الطبيبة والمغامرة السعودية مريم فردوس السيدة العربية والسعودية الأولى التي تغوص في القطب الشمالي

جدة - عزيزة نوفل 06 يناير 2019
ليس هناك وصف لطاقة الإنسان وقدرته على التحمّل والتكيّف مع صعوبات الحياة، ونقف مذهولين أمام نماذج كثيرة تعطينا الأمل وتحفزنا على ضغط زر طاقتنا المخزونة فنطلق العنان لأنفسنا بمغامرات وإنجازات تتحوّل أرقاماً قياسية تُخلَّد فيها الأسماء والأوطان. الدكتورة مريم فردوس عاشت الشغف وتملّكتها روح المغامرة لتعيش تجربه فريدة تحت تموّجات الجليد في القطب الشمالي، فسجّلت رقماً قياسياً في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية كأول عربية وسعودية، وثالث امرأة على مستوى العالم تغوص في عمق 30 قدماً في القطب الشمالي... تجربة لا تتكلم عنها الأرقام بمقدار ما تحمل في طيّاتها من رسائل الإلهام والتحدّي لكل سيدة تحلم بأن تحقق ذاتها خارج إطار المألوف. قصص عن التحديات والمغامرات في هذا الحوار.


- اشتُهرت في عام 2017 بكونك السعودية والعربية الأولى التي تخوض تجربة الغوص في القطب الشمالي، ماذا وراء هذا اللقب؟

وراء هذا اللقب فتاة “مكاوية”، درستْ وتخرّجتْ في كلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز بجدّة، ومارستْ لسنوات عدة طب الأطفال، قبل الابتعاث الى خارج المملكة لمتابعة الدراسات العليا، واليوم أصبحتْ طبيبة تعمل في مجال إدارة مكافحة عدوى المنشآت الصحية في مكة المكرمة.

- كونك طبيبة متخصصة في علم الوبائيات، يعني أن لا وقت لديك لممارسة أي نوع من الهوايات أو النشاطات، كيف تمكّنت من التوفيق بين عملك والجانب الترفيهي في حياتك؟

في الحقيقة، من الصعب التوفيق بين كلا الجانبين، ولكن بما أن كليهما مكمّل للآخر، لم أستطع الاستغناء عن أحدهما، فضغط الدراسة في كلية الطب وكثافة المعلومات دفعاني للتوجه أكثر نحو الرياضات بشكل عام، فمارست ركوب الخيل والرماية وقدت الطائرة الشراعية، لكنني احترفت الغوص وحصلت على رخص لتخصصات عدة فيه، فالغوص انتشلني من ضغط الدراسة وزخم العمل وألقاني في هدأة المحيط بين الشعب المرجانية، فهذا المتنفس وإن لم أجد له الوقت الكافي سأجده بالقوة.

- في عام 2015 عُرضت عليك فكرة الغوص في القطب الشمالي، كيف قابلت هذا التحدي للمجهول وما الهواجس والمخاوف التي كانت تسيطر عليك وقتها؟

للوهلة الأولى تملّكني الخوف والرهبة، إلى أن بدأت الرحلة الفعلية، وخاصة بعد انسجامي مع الجدول التدريبي والتمارين مع باقي أعضاء الفريق، وإجادتي مهارات الغوص بـ “البدلة الجافة”... وقتها تحوّل خوفي ثقة وتحدياً.

- قبل ذهابك الى القطب الشمالي، خضعت لتدريبات مكثفة وشاقة في روسيا، هل الاصطدام بواقع التجربة أشعرك بالرغبة في العدول عن بلوغ الهدف؟

التخطيط والتحضير لهذه الرحلة استغرقا عاماً كاملاً، فاستكملت أولاً متطلبات البعثة من خلال حصولي على رخص الغوص بـ«البدلة الجافة» و “غوص الجليد”، ثم خضعت لتدريبات في قرية «نيلموجوبا» في مقاطعة «كاريليا» الروسية، والتي تطل على البحر الأبيض الذي يعتبر البحر الوحيد الذي يتجمّد كلياً في فصل الشتاء. ولم يقتصر تدريبنا في هذه المنطقة على مهارات الغوص في الجليد فقط، بل كان لا بد لنا من تعلّم مهارات التكيّف مع الأجواء القارسة والتعايش معها، وقص فتحات الغوص في الجليد، ومهارات التخييم، إضافة إلى مهارات الدفاع عن النفس في حال باغتتنا الحيوانات المفترسة، وخلال تلك الفترة واجهنا الكثير من المعوقات، إلا أن شخصيتي التي تهوى التحدّي جعلتني أتمسك بقوة بهدفي وأصر على تخطي الصعوبات مهما بلغ حجمها.

- التعامل مع بدائية الحياة والمكافحة للعيش وحرمان النفس من ملذات الحياة ونعيمها، كيف أثر كل هذا فيك وفي سلوكياتك بعد العودة الى الوطن؟

التأقلم مع الأجواء الباردة كان في غاية الصعوبة، فلا بد من الكد والتعب للحصول على مقومات الحياة الأساسية من طعام وشراب، حيث إن تحضير الماء الصالح للشرب كان يستغرق ساعة كاملة، وكان طعامنا كناية عن مسحوق بنكهات متنوعة، يضاف إليه الماء الساخن فيصبح وجبةً للغداء أو العشاء. في الحقيقة، حسبت أنني لن أتمكن من الصمود، وسأنهار سريعاً بسبب قساوة البيئة والضغط النفسي والجسدي، وأعتقد أن هذه التجربة علّمتني الصبر وقوة التحمّل، وغيّرت نظرتي الى الحياة.

- حملتك هذه الرحلة الى أجواء غريبة وأناس مختلفين، كيف كنت تتعاملين مع أعضاء الفريق، وهل وجدت صعوبة في التأقلم معهم؟

الفريق الذي أشرف على تدريبنا محترف ومتعاون جداً، وله خبرة واسعه في فن التعامل مع أنماط الشخصيات المختلفة، مما جعلهم يستوعبون مخاوفي، والحمد لله كان التعامل في ما بيننا جيداً، وتربطني بهم علاقة متينة، خصوصاً بعد الصعوبات التي مررنا بها واجتزناها معاً.

فخورة برفع اسم وطني في المحافل الدولية

- أمضيت خمسة أيام في القطب الشمالي، وغصت لمدة 35 دقيقة في مياه تبلغ حرارتها 40 درجة تحت الصفر، وخلال تلك التجربة حطّمت رقماً قياسياً في موسوعة “غينيس” لتكوني أول سيدة عربية وسعودية وثالث سيدة على مستوى العالم تغوص في القطب الشمالي، نشوة إنجازك هل جعلتك متعطشة لمزيد من الشهرة والأرقام القياسية؟

في بداية خوضي لهذه التجربة، لم أكن أفكر بالشهرة، وكل ما أُثير من ضجة إعلامية كان مصادفة جميلة، إلا أن حصولي على اللقب أشعرني بالفخر والسعادة، وخصوصاً أنني استطعت أن أرفع اسم وطني في المحافل الدولية، ولكن طموحي الأكبر هو أن أكون سيدة فاعلة في مجتمعي، وبلا شك سأسعى الى تحطيم المزيد من الأرقام القياسية لكون ذلك تميزاً أحب أن أضيفه إلى إنجازاتي في الحياة.

- لم تقتصر الصعوبة على مواجهة البرد القارس والتدريبات الشاقة وساعات السفر الطويلة والمرهقة، فالرحلة كانت مكلفة مادياً. هل الجانب المادي يشكّل عائقاً أمام خوض مثل هذه المغامرات، وما المقومات التي يجب أن تتوافر في المغامر الذي يسعى نحو أهداف صعبة؟

بالفعل كانت الرحلة مكلفة مادياً، ولذلك كان لا بد من دراسة الهدف جيداً من كل النواحي، ومعرفة العوائد الإيجابية، ومكامن الخطر، ولذلك كان لا بد من استشارة أهل الاختصاص وأصحاب التجارب السابقة، والاطّلاع الدائم على المستجدات التي قد تكون سبباً في عرقلة الوصول الى الهدف.

القطب الجنوبي هدف الرحلة الثانية

- تستعدين حالياً لرحلة أُخرى الى القطب الجنوبي، حيث ستكون انطلاقتك هذه المرة من الأرجنتين وبرفقه عدد أكبر من الباحثين والمكتشفين، متى ستنطلقون؟

ما زلت إلى الآن في مرحلة التدريب، فهذه الرحلة محكومة بزمان ومكان يتأثران بأحوال الطقس والرياح العاتية والجليد، إضافة إلى استحصالي على بعض التصاريح والرخص اللازمة.

- هل تفكرين بخوض مغامرات مختلفة عن الغوص، كاستكشاف الغابات أو رحلة في صحراء الربع الخالي مثلاً؟

حالياً، أستجمع قواي وأركّز كل طاقتي في رحلتي الثانية الى القطب الجنوبي، كما أهتم بتشجيع أفراد المجتمع على ممارسة رياضة الغوص، وقد أخطّط مستقبلاً لمغامرات من هذا النوع.

- كنت مثالاً حيّاً وحقيقياً للمرأة السعودية والعربية التي استطاعت أن تثبت لنفسها وللعالم قدرتها على التكيّف ومواجهة الظروف والتحديات، ما الكلمة التي توجهينها الى كل شابه تتعثر ببعض العقبات في حياتها وتصل الى مرحلة اليأس؟

أقول لها، مهما صادفت من عقبات وصعوبات، حاولي النهوض من جديد، واستعيني بالصبر واستمرّي في السعي نحو النجاح. ثقي في نفسك وفي قدراتك، وبالتأكيد سوف تصلين الى هدفك.

- إلامَ تطمح الدكتورة مريم فردوس؟

أطمح الى إنشاء مركز لتعليم الغوص لذوي الاحتياجات الخاصة، سواء كانت إعاقتهم جسدية أو ذهنية، وذلك لمساعدتهم على اكتشاف أنفسهم في عمق البحر، وإدخال البهجة والسرور والايجابية إلى حياتهم.