فرخ البط ليس دائماً عوّاماً... عشرة من أبناء النجوم القدامى يكشفون: هربنا من الفن!

القاهرة - جمال سالم 15 يونيو 2019

يقول المثل الشعبي المصري "فرخ البط عوّام"، لكن واقع أبناء بعض النجوم القدامى يخالف هذا المثل، حيث شقّ الكثير منهم طريقه بعيداً من وراثة الفن، في حين استمر آخرون في حبّه كهواية فقط. "لها" التقت عشرة من أبناء مشاهير الفن، وتعرفت منهم على مجالات أعمالهم، فماذا قالوا؟


في البداية، يؤكد المستشار ماضي توفيق الدقن، رئيس جمعية أبناء الفنانين، أنه اقتنع بمقولة والده "الفن هو الموهبة الوحيدة التي لا تورَّث"، فاتجه لدراسة الحقوق وأصبح من كبار المحامين، ليس في مصر فقط، بل في الوطن العربي، مستفيداً من كفاءته واسم والده ونصيحته له بأن يدرس ما يحب، حتى يمارس المهنة التي يحب ويحقق فيها النجاح. وأضاف المستشار الدقن: "لو كنت أملك موهبة التمثيل لأصبحت ممثلاً مثل والدي، لكنني إنسان محترم، ولا أُقحم نفسي في ما لا يخصني أو أراه بعيداً من موهبتي، مع هذا فإن نشأتي في بيت فني جعلتني أتمتع بثقافة فنية عالية وأتعلّم فنوناً أخرى مغايرة للتمثيل، بحيث أعزف على البيانو وأحب كل أنواع الموسيقى، وحصلت على ماجستير في القيادة والتأليف الموسيقي من معهد تشايكوفسكي في روسيا، وأشارك في عدد من برامج شبكة البرنامج الثقافي.

وينهي المستشار ماضي الدقن كلامه مؤكداً أنه فخور بتأسيسه وترؤسه لجمعية أبناء الفنانين، التي ساهمت في جعل أبناء فناني الزمن الجميل بمثابة أسرة واحدة متحابّة، فدائماً ما نعقد مؤتمرات ولقاءات تجمعنا، لأننا ورثنا هذه المحبّة من آبائنا، وما زلت أذكر الكلمات الأخيرة التي قالها لي والدي: "لم أترك لك شيئاً تخجل منه".

التصوير الصحافي

يؤكد المصوّر الصحافي الشهير نادر عماد حمدي، أنه الابن الأكبر للفنان الراحل عماد حمدي، ويعمل مصوّراً في وكالة أنباء الشرق الأوسط، رغم أنه نشأ في أسرة فنية، حيث تزوج والده بعد وفاة والدته الفنانة فتحية شريف - التي كانت بطلة فرقة الريحاني ومغنّية مونولوغات - من الفنانتين شادية ونادية الجندي، ويفخر دائماً بأنه "الابن الروحي" للفنانة الراحلة شادية، والتي يقول عنها: "ماما شادية كانت أمي وأبي، ولولاها لما استطعت أن أُكمل حياتي".

ويلفت نادر عماد حمدي إلى أنه يعشق الفن من باب التصوير، حيث كانت والدته تعزف على البيانو وترسم اللوحات وتصطحبه إلى المسرح والسينما، كما كان والده ممثلاً ورسّاماً وعاشقاً للتصوير، وربما ورث منهما حبّ التصوير، ولم يعشق نادر الفن من باب التمثيل، كحال عمّه "عبدالرحمن" توأم أبيه، والذي سبق والده في دخول مجال التمثيل، فرغم أنه كان يعمل وزيراً مفوّضاً في الخارجية، قدّم دور البطولة في فيلم "عايدة" أمام أم كلثوم عام 1942، واعتقد كثيرون أنه عماد حمدّي لشدة الشبه بينهما.

ويشير نادر عماد حمدي إلى أن حياة النجوم وأبنائهم ليست ترفاً ومتعة بلا حدود، كما يظن الكثيرون، بل هي حياة إنسانية بحلوها ومرّها، ويقول: "فوالدي الذي كان فتى الشاشة الأول، والنجم الذي ذاعت شهرته وامتلك كل أسباب السعادة وعاش خلالها قصص حب وزواج وطلاق وغيرة، كانت نهايته مأسوية حيث أُصيب بالعمى والاكتئاب، وانعزل عن الناس وزاره الشيخ الشعراوي في أيامه الأخيرة، وأجاز لوالدته التي طلّقها والده أن تقف على خدمته ولها ثواب في ذلك"... ولم يترك الوالد مالاً لابنه، إنما أورثه جينات الإصابة بمرض القلب.

والطريف أن نادر عماد حمدي يؤكد أنه التحق بمعهد السينما، لكن والده رفض أن يعمل في مجال الفن، قائلاً له: "مش عاوز حياتك تبوظ زي حياتي"، ولهذا ساعده على العمل مصوّراً في وكالة أنباء الشرق الأوسط.

تاريخ وتسويق وفن

رغم عشق ميريت عمر الحريري، أمين صندوق جمعية أبناء الفنانين، للفن منذ الصغر من خلال كواليس أعمال والدها، إلا أنها لم تفكر في احتراف الفن إلا أخيراً. وتقول ميريت عن تجربتها: "دراستي كانت بعيدة تماماً عن الفن، حيث درست التاريخ في كلية الآداب- جامعة الإسكندرية، ثم اتجهت للعمل في مجال تسويق المواد الغذائية لفترة طويلة، وقدّمت وأعددت بعض البرامج التلفزيونية لفترة قصيرة. ورغم حبّي للمسرح، لم أفكر أبداً في دخول هذا المجال، ووصل عشقي للمسرح الى حد أن تمت خطوبتي في كواليس مسرحية "شاهد ماشافش حاجة"، فقد تزوجت في سنّ الثامنة عشرة، وأنجبتُ في سنّ العشرين، وتخلّيت عن فكرة العمل في الفن، لأنني لا أريد أن أكرر تجربة والدي معنا وأحرم أولادي مني".

وتضيف ميريت: "اليوم، وبعد أن اطمأننت على ابني وابنتي، وأصبح لكل منهما حياته الخاصة، بدأت أستعيد مخزوني القديم من حب الفن، وانضممت الى مركز الإبداع لأتعلّم التمثيل، وأحرص على أن تكون علاقتي بشقيقتيَّ من أبي جيدة، حيث توفي والدي وترك ثلاث بنات من ثلاث زوجات مختلفات، لكننا دائماً مرتبطات ببعضنا بعضاً، لأننا تعلّمنا من والدي العيش بإحساس، حيث كان يعيش بإحساسه ولا يشعر بالعجز وكِبر السنّ أبداً، إلى أن نُقل في أيامه الأخيرة من المسرح إلى العناية المركّزة وتوفي بعدها بخمسة أيام".

وتختتم ميريت عمر الحريري كلامها موضحةً: "بعد تأدية رسالتي تجاه ولديّ، أتمنى العمل في مجال الفن وتقديم أدوار تناسبني، ولا شك سأستفيد من تجربة والدي المرتكزة على الجدّية والإخلاص في العمل، لكنني بالطبع لن أصل إلى كم أعماله، حيث بلغ عدد أفلامه 160 فيلماً، هذا فضلاً عن عشرات المسرحيات والمسلسلات التي قدّمها، ولكل هذا أعتز وأفخر بتراث والدي وتربيته لنا، لأنه ترك لي ولشقيقتيَّ إرثاً فنياً ضخماً، ولا تزال الجماهير تكنّ له كل الحبّ وتحترم مشواره الفني والإنساني، ولهذا يستحق عن جدارة أن تتبع اسمه دائماً جملة "السيرة العطرة تدوم".

محاسب شهير

يعمل أحمد ابن الفنان محمد رضا، أشهر "معلم في الفن المصري" في مجال لا علاقة له بالفن إطلاقاً، حيث إنه خرّيج كلية التجارة، وتدرّج في مهنة المحاسبة في شركة "المقاولون العرب" الى أن تسلّم فيها منصب مدير عام، وهو حالياً متقاعد من العمل.

ويضيف أحمد محمد رضا قائلاً: "لم يتجه أحد من أفراد عائلتي إلى التمثيل، فمثلاً أنا خريج كلية التجارة، وشقيقي مجدي يعمل مديراً مالياً في دولة الإمارات العربية، لكن شقيقي حسين الذي توفي العام الماضي، كانت له علاقة غير مباشرة بالفن، فرغم أنه خريج كلية الآداب، كان رجل أعمال ويمتلك شركة إنتاج، أما أختي الوحيدة "أميمة" فكانت متزوجة ولها ولدان، وتوفيت في ريعان شبابها، وكان والدي لا يزال حيّاً فتألّم كثيراً لفراقها، وهي أيضاً لم تكن لها علاقة بالفن، واكتفت بكونها ربة منزل".

ومن الطرائف التي يرويها أحمد "ابن المعلم رضا"، أن والده عمل في بدايته مهندساً في مجال البترول، وكان شاباً وسيماً ورشيقاً ورياضياً، وأن حصْره من جانب المخرجين في دور المعلم الذي بدأ بـ"كرش وشنب اصطناعي"، جعله مع مرور الزمن يتخلّى عن رشاقته ويتعايش مع الدور بكل تفاصيله، إلا أنه أضاف إليه ابتسامته البريئة وبعض "الإفيهات" الشهيرة التي انتقده بسببها مجمع اللغة العربية متّهماً إيّاه بإفساد اللغة.

ويختتم محمد أحمد رضا كلامه قائلاً: "ورثتُ وإخوتي من والدنا الحزم وبشاشة الوجه، بمعنى آخر لُقّبنا بـ "أبناء البلد"، مثل أبينا الذي قال عنه الكاتب الساخر محمود السعدني في كتابه "المضحكون": "لن يظهر بعد محمد رضا ممثل آخر في دور ابن البلد"، كما ورثنا عنه الصبر حتى في أحلك الظروف، فيوم توفيت أختي "أميمة" استمر في تقديم مسرحية "طب بعدين"، رغم أن المخرج السيد راضي طلب منه تأجيل العرض، فأجاب بأن الجمهور اشترى بطاقات الحضور والعمّال لهم أجور، وتماسك وأدّى دوره وأضحك الجمهور، والموقف نفسه تكرر عندما توفي والده عام 1975، فوقف على خشبة المسرح بعد دفنه، ولم يتوقف عن العطاء حتى آخر لحظة في حياته، حيث مات وهو يمثّل آخر أدواره في مسلسل "ساكن قصادي".

الائتمان المصرفي

تقول منال مجدي وهبة: "أنا الابنة الوحيدة للفنان الراحل مجدي وهبة، وقد اخترت مجالاً مختلفاً تماماً عن الفن، حيث احترفت العمل المصرفي حتى أصبحت مديراً للائتمان في أحد المصارف الكبرى في مصر، وقد ورثت عن والدي الجدية في الحياة، والقدرة على التأقلم مع المتناقضات، فقد قدّم والدي أدواراً متناقضة في السينما المصرية، منها الضابط ورئيس العصابة وكذلك الطيب و"الفهلوي"، كما كان يقدّس الحياة العائلية ويحرص على إبعادنا عن الإعلام، وكانت له جملة شهيرة "أنا عايش في التمثيل طول عمري مش هنعمل حفلة في البيت ونمثل فيها كمان".

وتؤكد منال أنها ورثت من والدها حب الظهور الطبيعي بدون ماكياج، لدرجة أنه كان يمنع والدتها من استخدام أي نوع من مستحضرات التجميل، كما ورثت عنه محبّة الأيتام والرأفة بهم، لأنه أصبح يتيماً وعمره أربعون يوماً، وتكره النكد وتحب النادي الأهلي، لأن والدها كان عضواً فيه ومن أهم مشجعيه المخلصين، كما أن والدتها هي ابنة عم ملكة جمال مصر السابقة، ناريمان".

الزراعة والموسيقى

يؤكد المهندس الكيميائي محمد ابن المطرب الشهير عبدالغني السيد، أنه خريج كلية الزراعة في جامعة القاهرة- قسم الكيمياء الحيوية، ويمتلك معملاً لتصنيع منكّهات الطعام والروائح والعطور، ويتعاون مع كبرى الشركات العالمية في هذا المجال.

ويضيف محمد عبدالغني قائلاً: "مات والدي وعمري سبع سنوات، ورغم صغر سنّي إلا أنني ورثت منه حبّ الفن، لكن كهواية وليس احترافاً، فقد درست في إحدى مراحل حياتي في الكونسرفتوار، ولي العديد من الألحان والتوزيعات الموسيقية، حيث كان والدي مطرباً شهيراً ومنافساً قوياً للفنان محمد عبدالوهاب، وكانت له معجبات كثيرات، حتى أطلقوا عليه "جلاّد قلوب العذارى"، وحياته مليئة بالأحداث الكبرى التي تجعلني فخوراً به".

الابتعاد عن الفن

يعرض خالد حسن عابدين جانباً من حياته، فيقول: "أنا خريج كلية التجارة- جامعة عين شمس عام 1987، وسافرت إلى لندن لدراسة المحاسبة وإدارة الأعمال، وقد أفادني ذلك في الاتجاه الى العمل الحرّ، حيث عملت لفترة رجل أعمال في مجال المقاولات، واليوم أرأس شركة مساهمة تعمل في مجال الاستشارات المالية".

ويضيف خالد موضحاً: "شجّعنا والدي على ممارسة العمل الحر، ورفض أن ندخل مجال الفن، رغم أن الفنان العالمي عمر الشريف عرض عليه دوراً لي، وكنت حينها طالباً، لأنه يرى أن العمل في الفن مرهق وصعب، وبعد وفاته تلقيت عرضاً لتمثيل أحد الأدوار مع الفنانة نادية الجندي، لكنني اعتذرت احتراماً لرغبة والدي المتوفّى بعدم عملنا بالفن".

الفن والسياسة

تؤكد ميريت حمدي أحمد، أن غالبية الفنانين بمن فيهم والدها، حرصوا على إبعاد أبنائهم وبناتهم عن الفن، إشفاقاً عليهم من أن يذوقوا المعاناة التي واجهوها، لكن الأحفاد يحاولون إحياء أمجاد أجدادهم، وهذا ما حدث معي شخصياً، حيث يعشق ابني "أدهم" وابنتي "أمينة" الإعلام والفن، ويتخصّصان فيهما ويخطّطان للعمل في مجال الفن كالتصوير والإخراج وليس التمثيل.

وتلفت ميريت حمدي أحمد الى أن والدها كان يرفض عمل البنات بالتحديد في مجال الفن، ولهذا فإن أختها "شيروت" خريجة كلية الآداب- لغة انكليزية تقدّم نشرات الأخبار في التلفزيون، وشقيقها الوحيد والأصغر "محمود" يعمل وكيل نيابة، أما هي وعلى الرغم من أنها أيضاً خريجة كلية الآداب- لغة إنكليزية، فقد فضلت التفرّغ لتربية أولادها.

وتنهي ميريت حمدي أحمد حديثها مؤكدةً أنها وشقيقيها ورثوا عن والدهم حب الوطن ومتابعة الأحداث السياسية، لأنه كان فناناً سياسياً، إضافة إلى تحلّيه بالأخلاق العالية واحترامه للآخرين وحبّه الخير للجميع.

الثقافة الجماهيرية

شقّت إيمان محمد شوقي طريقها بعيداً من الفن، حيث عملت في وزارة الثقافة، وتدرّجت في الرُّتب فيها الى أن أصبحت مسؤولة عن بيوت الثقافة الجماهيرية، وحققت نجاحاً كبيراً، وهي تعمل حالياً في مجال المكتبات في الهيئة العامة للكتاب. وتؤكد إيمان محمد شوقي أنها تعشق الفن، وعشقها له وُلد من خلال علاقتها بأبناء الفنانين الأعضاء في الجمعية، التي تعطيها كثيراً من وقتها وجهدها، لأنها جمعية تحمل رسالة نبيلة وتعتبر الفن رحيماً بأهله، وأبناء الفنانين أسرة كبيرة ومتحابّة، تعمل لإحياء التراث الفني للآباء، من خلال الندوات والمؤتمرات الفنية التي يُدعى إليها رموز الفن والثقافة، ويتخللها تكريم الآباء والأمهات الذين أفنوا حياتهم في خدمة الفن.

سياحة وتراث

يعمل الدكتور أشرف حسن الباردوي في مجال بعيد تماماً عن الفن، حيث يدرّس في كلية السياحة والفنادق، إلى جانب كونه رئيساً للجنة الأمم المتحدة لحفظ التراث، ويقول: "كان والدي يرفض بشدة أن ندخل مجال بالفن، ليجنّبنا المعاناة التي يعيشها الفنانون في هذا الزمن، والتي سبق له أن عانى منها، وقد حققتُ أنا وشقيقتاي "انتصار" و"أميمة" رغبته، وكذلك أختي "أميرة" من زوجته الأولى الفنانة رفيعة الشال، ولم يصر أيٌ منا على العمل في مجال الفن، رغم أنه عُرضت علينا بعض الأعمال".

ويوضح الدكتور أشرف، أنه ورث عن والده حبّ تعلّم اللغات والاطّلاع على الثقافات العالمية، ويقول: "عمل والدي في بداية حياته مترجماً في شركة عالمية، كما كان يعشق اللغة العربية وحفِظ القرآن الكريم كاملاً، مما مكّنه من إلقاء خطبة عصماء بنبرة صوت مميزة أمام سعد باشا زغلول في مدرسة عابدين الثانوية قبل ثورة 1919، ونال عنها إعجاباً كبيراً، كما كان ضيفاً أساسياً في الصالونات الثقافية التي نظّمتها "كوكب الشرق" أم كلثوم، ولعبت دوراً كبيراً في تسفيره الى الخارج، حيث كان مهدّداً بالعمى في آخر أيام حياته، وكتب مذكراته، ونحن في صدد إعداد كتاب عن حياة "شيخ الممثلين حسن البارودي"، حيث نعمل على حفظ تراثه ضمن تراث عمالقة الفن، من خلال لجنة حفظ التراث في الأمم المتحدة".





CREDITS

تصوير : تصوير - أحمد الشايب