في أحدث معارضه: عصمت داوستاشي يرفع شعار "أرسم ما أحبه"

القاهرة – طارق الطاهر 06 يوليو 2019
أصبحت المعارض الفردية التي يقيمها الفنان الكبير عصمت داوستاشي، تحمل في كل مرة مفاجأة، فلم تعد تقتصر على تقديم أعمال جديدة، بل أصبحت بمثابة فكرة تتزاوج فيها أعماله مع أعمال فنان يختاره ليكون ونيسه في هذا المعرض أو ذاك.


منذ سنوات، اختار داوستاشي مجموعة من الشباب الذين تحمّس لهم، فعرض أعمالهم الى جانب أعماله، وفي المعرض الماضي اختار أعمال ابنه الفوتوغرافية لتُعرض في جوار لوحاته، وهذه المرة حمل معرضه عنوان "أرسم ما أحبّه... عصمت داوستاشي وأستاذته عفت ناجي".

ويكشف داوستاشي عن فلسفة هذا المعرض بقوله: "يأتي معرضي الأخير هذا بناءً على دعوة من غاليري "ضي"، الذي أصبح فعلاً أتيليه العرب للثقافة والفنون في القاهرة، قدّم العام الماضي معرضاً استيعادياً لأعمالي مع طبع مجلّد شامل لها من العام 1953 وحتى 2017، وذلك بقيادة النشط هشام قنديل، الذي اقترح أن أعرض اليوم مع أعمالي مختارات من مجموعتي الفنية لأستاذتي الرائدة عفت ناجي (1905-1994) تحت عنوان "الفنان وأستاذته"، وهذا شرف كبير لي وتقدير وفاء لفنانة عظيمة عرفتها عن قرب، وإن سبق وقدّمنا التجربة نفسها "داوستاشي وعفت ناجي"، بلوحات مختلفة العام 2013 في قاعة أبعاد داخل متحف الفن المصري الحديث، بعنوان "الفنان والأستاذة... حوار الأجيال"، قدّمها وقتذاك في كتالوغ المعرض الفنان الدكتور صلاح المليجي، رئيس قطاع الفنون التشكيلية آنذاك وصاحب فكرة المعرض، قائلاً: "الفنان وأستاذته فكرة جادة وبنّاءة، يسعى القائمون عليها إلى ترسيخ مفاهيم قيمة كثيرة تنمّي الوعي الفني، وتنشر معاني سامية للوفاء والعرفان للرواد والأساتذة، وهي قيم إن وجدت، إلا أنها قد توارت في عصر يتّسم بالسرعة والتغيير والتبديل في الكثير من أحواله".

أما عن الجديد الذي يضمّه هذا المعرض من أعماله وأعمال أستاذته الرائدة الفنانة الكبيرة عفت ناجي، فيقول داوستاشي: "يضم معرضنا الحالي بعضاً من رسوم ولوحات عفت ناجي، التي كانت صديقة أكثر من أستاذة لي، تعلّمت منها سلوك الفنان العظيم وأخلاقه وعطاءاته، واستلهمت منها روح التوهج الإبداعي وعظمة التراث المصري والفنون الشعبية... عفت ناجي من أهم فناني الطليعة العرب وأستاذة فنانات مصر، وشقيقها رائد التصوير المصري الحديث محمد ناجي (1888-1956)؛ وزوجها رائد دراسات الفنون الشعبية سعد الخادم (1913-1987)، يشكّلون المثلث الذهبي للفن المصري، الذي وجدت نفسي منذ شبابي المبكر في قلب هذا المثلث، أتعلّم الفن وسط أصالة وجدية وقيم وتراث رواد عظماء".

وحول فلسفة عنوان المعرض "أرسم ما أحبّه"، يقول داوستاشي: "أعرض حوالى خمسين لوحة من أحدث أعمالي التي لم تعرض من قبل... أنجزتها بمفهوم طفولي "أنا أرسم ما أحبّه"، وسط مناخ يسوده الجهل والحقد... فرسمت ناساً أحبهم مثل جدّتي وأستاذتي عفت ناجي، ونجم كرة القدم محمد صلاح، وفتاة مجهولة من وجوه الفيوم، ولوحات لي أحببتها تم اقتناؤها، فرسمتها بتصرف وبشكل جديد تماماً، ولوحات لغيري أحبّها فرسمتها بتصرف طبعاً، كـ"بنات بحري" لمحمود سعيد، و"أم تحمل ابنها" لغوغان" و"فريدة كالو" وغيرها من لوحات استلهمتها من واقع حياتي الراهنة".

وعن التقنية التي استخدمها في هذا المعرض، يقول: "استخدمتُ المزج بين الرسم والكولاج، وهي تقنية مارستُها في العديد من تجاربي الفنية، يعود أقدمها إلى الستينيات من القرن الماضي، وهي تقنية مارستْها أيضاً عفت ناجي في كثير من أعمالها، مستخدمةً ورق المخطوطات السحرية القديمة".

وُلدت الفنانة عفت ناجي في العام 1905، وهي صاحبة تجربة فنية رائدة، وقد اختيرت ضمن عدد من الفنانين المصريين العام 1963 لرحلة إلى جنوب مصر، نظّمتها وزارة الثقافة، لزيارة ومشاهدة السد العالي والنوبة وتسجيل معالمهما، وجاءت هذه الرحلة لتؤكد التغيير الكبير في أسلوبها الفني والفكري، وحصلت في العام ذاته على الميدالية الفضية عن أعمالها الخزفية في معرض الفن التطبيقي الذي نظّمته جمعية محبي الفنون الجميلة في القاهرة، وحصلت على منحة التفرغ الفني، وفي العام 1964 اختيرت ضمن عدد من الفنانين لرحلة نظّمتها جمعية محبي الفنون الجميلة لتسجيل المرحلة الثانية من العمل في السد العالي والنوبة. وقد أصدر عنها الفنان عصمت داوستاشي كتاب "سحر الأشكال" العام 2005، متضمناً دراسة شاملة عن حياتها وأعمالها، وتوثيقاً كاملاً لمسيرتها الفنية، التي اتّسم معظمها بالاهتمام بالمجردات والكشف عن الأصول الهندسية في أساس البناء المعماري للوحاتها، ممزوجةً بالتكوينات الزخرفية في آن واحد؛ لعالم ساحر استهلمته من الطراز الحضاري والشعبي وعالم الفلك والأساطير.

ومن أعمال عفت ناجي المعروضة في هذا المعرض: "أيديكم معي"، "مراكب الشمس"، "الوطن... الأم"، "الفارس وقرينه"، "مساجد"، و"بيوت النوبة"، بينما من أعمال داوستاشي في هذا المعرض: "مصرية"، "بدوية"، "أمومة"، "القديس"، "الأمير"، "قمر"، "المحبوبة"، "شهيدة فلسطين"، "قلب جدّتي"، "المرأة الأسطورية"، و"عندما يغيب العقل".