عبدالحميد بوشناق: أوشكت على دخول السجن ووالدي أنقذني

القاهرة – نورهان طلعت 17 فبراير 2019

عبدالحميد بوشناق هو مخرج تونسي، ونجل الفنان الكبير لطفي بوشناق، خاض تجربته الإخراجية الأولى في السينما من خلال فيلم «دشرة»، وشارك أخيراً في مهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان قرطاج الدولي. التقيناه في حوار فتحدّث عن ظروف صناعة الفيلم، والأزمات التي واجهها، وقصة الفيلم التي صدمت الجمهور . كما تكلّم عن دور والده في حياته، وأسباب عدم دعمه مادياً رغم مكانته الكبيرة، وكشف عن الدوافع التي كادت أن تودي به الى السجن، وفنانه المصري المُفضل، ورأيه في هند صبري وظافر العابدين ودرة.


- أُصيب الجمهور بصدمة فور عرض فيلمك الجديد «دشرة» في مهرجان القاهرة السينمائي، فما السبب؟

الفيلم يُمثل خطوة جديدة في تاريخ السينما العربية، ولم يتم الاقتراب من فكرته من قبل، فهو يعتبر أول فيلم رعب عربي، وتم تصميم الديكورات الخاصة به بشكل قريب من الواقع، وبدا التمثيل كأنه حقيقة، خصوصاً المشاهد الصعبة التي تسيل فيها الدماء، وهذا يدل على نجاحنا في توصيل فكرتنا، وما كنا نرغب في تقديمه للجمهور، الذي أُصيب بحالة من الدهشة والصدمة فور عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي.

- وكيف وجدت ردود الفعل بعد عرضه في مهرجان قرطاج في بلدك تونس؟

الفيلم لاقى نجاحاً كبيراً خلال عرضه في مهرجان قرطاج الدولي، لكنه وللأسف واجه بعض المشاكل التقنية في الصوت والصورة، لذلك أرى أن عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي كان أفضل.

- ما أبرز التحديات التي واجهتك في تجربة فيلمك «دشرة»؟

كونه أول فيلم رعب تونسي وعربي، فهذا يمثل تحدياً كبيراً وصعباً، وأردت أن أقنع المشاهد بأن هناك جيلاً جديداً يقدّم نوعية مختلفة من الأفلام. وبسبب فكرة الفيلم وحداثتها واجهنا صعوبات كبيرة في الإنتاج، فلم يرغب أي مُنتج في خوض المغامرة، وكان من الصعب إقناع أحدهم بالدخول في التجربة؛ بسبب عدم توافر أفلام تونسية تتناول قضايا الرعب. كما لم نلقَ أي دعم من الدولة، ورغم عرض الفيلم في أكثر من مهرجان، لا يزال البعض متخوفاً من فكرة دعمه بسبب قسوة المشاهد التي يتضمّنها.

- الجمهور يُحب مشاهدة هذه النوعية في الأفلام الأجنبية، فلماذا كل هذا الخوف؟

بالفعل، جمهور كبير يتابع هذه النوعية في الأفلام الأجنبية، وأرى أن الفكرة عادية، لكن للأسف في الوطن العربي لا يحبّون دعم الأفلام الجديدة، بل يهتمون بتمويل كل ما يخص الرياضة وكرة القدم، ورغم ذلك أتمنى أن يحقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً غير مسبوق عند عرضه.

- تناولت في أعمالك السحر والشعوذة في المغرب العربي، ألم تخش من تهجّم البعض عليك؟

أنا لم أخترع قصصاً من وحي الخيال، فالسحر موجود ويمارسه البعض في المغرب العربي، وأرى دائماً أن الفن والسينما يجب أن يناقشا كل القضايا بدون قيود.

- تردد أنك أنفقت على الفيلم من أموالك الخاصة، هل هذا صحيح؟

بالفعل اضطررت للإنفاق على الفيلم من أموالي الخاصة، حتى يتم تصويره على الفور، ولم أنتظر الدعم من الدولة، لعدم رغبتي في التأخير، وأنا حالياً لا أبحث عن الربح المادي، وكل ما أرغب به هو أن يقتنع الجمهور بفكرة الفيلم، التي بذلنا مجهوداً كبيراً حتى تمكّنا من تنفيذها.

- وكم بلغت تكلفة الفيلم؟

أنفقت ما يقرب من 50 ألف دولار أميركي من أموالي، لإيماني بفكرة هذا الفيلم، ورغبتي في تقديم عمل فني مُختلف، كما اضطررت لبيع سيارتي الخاصة من أجل تصويره، ولست غاضباً أو نادماً على ذلك، بل على العكس أنا سعيد به، وعلى يقين بأنه كان يستحق كل التضحيات التي قدمتها في سبيل نجاحه، ولعشقي للسينما فلن أتردّد في الإنفاق على أعمالي المُقبلة، إذا كُنت أمتلك الأموال.

- هل واجهت أي أزمة أو مشكلة مع الرقابة التونسية؟

لا، لم تحذف الرقابة التونسية أي مشهد من الفيلم، فدائماً ما توافق الرقابة على الأفلام ولا تحذف أي مشهد يُخل بالسياق الدرامي للعمل. لكن اتفقنا أن يكون هناك تصنيف عُمري في الفيلم، فاشترطت الرقابة في بادئ الأمر أن يُسمح بمشاهدته لمن تجاوزا سنّ الـ 18، لكنني رفضت هذا الشرط، لأن هناك فئة كبيرة دون هذه السنّ، ويحبون مشاهدة هذه النوعية من الأفلام، إلى أن اتفقنا على السماح بمشاهدته لمن تتجاوز أعمارهم الـ 12 عاماً، وأعتقد أن هذا أمر جيد للغاية.

- تضمن الفيلم الكثير من المشاهد القاسية، فما المشهد الأصعب بالنسبة إليك؟

بالفعل تخلل الفيلم الكثير من المشاهد الصعبة، وبصفتي مخرجاً أُشرف على تنفيذ مشاهد دموية وقاسية، أرى أن المشاهد الأقسى والأصعب، هي المشاهد الخاصة بالطفلة الصغيرة، التي كانت في نهاية الفيلم، فلأنها طفلة كان من الصعب عليها تنفيذ ما يطُلب منها، وتبدو دائماً خائفة من الديكورات الخاصة بها، ومرتعبة من التأثيرات الصوتية، والتي اضطررت مراراً لإيقافها حتى نتمكن من التصوير، واستغرقت وقتاً طويلاً حتى نجحت في تهدئتها وإقناعها باستكمال التصوير، ذلك أن تصوير فيلم رُعب كهذا الفيلم لم يكُن سهلاً كما يعتقد البعض.

- بما أنك نجل الفنان الكبير لطفي بوشناق، حدّثنا عن نشأتك وتأثيره في حياتك؟

تأثرت كثيراً لكون والدي هو الفنان لطفي بوشناق، لكن لا أخفي أن هذا الأمر حمّلني مسؤولية وشكّل نوعاً من الضغط عليَّ، فأنا أحاول أن أصنع اسمي بنفسي، من دون أن يقترن اسمه باسمي، وهناك كثر لا يعرفون أنه والدي، وهذا يُسعدني ويُشعرني بالاستقلالية. أما بالنسبة الى نشأتي، فقد تأثرت بالفن وأحببته من خلاله، فمكانته الكبيرة تحمّلني مسؤولية عدم تشويه صورته، فأسعى دائماً لبلوغ أعلى المستويات في الفن، لكن في الوقت نفسه أحرص على أن أمثّل نفسي، وأن أصنع أفلاماً تشبهني وتشبه جيلي بالكامل.

- هل هناك من يهاجمك بسبب والدك؟

بالتأكيد، هناك من يحاسبني نيابةً عن أبي، لكن تصرّفهم هذا لا يحبطني ولا يكسرني، لأنني لا أكترث لهم، وكل ما يهمّني هو التركيز في عملي والنجاح فيه.

- وما كانت نصيحة والدك يوم دخلت مجال الفن؟

دائماً ما يسدي لي والدي النصح، ويوجّهني بعدم التفكير في المال، أو في كيفية جمعه، لأن المال لن يأتي إلا بعد تقديم عمل صادق يُبذل فيه الجهد والتعب، فيقول لي لا تصنع أفلاماً بهدف كسب المال، لأنها ستكون أعمالاً بلا روح، بل قدّم ما يشبهك، وما تؤمن به مهما كانت النتيجة، وأنا أعمل بنصائحه وأحترم كل كلمة يقولها لي، لأنها نابعة من تجاربه الشخصية، هو الذي بذل الكثير من الجُهد والتعب حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم.

- لكن هل يدعمك والدك مادياً؟

والدي ساعدني عندما اتخذت قرارات كانت ستودي بي إلى السجن، إذ تورطت في قضايا شيكات بدون رصيد، فأعانني على التخلّص منها، علماً أنّه عموماً لا يساعدني مادّياً ولا يحب أن يعطيني المال نقداً، لرغبته في أن أعتمد على نفسي، وأحقّق ذاتي بذاتي، وأتعلّم عدم الاستسهال والاتكال عليه.

- ما هو عملك المقبل؟

أستعدّ لفيلم كوميدي، مُختلفٍ في طريقة تصويره، وهو موجّهٌ للجمهور، في المقام الأول، ثم تأتي بعد ذلك فكرة عرضه بالمهرجانات، لكنّنا الآن في انتظار التمويل لنباشر في التنفيذ. كذلك أستعدّ لمسلسل كوميدي مليءٍ بالمفاجآت، علماً أنّ موعد بدء التصوير لم يحدَّد بعد.

- ألم تفكر في خوض تجربة التمثيل؟

فكّرتُ وقررت. وسيكون ذلك في المسلسل الكوميدي الذي أُحضّر له، فكوني مُخرجَ العمل، أستطيع أن أعطي لنفسي فرصة التمثيل، خصوصاً أنّني أمتلك هذه الموهبة، والحُكم بالنهاية للجمهور.

- من هو فنانك المُفضّل الذي كُنت تتمنى العمل معه؟

للأسف كل الفنانين الذين تمنيت العمل معهم سواء من المُخرجين أو الممثلين توفّاهم الله وراحت الأمنيات. وأذكر الآن الراحل الكبير محمود عبدالعزيز، فقد خصّصتُ له دوراً، في أحد الأفلام التي كتبت نصّها ورسمْت شخصياتها، وتمنيت أن يجسد ذلك الدور، ثمّ فوجئت بل صُدمتُ حين وصلني نعيه، لعدم معرفتي بمرضه، فهو بالنسبة إليّ يمثّل جاك نيكلسون العرب. كان فناناً لا يمكن تكراره، فلديه أسلوبه التلقائي الخاص، وموهبة فريدة. وتمنّيت أيضاً العمل مع الراحل أحمد زكي، فهو صاحب بصمة مختلفة بالسينما المصرية، وقدم أفلاماً عظيمة تستحق أن يدرسها المتخصّصون. ولا أنسى القدير عادل أدهم، الذي أراه من أفضل فناني جيله، لكن للأسف كل هؤلاء رحلوا قبل أن ألتقي بهم.

- ومن يعجبك من جيلك؟

هناك أكثر من موهبة شابة جيدة في الجيل الحالي، لكنّني أتذكر حالياً منة شلبي، التي يعجبني أداؤها كثيراً.

- ومن يلفت نظرك من نجوم تونس؟

كثيرون هم نجوم تونس الذين حصدوا نجاحاً كبيراً في مصر؛ منهم هند صبري، التي استطاعت بموهبتها أن تحقّق نجاحًا كبيراً في مصر، حيث برزت في أداء الأدوار كافّة، وقد أحببتها في دور الفتاة الشعبية، وأذكر بإعجاب دورها في مسلسل «عايزة أتجوز» على سبيل المثال. وهناك مواهب أخرى نجحت أيضاً في مصر، منها درة، وظافر العابدين.

- ما هو طموحك خلال الفترة المُقبلة؟

طموحي الآن يتمثّل في أن يلاقي فيلمي «دشرة» النجاح الجماهيري الذي يستحقه، لأنه يجسّد تجربة جديدة في السينما العربية. وعموماً أتمنى تنفيذ تجاربي الكوميدية الجديدة، سواء في السينما أو الدراما، وأن تحرز النجاح وتلاقي قبولاً لدى الجماهير. باختصار: طموحي النجاح ثم النجاح ثمّ النجاح!



CREDITS

تصوير : تصوير- محمود رؤوف