سيد إبراهيم معرض يكشف عن إبداعات عميد الخط العربي

القاهرة – طارق الطاهر 27 يناير 2019

احتفى ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي في دورته الرابعة، بعميد الخطّاطين العرب الفنان الراحل سيد إبراهيم، صاحب الرحلة الطويلة مع هذا الفن، وقد أثمرت عن تلاميذ وأصدقاء منحوه لقب “العميد”، تقديراً لتفرّده، هذا التفرّد الذي دفع بالفنان الشاعر محمد بغدادي منظّم الملتقى إلى القول بأنه “لم يظهر في عالم الخط العربي حتى الآن من يمكننا مقارنته بالفنان المبدع والشاعر المفوّه والمثقف الموسوعي سيد إبراهيم، الذي استطاع أن يرتقي بمهنته كخطّاط إلى مرتبة عالية رفيعة المستوى، وسطّر بقلمه وحفر اسمه بحروف من نور في سجل العظماء، كعلامة فارقة في تاريخ الخط العربي، ليس في مصر وحدها، بل في كل أرجاء العالم العربي والإسلامي”.


وفي إطار سرده لقيمة هذا الفنان المتفرّد في مسيرة الخط العربي، يقول بغدادي: “ولد سيد إبراهيم في شهر آب/أغسطس العام 1897، ورحل عن عالمنا في كانون الثاني/يناير 1994. وخلال سبعة وتسعين عاماً عاش سيد إبراهيم حياة مترعة بالعطاء والفن والثقافة والأدب والشعر، فكان مؤمناً عن وعي برسالة الخط العربي، وعلاقته بالإبداع والجمال، وتتلمذ عليه عشرات الخطّاطين من كل بلاد العالم، ومئات بل آلاف الخطّاطين من داخل مصر، أبدع بقلمه وبكل أنواع الخطوط مئات اللوحات، وكتب آلاف النماذج النادرة من أغلفة كتب وأسماء صحف ومجلات مصرية وعربية، كذلك كتب لوحات العديد من المساجد الكبرى في مصر والدول العربية، حتى وصلت أعماله إلى المسجد الكبير في الهند. كتب المقال ونظم الشعر وألّف الكتب ودرّس الخط لطلبة كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، وطلاب الجامعة الأميركية لغير الناطقين بها، فسحرهم سيد إبراهيم بفنه وعبقريته وثقافته الموسوعية وتجليات لوحاته وإبداعه الرائع”.

وممن درّسهم في دار العلوم، الشاعر الكبير الراحل فاروق شوشة، الذي قال عنه: “عرفت شاعر الخط العربي وأميره سيد إبراهيم عندما كان يدرّسنا فن الخط العربي في كلية دار العلوم العام 1952، ورأيت فيه عاشقاً كبيراً للشعر ونماذجه وأمثلته، التي كان يكتبها لنا لكي نحاكيها. كانت من عيون الشعر العربي، خاصة أبي العلاء المعري، وكان دائماً شاب العقل والقلب”.

وقد كان المعرض بانوراما لتأمّل خط عميد الخطّاطين الفنان سيد إبراهيم، فمن بين ما كتبه، أشعار إسماعيل باشا صبري وخط سيد إبراهيم، وهي مؤرخة في العام 1917، وكان وقتها سيد يبلغ من العمر عشرين عاماً، وهذه القطعة محفوظة في قصر الأمير محمد علي في المنيل.

كما كتب بخط جميل أسماء نجوم الغناء والمسرح: محمد عبدالوهاب، أم كلثوم، الشيخ سلامة حجازي، هدى. وكتب مقولات شائعة وأمثالاً وعبارات من قبيل: “الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم”، “العلم سلاحي والصبر ردائي”...، فضلاً عن العديد من اللوحات التي كتب فيها آيات قرآنية بخطوط متنوعة.

ويكشف المعرض – كما جاء في تقديم الدكتور محمد حسن – عن كتابات عميد الخط العربي لعناوين معظم أمّهات الكتب التي صدرت في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، ومعظم عناوين الصحف والمجلات في مصر والعالم العربي، مثل جريدة الأهرام، ومجلة المصور، وجريدة البلاغ، ومجلة الهلال. كما كتب الكثير من شواهد القبور مثل قبر الزعيم محمد فريد، وقبر أمير الشعراء أحمد شوقي، وآلاف اللوحات والبطاقات والسندات والإعلانات واللافتات الرخامية لكثير من المنشآت المعمارية في الداخل والخارج. كذلك كتب لوحة تأسيس جامع المرسي أبو العباس، وطُبعت له في الولايات المتحدة الأميركية بطاقات تحمل لوحات خطية من مختارات القرآن الكريم. كما اشترك في كتابة خطوط قصر محمد علي المطل على النيل في حي المنيل، وكان الأمير محمد علي ذا ذوق رفيع ومن محبي الفنون الإسلامية، وبنى قصره على الطراز العربي وحلَّاه بأجمل النقوش والزخارف الإسلامية، ولما أراد أن يزيّنه بالخطوط العربية، استدعى الحاج أحمد الكامل رئيس الخطّاطين في مدينة اسطنبول للقيام بهذا الغرض، واختار معه سيد إبراهيم لإنجاز هذه المهمة.

شغل الفنان سيد إبراهيم العديد من المواقع، فقد عُيّن عضواً في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وعضواً في لجنة التراث التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، وعضواً في لجنة تيسير الكتابة، كما انتُدب في المحاكم المصرية خبيراً في قضايا تزوير الخطوط، ويتضمن سجله العديد من التكريمات، منها تكريمه من جانب الرئيس الراحل محمد أنور السادات في عيد العلم عام 1979، باعتباره أحد رواد التعليم الأوائل في مصر، كما كرّمته أكاديمية الفنون في العام ذاته.

شهد الملتقى أيضاً تكريم مجموعة من الفنانين الذين لعبوا دوراً في الحفاظ على مسيرة الخط العربي، ومن هؤلاء المكرّمين: من مصر الفنان خليفة الشيمي، وهو متخصص في فنون العمارة الإسلامية والزخارف العربية; الفنان محمد رطيل صاحب المسيرة الإبداعية المتميزة، وهو شاعر وأديب وباحث في الخط العربي، كما تم تكريم الفنان المغربي الدكتور محمد عبدالعزيز، وله العديد من المؤلفات في مجال الخط العربي; منها: “المصاحف والكتب والوثائق المخطوطة في المغرب خلال العصرين المريني والسعدي”.

كما استضاف الملتقى سبعة ضيوف شرف من بلدان مختلفة، في مقدّمهم الفنان الصيني ينغ تشي، وهو متخصص في فن الخط العربي، وعرضت أعماله في الكثير من المعارض الدولية، كما جُمعت أعماله في عدد من المتاحف المتخصصة في فن الخط العربي في الصين وخارجها. أما ضيفة الشرف الثانية فمن بولندا وهي الفنانة إيزابيلا ماريا أوخمان، وتمثل أعمالها الفنية حواراً بين الكتابة وفنون أخرى كالرسم، في محاولة منها لخلق مساحة يتلاقى فيها معنى الكلمة وشكلها الجمالي، في دعوى للمتلقّين كي يعبّروا عن الانسجام بين الأفكار والعلامات. والضيفة الثالثة هي الفنانة الإيطالية نتونيلا ليوني، وتدرس حالياً الخط العربي والرسوم الإسلامية في أكاديمية باب اللوق في القاهرة، وسبق لها أن درست الفنون الكلاسيكية والديكورية في العالم الإسلامي. والضيف الرابع هو الفنان الكويتي جاسم معراج، الذي سبق وشارك في ملتقيات دولية في فن الخط، ومن لبنان يأتي ضيف الشرف الفنان حسين يونس، وهو عضو مؤسّس في الاتحاد العالمي للخط العربي والزخرفة، وعضو مؤسّس في جمعية الخطّاطين اللبنانيين. أما ضيف الشرف الأخير فهي الفنانة التونسية رشيدة بنت محمد بن سالم، وهي متخصصة في علوم التراث.