنني نشأت في بيئة ليس فيها أي فروق بين الأبناء والبنات.

- ما هي مميزات زواج أبناء المهنة الواحدة باعتبارك أنت وزوجك تعملان في المحاماة، ما له وما عليه؟
أهم مميزاته أننا متفهمان لطبيعة عملنا، وأن يساعد كل منا الآخر في عمله في أوقات ضغط العمل، ثم إن زوجي يعمل في المجال السياسي منذ فترة طويلة، وهذا يوجِد بيننا بعض المناقشات، لكن عموماً الاهتمام المشترك يولّد لغة تحاور مشتركة بين الزوجين، فأنا أتخيل أنه لو لم يكن هناك اهتمام مشترك لما تحدّثنا إلا عن مصروف البيت والمدارس والأكل... لكن في حالتنا لا حصر للموضوعات التي نتحدث عنها.

- “الشدّة تزيدني صلابةً”، هل تؤمنين بذلك؟
بالتأكيد، لأن الحياة فيها أوقات الشدّة وأوقات الرخاء، وأنا أؤمن بمثل إنكليزي يقول “ينضج الإنسان بالتجارب السيئة”؛ وهذا مثل واقعي جداً، لأن كل تجربة سيئة في حياتي خرجت منها أقوى، مثل تجارب اعتقال زوجي، وتجربة تعييني في منصب كبير حيث حوربتُ من كل ناحية، فقدمت استقالتي على الفور، وأنا مدينة لكل من عرقل مسيرتي في حياتي لأنه أفادني ولم يضرّني أبداً.

- تعشقين الثقافة والقراءة منذ الصغر، فما هو دورها في تكوينك الفكري ومسيرة نجاحك؟
ما زالت الكتب مهمّة جداً في حياتنا، ففي كل غرفة تقريباً عشرات الكتب، حتى أن هناك تعليقاً طريفاً نقوله دائماً، وهو أن الكتب ستطردنا من المنزل في يوم من الأيام، فهناك غرفة كبيرة جداً عبارة عن مكتبة، وهناك مكتبة في غرفة النوم وفي الصالة وفي كل ركن في المنزل، حتى أننا في بعض الأحيان نتشاجر على كتاب، أنا أريد قراءته وأنتظر أن ينتهي زوجي منه والعكس، وكلما تأخر واحدنا تشاجرنا، الكتب بالنسبة إلينا حياة.

- من هم المفكرون الذين تحبين القراءة لهم؟
هناك عظماء أثّروا في حياتي الفكرية، فمنذ صغري كنت أقرأ لمصطفى محمود ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ونوال السعداوي وغيرهم الكثير، وأخذت حبّ القراءة من والدي، والقراءة بالطريقة التي عودنا عليها والدي جعلتني ملمّة بأفكار مختلفة، وهي أنه كان يقرأ لكل التيارات والحركات والمدارس فكنت دائماً أمام معرض للأفكار. ليس المهم أن نقرأ، بل المهم ماذا نقرأ وكيف.

- ترأسين المركز المصري لحقوق المرأة، فماذا أنجز منذ تأسيسك له؟
في العشرين سنة الأخيرة، تمكّنا من تغيير الكثير من المفاهيم المرتبطة بدور المرأة في مصر، فاستطعنا أن نقول إن المرأة ليست أمّاً فقط؛ رغم أن الأمومة شيء مهم وعظيم جداً، لكن هي في النهاية إنسان لها الحق في أن تشارك الآخرين وأن تدلي برأيها، وهناك الكثير من الجمعيات التي تتحدث عن المشاركة السياسية للسيدات، ونحن من أوائل من عملوا في هذا المجال، وتم تعديل ما يقرب من 20 قانوناً متعلقة بالمرأة، منها قانون الخلع وقانون الجنسية وتجريم الختان، وكل هذه التعديلات تؤكد أن منظمات حقوق الإنسان نجحت في لفت نظر المشرّع الى هذه الأشياء، ونحن كنا أول منظمة تعمل على مواجهة التحرّش الجنسي، وحينها هوجمنا لأننا كنا نتكلم في موضوع “لا يصح” التكلم عنه، إلى أن وصلت القضية إلى أعلى مستوى، وأصبحت كل المؤسسات تعمل عليها، والآن نعمل بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة على توعية الفتيات في الجامعات بضرورة مواجهة التحرش الجنسي، وكنا حريصين على توضيح فكرة أن عملنا لا يعني أن كل المصريين متحرشون، لكنّنا لا نتسامح مع المتحرشين.

- ما هي التكريمات التي حصلتم عليها؟
نلنا في المركز المصري لحقوق المرأة جائزة من البنك الدولي عام 1998، على مشروع ضمن 33 مشروعاً في العالم في سوق التنمية، وكان المشروع يتعلق بحق النساء في شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية، وكانت قضية غريبة إلى حد كبير، حيث إننا نعمل على حقوق متقدمة مثل المشاركة السياسية، والآن نعمل على الفكرة نفسها من خلال المجلس القومي لحقوق الإنسان. وعندما نفّذناها فاز المشروع كواحد من أفضل 10 برامج تنموية على مستوى العالم، كما حصلنا على جائزة أخرى في عام 2003 من منظمة إعلامية اسمها “المساواة الآن”، على أننا أصحاب أفضل فكرة لمواجهة العنف ضد المرأة في الشرق الأوسط، وغير ذلك الكثير.

- اتخذ المركز المصري لحقوق المرأة موقفاً قوياً في دعم المكافحة القانونية ضد جريمة “ختان البنات” فماذا فعلتم؟
جهودنا في ذلك يشهد بها القاصي والداني، وكنا من منظمات المجتمع المدني التي كافحت حتى حصلت على موافقة مجلس الوزراء على مشروع “تعديل قانون ختان الإناث”، لتغليظ العقوبة على من يقوم بختان الإناث؛ لتصل إلى السجن المشدد من 5 إلى 7 سنوات، بدلًا من العقوبة السابقة التي كانت تراوح بين 3 أشهر و3 سنوات، وتحولت من جنحة إلى جناية، وتصل العقوبة إلى السجن المشدد 15 سنة إذا أفضى الختان إلى عاهة مستديمة أو الموت، كما تطاول العقوبة كل من يصطحب أنثى للختان من سنة إلى 3 سنوات، وما زالت حربنا في التوعية بمخاطر الختان مستمرة، لأنه ليس من الإسلام في شيء، وإنما هو عادة فرعونية وأفريقية قديمة لا علاقة لها بالدين، ونتمنى أن يساهم هذا القانون؛ مع التوعية المستمرة للأسرة، في الحد من انتشار ظاهرة ختان الإناث، والتي وصلت إلى معدلات عالية رغم تحويل الختان من جنحة إلى جناية.

- لكم جهود حثيثة في المطالبة بحق المرأة في العمل بدون أي تمييز، نود معرفتها بإيجاز.
رغم انخفاض نسبة الأمية عند النساء، واتساع نطاق مشاركتهن في النشاط الاقتصادي والعمل الاجتماعي والعام، وإقرار الدستور حقهن في العمل والتعيين في الجهاز الحكومي والقطاع العام بدون تمييز، والمساواة في الأجر، وكل الامتيازات الأخرى المرتبطة بها؛ مثل الإجازات مدفوعة الأجر، ودور الحضانة للأطفال الصغار؛ وغير ذلك، لا يزال المشوار طويلاً، وسنظل نكافح مع غيرنا لإزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة، ليس في مصر وحسب بل في كل الدول العربية، من خلال التنسيق والتعاون مع المنظمات ذات الاهتمام بقضايا المرأة، ولا سيما في ظل تراجع معدلات تشغيل المرأة، نتيجة للتمييز ضدها، بالقياس إلى تشغيل الرجل؛ خصوصاً بعد تقلص الطلب من جانب الدولة، وضعف الطلب من جانب القطاع الخاص؛ إضافة إلى المطالبة بتحسين ظروف وشروط تشغيل المرأة.

CREDITS

تصوير : أحمد الشايب