فوز فيلم 'كل ماتريده لولا'

السينما السورية, فيلم قصير, جوائز سينمائية, مهرجان سينما الذاكرة المشتركة المغربي, صراع الحضارات, مخرج أميركي

23 أبريل 2009

مخرج أميركي
تساءل الناقد المغربي عبد اللطيف البازي «هل اللغة والتقنيات السينمائية ذات طابع محايد أم أنها محمّلة بأكثر من دلالة؟ وما الذي يحدّد هوية فيلم ما خاصة إذا كان هذا الفيلم يتصور أنه يتعرّض لموضوع شائك يتم تداوله منذ سنوات هو موضوع صراع الحضارات أو حوارها؟ وهل يمكن للناقد المتخصص، وليس فقط للمتلقي العادي، أن يقنعنا بانتماء فيلم «لولا» لمخرجه نبيل عيوش إلى فضاء تاريخي وجغرافي أو إلى فكرة إسمها المغرب»؟
لقد ارتكز  فيلم «لولا» حسب البازي بالأساس على فكرة محورية يتم استثمارها في غالبية الأفلام الأميركية وخصوصاً تلك المنتمية إلى الدرجة الثانية أو الثالثة، فكرة تعتبر أن الإنسان الأميركي بإمكانه أن يواجه مختلف الصعاب ويطوّعها لإرادته وأن يخلخل البنى الثابتة لينجح في تحقيق «حلمه الأميركي» أينما حلّ وارتحل. لنتذكر مثلاً شخصية رامبو الشهيرة، وتلك هي حالة لولا، الشخصية الرئيسية في الفيلم الذي يحمل اسمها، وهي ساعية بريد وديعة ورشيقة وبشوشة ستتعلق أولاً بطالب مصري يدرس في نيويورك ثم ستقع في غرام الرقص الشرقي وستغامر بالذهاب وحدها إلى مصر لتتعلّم الرقص وتتقنه ولتصبح نجمة النجمات وتعود بعد ذلك إلى بلدها لتواصل نجاحاتها. وخلال رحلتها تلك تستوقفنا، عبر الحوارات وعبر بعض المواقف، مجموعة من الأفكار النمطية التي تؤكد مثلاً أن مقابل الغرب الذي هو حرية مطلقة هنالك شرق يعيش الاضطهاد النفسي والاجتماعي، ممثلاً في الفقر والفوضى التي تبدأ في مطار القاهرة، مروراً بمدينة الأموات أو المقابر، ولا تنتهي في الحارات الخلفية. مما يجعل مظاهر الغنى الفاحش تبدو أكثر بشاعة ومدعاة للتقزز كما هي علب الليل الكئيبة التي يقصدها زبائن مقززون وتعمل فيها راقصات متعبات يستحقن الشفقة.
إلى مثل هذا الجو الصادم تنقل لولا حيويتها، وستفرض نضارتها وحضورها ورقصها «المتلعثم»، كما سترقص في حفل زفاف باذخ يذكّر بليالي ألف ليلة وليلة لتتعاقد معها بعد ذلك مالكة أكبر وأعرق كازينو في العاصمة المصرية. وما كان للولا أن تصل إلى ما وصلت إليه لو لم تقبل الراقصة أسمهان أن تلقّنها أسرار الرقص، وتقدم لها كل خبرتها ومودتها مع أنها تعرّضت لقسوة الجميع نتيجة لحظة ضعف عاشتها مع أحد معجبيها، وكان عليها انتظار الظهور المفاجئ للولا الأميركية لتقرر الخروج من عزلتها ومواجهة العالم مجدداً.

إن فيلم «لولا» يقول البازي يرغب أساساً في إبهارنا، وهو ينجح في شدنا بانسيابيته أحياناً وبرقصاته الجميلة وموسيقاه وأغانيه الجذابة أحياناً أخرى، مذكراً بأجواء أفلام الخمسينات والستينيات بأميركا ومصر التي تبدو الآن بعيدة وأسطورية، ويذكرنا أيضاً بأجواء الأفلام الهندية الموجهة للجمهور العريض. وبالمقابل فإن ما يستفزنا في هذا الفيلم الرابع لنبيل عيوش هو النظرة «التبسيطية» لظواهر وحقائق معقّدة كالعلاقة بين الغرب والشرق أو وضع الفن في مجتمع عربي محافظ، وكأن العين والرؤية الموجهتين للكاميرا أعيرتا لمخرج عربي ومغربي. ثم إن هنالك استجابة واضحة لما يريد الغرب رؤيته وسماعه عن عالم لا يعرفون عنه الشيء الكثير. فتتكرر مشاهد الرقص والغناء ونسمع الآذان بمناسبة وغير مناسبة، ونرى كيف أن النفاق يصبح شريعة والرشوة فريضة يومية والزحام والفوضى مشهداً اعتيادياً مع أن الجمهور المستهدف هو جمهور غربي واسع ليس بالضرورة متعاطفاً مع انشغالاتنا وغير مستعد، ربما، للتجاوب مع ما هو إيجابي في صورتنا وواقعنا.
وإذا كان اعتماد المخرج على ممثلين من جنسيات مختلفة يعطي غنى أكيداً للفيلم، فإن التعامل مع أغلبية الممثلين المغاربة يشبه إلى حد كبير التعامل الذي نجده لدى المخرجين الأجانب حينما ينادون على كومبارسات من الأهالي ذوي سحنات محددة ليؤنثّوا المشاهد بحضور باهت وفيه الكثير من المهانة. وبالنظر إلى أن نبيل عيوش قد صرّح في أكثر من مناسبة بأنه قد لامس في عمله هذا إشكالية صدام الحضارات، فإن الأطروحة المقترحة علينا مفادها، على ما يبدو، أن الطرب هو ما ينقص العلاقات الدولية لتصبح أكثر عدلاً وأكثر توازناً، وأن الرقص الشرقي هو أفضل المداخل لحوار حضاري منتج! وخلص الناقد الى أن الخطاب السينمائي هو خطاب ثقافي، لذا من المفترض أن يحمل بعض العلامات والبصمات التي تحيل على المجتمع الذي ينتمي إليه مبدعه وإن كان هذا المبدع منفتحاً على الكون بأسره. وهذا المطلب يصبح أكثر إلحاحاً حينما يتعلق الأمر بإنتاج مشترك أو بتمويل كلّي لمشروع سينمائي ما حيث نحتاج حينذاك الى قدر أكبر من المسؤولية الفكرية ومن الذكاء الإبداعي حتى لا نكتفي بإنتاج أفلام من السهل نسيانها كما هي حالة فيلم «لولا».

غضب جماهيري
اعتبر الإعلامي ياسين عدنان أن فوز فيلم « كل ماتريده لولا» هو فقط رد الاعتبار للفيلم ولمخرجه نبيل عيوش من طرف سمير فريد الناقد المصري ورئيس لجنة التحكيم للمهرجان، وهو الفيلم الذي سبقته ضجة إعلامية قبل خروجه  للقاعات عندما تراجع مهرجان الإسكندرية السينمائي عن عرضه بدعوى إساءته الى مصر.
وأضاف ياسين أن عيوش كان عليه أن يحقق أحلام المغاربة وليس حلم «لولا» الأميركية التي هي مستغنية عن الترويج والتسويق لهويتها الغربية. في حين احتج بعض من الجمهور الذي انسحب فور الاعلان عن فوز فيلم نبيل عيوش بالجائزة الكبرى للمهرجان، معتبرين أن الأمر يعدّ إهانة للسينما المغربية في ذكراها الخمسين من طرف مخرج يسوّق لأميركا ويضرب بعرض الحائط الهوية الثقافية المغربية.

الصحافيون يحتجون
في المقابل احتج ما يقارب ثلاثون صحافياً من مختلف المنابر الإعلامية المغربية كانت منتدبة لتغطية فعاليات المهرجان الوطني للفيلم في دورته العاشرة بطنجة على تقديم جائزة باسمهم دون سابق علم لهم بلجنة شكّلها المركز السينمائي المغربي في غيابهم لتقدم جائزة سميت «جائزة الصحافة». مما أثار رد فعل شجب وإدانة تجاه المركز السينمائي المغربي بتوقيع عريضة تستنكر هذا السلوك «اللاديمقراطي».