زينة دكاش: السجينات محرومات من الزيارات المباشرة رغم أنّ غالبيتهنّ أمهات

حبس / سجن, دراما لبنانية, المخرجة زينة دكاش, مسرحية, معاناة السجينات

04 يونيو 2012

وطنٌ داخل السجن ووراء القضبان المثبّتة بحسب المرسوم رقم /14310/ الصادر بتاريخ 11 شباط/فبراير 1949. هو سجن داخل سجن كدمية الماتريوشكا الروسية يتّسع للفقر ويضيق به، سجن النساء في بعبدا. لا دار للزيارة لا مكان ولا أمان نفسياً، كيف ذلك والاكتظاظ سيد المساحة والقضايا بمنأى عن الحسم. محكومات وغير محكومات معاً في زنزانة واحدة قد تكون أشبه بخزانة حزن. فرغم أن غالبية السجينات هنّ أمهات إلاّ أنهن لا دار تجمعهن مع أطفالهن. وهذا بالتحديد كان صرخة صامتة من وراء القضبان الغاضبة سمعتها الممثلة والمعالجة بالدراما زينة دكّاش التي قدّمت مسرحية «شهرزاد ببعبدا» أخيراً.

التقينا زينة المنهمكة في زحمة اللقاءات المواكبة لنشاطها الأخير في سجن بعبدا، بالتعاون مع وزارتي الداخلية والعدل اللبنانيتين. تُراجعُ مطالب السجينات مع الجهات المختصة المهتزّة صورتها لكثرة العثرات التي توضع أمام أي تعديل متعلّق بحقوق المواطن. قالت: «لا نزال في بداية المشوار». 


- ما هو المطلب الرئيس الذي تقدّم كل حاجات السجينات في سجن بعبدا؟
لا يمكن الحديث عن تراتبية في هذا الجانب الإنساني، ثمة سجينة بحاجة إلى محامٍ، ولذلك وجّهنا كتاب بكل حالة مماثلة إلى المعونة القضائية. ثمة من هن موقوفات من خمس سنوات وأكثر دون حكم صادر بحقّهن! قد يكون السبب هو البطء في جمع المعلومات أو صعوبة السوق إلى المحاكم، رغم أن القاضي قد يكون حاضراً في كثير من الأحيان. المطالب كثيرة ولا يمكن أن نلوم جهة بعينها. 

- كيف تصفين سجن بعبدا؟
سجن صغير جداً، لا يمكن أن يكون سجناً. سمته الرئيسية الاكتظاظ كأي سجن في لبنان. يتّسع لأربعين سجينة وفي داخله أكثر من الضعف.

- هل السجينات موزعات على الغرف وفقاً للجنحة أو الجناية أو محكومات وغير محكومات؟
لا تعتمد كل سجوننا في لبنان هذا التوزيع، التصنيف الوحيد يشمل العمر فقط. فمن هم دون الـ 18 إلى سجن الأحداث...

- ألم تطرحي هذا الأمر على الجهات المختصّة؟
لا أعدّ هذا الأمر أولوياً. ثمة ما هو أهم من ذلك. فالاكتظاظ  يشعر السجينات بأنهن مختنقات، لناحية النوم وتناول الطعام. هذا مزعج للغاية. 

- كيف تعرّفين نظام الزيارات؟
كل الزيارات من وراء الشباك. لكن في سجن رومية للرجال يسمح للمحكومين بالجلوس مع أقاربهم في دار أنشأ بالتعاون مع الـ UNODC (مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة). ليت هذه المبادرة تعمّم على كل سجون النساء، خصوصاً أن غالبيتهن أمهات. أي أنهن يرون أطفالهن من وراء الشباك، وقد تحمل الأم طفلها لمدة ثلاث ثوانٍ فقط...
الحديث عن السجون بات يومياً كالجرائد...

- ألا تشعرين بازدواجية إنسانية تسمح لك بالدخول إلى السجن والتواصل مع واقعهن المهمل... هل أنت متفائلة ؟
دخلت عالم السجون منذ العام 2008، لقد حدث التغيير ولو متأخراً أو بطيئاً بالنسبة الى السجناء وعائلاتهم. لكن من كان يدري بأوضاع السجون قبل عام 2008؟ بات الحديث عن السجون يومياً مثل الجرائد، عن الزنزانات والقضاء والقانون الجديد. منذ سنتين، بدأ تنفيذ قانون العوقبات 463 الذي نادى به «شباب رومية» في المسرحية، ينص على أنّه يمكن خفض عقوبات المحكوم عليهم جزائياً شرط أن يكونوا حسني السيرة والسلوك. القانون موجود منذ عام 2002، لكن طبّق بعد المسرحية. قد نكون في المرتبة صفر بالنسبة الى أوضاع السجون ولكن علينا ألاّ ننسى أن هذا السجن هو بيت في هذا الوطن الذي لا ينعم بالكهرباء على مدار اليوم.

- هل واجهت صعوبات في المواقفة على دخولك السجن؟
انتظرت عاماً حتى جاءت الموافقة بعدما رفض طلب الدخول مرتين. كانت الذريعة الوضع الأمني وضيق المكان، لكنني بنيت مسرحاً بمساعدة «كتير عالم». وأود أن أشير إلى أن العلاج بالدراما قد يقتصر على الجلسات الجماعية دون مسرحية أو توثيق.
الصعوبة الأكبر كانت المكان، ثم الاحتكاك الأولي مع أي سجين أو سجينة في غياب الثقة.

 

السجن اللبناني
عقاب الفقير المنسي

- ما هو مفهوم العلاج بالدراما الذي تتبعينه في السجون اللبنانية؟
العلاج بالدراما هو تخصص انطلق من أميركا وهولندا وألمانيا، واعترف به رسمياً عام 1978 مع تأسيس نقابة العلاج الدرامي في الولايات المتحدة الأميركية. لقد درست هذا المجال هناك (مُسجّلة لدى الجمعية الوطنية للعلاج بالدراما في الولايات المتحدة)، هو نوع من العلاج النفسي عن طريق المسرح مع استخدام تقنيات مسرحية كأداء الأوضاع والشخصيات التي أثّرت في حياة المرء. أداء دور الآخر ثم قلب الأدوار. إن كانت السجينة تعاني مشكلة مع والدتها تأخذ دورها ثم تعكس الأدوار، إرساء مسافة مع الشخصية للتوصل إلى المعنى الذي أدى إلى واقعٍ ما. أمارس نشاطي من خلال مركز Catharsis أول مركز للعلاج بالدراما في لبنان والمنطقة العربية. بالنسبة إلى السجينات، أجرينا تمارين بناء الجماعة والتعبير المجازي كتشبيه النفس بأي شيء ممكن، شلال ماء أو بركان... والتعريف عن النفس والأهل وتجسيدهم والوقوف عن الأسباب التي أودت إلى ارتكاب الجريمة. المسرحية بحد ذاتها قائمة على الأسباب المؤدية إلى الجرم. فالماضي لا يمكن فصله عن قرار ارتكاب الجرم.

- هن ضحايا الواقع؟
كل سجين هو ضحية في مكان ومرتكب في مكان آخر. هنّ ضحايا شهريار الذي قد يكون المجتمع أو الزوج أو الأفكار.

- ما الحالات التي تركت في داخلك أثراً عميقاً؟
الأمور العائلية. المعنّفة أسرياً خصوصاً أن لا قانون يحمي المرأة من العنف الأسري حتى اللحظة... تلجأ المرأة إلى الدرك والقانون لا يحميها، والتي تتزوج في  سن صغيرة وتنجب طفلاً من رجل لا تحبه ونساء تعرض أطفالهن للإغتصاب أمامهن. المسرحية نابعة مني خصوصاً أنني كتبت النص النهائي للمسرحية وأنا امرأة. حاولت أن أكون وفية لقصصن. لمست التغيير في شخصياتهن، خصوصاً أن ثمة من لا يمكن إدراكها كامرأة. لقد وجدت في ذاك السجن لبنان المصغّر، الفوضى والشيعي والسني والمسيحي. لكنني وجدت الفقير فقط منسياً، الميسور مادياً لم أجده في السجن.

 

- نجاح «مسرحية رومية» أدى إلى «شهرزاد ببعبدا»؟
رغم أن كل مسرحية نادت بمطالب مختلفة، ولكن لو أنني فشلت في الخطوة الأولى لما أقدمت على الثانية رغم كل الصعوبات. كنا نتمرّن في «غرفة النزهة» حيث تظهر بيروت للسجينات من بعيد من وراء الشباك. في القاعة نفسها، يطبخن ويأكلن... فوضى عارمة.

- لم تكن تجربتك الأولى في العلاج بالدراما في إطار السجون. كان عندك فيلم «أني بالجنوب»...
يوثق فيلم «أني» تجربة العلاج بالدراما مع سيدات جنوبيات من قريتيْ زبقين وصدّيقين بعد حرب تموز/يوليو 2006. هذا العلاج قد يخضع له أي إنسان للإضاءة على مرحلة من حياته، في الأطر الإجتماعية والتعليميّة والعلاجية المختلفة كمراكز إعادة التأهيل من إدمان المخدرات ومراكز العناية بالصحة العقلية والنفسية والمستشفيات والسجون والعيادات الخاصة للأطفال والراشدين والمدارس والمسارح والشركات. لقد تغيّرت حياة هؤلاء النساء، تغيرت علاقتهن بأزواجهن والمحيط.

- هل يعوز الدراما علاج؟
لا أتابع التلفزيون، لكنني أحب «إيزو» (شخصية زينة في البرنامج السياسي الساخر «بسمات وطن»).

- أين هي محطتك التالية في العلاج؟ البرلمان؟
لا يثمر العلاج إلاّ إذا رغب الشخص في الخضوع له. أنا مستعدة لدخول أي مكان.


«شهرزاد ببعبدا» المكان صار أوسع بقليل

بعد تجربتها الناجحة في سجن رومية، ونجاح مسرحية «12 لبناني غاضب» التي قدّمها السجناء واستطاعوا من خلالها استقطاب انتباه المعنيين والمجتمع المدني والتأثير لتطبيق بعض القوانين، طرقت الممثلة والمعالجة بالدراما والمديرة التنفيذية لمركز Catharsis زينة دكّاش، باب «سجن بعبدا» منتصف تمّوز/يوليو 2011. أشعرت فسحة الأمل السجينات بأن المكان صار أوسع بقليل.

ظهرت نتائج الجلسات الطويلة مع السجينات والتمارين المسرحية الكثيرة من خلال الوعي الواضح لوضعهن والنظرة الجديدة إلى واقعهن، دليل الرغبة الصادقة في التغيّر.
نقلت مسرحية «شهرزاد ببعبدا» من داخل سجن بعبدا «ألف حكاية وحكاية» من خلال مونولوجات ومشاهد قصيرة من إعدادهن، وركّزت على صعوبة أن يكون الإنسان «امرأة» في هذا الوطن، في هذه المنطقة، في هذه البلاد العربية التي يحكمها العقل الذكوري.

من شأن هذا العمل أن يساهم في عملية إصلاح السجينة وإعادة تأهيلها داخل السجن، وأن يهيئها خلال فترة حكمها لتكون منتجة ومتفاعلة مع المجتمع المحيط بها بشكل إيجابي. تحدثت السجينات في سجن بعبدا باسم «زميلاتهنّ» في سجون النساء الأخرى في لبنان (سجن طرابلس، سجن زحلة، سجن بربر خازن)، وسجون النفس أو الواقع المرير الذي تعيشه الكثير من النساء خارج القضبان في مجتمعات عدّة. وقد أملت السجينات في أن يحصد عملهن المسرحي النجاح ذاته الذي لاقاه «12 لبناني غاضب» (2009) خصوصاً أن الفيلم الوثائقي الذي نتج عنه حصد ثماني جوائز عالمية وعرض على جماهير واسعة في نحو 30 مؤسسة محلية و50 مهرجانا سينمائيا دوليا.

يقود هذا المشروع مركز «كثارسيس» الذي تديره زينة دكّاش، وتقوم بتمويله مؤسسة «دروسوس» السويسرية بالتعاون مع وزارة الداخلية والبلديات ووزارة العدل وجمعية دار الأمل.

«شهرزاد ببعبدا» على مسرح بابل
باستطاعة من فاته عرض مسرحية «شهرزاد ببعبدا» أن يشاهدها مصوّرة في مسرح بابل في الحمرا (بيروت) بتاريخ 25 و26 أيار/مايو الحالي.


أقدم قانون تنظيم سجون في المنطقة العربية

 في لبنان، يجرى تنظيم السجون وأماكن الحجر بحسب المرسوم رقم /14310/ الصادر بتاريخ 11شباط/فبراير 1949، أي أننا خلف اليمن (1991) والسودان (1997) والمغرب (1998) والبحرين (2001) والجزائر (2005)... نحن في ذيل القائمة العربية ونعتمد أقدم قانون تنظيم سجون في المنطقة.

تشير الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان إلى أوضاع السجون في لبنان عام 2003:
«قضية السجون اللبنانية مشكلة مزمنة... لم تتمكن السلطة التنفيذية من إيجاد الحلول الناجعة لها، ولا سيما لجهة إلحاقها بوزارة العدل تنفيذاً للمرسوم رقم /17315/ تاريخ 28/8/1964 القاضي بإنشاء هيئة لإدارة السجون مرتبطة بوزارة العدل، وللمرسوم الاشتراعي رقم /151/ تاريخ 16/9/1983، المتعلّق بتنظيم وزارة العدل، والذي نصّ في المادة 29 منه على عناية مديرية السجون بشؤون السجناء ورعايتهم وتأهيلهم... يضاف إلى ذلك التخلّف عن وضع نظام جديد للسجون يتطابق والمعايير التي نصّت عليها المواثيق الدولية. (موقع الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان).

انتهاكات خمس نجوم
1-
عدم الفصل بين المحكومات والموقوفات وبين السجينات حسب الأفعال الجرمية.
2- عدم تمكّن السجينات من لقاء عائلاتهن في دار مخصصة ولمدة تراعي حقوق السجينات التي أوصت بها المواثيق الدولية.
3- عدم تمتّع السجون بالإضاءة وكمية أشعة الشمس والهواء الضرورية والمنامة اللائقة التي تحدّدها الاشتراعات الدولية.
4- عدم حصول العاملة السجينة المتمرّنة على دخل.
5- بطء الإجراءات القانونية لبت أوضاع الأشخاص الموقوفين على ذمّة التحقيق.


«مركز المبادرة» أو «ستار أكاديمي» مثلما وصفوه للقاصرات الفقيرات أيضاً

لم أكن محظوظة مثل زينة. لم أتمكن من الدخول إلى مركز المبادرة (في محيط مستشفى «ضهر الباشق» الحكومي)، رغم امتثالي إلى الإجراءات اللازمة بما فيها الوساطة لتسريع الموافقة على الطلب. لم أنجح من المرة الأولى كما زينة، ولم يكن بوسعي إرجاء الحديث عن هذا المركز. فاكتفيت بهذه المعلومات التي زوّدتني بها نصف-وساطة.

يقع المركز الذي تأسس عام 2003 في فسحة خضراء مساحتها 8000 متر مربع وتحيط به أشجار الصنوبر ويطل على البحر. يراعي المعايير المعترف بها عالمياً على صعيد تأهيل الأحداث المخالفين للقانون (المساعدة التقنية قدّمها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNDOC). يستضيف المركز الفتيات اللواتي أصدر بحقهن توقيف احتياطي أو اللواتي اتخذت محكمة الأحداث بحقّهن تدابير تأديبية أو عقوبات مخفضة. يتّبع هذا المركز نظام الاحتجاز التدريجي المتبع في سجون سويسرا، استقبال ومراقبة ومرحلة النظام المغلق ثم النظام المفتوح ثم مرحلة نصف حرية... وما قد يجمع هذا السجن بإخوانه هو الطبقة الاجتماعية الفقيرة لنزلائه. فغالبية هؤلاء هنّ نتاج مستوى معيشي وبيئات عشوائية. ويمكن اعتباره مسكناً لمن لا تستقبله الجمعيات، مكتومات القيد مثلاً.