الروائية نيرمين الخنسا كتبت الأمل والألم: «حضر الحب في أيامي ونصوصي ولكن»

بيروت - إسماعيل فقيه 03 مارس 2019

كتبت نيرمين الخنسا العديد من الروايات والقصص والحكايات. حاولت من خلال البوح المكتوب أن تدخل الى عالم يخصّها، عالم تعيشه وتعرفه في الحياة اليومية، لكنها لا تفقهه بأبعاده الدفينة والغامضة، وربما كانت الكتابة هي العامل الفاعل والمؤثر الذي ساعدها على رؤية أعماق هذا الواقع، فاتجهت الى كتابته وبلورته بالصورة المكتوبة، فكانت الرواية هي المدخل الذي أضاء لها درب الحكاية. أصدرت نيرمين عدداً من الروايات وليس آخرها «نصيبك في الجنّة»، وتعمل على إصدارها الجديد، رواية بمضمون جديد ومبتكر، كما تقول. وتتحدث هنا وتخبرنا عما آلت إليه الكتابة، فماذا تقول وتشرح؟


- ماذا تكتبين اليوم، أما زالت الكتابة الروائية هاجسك؟

لقد شرعت في كتابة رواية جديدة، تتمايز من حيث الفكرة والطرح عن سابقاتها من رواياتي. وأنا أعمل عليها بشكل جديد ومختلف. أتمنى أن تلقى هذه الرواية الجديدة استحساناً لدى القرَّاء، وأن تشكل علامة فارقة في مسيرتي الروائية. أما بالنسبة الى سؤالك الثاني، فأؤكد لك أن هاجس الكتابة الروائية لم يفارقني يوماً، وأنا على يقين بأنه سيلازمني حتى النفس الأخير.

- كيف بدأت علاقتك بالكتابة والرواية، ولماذا؟

لا شك في أن موهبة الكتابة تظهر عند أي كاتب منذ الصغر. ولعل أول من يكتشف تلك الموهبة لديه، هم أساتذة اللغة العربية في المدرسة. وهذا ما حصل معي . فقد كنت أتمايز في كتابة مواضيع الإنشاء عن زملائي. ما جعل أساتذتي يشجعونني على المضي قدماً في الكتابة والعمل على صقل هذه الموهبة التي كانوا يعتبرونها مميزة ولافتة. إلَّا أنني أعترف بأنني أهملت هذه الموهبة واتجهت الى الاختصاصات العلمية (برمجة وتحليل برامج كومبيوتر)، ظناً مني بأن هذه الاختصاصات هي الأهم وهي التي ستدعمني في بناء مستقبلي. لكن الهاجس الذي تحدثت عنه في السؤال الأول بقي يلازمني رغم تجاهلي له لفترة طويلة. هذا الهاجس الذي كنت أقمعه وأطويه داخلي، تمرّد في لحظة أعتبرها لحظة مفصلية في حياتي. فأطاح بقوة كل تلك الاختصاصات وأعادني الى فلكه الجميل.

- هل تعتبرين نصك الروائي أو القصصي ضرورة في حياتك؟

بالتأكيد. وإلا لما استمريت طوعاً في السير على هذا الطريق الشاق والمضني، والذي أسميه أنا القهر اللذيذ. فكتابة القصص والروايات ليست بالشيء السهل، وهي تتطلب وقتاً وجهداً كبيراً. وهذا الأمر لا يتحمّله إلا من كانت الكتابة بالنسبة إليه أمراً ضرورياً، بل وأساسياً في حياته.

- هل كتبت نيرمين ما هو مختلف عن سواها؟

لا شك في أن المواضيع والإشكاليات التي يطرحها الكتَّاب في رواياتهم تكون في كثير من الأحيان متقاربة، لا سيَّما في الروايات الاجتماعية والإنسانية. لكن الاختلاف يأتي في كيفية طرح الإشكالية ومقاربتها. وهذا كله مرتبط بالأسلوب وطريقة السرد، وكذلك بقدرة الكاتب على حبك الأحداث المشوقة التي تساهم في جذب القارئ حتى نهاية الرواية. بالنسبة إلي، المختلف في رواياتي هو الأسلوب الذي كان للنقاد رأي إيجابي فيه. وكان عاملاً أساسياً في جذب القرَّاء الذين باتوا يتابعون أعمالي بشوق. وهذا بالطبع أمر يسعدني كثيراً ويحفِّزني على الاستمرار والمضي قدماً في كتابة الروايات.

- موضوع المرأة حضر كثيراً في كتاباتك، لماذا المرأة، وهل هو نوع من مناصرة للمرأة في مجتمع لا ينصفها؟

لا أحد يستطيع أن ينكر أن المرأة العربية استطاعت أن تثبت قدراتها في العديد من المجالات العلمية والفكرية والمهنية والإبداعية. وقد نجحت بذلك الى حد بعيد. لكن وللأسف، هناك العديد من المجتمعات التي ما زالت تسيطر عليها العقلية الذكورية، فتتجاهل هذا النجاح وتنكر على المرأة حقها ودورها الفاعل في المجتمع. هذا الأمر يعنيني كوني امرأة بالدرجة الأولى. وبحكم أنني كاتبة، فمن واجبي تظهير هذه الصورة من خلال نصوصي. لكن هذا لا يعني أنني أتغاضى عن الأخطاء التي ترتكبها بعض النساء بحق ذاتهن وبحق الآخرين. فكما أن هناك نساء رائدات وفاعلات وناجحات في المجتمع، كذلك هناك نساء ظالمات ومستبدات وجاهلات الى أبعد الحدود. لذا حرصتُ دوماً على أن أقف على مسافة واحدة بين المرأة والرجل في رواياتي، وأن أعطي لكل ذي حق حقه.

- الحب كيف حضر إلى نصك وحياتك؟

لقد حضر الحب في حياتي وفي نصوصي بأشكال وأوجه متعددة. هذه الأشكال والأوجه المتعددة أثرت في تجربتي العاطفية بحلوها ومرِّها. وغيرت قناعاتي في كثير من الأمور. هذا الأمر انسحب بالطبع على نصوصي التي تعكس سطورها تارة الحب النقي والصادق والرقيق، وتارة أخرى الحب الكاذب والمخادع والمتلوّن.

- هل حضر الحب الواقعي في نصك، أقصد قصة حبك؟

تستطيع القول أن هناك بعض الإسقاطات من تجربتي العاطفية في رواياتي. وأنا لم أصل بعد الى قناعة بكتابة قصة حب عشتها. قد يأتي يوم وأفعل هذا الأمر. لكن حتى الآن، لا أفكر في ذلك.

- إلى أين تريدين الوصول بالكتابة؟

أنا أكتب لأتنفس بالدرجة الأولى. وما أريد الوصول إليه بالكتابة هو نقل آفات المجتمع وهموم الناس إلى الأوراق. ولعل أقصى ما أطمح إليه من خلال تجربتي الروائية، أن أترك بصمة خلفي يستفيد منها الآخرون.

- كيف تقرئين في تجربة جيلك الروائي تحديداً؟

تجربة كثيفة ومتنوعة. تجد فيها جميع مستويات الكتابة. ففيها الجاد والمميز، وفيها الهزيل و«التجاري» إذا صح التعبير. لكن في النهاية، يبقى المتلقي هو الحكم والزمن هو من «يغربل» تلك الأعمال.

- هل أخذت المرأة المبدعة حقها بالبوح من خلال إبداعها أو هناك عوامل تمنعها؟

رغم أن هناك مبدعات عربيات تحدّين المجتمع وكسرن قيد المحرمات من خلال إبداعهن، لكن لا شك في أن معظم المبدعات في مجتمعاتنا العربية ما زلن يعانين من ضيق المساحة المعطاة لهن اجتماعياً. وهذا الأمر ينسحب على إبداعهن الذي نرى فيه البوح خجولاً، وفي كثير من الأحيان متوارياً خلف كلمة أو لون أو شطر. فدروب حرية التعبير والبوح في مجتمعاتنا نصف معبّدة. والطريق ما زالت طويلة.

- الى أي مدى يصل الكاتب في معالجته وقائع الحياة، بمعنى آخر، هل يمكن للكتابة أن تكون المنبر الذي يمكّن الكاتب من الإطلالة من خلاله ولفت الآخر والواقع والمجتمع الى درب جديد قد يحتاجه؟

أعتقد أن الكتابة هي فعل مؤثر جداً في الإنسان والواقع. وربما تفعل الكتابة الكثير في بناء المجتمع وفي رسم مساحة التغيير والتطور في أي مجتمع كان. وإذا ما نظرنا الى تجارب الكبار في الأدب والكتابة، على مساحة العالم، نجد أن المبدع الذي كتب عن واقعه ومجتمعه استطاع تحقيق الكثير لواقعه ومجتمعه. وثمة بلاد لا نعرفها، لكننا نعرفها من خلال كتّابها وأدبائها. لا شك في أن الكتابة هي بمثابة حياة الظل للواقع، للمجتمع وللإنسان. ومن المنطقي القول إن الكتابة هي تدوين للحياة. وهي فعلاً كذلك. تدون الحياة وترسمها وتقدمها بصور مختلفة، كل كاتب يرى ما لا يراه سواه في الواقع، وتتكاثر صور التشكيل، وتكبر مرآة الحياة من خلال ما كتب ويكتب وسيكتب.