يعرض لوحاته للمرة الأولى في دبي هيثم عجينة أستنبط أحلاماً ملوّنة لزمن ضاع في مدن الغربة

حوار: فاديا فهد 06 أبريل 2019

عرض المهندس المعماري والرسام البريطاني العرافي الأصل هيثم عجينة لوحاته التي تحمل عنوان «هندسة الوجود» للمرة الأولى في دبي، راوياً حكايات من ألوان وأشكال عن المدن التي عايشها. ويمزج عجينة بين المباني التي يسكنها الأفراد والتعرّجات العاطفية الذاتية لساكنيها. في هذا الحوار يشرح عجينة عشقه للرسم، وتقاطع هذا الفنّ مع فنون العمارة، كذلك يروي تجربته مع الأسطورة زها حديد التي عمل معها عن كثب، وجمعته بها صداقة خاصّة.


- مهندس ورسام، أيّ علاقة بين الهندسة والرسم الفنّي؟

لقد كان الرسم رفيقي في كل الدروب، لسنوات طويلة. بدأت علاقتي بالرسم منذ الصغر. في عمر الثماني سنوات، كان لديّ مرسماً في بيت العائلة، أهرب إليه وأستمتع بقضاء الوقت في التجارب اللونية. أرسم واستخدام ألوان الباستيل والفحم الاسود والأصباغ الدهنية. أذكر ان المواضيع التي كنت أتناولها هي ما يمكن تكبيره عبر آلات خاصّة، ثم أعيد تلوينه. واتذكر لوحة لسيزان واخرى لفانكوف رسمتهما نقًلا عبر استخدام تلك الآلة. ورافقني تعلّقي برسومات سيزان لسنوات طويلة.

- متى اكتشفت موهبتك كرسام؟

تزامنت اهتماماتي في الرسم وتطورت مع تواجدي في انكلترا في عمر الشباب، وتطوّرت مع دراستي الهندسة المعمارية، والتردّد الى المعارض والمتاحف . الهندسة المعمارية كانت دائماً اهتمامي الاول ولكني ارى اليوم تبدلاً واضحاً في التركيز على جانب الفن التشكيلي.

- في لوحاتك مدن سكنتك وسكنتها، والكثير من الحنين… بين بغداد ولندن ودبي والكويت، أيّ أثر تركت فيك كلّ مدينة؟

مع كلّ تعلّقي بلندن وهي مكان إقامتي الدائم، بقيت بغداد عاصمة تقيم فيّ، على الرغم انني لم أعش فيها إلا سنوات قليلة. لطالما كانت بغداد ملهمة لفنانين عدّة، اما الكويت فكانت لي حاضنة للحياة، على الرغم من قلة الحركة الفنية فيها خلال سنوات اقامتي فيها. دبي منبع معماري لا ينضب دفعني في اتجاه انواع متطورة من الهندسة المعمارية. أما لندن، فقد كانت ولم تزل مورد الفنون والابداع، في معارضها وفنانيها. لا شكّ في انها أثرت في تطلعاتي وامكانياتي الفنية والهندسية. وما زلت حتى اليوم أزور هذه المدينة كي أنهل من فنونها وأبحث عن كلّ ما هو جديد في عالم الفنّ.

- في كلّ لوحة من لوحاتك محاولة للبحث عن الإنسان التائه وسط قسوة المدنية. كعربيّ هل عرفت التيه في ترحالك الدائم، وكيف ترجمته فنّياً؟

(مبتسماً) يبدو انك درستِ جيداً اللوحات ومضامينها في دنيا الاحلام والهموم والتفاؤل! تعدّد المدن التي سكنتها، دلالة على البعد والغربة والتيه: مفردات يعيشها الإنسان العربي الباحث عن وجهة للهروب. النافذة في لوحاتي ليست مخرجاً الى الهروب، بل مدخلاً الى دنيا بعيدة المنال.

- مدنك ملوّنة بألوان جريئة، في حين ان المدن التي عشت فيها رمادية أو صحراوية، من أين جئت باللون الى لوحاتك؟

صحيح ان الألوان في لوحاتي جريئة وبعيدة عن رمادية المدن أو صحراويتها، خصوصاً بعض المدن العربية. لكن لم يكن بوسعي ان استخدم ألوان المدن الرمادية، لأن ذلك يعني الرجوع الى الوراء، بدلاً من استنباط أحلام ملوّنة لزمن ضائع. رمادي المدن سيظلّ لذاكرة مختلطة مع بعض المشاعر، لماضٍ قد أصبح بعيداً وبات يسكن زوايا الحنين.

- أيّ الرسامين ترك أثراً خاصّاً فيك؟ ولماذا؟

هنالك دائماً فنانون تشكيليون بامكانيات قد تبدو للوهلة الأولى غريبة، كما كانت انطلاقة الرسام البريطاني فرانسيس بيكون Francis Bacon واليوم يسجّل كلّ النقّاد اعجاباً كبيراً برسوماته ومواضيعها المثيرة. هناك أيضاً الرسام البريطاني كين هاورد Ken Howard الذي لم يعد بين نخبة المشاهير العالميين لكن إمكانياته التقنيّة في استعمال الألوان وانعكاسات الضوء لا تزال محطّ إعجاب كبير. يوجد في عالمنا العربي العديد من الفنانين الذين يمكن القول فيهم انهم من الطراز الأول، وترينني معجباً بضياء العزاوي وتركيباته اللونية وسيطرته على الأشكال ومعالجته للمواضيع المختلفة.

- عملت عن كثب مع المهندسة الفنانة الراحلة زها حديد، أخبرنا أكثر عنها؟

من حسن الحظ انني تركت لندن لأجد مكاناً لي في دبي وأدخل عالماً حديثاً لا مثيل له. في دبي، هنا تطوّرت مهنياً وعمل مكتبي مع مكاتب كبار المهندسين المعماريين ذوي الشهرة العالمية، واقتنصتُ الفرص القيّمة، بينها عملي مع المعمارية الراحلة زها حديد.، لقد كانت زها مهندسة جبارة بشخصها وتصاميمها، وقد جمعتني بها وزوجتي صداقة عزيزة. يمكن القول ان لزها دكتاتوريتها الخاصة وامكانية ابداع كبيرة. كلّ ما كانت تقوم به زها هو فنّ بامتياز ، حتى لوحات تصاميمها كانت بحق لوحات تشكيلية من الطراز الرفيع. زها شخصية إبداعية عربية عالمية لا تتكرّر.

- كلمة أخيرة للمرأة الرسامة المبدعة التي تبحث عن ذاتها في صخب الحياة المدنية.

لا بد ان نجد في بعض اللوحات التي تضمّنها المعرض نوعاً من التآلف أو الجدلية بين الرجل والمرأة. إذ من الواضح ان المرأة تلعب دوراً رئيساً في كثير من اللوحات التي رسمتها، فهي دائمة الحضور، لا بل هي هيكل كلّ شيء. كثيرات من الفنانات التشكيليات العربيات وصلن الى مرحلة عالية ونافسن الفنانين الرجال، ولكن مع الأسف لم نجد بعد من توصلّت الى الشهرة العالمية. أعتقد اننا في مرحلة تطور الفنّ النسوي العربي، وسوف نشهد اجتهاداً وابداعاً نسوياً مستمراً في المستقبلين القريب والبعيد.