لبلبة: لم أندم لحظةً لتفضيلي الفن على حياتي الخاصة... وتعلّمت الأمومة من والدتي

القاهرة – محمود الرفاعي 01 يونيو 2019
بعد مسيرة فنية حافلة بالنجاحات والأعمال الفنية المتميزة، قرر مهرجان الأُقصر للسينما الأفريقية في دورته الثامنة أن يكرّم الفنانة الكبيرة «لبلبة» عن مجمل أعمالها ومشوارها السينمائي والمسرحي الطويل، وهو التكريم الذي اعتبرته لبلبة الأهم في مشوار حياتها، لأنه جاء من بلدها وقارّتها اللذين تفتخر دوماً بالانتماء إليهما. تتحدّث لبلبة في حوارها مع «لها» عن كواليس مسيرتها الفنّية الطويلة، وعن أبرز محطاتها، وأهم الفنانين الذين تعاونتْ معهم في السينما، أمثال عادل إمام وأحمد زكي ونور الشريف وعاطف الطيّب ويوسف شاهين. كما تروي كيف ضحّت بالأمومة لمصلحة الفن.


- كيف استقبلت خبر تكريمك من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية بدورته الثامنة؟

شهد تاريخي الفنّي تكريمي من عشرات المهرجانات العالميّة، لكنّ أهمّها وأعزّها على قلبي تكريم بلدي. فاليوم أفتخر بأنّني وهبتُ حياتي للفنّ في مصر منذ كنت في الخامسة من عمري ولم تذهب هباءً، وأعتزّ بكل ما قدمته في حياتي الفنية في السينما وعلى المسرح وفي الأعمال القليلة التي ساهمت فيها بالتلفزيون. وفي المناسبة، أوجّه شكراً خاصّاً إلى كل جمهوري الذي أحبّني منذ أن أطللتُ عليه، وإلى إدارة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية برئاسة السيناريست سيد فؤاد، والذي يرأسه شرفيّاً الفنان محمود حميدة. حين تلقّيت مكالمة سيّد فؤاد، وبشّرني بتكريمي، أحسستُ وكأنّ طفولتي وشبابي يمرّان أمام عيني.

- هل كنت تتوقّعين وأنت ابنة الخمس سنوات، أن تحقّقي كل هذا النجاح؟

من الشائع أن الأطفال الموهوبين في السينما أو الدراما عموماً لا يكملون مشوارهم الفني، إما بسبب انشغالهم بالدراسة أو لرفض أسرهم استمرارهم في العمل الفني، أو لسببٍ ما، لكنني لم أكن أفكّر منذ طفولتي إلا في الفن. ولم يكن يشغل بالي أي شيء إلا أن أكمل مسيرتي في هذا المجال الذي أحببته، فأنا لا أشعر بنفسي ولا بقيمتي إلا حينما أسعد الجمهور الذي يراني، ولا أستمد طاقتي واندفاعي إلا من كلمات الشكر والتقدير التي أتلقّاها من جمهوري، وأحمد الله أنه أطال في عمري لكي أحصد نجاحي من خلال تلك التكريمات.

- ما حقيقة المعلومة الواردة في الموسوعة الإلكترونية التي تقول إنّ المعلم "صديق" هو الذي اكتشف لبلبة؟

هذا الأمر يغضبني كثيراً، فأنا لا أعرف شخصاً يُدعى المعلّم "صديق"، والجميع يعلم جيّداً أنّ من اكتشف لبلبة هما المخرج الكبير الراحل نيازي مصطفى وأبو السعود الإبياري، ونيازي هو من أطلق عليَّ اسم لبلبة. كما أن كل المعلومات الواردة في تلك الصفحة لا أساس لها من الصحّة، وعلى النقيض مما ذُكر، أقول إنني قدّمت في مسيرتي 86 فيلماً من بينها فيلمي الأخير "كازابلانكا"، الذي انتهيت من تصويره أخيراً، بالإضافة إلى 268 أغنية واستعراضاً. كما أن المعلومات الشخصية ابتداءً من تاريخ ميلادي خاطئة، كذلك أوضّح أنّ والدي من محافظة الإسكندرية ووالدتي من منطقة غمرة.

- لماذا استمرّت نجومية لبلبة حتى يومنا هذا؟

لأن مرآتي كانت صادقة دوماً معي، ولم يجنح بي الغرور بتصفيق الجمهور وإعجابه حتى حين كنت طفلة وأقلّد الفنانين، بل كنت دوماً أفكر في ما سأقدم بعد أن أتخطى مرحلة الطفولة وأدخل في مرحلة الشباب، وكنت دائماً أفكّر في "تغيير جلدي"، فلا أعمل على المنوال ذاته. وأعتقد أن أفضل قرارات التغيير هذه، كان حين ابتعدتُ قليلاً عن الكوميديا ودخلتُ في أجواء الأعمال السينمائية الدرامية، التي كان منها مثلاً: "لهيب الانتقام" و"ضد الحكومة" و"ليلة ساخنة".

- هل ندمت في لحظة ما على انغماسك في الفن على حساب تكوين أسرة وإنجاب أطفال؟

لم أندم في حياتي على أي عمل، فكل ما فعلته كان بإرادتي، و"المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين"، وقد أخلصت في فني ولفنّي وكرّستُ له كل تفكيري وحياتي، ولا أعرف لماذا في كل مراحل حياتي حتى اللحظة، وخلال "زيجتي" الوحيدة، كان كل من قابلتهم في حياتي يكرهون الفن ولا يريدونني أن أستكمل مشواري الفنّي، لكنّني فضّلته على كل هؤلاء وكان دائماً هو "الرقم واحد"، ولم أشعر في لحظة أنّني "شبعت" من الفن أو ضجرت منه.

- تعد لبلبة من أبرز الفنانات اللواتي قدّمن دور الأم في السينما المصرية في الفترة الأخيرة... كيف أتقنت تجسيد دور الأم وأنتِ لم تمارسيه في حياتك؟

ربما حُرمت من الأمومة في حياتي، لكنّني تعلّمتها من والدتي رحمها الله، التي كانت أمّاً ولن تعوَّض. علّمتني بالممارسة كيف تكون الأمومة.

- قدّمت أدوار الأم أكثر من مرة، فما أقرب تلك الأدوار إلى قلبك؟

إذا شاهدت أدواري كأمّ فستجد أن كل دور كان مختلفاً عن الآخر تماماً، ففي فيلم "الآخر" جسّدت دور الأم التي فقدت زوجها وتولّت تربية أولادها وإعالتهم من خلال الخياطة. وفي فيلم "عريس من جهة أمنية" قدّمتُ دور الأم المتسلّطة، التي تريد أن ترى ابنها أفضل شخص في الحياة، وألّا يفرض أحدٌ كلمته عليه. أما أحبّ أدوار الأمومة إليّ فهو دوري في فيلم "عائلة ميكي"، الذي جسّدت فيه شخصية أمّ لأربعة أولاد كانت تعتقد أنّ تربيتها لهم سليمة وجيدة، وفجأة تكتشف أنها لا تعرف شيئاً عن أولادها، بسبب انشغالها عنهم بالعمل! وفي هذا الفيلم، أنطق بجملةٍ أرى أنها من أجمل ما قيل عن الأمّ، أقول حين تحصل أسرتي في العمل على جائزة الأم المثالية، وتسألني المذيعة عن فكرة الإنجاب: "همّا متعبين ويصدعوا ومصايبهم مابتخلصش، بس هما أولادك الذين سيحملون اسمك".

- لبلبة وعادل إمام يمثّلان أحد أهمّ الثنائيات في تاريخ السينما المصرية والعربية، فكيف تقيّمين تلك العلاقة؟

عادل إمام هو توأم روحي، "الزعيم" هو رمز الطمأنينة لي في أي عمل أشارك فيه، وهو صاحب فضل كبير عليَّ، لأنني استفدت كثيراً من شعبيّته وجماهيريته، وأرى أنّ أي عمل أشارك فيه مع "الزعيم" يكون بمثابة شهادة نجاح لي. علاقتي بعادل لا أستطيع أن أصفها، لأنّها عِشرة عمر، فأنا أمضيت معه أياماً أكثر ممّا عشت مع أسرتي، ووصل بيننا الحال إلى حدّ أنّ أحدنا يفهم الآخر من نظرة العين. أدعو الله أن يطيل في عمره، وأن يظلّ زعيم الفن المصري والعربي وأسطورته.

- هل كان عادل إمام صاحب فكرة عودتك إلى عالم الدراما التلفزيونية بعدما كنت أبرز المبتعدين عنها؟

بالتأكيد، فـ"الزعيم" هو الشخص الوحيد الذي لا أستطيع أن أرفض له كلمة أو أمراً، فأنا بطبعي لست من هواة التمثيل في الأعمال الدرامية التلفزيونية، وحينما عرضت عليَّ المشاركة في مسلسل "صاحب السعادة" عام 2014 لم أتردد للحظة، بسبب عادل إمام ونجله المخرج الكبير رامي إمام. ولا أنسى نصيحة "الزعيم" لي خلال العمل في المسلسل، إذ عند تصوير المشهد الأول فيه، لم أكن أعرف إلى أي كاميرا يجب أن أوجّه نظراتي، لأنّني معتادة على السينما، وبعدما أنهينا تصوير المشهد، وجدتُ كل زملائي يتّجهون إلى شاشة المونتير لكي يروا الأداء، فما كان من "الزعيم" إلاّ أن ناداني وقال "إوعي تتفرجي على ما قمت بتصويره، لأن الفنان الجيّد المتمكّن من أدواته لن يرضى أبداً عن أي مشهد قام بتصويره"، وبالفعل من يومها لا أنظر أبداً إلى أي مشهد خلال التصوير، بل أنتظر لمشاهدته على الطبيعة حين يُعرض العمل على التلفزيون.

- كم عملاً جمعك بعادل إمام؟

12 فيلماً، من بينها 9 أعمال كنّا فيها دويتو فنياً، بالإضافة إلى مسلسلين هما "صاحب السعادة" و"مأمون وشركاه"، وأتمنى أن تجمعنا خلال الفترة المقبلة أعمال فنية أخرى.

- ما الذي تغيّر في عادل إمام خلال مشواره الفنّي الطويل؟

عادل لم يتغير على الإطلاق، هو الشخص ذاته الذي قابلْته في أول عمل سينمائي لنا، في فيلم "البعض يذهب إلى المأذون مرتين".

- قدمتِ مع أحمد زكي فيلمين من أهم أفلام السينما المصرية "ضدّ الحكومة" و"معالي الوزير". كيف كانت الكيمياء بينكما؟

أحمد زكي من أجدر الفنانين الذين يتقمّصون الأدوار قبل التصوير وبعده، أذكر أنه قبل بدء تصوير فيلم "معالي الوزير"، دخل عليَّ في غرفتي أثناء وضعي للماكياج، وإذ به يتحدّث معي وكأنه "رأفت رستم" بطل العمل، وأحياناً كان يتركنا بعد التصوير من دون أن يودّعنا، لأنه ما زال متقمّصاً شخصية الوزير، لكن أحمد زكي بطبيعته فنان متواضع للغاية وبسيط، محبّ لكل الناس ولا يستطيع أن يُغضب أيّ أحد، لكن خلال التصوير، أنت أمام شخص لا تعرفه.

- وماذا عن نور الشريف الذي قدّمت معه أهمّ أفلامك السينمائية "ليلة ساخنة"؟

نور كما شاهدتُه، كان فناناً عظيماً وطيّباً إلى أقصى الحدود. أذكر أنّه وقت تصوير فيلم "ليلة ساخنة" مع الراحل عاطف الطيب، كان نور يصوّر "الكلوزات" الخاصة به، أي تركيز الكاميرا على الوجه فقط، بعد انتهاء تصوير المشاهد العامّة، ثمّ يذهب إلى بيته، لكن وقت تصوير "الكلوزات" الخاصة بي، رفض نور الرحيل، وظل جالساً معي، ولمّا سأله عاطف الطيّب عن سبب بقائه، قال "هفضل قاعد لغاية ما لبلبة تنتهي من تصوير كلوزاتها عشان أدّيها إحساس المشهد وأطمّنها"، ورغم صعوبة الدور عليَّ، كان نور يطمئنني ويهوّن الأمر عليّ، مؤكّداً أنه سيكون نقلة نوعية في مسيرتي الفنية.

- هل المخرج الراحل عاطف الطيب سبب رئيس في نجوميّة لبلبة السينمائية؟

بكل تأكيد، عاطف الطيب من الشخصيات النادرة التي لن أستطيع أن أنساها طوال حياتي، مثل والديّ رحمة الله عليهما. عاطف "هيفضل عايش جوّه" قلبي حتى آخر يوم في عمري، لا يمكن أن أنسى فضل هذا الرجل عليَّ، فهو وضعني في مكانة لم أكن أفكر فيها مطلقاً، وأتساءل الآن كيف استطاع أن يفرض كلمته على الجميع، وأصرّ على أن أجسد دور "فتاة ليل" في فيلم "ليلة ساخنة". بسبب هذا الرجل، حصدتُ أهمّ وأغلى الجوائز في حياتي الفنية، ووصل عددها إلى 13 جائزة من مختلف مهرجانات العالم، من بينها مهرجان في مدينة كيب تاون بدولة جنوب أفريقيا، والمؤثّر في الأمر، أنّ غالبية تلك الجوائز حصلتُ عليها بعد رحيله عن عالمنا، أي في غيابه، ولم يشاركني في الحصاد، ولذلك لن أنسى ما فعله معي حتى آخر يوم في عمري.

- وماذا عن أعمالك مع يوسف شاهين؟

"يوسف ده عبقري"، دائماً أقول إنه معهد تمثيل في حدّ ذاته، وليس مجرد مخرج، وقد تعاونتُ معه في عملين من إخراجه فقط، هما "إسكندرية نيويورك" و"الآخر"، وهو دائماً كان يقول لي "أحب نظرة عينيك يا لبلبة". ولدى يوسف شاهين طقوس معينة في التصوير، فهو دائماً يبدأ مع الفنان بأصعب مشهد له في العمل، كما أنه يباشر التجهيز لأعماله السينمائية قبل بدء التصوير بـ6 أشهر كاملة، ويغيب عن بالي آخر عيد ميلاد أقمناه له، وكثيراً ما احتفلنا معه بمناسبة عيد ميلاده، لكن في تلك المرّة كنت أنا وزوجته يسرا، حينما قال بالحرْف: "هذه آخر مرّة تحتفلون بعيد ميلادي"، وصدق حدسه إذ بعد بضعة أشهر شهدنا وشهد العالم رحيل يوسف شاهين... وبقيتْ أفلامه. ومنذ فترة، كان لي شرف المشاركة في حفل افتتاح "سينما تك" يوسف شاهين في باريس، وكان من بين الحضور ماريان خوري ومهتمّون كثُر، ومن المقرّر أن تعرض معظم أعمال يوسف شاهين في المركز.

- ما الذي أوحى لك بتغيير مسار حياتك الفنية فانتقلتِ من الفتاة الاستعراضية إلى تقديم الأدوار المركبة؟

بعد النجاح الكبير الذي حققتُه مع الفنان محمد صبحي والمخرج سمير سيف في فيلم "الشيطانة التي أحبتني"، قرّرت أن أغير جلدي تماماً، وتجسيد أدوار جديدة ومركبة، خاصة أنني كنت أعلم أن أدوار هذه الفئة ستنتهي مع التقدّم في العمر. وكان أوّل تلك الأعمال التي قدمتها في ما بعد، شخصيّة المحامية الانتهازية في فيلم "ضد الحكومة"، وأذكر قول عاطف الطيب آنذاك لي: "اقبلي الدور، لأنك ستكونين مفاجأة الفيلم مع الفنان أبو بكر عزت"، الذي جسّد شخصية "الوزير الفاسد"، وكانت تلك المرّة الأولى التي نقدّم فيها معاً أدواراً جادة ومختلفة عن أدوارنا الكوميديّة.

- ما الدور الذي تعتزّين به ولم يأخذ حقّه كما يجب؟

دوري في فيلم "فرحان ملازم آدم"، فهذا الدور رفضته أوّل ما عُرض عليَّ، لأنني لا أحبّ أن أقدم شخصية السيدة المتصابية، وأذكر أن والدتي رحمها الله قالت لي: "إحنا مالناش دعوة بالأدوار دي يا بنتي"، لكنّ السيناريست محسن زايد طلب مقابلتي وأصرّ على أن يصطحبني في جولة لمشاهدة تلك النوعيّة من السيّدات، وأصر عليَّ لقبول الدور، وهذا ما كان. وبالفعل كان الدور من أهم الأدوار التي قدّمتها في مسيرتي الفنّية، والتي نلتُ عنها جوائز من مهرجانات مختلفة.

- لبلبة لها دائماً ذكريات مع عبدالحليم حافظ، فكيف بدأتْ علاقتكما؟

تعرفت إلى عبدالحليم حافظ وعمري سبع سنوات، حيث كنت أشارك في الفقرة التي تسبق بدء ظهور حليم في كل حفلاته، وبدأت علاقتي به منذ "الوهلة الأولى"، إذ كنت معه حين رفض الجمهور الاستماع له وطلب منه مغادرة المسرح. وحليم كان يحبّني كثيراً لدرجة أنه كان يُدرج اسمي في أغنياته من دون أن يشعر الجمهور، فمثلاً في أغنية "سواح" كان يقول "واهي نونيا بتلعب بينا"، بدلاً من "واهي دنيا بتلعب بينا". وكانت لحظة وفاته من أصعب ما مرّ عليّ في حياتي، ورغم رحيله بقي صوته يصدح عالياً بأغانيه.

- ماذا عن عمل "لبلبة" الجديد؟

انتهيت أخيراً من تصوير دوري في فيلم "كازابلانكا"، وهي المرّة الأولى التي أتعاون فيها مع المخرج المميّز بيتر ميمي، والمنتج الجريء وليد منصور، وأنا سعيدة للغاية بنجاحات الفنان أمير كرارة، وأجسّد مع هذه الكوكبة من الفنانين دور الشقيقة الكبرى للفنانة غادة عادل، التي لم يسبق لها الزواج، والتي تحاول بشتى الطرق أن تحول دون أن تصبح شقيقتها مثلها، ورغم علاقة الصداقة القديمة بيني وبين غادة، إلّا أنّها المرة الأولى التي يجمعنا فيها عمل دراميّ.