عدائية أطفالنا على من يقع اللوم؟

كارين اليان ضاهر 05 يناير 2019

يواجه كثر من الأهل عدائية واضحة لدى أطفالهم، كثيراً ما تُترجم في الغضب السريع والذي يصعب التعامل معه إذ يجهل الأهل كيفية التصرف حيال ظرف من هذا النوع، فمنهم من يلقي بالمسؤولية على الطفل ويواجهه بالغضب أو العنف أحياناً، ومنهم من يشعر بعجز لصعوبة إيجاد الحل عند التعرض لمثل هذا الموقف. في الواقع، كثر لا يعرفون أن اللوم لا يقع دائماً على الطفل الذي يظهر عدائية، بل إن الأهل قد يتحملون في كثير من الأوقات مسؤولية هذه العدائية أياً كان نوعها. في كل الحالات، وأياً كانت الأسباب، يبقى الأهم أن يدرك الأهل كيفية التصرف في مثل هذه الظروف لمعالجة الوضع بدلاً من مفاقمته.


كيف تُحدَّد العدائية لدى أي طفل؟

مما لا شك فيه أن معظم الأطفال يُظهرون أحياناً نوعاً من العدائية أو العنف في ظروف معينة. إلا أن الطفل العدائي بعامة يقوم بتصرفات مختلفة تستدعي التعامل معها بشكل أكثر حزماً وفاعلية. أما مفهوم الطفل العدائي ومواصفاته فهي:

* يغضب بسرعة وبحدّة ويفقد أعصابه بسهولة في مواقف معينة.

* يبدو متوتراً ويجد صعوبة في الاستمرار في التركيز. كما أن ردود فعله سريعة.

* يُظهر حساسية زائدة في تعاطيه مع الآخرين.

* يهاجم الأطفال الآخرين والراشدين جسدياً ويفتعل مشاكل معهم.

* تبدو نتائجه المدرسية دون المستوى المطلوب ولا يشارك في الصف أو في أي من النشاطات الأخرى المناسبة له.

* يجد صعوبة في التواصل الاجتماعي مع الآخرين وفي عقد صداقات. كما يصعب عليه الانخراط في المجموعات.

* يجادل باستمرار ويصطدم مع أفراد العائلة ولا يتقبّل أبداً سلطة الأهل وسيطرتهم.

* يرفض الانصياع إلى الأوامر ويتحدّى السلطة بحزم.

* يدخل في جدال دائم مع الآخرين.

* يرفض باستمرار تحمّل مسؤولية تصرفاته السيئة وأعماله ولوم الآخرين له.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن الطفل العدائي يقوم بهذه التصرفات في مختلف الأماكن كالمدرسة والبيت والنادي الرياضي... ولا تقتصر عدائيته على موقف معين يتعرض له.

كيف يمكن أن يتصرف الأهل مع الطفل العدائي؟

أولاً: يجب على الأهل عدم تعنيف الطفل والتصرف بعدائية معه في سبيل معاقبته. فهذا الأسلوب في التعامل معه لن يفيده في شيء، بل على العكس سيزيد الأمور سوءاً، وبالتالي لن يتمكن بذلك من السيطرة على طباعه هذه.

ثانياً: على الأهل إيجاد البدائل للطفل ليعبّر عن مشاعره. إضافة إلى توفيرهم نشاطات يمارسها فتُبعده عن العنف والعدائية.

ثالثاً: على الأهل أن يُظهروا للطفل قدرتهم على التحكم بتصرفاتهم والسيطرة عليها.

رابعاً: يجب أن يساعد الأهل الطفل ليُحسن التحكم بتصرفاته وردود فعله بطرق بعيدة من العنف وتعويده على معالجة الأمور بهدوء وروية.

خامساً: إذا كان الأهل يجدون صعوبة في التعامل مع طفلهم بهدوء خصوصاً عندما يلجأ إلى التمرد والعصيان، عليهم السيطرة على ردود فعلهم وأن يدركوا أن الاطفال عامة يميلون إلى رفض سلطة الأهل وينزعون إلى بناء شخصيتهم المستقلة.

سادساً: على الأهل أن يعلّموا أطفالهم كيفية اكتشاف مشاعرهم وأن يوجّهوهم نحو الطرق الفضلى للتعبير عن الغضب والخوف أو غيرهما من المشاعر.

ما الأسباب التي قد تجعل الطفل عدائياً؟

ثمة أسباب كثيرة قد تجعل الطفل عدائياً، كالخوف من شيء ما أو شخص معين، حيث إن الطفل الذي يخاف من أحد الأشخاص يصبح عدائياً في وقت من الأوقات. لكنْ هناك أسباب أخرى أكثر أهمية لا بد من أخذها في الاعتبار وهي:

* صعوبات في الحياة العائلية: كالخلافات بين الوالدين أو العنف أو التغيير في المحيط كالانتقال إلى منزل جديد أو وجود حالة مرضية في العائلة أو المشاكل مع أحد الأشقاء. هذه الظروف المختلفة قد تسبب التوتر للطفل كما للأهل. لكن بالنسبة الى الأطفال، ثمة كثر منهم قد تتحول تصرفاتهم باتجاه العدائية والعنف نتيجة الظروف التي يمرون بها، خصوصاً إذا كان أحد الأفراد في المحيط يتعامل مع الأمور بهذه الطريقة.

* صعوبات في التعلم: إذ إن نسبة كبيرة من الأطفال العدائيين يواجهون صعوبات في التعلّم. فإذا عانى الطفل صعوبة في القراءة أو الكتابة أو التعبير قد يتصرف بعنف بسبب التوتر والإحساس بالعجز الذي ينتابه.

* مشاكل في الجهاز العصبي: إذ إن الخلل في الدماغ أو الجهاز العصبي قد يؤدي أحياناً إلى تصرفات عدائية.

* حالات مرضية على مستوى التصرفات والطباع: إذ إن نصف الأطفال الذين يعانون حالات مرضية من نوع الـ ADHD يظهرون في الوقت نفسه عدائية تجاه الآخرين من حيث التصرف والطباع. هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى علاجات معينة ليتمكنوا من تحسين أدائهم المدرسي ومن تكوين صداقات وتقبّل سلطة الأهل.

* التعرض لصدمة عاطفية: يؤدي التعرض إلى العنف المنزلي أو التحرش الجنسي إلى توليد مشاعر من الخوف والقلق المرضي الشديد والغضب والاكتئاب لدى الطفل. وقد يميل بعض الأطفال الذين لا يجدون الفرص المناسبة أو الإمكانية للتعبير عن مشاعرهم هذه، متنفساً في التصرف العدائي تجاه الآخرين. كما أن الأطفال الذين يتعرضون للتعنيف في المنزل أو المحيط هم أكثر ميلاً للتصرف بعدائية مقارنةً بغيرهم من الأطفال.

* مشاهدة العنف على التلفاز: تساهم كثرة تعريض الطفل لمشاهد العنف على شاشة التلفزيون في جعله أكثر ميلاً إلى العدائية. من هنا أهمية الحرص على نوعية البرامج التي يتابعها الطفل والتأكد من خلوها من مشاهد العنف.

عملياً، ما الذي يساعد الطفل على التغلّب على مشاعر العدائية والعنف؟

ثمة طرق عدة تساعد الطفل على التعبير عن مشاعره بهدوء، ويلعب الأهل هنا دوراً أساسياً في سبيل تحقيق ذلك.

* عندما يضرب طفل شقيقه أو أي طفل آخر، على الأهل أن يسارعوا الى منعه من ذلك حتى لا يكرر فعلته. إذ يجب أن يدرك الطفل مباشرة الخطأ الذي ارتكبه. عندها يمكن أن يُطلب من الطفل الجلوس بهدوء دون كلام ليدرك أنه أخطأ ويفكر بما حصل. وفي الوقت نفسه يمكن بعدها السعي إلى تهدئته بطريقة عاطفية إذا كان يتقبّل ذلك فيمكن احتضانه مثلاً أو لمسه بحنان. وبعد بضع دقائق يمكن مناقشة ما حصل.

* يجب التفسير للطفل أن الغضب هو من المشاعر الطبيعية التي يمكن أن تنتابه شرط عدم التعبير عنها بالضرب أو العنف. كما يجب تعليم الطفل كيف يعبّر عن مشاعره بالكلام أو بالابتعاد عن الموقف أو الشخص الذي تسبب له بمشاعر سلبية حتى يهدأ.

* يجب التشديد على الانضباط في مختلف الأوقات حتى تتحول الأمور إلى عادات ويدرك الطفل عواقب أفعاله قبل أن يقوم بها فيتجنّبها.

* يجب التركيز على أهمية السيطرة على الذات وردود الفعل لتحقيق النجاح في الحياة. وفي كل مرة يظهر الطفل ردود فعل إيجابية ويستطيع التحكم بأفعاله يمكن مكافأته على ذلك.

* يجب تشجيعه على تحمّل مسؤولية أفعاله مهما كانت ليفكر بروية في المرات التالية قبل القيام بها.