غيرة الطفل الكبير من الصغير

جولي صليبا 30 ديسمبر 2018

“عندما أنجبت طفلي الثاني، لاحظت أن طفلي الأول تغيّر كُلياً عما كان عليه، وتراجع بشكل كبير... فبعد أن تخطّينا العديد من الأمور معاً بات يفعلها مجدداً، كأن يبلّل فراشه أثناء النوم، ويمصّ إصبع الإبهام وينفجر في نوبات بكاء من دون سبب....” إنها حال سميرة والعديد من الأمهات اللواتي أنجبن طفلاً ثانياً وبدأن يلاحظن أعراض الغيرة عند الطفل الأول...

الغيرة شعور طبيعي للنمو في مرحلة من مراحل عمر الطفل. فهي ألم داخلي وإحساس بالمعاناة نتيجة التنافس بين الطفل والشخص المُغار منه بهدف السيطرة والفوز.

بالفعل، يرتبط الطفل بأمّه ارتباطاً وثيقاً نظراً لوجوده الى جانبها منذ أيام الولادة. فتصبح الأم مصدر الأمان والاطمئنان بالنسبة إليه. لذلك يشعر الطفل بالخوف الشديد عند ظهور أي سبب يجعل أمّه تغيب عنه لشعوره بتملّكها.

الغيرة شعور طبيعي

يؤكد الاختصاصيون في علم النفس أن غيرة الطفل الكبير من المولود الجديد شعور طبيعي، وتختلف مظاهرها من طفل لآخر. فالطفل قد يُبدي صراحةً كرهه ورغبته في إيذاء المولود الجديد، أو يترجم غيرته بتصرفات تستفز أمّه لعنايتها بالصغير. وهناك من يخفي غيرته في أعماقه فتظهر لديه أعراض الحزن وقلّة المرح وعدم الرغبة في اللعب. وفي بعض الحالات، يحدث أن يعود الطفل إلى التبوّل اللاإرادي أو مصّ الإصبع وطلب زجاجة الحليب، وهذا الطفل أكثرهم حاجةً إلى الاهتمام.

الغيرة إذاً أمر طبيعي وهي دليلٌ على وعي الطفل. فبعد أن كان يشعر بأن العالم يتمحور حوله، تتغير لديه الصورة ليرى أن هناك تأخيراً في تلبية حاجاته بعد ولادة الطفل الثاني.

طمأنة الطفل

على الأهل تهيئة الطفل لقدوم المولود الجديد، من خلال الحديث عنه مسبقاً، كي لا يصاب الطفل بصدمة عند وصول مولود جديد إلى المنزل. ولا بد من تنفيذ خطوات تُبعد الطفل الكبير قليلاً عن أمّه قبل أشهر عدة من الولادة، مثل نقله إلى غرفة جديدة أو إلى سرير أكبر أو إلحاقه بدار الحضانة.

وبهدف بثّ روح الطمأنينة لدى الطفل الأكبر سنّاً، يجدر بالأم إخباره مراراً بأنه كان هو أيضاً صغيراً مثل المولود الجديد، وأنها اهتمت به تماماً كما تهتم الآن بالطفل الصغير، بما يُبعد الشك عنه ويخفف من غيرته.

شجّعي طفلكِ الكبير على اللعب مع الطفل الصغير وأغدقيه بالكثير من الحب والحنان ليشعر أنه لا يزال محط اهتمامك. حاولي أيضاً تقريب الطفل الكبير من الطفل الصغير من طريق وضع خدّه على خدّ الصغير، أو إخباره بأن الطفل الصغير يريد تقبيله ولمسه. فهذا يؤدي إلى تلاشي الخوف من أخيه الصغير وتبديد مشاعر الغيرة منه.

شجّعي الطفل الكبير أيضاً على الاهتمام بالمولود الجديد، كأن يساعدك مثلاً في تحضير ملابسه وحفاضاته... يمكنه أيضاً أن يروي له قصة قصيرة كل مساء، حتى لو كان المولود الجديد لا يفهم شيئاً من ذلك. المهم أن يشعر الطفل الكبير ببعض المسؤولية، مما يجعله متعاطفاً مع المولود الجديد.

تماسك الأم

لا بدّ من أن تبقى الأم متماسكة، بمعنى أن تتعامل مع طفلها الأول بالطريقة عينها كما كانت تفعل قبل ولادة طفلها الثاني. ويجدر بالأم التأكيد للطفل الكبير أن الوضع لم يتغير والقواعد لا تزال هي نفسها، فلا داعي لأن يقلق أو يغار أبداً.

وعلى الأم أيضاً أن توازن في وقتها بين مولودَيها. صحيح أن المولود الجديد قد يحتكر كل وقتها في الأيام الأولى، ولكن لا يجوز أن تغفل الأم عن طفلها الكبير ولا تعطيه حقه من وقتها. من هنا، يجب أن تركّزَ اهتمامها عليه وحيداً، أي بعدم وجود شقيقه الجديد أو شقيقته الجديدة معهما في الغرفة نفسها، هو أمرٌ محبّب يبني الثقة عند المولود الأول ويريحُه.

هل عليّ الاعتذار من طفلي إذا أخطأت في حقه؟

كثيراً ما يجد أحد الوالدَين نفسه في موقع المخطئ، في رأي أو تصرّف أو حتى كلمة وجّهها إلى طفله على سبيل اللوم أو التأنيب. وعندها يتساءل بعضهم عمّا إذا كان الموقف يحتمل التغاضي والتجاهل، أو يستدعي فعلًا تقديم الاعتذار، في حين يشكك آخرون في ما إذا كان من المقبول أصلاً أن يُعبّر الأكبر سنّاً عن أسفه لمن يصغره سنّاً، لا سيما أن موضوع المكانة، في رأي هؤلاء، سيكون على المحك عندما يتعلّق الأمر بسلطة الأهل، وفيها المفاهيم التقليدية لمفردات كالوقار و«الهيبة» والاحترام والتقدير.

آراء مؤيدة

في هذا الشأن، يُبادر مستخدمون على السوشيال ميديا إلى الحديث عن تجارب خاصة وآراء شخصية وأخرى نفسية وتربوية، تُبيّن صحة اعتذار الأهل إلى الطفل عند ارتكابهم أي خطأ في حقه.

فـ«نور» غرّدت على «تويتر»، موضحةً: «أعتذر لطفلي إذا أخطأت في حقه وأقبل اعتذاره كي أعلّمه التسامح»، و«أم فهد» التي تفعل المثل، أوضحت أنها تدرك تماماً الهدف من تصرّفها هذا، فهي ـ ووفق تعبيرها ـ عندما تعتذر لطفلها، تعطيه درساً إيجابياً مؤثراً في حياته وشخصيته، سيتعلم منه ولن ينساه. ومن جانبها، وافقت «أميمة» على هذا التصرّف السليم، وشدّدت على أن «الاعتذار للطفل لا يقلّل من قيمتنا كأهل، بل يعزّزها ويعزّز في نفس الطفل الاعتراف بالخطأ». ومثلها «أبرار» التي كتبت: «أتفق معكم على أهمية الاعتذار للطفل»، شارحةً أن «الاعتراف بالخطأ، يعلّم الطفل ثقافة الاعتذار من سنّ مبكرة وتجنّب الكذب».

أما «أمل» فأضافت من خلال منشورها إلى المكتسبات المتوقّعة من هذا التصرّف، إذا ما اتبعه الوالدان وقاما به كلّما دعت الحاجة، «تعليم الطفل أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وأن ذاته مستقلّة وتستحق الاحترام، وهذا يعزز ثقته بنفسه وبمن حوله».

أهمية السلوك

بدوره، حساب «كلمات في التربية» وإذ لفت إلى أن «الطفل يتعلّم بالسلوك أفضل من الكلام المجرّد»، اعتبر أن «الاعتذار للطفل يعلّمه الاعتذار، والتبرير المستمر يعلّمه التبرير، وإقناع الطفل يعلّمه الإقناع، والصراخ على الطفل يعلّمه الصراخ».

أما هيفاء اليوسف، الدكتورة في علم النفس المعرفي والصحة النفسية، فقالت: «الاعتذار للطفل ليس ضعفاً... بل هو لشخصك عنده إكبار... علّمته أننا نخطئ جميعاً... صغاراً وكباراً... وعلّمته أن الأسف لا يعني استصغار النفس».

وزكّى الدكتور طارق الحبيب، وهو بروفيسور واستشاري في الطب النفسي، والأمين العام لاتحاد الأطباء النفسيين العرب مبدأ «الاعتذار للطفل عند ارتكاب أي خطأ في حقه»، موضحاً أن هذا الفعل «يشكّل في ذاته قيمة ومعنى الاعتراف بالخطأ، كما يعلّمه المرونة والصدق».

أما حساب «طفلي يقرأ»، فأكد في منشوره أنه «يفضّل عدم تردّد الأب في الاعتذار للطفل بشكل غير مباشر، إذا أخطأ في معاملته أو عامله بقسوة، وعليه ألّا يخاف أن يفقد هيبته إن فعل ذلك».