"أنا الحكاية"... تجربة نسائية جريئة

القاهرة - جمال سالم 08 سبتمبر 2019
الصورة أقوى من ألف كلمة، والدراما أفضل وسيلة للتأثير في المشاهدين، والفن الجاد الشيّق أقوى سلاح في يد المرأة، لتصحيح الصورة النمطية عنها في الأعمال الأدبية والتراثية والفنية.

المفاهيم السابقة هي شعار "أنا الحكاية"، التي تعد أول وأقدم مجموعة "حكي نسوي" في الوطن العربي، ونالت إعجاباً كبيراً في مصر وخارجها، وفتحت لها وزارة الثقافة المصرية أبوابها لتقديم أعمالها في دار الأوبرا والمجلس الأعلى للثقافة وكل مسارح قصور الثقافة.

فما هي قصّتها وأهدافها ورؤيتها لواقع المرأة؟ وكيف يمكن تعميمها عربياً، لأن هموم النساء العربيات واحدة لكن بدرجات وأشكال مختلفة؟

في البداية، تؤكد الدكتورة منى إبراهيم، منسّقة المجموعة، وأستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة القاهرة، أنها إحدى أربع كاتبات يطلق عليهن "المجموعة المؤسِّسة"، التي بدأت بهن "أنا الحكاية"، وعملن في مشروع سمّينه "قالت الراوية"، التابع لمؤسسة "المرأة والذاكرة" بين عامَي 1998 و 2008. هذا المشروع أعاد كتابة حكايات شعبية وقصص من "ألف ليلة وليلة" من منظور نسوي، وبالإضافة الى عدد من أمسيات الحكي التي قُدّم فيها نتاج ورش الكتابة، نشرت المؤسّسة كتباً تضمّنت الحكايات الجديدة، مثل "وقالت الراوية" و"ما لم تقله شهرزاد".

وتوضح الدكتورة منى إبراهيم، أنه في عام 2009 قررت عضوات في المجموعة تكوين مجموعة "أنا الحكاية" كحركة نسائية فنية مستقلة. وشكّلت هؤلاء الكاتبات نواة المجموعة الجديدة التي تألفت من خمسة عشر كاتباً وكاتبة من أعمار ومجالات معرفية مختلفة، يجمعهم العمل النسوي. وتمثّل "قالت الراوية" و"أنا الحكاية" بداية حركة في فن الحكي المعاصر، وقد انبثقت عنهما مجموعات حكي كثيرة، تتصل بطريقة مباشرة بـ"أنا الحكاية"، من طريق الانتماء الفعلي الى المجموعة، ثم الانفصال عنها لتكوين مجموعات خاصة، أو بطريقة غير مباشرة من طريق حضور ورش الكتابة التي تقيمها "أنا الحكاية" من حين إلى آخر، أو حضور العروض والإعجاب بالفكرة وتطبيقها في عمل خاص.

وتختتم الدكتورة منى إبراهيم حديثها بالقول: "تهدف مجموعة "أنا الحكاية" الى كسر الصور النمطية للمرأة، والتي يُروَّج لها في الإعلام والسينما والحكايات الشعبية، وحتى قصص الأطفال، وذلك من طريق رفع صوت رافض لظلم المرأة في قصص وحكايات نستطيع من خلالها رؤية عالمها الإنساني الحقيقي المعاصر، كوسيلة لتصحيح ما سبق أن ترسّخ في الأذهان، بتأثير من العقليات الذكورية المتحجّرة عبر التاريخ".

حكايات نسوية

تقول الدكتورة سهى رأفت، أستاذة الأدب الإنكليزي، وإحدى العضوات المؤسِّسات لمجموعة "أنا الحكاية": "نقدّم العروض بأسلوب شيّق، من خلال "حكايات نسوية" ينتجها عدد من ورش الكتابة حول موضوع معين، حيث يجتمع فريق العمل بشكل منتظم ويحدّدون القضية أو الحكايات التي سيتم تناولها، ثم تعمد كل عضوة الى صياغتها بأسلوب شيّق ومؤثر في الوقت نفسه، لتكون بمثابة "صرخة نسوية" ضد ظلم المرأة في الماضي والحاضر، وما لذلك من تأثير سلبي في مستقبل الأجيال الجديدة من البنات، وعادة ما تصاحب ذلك أغنية تؤدّيها العضوات، أو تُقدَّم مادة شعرية تتناسب مع موضوع الحكاية".

وتؤكد الدكتورة سهى أن مجموعة "أنا الحكاية" قدّمت عروضها خارج مصر رغم أنها مصرية، وهي ترحّب بالتعاون مع المنظّمات والهيئات النسوية في الوطن العربي وخارجه، لأن هناك قاسماً مشتركاً بين النساء في العالم، فمثلاً تتشابه مشكلات المرأة العربية مع نساء جنوب وشرق آسيا، وخاصة الهند وباكستان، من حيث التضييق عليهن ممن لا يحسنون العمل بتعاليم الأديان السماوية.

خطوة جريئة

تعلل "سهام بنت سنية وعبدالسلام"، سبب قيامها بهذه الخطوة الجريئة، أي اقتران اسمها باسمَي أمها وأبيها، باعتبارهما قد ساهما معاً في مجيئها الى الحياة وتربيتها، بل إن دور الأم يزيد عن دور الأب، ولهذا فمن العدل أن يسير اسماهما جنباً الى جنب، وقد عرّضها موقفها هذا لهجوم حاد من المجتمع، لكنها أصرّت على إطلاق صرخة نسائية جريئة، بأن دور الأم لا يقل عن دور الأب الذي يحتكر نسبة أولاده لمصلحته، وكأن الأم مجرد "وعاء" لا أكثر، كما تروّج الثقافة العربية المتوارثة عبر الأجيال، ولهذا لا بد من تغييرها لتكون أكثر إنصافاً.

وتسخر سهام ممن يعترضون على موقفها هذا قائلةً: "لماذا لم تعترضوا على تلقيب الدكتورة عائشة عبدالرحمن نفسها بـ"بنت الشاطئ"؟ هل الشاطئ أكثر تأثيراً في تكوينها من أمها وأبيها حتى تُنسب إليه ولا يعترض أحد؟! ولهذا فإن ما تفعله تصر على كتابته في كل مشاركاتها الفنية في "أنا الحكاية"، وشيئاً فشيئاً تقبّل المجتمع آراءها، خصوصاً بعد أن تفهّم دوافعها النبيلة في ما تقوم به، وأنها لا تتمرّد على واقع الأسماء... ولذلك فقد قدّمتُ حكاية بعنوان "عاشت الأسامي"، أكشف فيها عن سرّ اقتران اسمي باسمَي أمي وأبي".

تجربة حقيقية

تروي الدكتورة أماني أبو زيد، وهي متخصّصة في دراسات النوع والتنمية، وإحدى العضوات المؤسِّسات، واقعة حقيقية تكشف فيها عما تتعرض له المرأة من ظلم، بصرف النظر عن وظيفتها وبيئتها، حيث ارتدت خلال مرحلة الدراسات العليا ملابس سيدات "محجبة – منقّبة – متبرّجة"، ومشت في الشارع لفترات طويلة، وكانت النتيجة واحدة: "معاكسات" وتحرّش بالجملة والنظر إليها باعتبارها مصدراً للفتنة والإغراء، حتى وإن كانت منقّبة... ألهذا الحد يظلم المجتمع المرأة في التعامل معها؟!

ظلم عالمي

تسرد الشاعرة والعضو المؤسّس إيمان شاهين، جانباً مما تقوم به مجموعة "أنا الحكاية"، وتردّ على مجموعة من الأمثال الشعبية المتوارثة التي تظلم المرأة، ويتم العمل على تفنيدها وإثبات خطئها من خلال الأعمال الفنية، وبيان إنصاف الأديان السماوية، وخاصة الشريعة الإسلامية لها، رغم أنف المتنطعين الذين يظلمونها باسم الدين، وأهم هذه الأمثال الشعبية العربية: "إقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها"، "يا مخلّفة البنات يا شايلة الهم للممات"، "المرأة لها نصف عقل ومشارك فيه إبليس"، "صوت حية ولا صوت بنية"، "شرف المرأة مثل عود الكبريت يولّع مرة واحدة"، "البنت إما جبرها أو قبرها"، "إكسر للبنت ضلع... يطلع لها أربعة وعشرون"، "لما قالوا لي ولد؛ اشتد ظهري واستند، ولما قالوا لي بنية؛ انهدّت الحيطة عليا"، "المرأة مثل السجادة ما بتنضف إلا بالخبط"...

وتوضح إيمان شاهين، أن هناك مجموعة من الأمثال الشعبية العالمية، التي تؤكد أيضاً ظلم المرأة، مما يستوجب تغيير هذا الواقع بوسائل عدة، بينها الفن، ومن هذه الأمثال:

"المرأة الجيدة تعني الخادمة الجيدة"، مثل فرنسي.

"لا تثق بالمرأة حتى وإن ماتت"، مثل يوناني.

"الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة"، مثل ياباني.

"تعليم المرأة مثل جعل السكين في يد قرد"، مثل هندي.

"كل شيء يأتي من عند الله إلا المرأة"، مثل إيطالي.

"النساء والخيول تتطلب أسياداً أشداء"، مثل تركي.

"المرأة الجميلة تحتاج إلى ثلاثة أزواج؛ واحد ليدفع ديونها، وواحد لتحبّه، وواحد ليضربها"، مثل إنكليزي"...

إبداع نسائي

تشير الملحّنة والمغنية إيمان صلاح الدين، إلى أن مجموعة "أنا الحكاية" تستعين في تحقيق أهدافها بورش كتابة وناشطات نسويات وأطفال من مؤسسات رئيسة في موضوعات مختلفة، وتقدّم العضوات إنتاج تلك الورش في عروض حكي فنية، يستطيع الجمهور من خلالها التواصل مع الحكايات المقدَّمة في مختلف مؤسسات وزارات الثقافة والإعلام والتعليم المصري وغير المصري، مثل الجامعة الأميركية، وجمعية الثقافة الفرنسية، والمشاركة في ورش "كوميكس" عن المرأة، وكذلك الاشتراك في معرض "حكايات ريم"، الذي تولّى رسمه الفنان محمد عبلة، ويضم مجموعة من الحكايات المترابطة التي لها علاقة بقصص واقعية.

وتكشف إيمان أن مجموعة "أنا الحكاية" نالت تكريماً عربياً ودولياً؛ وليس في مصر فقط، وقدمت عروضاً خارجية، وتأمل في أن تُنقل التجربة إلى مختلف دول العالم، لأن التراث المعادي للمرأة متأصل في كثير من الدول، كما أن مجموعة "أنا الحكاية" تواكب الأحداث التي تمر بها مصر، ودور المرأة فيها، حيث قدّمت على خشبة مسرح الجمعية العلمية والثقافية "الجزويت"، عرضاً مسرحياً عنوانه "ببساطة كدة"، وهو يتألف من عشر حكايات تتحدث عن الثورة، وتمزج بين الواقع بالخيال...

أصغر عضوة

تؤكد العضوة الشابة آية مصطفى، وهي أصغر عضوات "أنا الحكاية"، أنها تعمل محرّرة صحافية في أحد المواقع الإلكترونية، وتحاول في محيط سكنها وعملها كسر الصور النمطية الرائجة عن النساء والرجال، وأن المرأة مجرد خادمة في كل مراحل حياتها، ففي طفولتها هي خادمة لأخيها، سواء كان أكبر منها سنّاً أو أصغر، حتى لو كانت متفوّقة في دراستها وهو فاشل، وإذا كانت الأسرة تعاني ضائقة مادية فالبنت تتحمّل العبء الأكبر، فتُحرم من التعليم وتقع ضحية عمالة الأطفال والعنف المادي والمعنوي، أما أخوها فتتم تنشئته على أنه "سي السيد"، ويرافقها هذا التمييز إلى أن تتزوج، وتصبح خادمة لزوجها وأهله جميعاً، من دون أن يكون لها رأي في أي قضية، وللأسف لا تزال هذه الظاهرة منتشرة في الكثير من المجتمعات بأشكال ودرجات مختلفة.

استراتيجية للتصحيح

تؤيد الأديبة الكبيرة سكينة فؤاد كل ما تقوم به مجموعة "أنا الحكاية"، من تصحيح لصورة المرأة السلبية في الأدب، حيث يعتبرها الكثير من الأعمال الأدبية العربية وغير العربية الشهيرة، مصدراً للغواية والغدر والخيانة والمؤامرة، ويجب أن يتم تجاهلها ليكون دورها هامشياً، وكل من الاتجاهين ظالم لها، ولا يعكس حقيقة دورها في الحياة كأم مربّية للأجيال، فهي "أمٌ وَلَدت عظماء التاريخ" في مختلف المجالات، وهي أيضاً الأخت والابنة والزميلة لكل صانعي الأحداث الكبرى في تاريخ البشرية، ولهذا لا يجوز اختزال دورها بما يسيء إليها، لإظهارها "مواطناً درجة ثانية".

وتطالب سكينة فؤاد كل المؤسسات الثقافية والإعلامية والتربوية والاجتماعية، في مختلف الدول العربية، بتبني كل فن هادف يسعى إلى تصحيح الصورة السلبية للمرأة، ليس في الأدب فقط، بل في كل مجالات الحياة العملية والنظرية، لأن هذا الظلم لا يزال مستمراً الى اليوم، في الأسر التي تحكمها العقلية الذكورية... وكذلك في الأعمال الفنية القديمة والحديثة، التي تعلل ذلك بأن "الجمهور عايز كده"، فيحرص كثير من المنتجين على تقديم المرأة كوسيلة للإغراء، بغية كسب المزيد من الربح المادي، ولهذا لا بد من تبني استراتيجية تجعل تصحيح صورة المرأة مشروعاً قومياً قائماً على الوعي، لأن المرأة هي عصب المجتمع.

صرخة نسائية

تؤكد الدكتورة عواطف عبدالرحمن، الأستاذة في كلية الإعلام– جامعة القاهرة، أنها تحرص على حضور الفعاليات التي تنظّمها مجموعة "أنا الحكاية"، ومعجبة بها كثيراً، وتأمل أن تتبنى مختلف المؤسسات الثقافية والإعلامية في مصر والوطن العربي مثل هذا الفن الذي يحمل رسالة نبيلة، لأنه يمثل "صرخة نسائية" في وجه الظلم اللاحق بالمرأة منذ القدم وحتى يومنا هذا.

وتلفت الدكتورة عواطف إلى أن تصحيح الصورة النمطية للمرأة لن يحدث بين ليلة وضحاها، لأن جزءاً كبيراً منه له علاقة بالإرث التاريخي والعادات والتقاليد المتأصّلة، ولكن يمكن تسريع وتيرة الإصلاح والتصويب، وأن يكون للمرأة دور رئيس في هذا، لأنها الضحية والأكثر إحساساً بمشكلاتها، ولا بد لوسائل الإعلام، وخاصة الفضائيات من تصوير فعاليات "أنا الحكاية" وبثّها، لتعمّ الفائدة على الجميع ويشاهدها الملايين في الوطن العربي، لأن معاناة المرأة هي نفسها في كل الدول العربية، ولكن بدرجات وأشكال مختلفة.


CREDITS

تصوير : تصوير - أحمد الشايب