سميحة أيوب: لم أتجاوز حزني على ابني حتى الآن

القاهرة – محمود الرفاعي 20 أبريل 2019

حصدت الفنانة القديرة سميحة أيوب أخيراً لقب "سفيرة الفن الأصيل" من مجلس الإعلاميين الدوليين، تكريماً لمسيرة فنية تخطت الـ 60 عاماً، خدمت فيها الفن المصري والعربي، وعلى أثره مُنحت لقب "سيدة المسرح العربي"، لكثرة أعمالها المسرحية التي مثّلت فيها مصر والوطن العربي. في حوار مع "لها"، تتحدث سميحة عن تكريمها الأخير، وأبرز محطات مشوارها الفني، وقصصها مع أزواجها الراحلين، ومنهم محمود مرسي وشكري سرحان، وتدلي برأيها بالفنانين الجدد.


- ما رأيك بلقب "سفيرة الفن الأصيل" الذي حصلت عليه أخيراً من مجلس الإعلاميين الدوليين؟

اللقب يُشعرني بالفخر والاعتزاز، على الرغم من حصولي على جوائز كثيرة خلال مسيرتي الفنية.

- لكنْ أيّ الجوائز هي الأهم بالنسبة إليك؟

كل الجوائز مهمّة بالنسبة إليّ، فقد حصلت على تكريمات من رؤساء جمهورية مصر العربية، وفي مقدّمهم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي منحني وسام الجمهورية، وكنت وقتها صغيرة في السنّ، والرئيس الراحل أنور السادات. كذلك كرّمني الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إذ منحني وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى. كما قلّدني الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان وساماً برتبة فارس.

- أيّهما الأفضل لك، تكريمات الماضي أم الحاضر؟

{لا مجال للمقارنة، تكريمات الماضي أفضل بكثير، لأنها كانت معدودة ولا تُمنح إلا للمميزين. في الماضي لم يكن في وسع أي فنان أن يحصد جائزة أو لقباً فنياً إلا بعد أن يقدّم مئات الأعمال الدرامية. أما اليوم فمن السهل على الفنان الحصول على لقب أو جائزة بمجرد أن يقدّم عملاً عادياً.

- لماذا لم تخلفك فنانة في المسرح حتى الآن؟

لأنني صادقة وأؤمن بما أقوم به، ولا أكذب على نفسي أو على الآخرين، هذا فضلاً عن "الكاريزما" التي يهبها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء.

- ومن هو المعلّم الذي تتلمذت عليه وجعل منك "سيدة المسرح العربي"؟

هو ليس شخصاً واحداً، بل مجموعة أشخاص أخذوا بيدي منذ صغري، وأرشدوني الى الطريق الصحيح، بدءاً من خالي الذي اكتشف موهبتي مبكراً، وبدأ في توجيهها وأتاني بمدرّس لغة عربية، وصولاً الى أستاذي الكبير زكي طليمات، فقد كان أستاذاً بكل معنى الكلمة، لم يعلّمني فقط فن التمثيل وحِرفية المسرح، بل كان يحيطني بالرعاية الكاملة.

- ماذا يمثّل لك المسرح؟

المسرح هو حبّي الأول والأخير، هو حياتي وعالمي الخاص، وسجّلت من خلاله تاريخاً مشرّفاً. أنا خرّيجة المعهد العالي للفنون المسرحية، ووقفت على خشبته كممثلة في سنّ السادسة عشرة، وعشت أجمل أيام حياتي فيه.

- ما أقرب مسرحية إليك؟

قدّمت حوالى 170 عملاً مسرحياً، كلها قريبة الى قلبي، وقد بذلت فيها جهداً كبيراً، لأنها مأخوذة عن روايات عظيمة، ومنها على سبيل المثال "أنطونيو وكليوباترا" و"الندم" و"رابعة العدوية" و"الوزير العاشق" و"دماء على أستار الكعبة" و"الخديوي" و"الإنسان الطيب" و"السبنسة" و"سكة السلامة" وغيرها... أحببت كل هذه الأعمال المسرحية رغم الجهد الذي بذلته فيها، وهي بالنسبة إليّ كالمولود الجميل الذي تنسى أمه آلام المخاض بمجرّد رؤيته.

- من أفضل مخرج مسرحي تعاملت معه؟

جميع المخرجين الذين تعاونت معهم جيدون، ومنهم كرم مطاوع وسعد أردش وحمدي غيث وأحمد عبدالحليم.

- هل أخذتك عروضك المسرحية الى العالمية؟

خضت خمس تجارب مسرحية عالمية، أذكر منها "فيدرا" التي قدّمتها في باريس لمدة 15 يوماً على خشبة أضخم المسارح هناك، وكتبت عنها الصحف الفرنسية يومذاك، ومسرحية "أونكل فانيا" مع مخرج سوفياتي، و"الطباشير القوقازية" مع مخرج ألماني، و"أنطونيو وكليوباترا" مع المخرج الإنكليزي فيردز بوس، وكانت كلها تجارب ممتعة.

- ما رأيك في المسرح اليوم؟

يحاول المسرح اليوم النهوض والعودة الى سابق عهده، ويشهد إقبالاً من الجمهور.

- وإلى أي مسرح يميل الجمهور؟

الجمهور يفضّل التنوع، فالبعض يميل الى المسرح الكوميدي، والبعض الآخر يبحث عن المسرح المستنير الذي يغذّي الفكر والعقل.

- وما هو المسرح الذي يغذّي الفكر؟

مسرح الدولة بكل تأكيد، وقد شاهدت مسرحية "ألف ليلة وليلة"، وهي مسرحية رائعة من بطولة الفنان القدير يحيى الفخراني. وهنا لا بد من أن أذكر مسرح الفنان الكبير محمد صبحي، فهو يقدم ما يفيد الجمهور ويمنحه في الوقت نفسه متعة فنية وسياسية، وكذلك عادل إمام فهو في رأيي مسرحي عظيم.

- وماذا عن مسرح أشرف عبدالباقي؟

الفنان أشرف عبدالباقي بذل مجهوداً يُشكر عليه، لكنه لا يندرج تحت مسمّى المسرح في أي حال من الأحوال، فكل ما يقدّمه هو مجرد لوحات كاريكاتيرية طريفة، يُبرز من خلالها بعض المواهب الجديدة.

- بعد غياب عن السينما دام 17 عاماً، وافقت على مشاركة محمد هنيدي في فيلم "تيتة رهيبة"، لماذا؟

أحب محمد هنيدي، وحين رشّحني هو والمخرج سامح عبدالعزيز للمشاركة في الفيلم، رفضته قبل أن أقرأ السيناريو، لكنه أصر عليّ أن أقرأه، وبعد الإلحاح وافقت وأعجبني الفيلم، لأن لا ابتذال فيه، فهنيدي فنان ظريف وخلوق.

- فيلم "تيتة رهيبة" كان بمثابة بطاقة تعارف بينك وبين جيل جديد من الأطفال، ما تعليقك؟

لا أنكر أن هذا الفيلم أوجد لي جمهوراً جديداً من الأطفال يلتفّون حولي أينما ذهبت، ويرغبون في التقاط الصور معي، وهذا ولّد في داخلي إحساساً جميلاً.

- رصيدك السينمائي يُعدّ فقيراً مقارنةً بتاريخك الفني الطويل في المسرح والتلفزيون، ما السبب؟

حبّي للمسرح لا يُضاهى، ولم أحب السينما لأن أدواري فيها لا تحمل الرسائل التربوية التي قدّمتها بأريحية على المسرح، إلا أن لي أعمالاً سينمائية لاقت استحسان الجمهور، مثل "أرض النفاق" و"سمارة" و"موعد مع السعادة" و"جسر الخالدين" و"فجر الإسلام"، لكن للأسف غالبية أدواري كانت عبارة عن فتاة جالسة إلى البار ومُمسكة بسيجارة، وفي الحقيقة لم أتقبّل هذه النوعية من الأدوار، لذا أؤكد أن مسرحية واحدة تعادل مليون فيلم، كما قدّمت في التلفزيون أدواراً ذات قيمة.

- ما دامت هذه النوعية من الأفلام لم تلقَ استحسانك، فلماذا وافقت على المشاركة فيها؟

وافقت عليها لأن جمهوري وقتذاك لم يتقبّل فكرة غيابي لفترات طويلة، ولأنني أيضاً كنت أحب العمل الكثير والمتواصل، فكنت أوافق على العمل المقبول.

- أمتعتِ الجمهور بأدوار في الدراما التلفزيونية، ماذا تقولين عن هذه الأعمال؟

{في الحقيقة، وُفّقت في التلفزيون أكثر من السينما، لأنني قدّمت من خلاله أدواراً مهمة شكّلت علامة فارقة في مشواري الفني. كما أتاح لي التلفزيون العمل مع كبار الكتّاب، من أمثال الكاتب محفوظ عبدالرحمن في مسلسل "على لحم يحترق"، والكاتبة فتحية العسال في مسلسلات "لحظة اختيار" و"الضوء الشارد" و"أوان الورد" الذي يدق ناقوس خطر زواج المسلم من مسيحية.

- ما أكثر الأدوار التي تشبه سميحة أيوب؟

دوري في مسلسل "أولاد الشوارع"، حيث أجسد شخصية فنانة ترفض العمل لمجرد العمل، فترفض ملايين الجنيهات التي تُعرض عليها رغم أنها تعيش في فقر مدقع.

- ومن يلفت انتباهك من الفنانين الشباب؟

أحمد حلمي، فهو في رأيي فنان ذكي جداً ويعرف كيف يختار أعماله، وزوجته الفنانة الجميلة منى زكي، والرائع كريم عبدالعزيز، كذلك أعجبني كثيراً أداء أمينة خليل المميز في مسلسل "لا تطفئ الشمس".

- بمَ تنصحين الجيل الجديد؟

بالصدق.

- شكري سرحان أُغرم بسميحة أيوب لكنها فضّلت الزواج من أخيه محسن، هل هذا الكلام صحيح؟

حدث هذا فعلاً، فقد أحبّني شكري سرحان بصدق، لكنه كان حب مراهقة أثناء دراستنا في المعهد العالي للفنون المسرحية، وحين تقدّم لخطبتي، رفضه أهلي لصغر سنّي، وكنت يومذاك أشارك في فيلم مع أخيه محسن، ومن المضحك أن شكري ذهب إلى محسن ليوصيه بي، قائلاً: "سميحة خطيبتي"... لكن محسن أُعجب بي، وأنا كذلك.

- لكنك مررت بتجربة مريرة في زواجك من محسن سرحان...

استمر زواجنا ثلاث سنوات وأنجبت منه ابني محمود، بالإضافة إلى أن أولاده من زوجته الأولى كانوا يعيشون معنا، وقد عانيت الأمرّين بسبب تصرفات محسن الغريبة معي، فقد كان يغلق باب المنزل بالمفتاح، ولم يحسب أن معي أطفالاً قد يحتاجون الى رعاية طبية أو ما شابه، وبقينا على هذه الحال إلى أن حصل موقف كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث تعرض ابنه البكر لحادث داخل المنزل ولم أتمكن من إسعافه كما يجب، ما دفعني للتفكير بالمستقبل، ماذا أقول لابني عندما يكبر ويسألني، لماذا كان أبي يغلق الباب علينا؟ وكان يومها قد اقترب عيد ميلادي، وسألني محسن عن الهدية التي أرغب بها، فقلت له طلّقني، وبالفعل حدث الانفصال الذي كان وقعه صعباً جداً على أولاده الذين تعلّقوا بي كثيراً.

- ماذا عن زواجك من الفنان محمود مرسي؟

محمود مرسي كان شخصية ثرية وعظيمة وعميقة ومثقفة، فهو فريد من نوعه، وكل امرأة تتمنى الارتباط به، وقد عشنا قصة حب جميلة تكللت بزواج أثمر عن ابننا "علاء"، وأتذكر أننا لم نختلف يوماً، وكان محمود يعامل ابني من محسن سرحان بالحُسنى ويعتبره مثل ابنه تماماً.

- وما الأسباب التي أدّت الى انفصالكما؟

كنت وقتذاك لا أزال في بداية مشواري الفني، وأبذل جهداً كبيراً لأصنع اسمي، وكنت لذلك أتغيّب كثيراً عن المنزل، وكان هذا يضايق مرسي حتى أنه قال لي: "أشفق عليك عندما تعودين إلى البيت ليلاً وتحاولين تعويض غيابك"... وخيّرني ما بين العمل وبينه، فاخترت عملي، فدبّ الخلاف بيننا وطلب مني عقد الزواج، وسافرت في اليوم الثاني مع الفرقة إلى رأس البر، وهناك تلقيت مكالمة هاتفية من أمي، وإلى جانبها الكاتب الكبير بهاء طاهر، الذي أبلغني بالطلاق، وما إن سمعت بالخبر حتى طرتُ من الفرح، فارتديت أجمل فستان عندي ودعوت أعضاء الفرقة إلى العشاء، واستمررت في الضحك "كالطير يرقص مذبوحاً من الألم"، لكن عندما تزوجت تضايق مرسي كثيراً.

- تزوجت بعدها برفيق دربك سعد الدين وهبة وعشت معه 35 عاماً... ما الذي ساهم في استمرار هذا الزواج؟

كان سعد الدين وهبة رحمه الله رجلاً متفهّماً ويحب عملي في الفن ويشجّعني، وكان حَسَن المعشر، وكل هذا كان كفيلاً بإبقاء جذوة حبنا مشتعلة.

- قوّتك تكمن في إيمانك، هل هذا ما ساعدك على تجاوز محنة فقدانك ابنك محمود سرحان؟

ونِعم بالله، لكنني لم أتجاوز حزني على ابني إلى الآن، وما زلت أتحسّر عليه وأبكي لفقدانه.

- هل سميحة أيوب حماة طيبة؟

أحب زوجة ابني "علاء" كثيراً، ودائماً أقف الى جانبها وأناصرها، وعندما تتضايق ترتمي في أحضاني، وفي الحقيقة ابني رقيق جداً وخلوق ومحترم، وذات مرة قالت لي كنّتي: "دُهشت عندما علمت أن والدته سميحة أيوب، وتساءلت كيف سأتعامل معها؟ لكن وجدتها لا تتدخل في حياتنا".

- وماذا عن حفيدك؟

"يوسف" هو الرجل الوحيد الذي قهرني...

- من هم أصدقاؤك في الوسط الفني؟

نادية لطفي، فصداقتنا لا تزال مستمرة منذ 40 عاماً، أيضاً سميرة عبدالعزيز ومديحة حمدي والصحافية آمال بكير.


CREDITS

تصوير : تصوير – محمود رؤوف