الفنان أمير وهيب: سعيت في معارضي لتنفيذ أفكار جديدة غير مسبوقة

القاهرة – طارق الطاهر 27 يوليو 2019
تتّسم أعمال الفنان أمير وهيب بأنها تقوم على أساس فكرة طموحة، أو بمعنى أدق "حلم"، يسعى إلى أن يحوّله إلى واقع ملموس، ليخرج على شكل لوحات تجذب النظر إليها منذ الوهلة الأولى. هذا ما فعله أمير في الكثير من معارضه، ومنها معرضه الذي حوّل فيه شيئاً عادياً ومألوفاً لنا جميعاً إلى عمل عبقري، هذا الشيء هو "الساعة"، فجعلها تروي تاريخ وحياة مدينة، ومن خلال لوحات عدة ذات مضمون فلسفي جذاب، تمكّن من أن يقيم معرضاً فريداً عن "الساعة"، كتبت عنه أهم الصحف العالمية.


عن معرضه "ساعات في المدينة"، يروي أمير تجربته قائلاً: "بعدما قررت أن أقدّم معرضاً غير مسبوق في نيويورك، عاصمة الفن التشكيلي في العالم، وبعد أن شاهدت وتابعت في خلال تسع سنوات كل معارض الفن هناك، والتي يقترب عددها من الألف، عثرت على الفكرة، وهي أنني سأرسم "الساعات"، فلا أحد فعل ذلك من قبل... بعدها أمسكت خريطة مدينة نيويورك أو مانهاتن، كما يطلقون عليها، ومشيت في شوارع المدينة، وخصّصت ثماني ساعات في اليوم لمدة شهرين ونصف الشهر لهذا الغرض، أي البحث فقط عن الساعات والمباني التي تحمل هذه الساعات، والتقطتُ صوراً وصمّمت "اسكتشات". وبعد أن ظللت على هذا الوضع وعاينت أكثر من مئة ساعة، بدأت في انتقاء ما أودّ رسمه، واخترت فعلاً 21 ساعة، كبّرتها ورسمتها في لوحات ذات قياس واحد 100× 75 سم، ولوّنتها على طريقتي، مستخدماً الزيت على التوال، واستغرق العمل على كل لوحة من 50 إلى 90 ساعة".

- هذا يعني أن لديك كنزاً يروي تاريخ هذه الساعات، أي تملك مجموعة "ساعات" ناتجة من عملية بحث جادّة ومضنية.

هي فعلاً مجموعة مهمة من اللوحات التي رسمتها، لأنها تتّسم بالبحث، كما أن من الصعب جداً وضع مبنى ضخم بكل تفاصيله في كادر الكاميرا، بمعنى أن كادر المبنى هنا لن يضم فقط "الساعة" التي أرغب في رسمها، بل سيشمل أيضاً الأشخاص والسيارات والمباني المجاورة، وبالتالي ستضيع معالم المبنى المراد رسمه. لكن في هذه الأعمال قمت بتحريف المنظور مع رسم المبنى كاملاً، والاحتفاظ بالنسبة الهندسية نفسها، ونقاط التلاشي في منظوره الحقيقي لرؤية المبنى من كل الزوايا، صعوداً وهبوطاً، بما في ذلك "الساعة"، بدون أشخاص أو سيارات، مع اختيار ألوان المبنى والشوارع وفقاً لانطباعي، وقد استغرق العمل على هذا المعرض أكثر من سنة، وكلّفني خمسين ألف دولار.

- كيف كانت ردود الفعل التي رصدتها حول هذا المعرض؟

لأنه معرض غير مسبوق، فقد تحمّست جريدة "النيويورك تايمز" للكتابة عنه، كما زيّنت بعض المجلات أغلفتها بلوحات منه.

- في معرضك "رؤية معمارية"، لفتتني لوحة بعنوان "أحلام" لامرأة تتمتع بروح التحدّي، ما هذا التحدي؟

"أحلام" هي لوحة تعبّر عن واقع امرأة تحلم وتتطلع الى مستقبل أفضل. إنها متحرّرة من أي قيود، أو مفاهيم مغلوطة وأفكار قديمة بالية، وهي متمثلة في "أمها على الكنبة" في الخلف، في الماضي، أو "أختها" على السرير، على الجنب، الذي يمثل "الحاضر"، في إشارة إلى النظرة المتعارف عليها، وفي لوحتي تحدٍ لهذه النظرة ورغبة في تغييرها.

- حدّثنا باختصار عن سيرتك الذاتية والمعارض التي أقمتها؟

أنا من مواليد عام 1969، حصلت على بكالوريوس الفنون الجميلة، ديكور، قسم العمارة الداخلية في العام 1993، عضو في نقابة الفنانين التشكيليين المصريين، عملت مصمّم موبيليا وفناناً تشكيلياً حراً من خلال مرسمي وقاعة العرض الخاصة بي، والتي افتتحتها في العام 1995 وحتى اليوم. كما عملت مصمّم مفروشات في نيويورك، وأقمت سلسلة من المعارض الفردية والجماعية في مصر وأوروبا وأميركا.

- من خلال اطّلاعي على معارضك السابقة، لاحظت أن هناك ما يجمع بين أعمالك، ويمكنني تسميته بـ"البناء المعماري"، ما رأيك؟

كما قلت، أنا خرّيج كلية الفنون الجميلة، قسم عمارة داخلية، ومؤمن بأن العمارة "مربط الفنون" و"قلب الثقافة"، وهي في جوهرها وعبر تاريخها مرتبطة بـاحتياجات الإنسان، والعمارة ومفرداتها جزء أصيل من مشواري الفني، فهناك مفردات ثلاث تتكرر كثيراً في معارضي بشكل أو بآخر، أولى هذه المفردات "الباب"، فهذه المفردة أساسية في أعمالي، لأن الإنسان يتحرك دائماً بين الأبواب، تليها مفردتا "الشبّاك" و"الكرسي"، وكل ذلك يعكس واقع المكان من ناحية، وشخصية أصحابه من ناحية أخرى.

- في عام 2000 نظّمت معرضاً فردياً ينطلق من مفهومك السابق عن العمارة، وأطلقت عليه "رؤية معمارية"، هل تذكر أجواء هذا المعرض، الذي مر عليه أكثر من 18 عاماً، ولا يزال تأثيره راسخاً في تفكيرك وأعمالك حتى اليوم؟

نعم، وكان معرضاً ضخماً افتتحه الفنان أحمد نوار، الذي فاز منذ أيام بجائزة "النيل للفنون"، ولاقى هذا المعرض صدى طيباً لا يزال تأثيره حتى هذه اللحظة، ولا أبالغ إذا قلت إنني لم أخرج من عباءة هذه الرؤية التي عبّرت عنها بعد ذلك في معارضي المختلفة من زوايا متعددة، فمعرضي "ساعات في المدينة" خرج من عباءة معمارية، تعكس بدون شك حِرفية الإنسان وإبداعه.

- كيف بدأت رحلتك الفنية في نيويورك التي أقمت فيها معرضك "ساعات في المدينة"؟

بعد الهجوم الإرهابي على برجَي التجارة في نيويورك، تلقّيت دعوة للمشاركة في معرض جماعي ضد الإرهاب، باعتباري واحداً من المهمومين بمحاربة الفكر المتطرف، وبالفعل سافرت إلى هناك، لأفاجأ بمعرض رفيع المستوى لفنانين من مختلف أنحاء العالم، كما فوجئت بفخامة القاعات هناك وطريقة العرض التي بدت أقرب الى العرض المتحفي، وهو ما جعلني أُقيم لسنوات في نيويورك، للاطّلاع عن قرب على هذا المناخ الفني الثقافي الذي يحرّض الخيال على الابتكار والإبداع، ومن هنا جاء معرضي "ساعات في المدينة"، الذي أعدّه معرضاً مميزاً.

- ألا تفكر في عرض "ساعات في المدينة" في القاهرة؟

قبل أن يفكر، أجاب: بالتأكيد لا، فمعظم المصريين لا علاقة لهم بالساعة وما تحمله من دلالات، وليس أدلّ على ذلك من أنك عندما تعطي موعداً لأي زميل، تقول له إنك ستحضر في حوالى الساعة الرابعة أو الخامسة، هذا الكلام لا يسري في الخارج، وبالتالي كل دلالات المعرض لن تُستقبل بما أتمنى.