لأن الطفل هو الضحية في طلاق الوالدين حلول للحد من العواقب

كارين اليان ضاهر 09 مارس 2019
قد يكون الطلاق الحل الوحيد لخلافات متكررة يواجهها الزوجان، لكن في كثير من الأحيان يتردد الأهل في اللجوء إلى هذا الاختيار لا من أجل مصلحتهما فحسب، بل من أجل مصلحة الأطفال وحفاظاً عليها. فعواقب الطلاق تكون على الصحة النفسية للأطفال وعلاقاتهم الاجتماعية وعلى حياتهم ككل. لكن وفق الاختصاصيين قد يكون انفصال الأهل الحل الأنسب والأفضل حفاظاً على مصلحة الأطفال بدلاً من أن يستمرا في العيش في أجواء تطغى عليها الخلافات والمشاكل وما يترافق معها من ضغوط وتوتر وخوف وقلق وغيرها من الأمراض النفسية. في كل الحالات، عندما يكون الطلاق هو الحل الوحيد، ثمة خطوات عدة يمكن اتخاذها للحد من عواقبه وآثاره على الأطفال ولجعل وقعه أخف عليهم. هنا يأتي دور الأهل ووعيهم.


أي تغيير يحدثه طلاق الأهل في حياة الأطفال؟

مما لا شك فيه أن طلاق الأهل يُحدث انقلاباً جذرياً في حياة الأطفال أياً كانت أعمارهم. إذ لا يمكن الاستهانة بوقع هذا الحدث على الطفل فكأنه يفقد عندها عائلته ومفهومه للعائلة ونظرته إلى هذه الصورة المتكاملة. وكثر من الأطفال، عندما يتم إخبارهم بالطلاق تنتابهم أحاسيس مختلفة ومتضاربة كالخوف والقلق من التغيير الذي سيطرأ على حياتهم والحزن الشديد. لكن وقع الطلاق وطريقة تلقي الطفل الخبر ورد فعله تختلف باختلاف سنّه ونظرته إلى مفهوم العائلة.

في مرحلة الطفولة المبكرة: في سنّ مبكرة يشعر الطفل الصغير بالتوتر الذي يمكن أن يطغى على الأجواء في المنزل، لكن من الطبيعي ألا يكون قادراً على فهم الأسباب الكامنة وراءه. لكن مع استمرار هذا التوتر المحيط به، من الطبيعي أن يصبح الطفل أكثر توتراً وصعب الإرضاء، خصوصاً بوجود أشخاص جدد لا يعرفهم مسبقاً. كما تبدو عليه التقلّبات المزاجية واضحة. يضاف إلى ذلك أنه يمكن ملاحظة علامات تُظهر تأخيراً في نموه وقدراته وتراجعاً فيها.

كيف يمكن الحد من وقع هذا التغيير؟

يجب أن يحرص الوالدان على التعامل مع هذه الحالة بطريقة واعية وإيجابية لأنهما يعتبران مثالاً لأطفالهما ومن الطبيعي أن يتأثروا بطريقتهما في التعاطي مع الأمور.

يحتاج الطفل في هذه المرحلة العمرية إلى من يتحدث معه ويناقشه ليتمكن من التعبير عن مشاعره.

تعتبر الكتب التي تتناول موضوع الطلاق ملائمة للأطفال في مثل هذه السنّ.

يحتاج الأطفال في هذه السنّ إلى الشعور بالأمان والتأكد من أنهم سيستمرون برؤية كل من الوالدين في المرحلة المقبلة.

يجب تحديد مواعيد ثابتة للزيارات بعد الطلاق والتقيد بها، لأن الانتظام يعني الكثير للطفل.

بين سن 6 سنوات و11 سنة:

نظراً لنمو الطفل في محيط معين اعتاد عليه، من الطبيعي أن يكون صعباً عليه تقبّل هذا التغيير الكبير الذي يحصل في حياته، خصوصاً إذا كان قد نما في محيط يلقى فيه الكثير من الرعاية والاهتمام. عندها يخشى، مع حصول الطلاق، أن يتم التخلي عنه في المرحلة المقبلة، فيما يشعر الأطفال الأصغر سناً بالمسؤولية الدائمة تجاه والديهم وبالقدرة على العمل من أجل عودة الأمور إلى طبيعتها بينهما. أما في هذه المرحلة فيلقي الأطفال اللوم على أحد الوالدين في ما حصل ويتحالفون مع الطرف الثاني. هم يتّهمون أحد الوالدين بالأنانية ويعبّرون عندها عن غضبهم منه بطرق مختلفة، سواء بالعراك مع الرفاق في المدرسة أو بالعدائية الواضحة، خصوصاً بالنسبة الى الفتيان. أما الفتيات فيُظهرن قلقاً واضحاً واكتئاباً. كما يواجه الأطفال في هذه المرحلة العمرية أعراضاً كآلام البطن والرأس نتيجة التوتر الزائد في ظل هذه الظروف.

كيف يمكن تسهيل وقع التغيير عليه؟

قد يختلف الوضع باختلاف نوع المشاكل التي استجدت بين الوالدين. لكن إذا كان ذلك ممكناً، يُنصح بأن يتعاون الأهل لتسهيل وقع هذا التغيير على الطفل والحرص على نموه الطبيعي. من هنا أهمية التركيز على الحفاظ على الروتين المعتاد للطفل والذي يؤمّن له الراحة النفسية. ومن المهم أيضاً أن يحرص الأهل على تمضية أوقات ممتعة ومفيدة مع الطفل حيث يتم التركيز عليه والحرص على حاجاته. كما يمكن أن يُطلب من الأشخاص والمحيطين القيام بالمثل. أما إذا كان الطفل قادراً على التعبير من خلال الكلام فيمكن حثّه على التحدّث عن مشاعره، إضافة إلى قراءة القصص له، ومنها تلك المتعلقة بالموضوع، مع أهمية التأكيد للطفل باستمرار أن لا ذنب له في ما حصل بين والديه من خلافات وانفصال.

من سن 3 إلى 6 سنوات:

لا يكون الطفل في هذه السنّ قادراً على استيعاب فكرة الطلاق ومفهوم الانفصال بين والديه. وبكل بساطة، هو لا يرغب إلا أن يبقى والداه معاً تحت سقف واحد بغض النظر عن حجم الخلافات التي بينهما والأجواء المترتبة عنها. يبقى الطلاق حدثاً صعباً للغاية على طفل في مثل هذه السنّ ويجد صعوبة كبرى في تقبّله أياً كانت الظروف، خصوصاً أنه يشعر بالمسؤولية تجاه ما حصل ويحمّل نفسه الذنب في طلاق والديه. لذا تنتابه مشاعر كالقلق وعدم الأمان والخوف من المستقبل، وتسيطر عليه أفكار سوداء مزعجة، ويشعر بغضب في داخله يعجز عن التعبير عنه، ويواجه كوابيس متكررة تُخيفه.

كيف يمكن التخفيف من وقع هذا التغيير عليه؟

في هذه المرحلة العمرية، يُظهر الطفل بشكل خاص حاجة إلى الروتين في حياته والانتظام فيرتاح لكل ما يبدو مألوفاً له من عادات وأشخاص. من هنا أهمية الحفاظ على هذه العادات الروتينية في حياته، خصوصاً في ما يتعلق بنظامه الغذائي ومواعيد الوجبات التي يتناولها ومواعيد نومه، سواء قبل الطلاق أو بعده. كما يُنصح بالحرص على حفظ ألعاب الطفل المفضلة له، والتي يشعر بالراحة لوجودها معه. هذه الإجراءات البسيطة قد تكون كفيلة بالتخفيف من وقع الطلاق على الطفل الرضيع في هذه السنّ المبكرة التي يبدو فيها الروتين حلاً ومصدراً لراحته النفسية.

من سن السنة ونصف السنة إلى 3 سنوات:

في هذه المرحلة، يكون أهل الطفل وعلاقته بهم محور حياته واهتماماته. لذا من الطبيعي أن يكون لانفصاله عن أي منهما عواقب وخيمة فيجد صعوبة في تقبّل هذا الواقع أياً كانت الظروف. كما أنه في هذه المرحلة، ونظراً لأن الطفل يكتشف ذاته ويركز عليها، يُلقي عادةً اللوم على نفسه في طلاق والديه وكأنه السبب في انفصالهما. عندها يلاحظ أنه يميل إلى البكاء الزائد ويحاول لفت الأنظار إليه وتركيز الاهتمام عليه. كما يُظهر تراجعاً في قدراته وفي نموه فيعود مثلاً إلى عادة مص الإصبع أو يعجز عن التخلّي عن الحفاض أو يعود إليه بعد تخلّيه عنه. كذلك يُظهر خوفاً من أن يتم التخلّي عنه فيجد صعوبة في النوم وحيداً ويرفض الخلود إلى النوم.

كيف يمكن الحد من وقع التغيير؟

* يمكن أن يعمل الأهل على تعزيز ثقة الطفل بنفسه واستعادته شعوره بالأمان.

* يُنصح كل من الوالدين بتمضية أوقاتاً ممتعة مع الطفل تتاح له الفرصة فيها للتعبير عن مشاعره.

* يجب التأكيد للطفل أنه لن يتخلّى عنه أيٌ من الوالدين.

* يجب التأكيد للطفل أنه لا يتحمل أي ذنب في طلاق والديه.

* يجب التأكيد للطفل أن قرار الطلاق اتُّخذ بالاتفاق بين الوالدين.

* من المهم التقيد بالزيارات المنتظمة والالتزام بها.

* يُنصح بتوجيه الطفل إلى الأنشطة المتنوعة للحد من آثار الطلاق عليه.