زارت مخيّم الأزرق للاجئين السوريين في الأردن جيسيكا قهواتي: نعم لتعليم الفتيات اللاجئات، لا للزواج المبكر!

حوار: فاديا فهد 04 مايو 2019
جيسيكا قهواتي في مخيّم الأزرق للاجئين السوريين في الأردن. مهمّة إنسانية جديدة تُضاف الى تاريخ جيسيكا العارضة ومقدّمة البرامج والمحامية والمؤثرة، وتؤكد على توجّهها أكثر فأكثر الى العمل الإجتماعي الهادف. مشاهدات كثيرة عادت بها من المخيّم، بعضها مؤلم لا بل مبكٍ، والبعض الآخر يبعث على الأمل، مع انطباع عام بأن ما يُقدّم من مساعدات لا يكفي لتأمين حياة كريمة لأهل المخيّم. أما الرسالة التي حملتها جيسيكا الى الفتيات، فواضحة وقويّة: نعم لتعليم الفتيات اللاجئات، لا للزواج المبكر! وفي هذا الحوار تفاصيل عجزت الصور عن ان ترويها، وعزفت السوشيال ميديا عن نقلها.


- ليست هذه الزيارة الأولى التي تقومين بها الى مخيمات اللاجئين في الأردن... ما الفرق بين زيارتك الأولى والأخيرة هذه؟

زيارتي الى مخيّم اللاجئين السوريين في الأزرق، هي الزيارة الإنسانية الثالثة التي أقوم بها الى مخيّمات للاجئين. لكلّ مخيّم خصوصيته وحجمه وموقعه وعدد سكانه وتسهيلاته. ما يختلف حقاً هي قصص اللاجئين في كلّ مخيّم. زيارتي الأولى كانت لمخيّم الزعتري الذي يأوي نحو 80 ألف لاجئ سوري، والثانية كانت الى مخيم في بنغلادش يأوي أكثر من 600 ألف لاجئ من روهينغا. الى ان كانت هذه الزيارة الى مخيّم الأزرق الذي يضمّ أكثر من 35 ألف لاجئ معظمهم من حمص وحلب. المخيّم قريب جداً من الحدود السورية وموقعه في منطقة قاحلة وجافّة.

- أخبرينا عن هذه الزيارة، ما الذي أثّر بك أكثر؟

هذه الزيارة هي جزء من عملي مع اليونيسيف UNICEF هدفها التوعية حول قضية اللاجئين، وجمع التبرّعات لتأمين مياه الشرب للمخيّم والطعام والأدوية، والأهمّ توفير التعليم للأطفال. لحظات مؤثّرة عدّة عشتها خلال هذه الزيارة: عندما شدّدت رباط حذاء طفل يريد لعب كرة القدم، وكان الرباط قصيراً جداً ولا يغطّي كلّ الحذاء. وعندما جَلست طفلة في حضني لساعات وعانقتها بحنان، هي المحرومة من الحنان والعطف. كذلك عندما أخبرتني فتيات ذكيات انهنّ يدرسن بجهد وكدّ ويحضّرن لامتحانات دخول الجامعة، آملات ان يتمكنّ من الحصول على منح جامعية لأنهنّ لا يستطعن أن يتحمّلن أعباء دفع الأقساط الجامعية، وهنّ إذا لم يفعلن، سيُجبرن كالعديد من أترابهنّ على القبول بزواج مبكر يقضي على أحلامهنّ.

- ماذا لمستِ في هذه الزيارة؟

لمستُ رغبة كبيرة لدى الأجيال الناشئة من اللاجئين في العمل على تغيير واقعهم. وهم بارعون جداً في المشغولات الحرفية والخياطة والطهو. إنهم مبدعون حقيقيون. وأدركتُ ان المساعدات التي تُقدّم غير كافية. فالجيل الجديد من اللاجئين بحاجة الى فرص للتعلّم والعمل في آن واحد، بهدف تحقيق استقلاليتهم وترميم الحياة التي كانت لهم وخسروها بسبب الحرب.

- هل حققت زيارتك هذه الهدف الذي رسمته لها؟ هل استطعتِ أن تجمعي التبرعات اللازمة لليونيسيف؟

هدف الزيارة هو الإضاءة على معاناة اللاجئين السوريين في هذا المخيّم. لقد أردت رفع الصوت في ما يتعلّق بحقوق أطفال المخيّم. دخلت الحرب عامها الثامن وباتت قضية اللاجئين بالنسبة الى الكثيرين مجرد أرقام. أردتُ أنسنة القضية ورسم وجه للمأساة. كذلك حاولت المساهمة في جمع التبرعات لليونيسيف كي تتمكّن من متابعة مهامها ومسؤولياتها تجاه هؤلاء.

- كتبت على انستغرام الخاص بك: «لا شيء يكسر قلبي أكثر من طفل محروم من عيش طفولته»...

الجملة التي كتبتها تشرح نفسها وتعبّر عن واقع الأطفال في مخيّم الأزرق. من حقّ الطفل ان يتعلّم ويلعب ويكون بأمان ولا يقلق بشأن الحرب. لا يمكن أن يُحمّل الطفل عبء الهموم الذي يحملها والديه. لقد التقيت طفلاً في الرابعة من العمر وحدّثني بان والده عاطلاً عن العمل. والتقيتُ أطفالاً أخبروني عن انقطاع التيار الكهربائي أكثر من ثماني ساعات ليلاً ممّا يحول دون تأمين التدفئة لهم.

- نشرتِ صوراً لفتيات صغيرات بشباشب مفتوحة من النايلون، شبه حفاة في البرد القارس، أخبرينا عنهنّ.

هذا المشهد أثّر بي كثيراً. التناقض بين الإبتسامات الجميلة الدافئة لهؤلاء الفتيات، وأقدامهنّ الباردة بالشباشب الممزّقة والمتسخة بالوحل، كان دليلاً واضحاً على ان ما يُقدّم لهؤلاء الأطفال من مساعدات ليس كافياً.

- أيّ موقف أبكاك؟

لقد حبستُ دموعي ولم أبكِ أمام هؤلاء الأطفال ولا حتى أهاليهم، لأنني في مهمّة إنسانية تقضي بأن أستنبط الأفكار التي من شأنها ان تحسّن حياتهم. ما رأيته وشاهدته أثّر بي بأسلوب مختلف: شعرتُ بحزن شديد وبألم في صميم قلبي. وشعرتُ أيضاً بتعبٍ نفسيّ وجسديّ. ما يؤلم حقاً أن تجدي نفسك أمام طفل حزين جداً، ولا يمكنكِ أن ترسمي ابتسامة على وجهه.

- ما الذي أسعدك في هذه الزيارة؟

مرّت بي بعض اللحظات السعيدة أذكر منها: عندما رحّب بي طفل صغير في الحضانة مغنيّاً وحده بصوت عالٍ، أغنيّة من تأليفه وتلحينه: «أهلا وسهلاً بك... نحن نحبك!». كذلك عندما ركض طفل كي يُريني قوّة عضلاته، وهو بعد في الرابعة من العمر.

- أيّ مشهد لم تنشريه على السوشيال ميديا احتراماً لخصوصيّة الأطفال؟

تحدّثت فتاتان عن مشاكل خاصّة، وقد رغبت في أن أنشر قصتيهما، لكنني لم أفعل احتراماً لخصوصيتيهما وأمنهما الشخصي. اشتكت فتاة محجّبة من ان والدها يمنعها من دراسة المحاماة بحجّة انها مهنة تحتّم عليها الإختلاط بالرجال. وأخبرتها انني أعرف محاميات محجّبات يمارسن مهنتهنّ باحترام، وهنّ مقدرات من زملائهنّ. في حين اشتكت الفتاة الأخرى من ان شاباً في المخيّم قتل رجلاً لكنه أفلت من العقاب، متسائلة: لو ان فتاة أو امرأة قامت بمخالفة صغيرة، أما كانت لتعاقب أشدّ عقاب؟ فلمَ التمييز؟

- هل تعتقدين ان التعليم كاف كي يُخرج هؤلاء الفتيات من دوامة الفقر والجهل والتقاليد البالية والتمييز والقمع الذكوري؟

أعرف انه من الصعب ان يحلّ التعليم كلّ هذه الأمور، لكنني أعرف في الوقت نفسه ان التعليم يمكّن الفتاة ويزيد في أبواب الفرص المفتوحة أمامها، والأهمّ انه يجنّبها الزواج المبكر.

- أيّ رسالة تحملين لأولياء الأمور في ما يتعلّق بالزواج المبكر؟

من الصعب إيصال رسالة مؤّثرة ومفهومة لهؤلاء. لذا يجب ان يكون القانون واضحاً يحمي الفتيات اليافعات من الزواج المبكر الذي يشكّل خطراً على صحّتهنّ الجسدية والنفسية.

- أيّ رسالة حملتِ لفتيات المخيّم؟

واصلن نضالكنّ من أجل التغيير، وحاولن النجاح في دراستكنّ وجامعاتكنّ. العلم أملكنّ الوحيد في تطوير مهاراتكنّ وتحقيق ذواتكنّ والإتكال على أنفسكنّ.

- ذكرتِ انك لمستِ حسّ الإبتكار في المخيّم، أخبرينا أكثر.

التقيتُ ثلاث مجموعات من الشباب يعملون في مشاريع للمخيّم آمل ان يحصلوا على تمويل لها. أوّلها بناء مكتبة يستطيع اللاجئون استعارة الكتب منها. وثانيها يقضي بإعادة تدوير المواد وابتكار قطع جديدة منها، وبيعها. وثالثها وهو المفضّل لديّ، ويطلقون عليه اسم Time Bank ويقضي بتبادل المهارات بين سكان المخيّم، من خلال تسجيل المهارة المقدّمة في بنك زمني يسمح بمقايضتها بأخرى في وقت لاحق. وهذه الفكرة هي لشاب لاجئ عمره 19 عاماً.

- هل شعرتِ انك محظوظة بعد زيارة المخيّم ومعاينة معاناة اللاجئين؟

أنا ممتنّة لكلّ ما أملك، وأشعر أنني مسؤولة عن القيام بشيء من أجل مَن قابلتهم واستمعتُ لهم. وهذا هو التحدّي الكبير الذي أعيشه اليوم.

- تستخدمين شعبيتك وتأثيرك على السوشيال ميديا كي تضيئي على قضايا إنسانية محقّة، هل هذا نابع من كونك محامية؟

لطالما دافعتُ عن حقوق الإنسان ووقفت الى جانب المظلومين والمهمّشين، مذ كنتُ طفلة. في المدرسة، كنتُ نصيرة الأطفال ضحايا التنمّر. وعندما كبرت، عشقتُ دراسة القانون والحقوق والإقتصاد، رغم انني لم أعمل في أيّ من هذه المجالات. ركّزت خلال مسيرتي كعارضة ومقدّمة تلفزيونية وشخصية مؤثّرة على حقوق الإنسان والأطفال واللاجئين والمسلمين. ما يهمّني فعلاً هو الإنسان، والإضاءة على قصص إنسانية مهمَلة.

- ما هي مهمّتك الإنسانية التالية؟

لم أفكّر فيها بعد. ما زال تفكيري مركّزاً على ما يمكن فعله لأولئك الأطفال المساكين الذين التقيتهم وعاينت مشاكلهم.