دينا ناصر حركة: تحقيق المساواة والعدالة بين المرأة والرجل ضرورة للعجلة الاقتصادية

حوار: طوني بشارة 07 سبتمبر 2019

ظلّ الرجل إلى زمنٍ قريب هو المتحكم الوحيد في جوانب الحياة كلها، السياسية والدينية والأسرية. فقديماً كان الرجل البدائي يختار ما يرضيه ويناسبه من العمل ويترك الباقي للمرأة التي كانت تُعامَل معاملة العبيد حتى ولو كانت حرّة، وذلك نتيجة حتمية لمجموعة عادات وتقاليد فرضها المجتمع الذكوري القديم، حتى إنها كانت تقوم بأعمال يعجز عنها الذكور جسدياً وفكريّاً أحياناً، ورغم ذلك لا يُعترف بدورها ولا تنال جزاءً ولا شكوراً. ولكن تدريجاً ومع تعاقب العصور، تغيرت الأحوال وبدأت المرأة تدخل في كل ميادين العمل وتثبت جدارتها وأهميتها حتى في مشاريع التنمية المستدامة، وخير مثال على ذلك السيدة دينا ناصر حركة المديرة التنفيذية للشبكة الوطنية لميثاق الأمم المتحدة.

"لها" التقت دينا حركة في حوار صريح تحدثت فيه عن مسيرتها المهنية وتطرّقتْ إلى نظرتها للمرأة العاملة وأمورٍ أخرى.


- بدايةً، حدّثينا عن حياتك العلمية والعملية؟

بعد تخرّجي مباشرةً في الجامعة الأميركية في بيروت، غادرت لبنان مع زوجي، وذلك بحكم عمله في الخارج. أمضيت حوالى 23 عاماً في الغربة، متنقّلةً بين المملكة العربية السعودية ونيجيريا، وأخيراً كندا.

كنت دائماً إلى جانبه في عمله بـ "مركز العيادات الخاصة والطوارئ"، حيث ساعدته في مجال العلاقات العامة وتأمين الموارد البشرية.

انشغالي بالأعمال الإنسانية والخيرية كان ولا يزال يأخذ حيّزاً كبيراً من حياتي. في المغترَب، شغلت منصب نائبة رئيسة جمعية السيدات اللبنانيات في لاغوس، ورئيسة لجنة الأهالي في المدرسة الفرنسية. وبعد عودتي إلى لبنان، قرّرت المضي قُدماً في مجال المسؤولية الاجتماعية وكل ما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة. واليوم، أتولّى الإدارة التنفيذية للشبكة الوطنية لميثاق الأمم المتحدة التي أسستْها وترأسها النائب ديما جمالي (Global Compact Network Lebanon).

- ما هو دور الشبكة الوطنية لميثاق الأمم المتحدة وما أهمية ذلك لبلدنا؟

في 25 أيلول/سبتمبر 2015 اعتمد قادة العالم خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ووعدوا بالعمل من أجل عالمٍ أفضل وتنمية أكثر استدامة. وقد وضعوا خطة تتضمن 17 هدفاً لمعالجة تحديات الفقر والتعليم، وتمكين المرأة والنمو وتحقيق المساواة وحماية البيئة والحوكمة.

أما دورنا من خلال الشبكة الوطنية فيتلخّص بالعمل على تنمية روح المسؤولية لدى القطاع الخاص، ودفعه لتفعيل أهداف الأمم المتحدة، لا سيما لجهة احترام حقوق الإنسان وقانون العمل ومكافحة الفساد واحترام البيئة.

- الصعوبات التي واجهتك خلال مسيرتك المهنية... كيف تخطّيتها؟

من أهمّ الأمور وأصعبها في أي مهنة، كانت كيفيّة التعامل مع الناس على نحوٍ صحيحٍ وفعّال. لقد تعلمت خلال السنوات ومن طريق اختلاطي بعدد من المجتمعات كيفية التوفيق بين تطلعاتي وأفكاري من جهة، وتوصيلها إلى الآخر وتحفيز قدرته على التفاعل من جهةٍ ثانية. لذلك، درّبت نفسي على الانفتاح والاستماع وتنسيق الجهود حتى يكون العمل الجماعي متناغماً ومنصفاً وناجحاً يقطف ثمارَه الجميع.

تطلّب تحقيق ذلك الكثير من الصبر والخبرة والنضوج، وتمكنت خلال مسيرتي العملية من تخطّي صعوبة إبداء الرأي وتوصيله إلى الآخرين من دون التسبّب في أذيّتهم أو جرح أيّ منهم"، علماً أنّ من الصعوبة بمكان إبداء الرأي بحريّة بعيداً من المسّ بمشاعر الآخرين أو مصالحهم، فتصبح الصراحة إطاحةً للآخر وتنفتح الساحة على الصراعات.

وهنا أذكر بمرارةٍ كيف أن تضارب الآراء السياسية يمنعنا من تطبيق رؤانا على الصعيد الاجتماعي وحتى الاقتصادي.

- ما سرّ نجاح دينا ناصر، ومَن هو داعمها الأساسي؟

النجاح عموماً هو ثمرة عمل متواصل وجدّي يأتي بعد سلسلة تجارب ناجحة وفاشلة نأخذ من تراكمها عِبَراً للوصول الى هدفنا، وأنا لا أخرج عن القاعدة: امرأة ملتزمة وتعمل بشغف ومسؤولية كبيرة. استعدادي للتعلّم والتدرّج باستمرار ساعدني كثيراً للوصول إلى الأهداف التي وضعتها نصب عيني، كما أن انفتاحي على الآخرين كان أحد العوامل التي ساهمت في إنجازي لمشاريع كثيرة.

أما على الصعيد الشخصي، فزوجي وعائلتي هم سنَدي وداعمي الأساسي، في كل خطوة أخطوها. بالإضافة إلى أنني أشاركهم أحلامي وأفكاري وأستشيرهم في أمور عدة؛ فكل فرد منّا بحاجة إلى منارة أمان يستند إليها ويسترشد بها في أيامه الصعبة.

- ما مفهومك للنجاح؟ وهل تعتقدين أنك أخفقت في ميدان ما؟

عندما يركب المرء قطار الحياة يتوقّف عند محطّات عدة. وفي طريقه لتحقيق أهدافه يواجه صعوبات كثيرة، بالإضافة إلى كونه يلتقي برفاق دربٍ يسافرون معه ويتوقفون عند هذه المحطات. تلك هي "محطات النجاح".

لا شكّ في أنني أخفقت في أماكن معيّنة ومحدودة والحمد لله، فكل امرئٍ منا لديه نقاط ضعف، وأنا عاطفية جدّاً، وأحيانا حساسيتي وانزعاجي يظهران بوضوح على ملامحي، وقد يؤثر ذلك في عملي فيحبطه؛ ولكن تعلمت مع الوقت أنْ أحوّل هذه المواقف الصعبة الى نقاط انطلاق مستفيدةً من تجاربي وأخطائي.

- هل حالت يوماً واجباتك العائلية دون تحقيق طموحاتك؟

لأنّ معظم وقتي مكرّس لتربية الأولاد، لم أستطع الالتزام بدوام عمل كامل، لذلك عمدتُ إلى التعاون مع جمعيات خيرية وهيئات دولية للقيام بمشاريع إنمائية، إن تارة على صعيد الجالية اللبنانية في لاغوس-نيجيريا، أو على صعيد الدعم والتواصل مع المجتمعات المضيفة. وقد أكسبتني هذه التجارب خبرة في المجال الإنساني، واستطعت أن أوفّق بين التزاماتي العائلية وانخراطي في العمل الاجتماعي بمرونة ودقّة.

- أين أنت من تطلعاتك المستقبلية؟

لقد قررت العودة إلى لبنان بعد طول غياب واغتراب، والاستقرار فيه نهائياً. ولكن كل يوم يمرّ، أشعر بل ألمس كم أننا بحاجة الى الكثير من الإنجازات لنصل الى مستوى عيش كريم ولائق بالإنسان مقارنةً مع الخارج.

أطمح إلى أن يُتاح لنا نحن اللبنانيين المجال للتعبير عن تطلّعاتنا، والمشاركة في تقديم حلول لمشكلاتنا الحياتية والبيئية وإنجاز ولو القليل مما نصبو إليه.

أعلم أن الوضع صعبٌ على كل الصعد، وعلى الرغم من ذلك أحلم كل يوم أن أرى لبنان قد بدأ يتعافى، وهو على المسار الصحيح.

أريد أن أعيش في لبنان بسلام وعزّة وكرامة، وأتطلّع إلى اليوم الذي أستطيع أن أدعو فيه أولادي إلى المجيء إلى لبنان والاستقرار فيه هم وعائلاتهم بحرّية وأمن وأمان.

- كيف تصفين علاقتك مع الرجل كأبٍ أو أخٍ أو زوجٍ أو صديقٍ؟

الرجل الزوج هو النصف الآخر الذي من دونه لا تحلو الحياة. هو الشريك أيضاً في تربية الأولاد وبناء حياة زوجية مستقرة، من دون استقواء أو تملّك.

والأخ هو السند الذي نعيش معه منذ نعومة أظفارنا في كنف منزل واحد ونكبر معاً وبالتالي يصبح أقرب صديق أيضاً.

أما الأب فهو المثل الأعلى والأمان الذي يتطلع إليه كل طفل. ولقد شاء القدر أن أفقد والدي منذ صغري، فترك رحيله المبكر أثراً كبيراً في حياتي.

- هل من أمورٍ معيّنة ابتعدت عنها بحكم عملك؟ أو بطريقة أخرى، إلامَ تشتاق دينا؟

منذ سنوات عدة، وعملي المتواصل يشغل الحيز الأكبر في حياتي. أعيش وكأنّني في سباق مع الزمن، حيث إنني أمضي معظم الوقت مشغولة بأعمالي وأتمنى لو أتمكن من استغلال كل دقيقة من حياتي.

خلال وجودي في الخارج، كنت أطهو بنفسي، وأتفنّن في تحضير أشهى الأطباق، وخصوصاً خلال إقامتي في أفريقيا وكندا. كان أيضاً لدي متسعٌ من الوقت لممارسة الرياضة وقراءة الكتب وحتى الاسترخاء.

أشتاق الى هذه الأوقات الهادئة وأتوق إلى أن أعيشها في لبنان، حيث سرقت التزاماتي العملية والاجتماعية كل وقتي.

- كيف تصفين نظرة المجتمع الى المرأة العربية؟

لا جدال في أنّ المجتمع العربي نظر في الماضي، ولا يزال إلى المرأة وكأنها مخلوق ضعيف بحاجة إلى وصاية.

لقد استهانت مجتمعاتنا بقدرات المرأة وإمكاناتها وغلّبت الصورة العاطفية والأنثوية على الجوانب الفكرية والإبداعية وطاقاتها الخلّاقة.

لكن منذ سنوات عدة، بدأت الأمور تتغير فرفعت المرأة الصوت عالياً مطالبةً بحقوقها وراحت تعبّر عن رأيها بكل حرية وشفافية، وتمكنت من تبوّء بعض المناصب التي تستحقها وبجدارة. لكن في المقابل، ما زال مجتمعنا العربي يضع العوائق ويتباطأ في سنّ القوانين التي تنصفها وتحافظ على مكانتها.

قطعت المرأة شوطاً لا بأس به في طريقها إلى التحرر، والمشوار ما زال طويلاً، فالمسار بدأ ولا رجوع عنه. تحقيق المساواة والعدالة بين المرأة والرجل في عالمنا العربي بات حاجة ماسّة وضرورة ملحّة ومكوّناً أساسياً في العجلة الاقتصادية.

- هل من نصيحة تسديها دينا الى المرأة العاملة العربية واللبنانية؟

المرأة العربية شجاعة ومقدامة، وعليها أن تنطلق بثقة، فتدرس في شتى مجالات العلم، وتدخل إلى معترك الحياة متسلحةً بالشهادات والاختصاصات التي كانت يوماً حكراً على الرجال.

بالنسبة إليّ، العنوان هو" الإنسان"، ولا ينبغي للشكل والمظهر أن يأخذا أكثر من حجمهما أو يحتلّا حيزاً أكبر ممّا يجب. أما بالنسبة إلى الوطن، فأؤكد أنّ لبنان ينهض به المرأة والرجل معاً. وآن الأوان كي نجلس ونقول: "كان يا ما كان في لبنان".