صور فوتوغرافية توثّق الحياة: المعارض الفوتوغرافيّة تتصدّر المشهد التشكيلي

القاهرة – طارق الطاهر 28 سبتمبر 2019

انتشرت في الفترة الأخيرة بالإسكندرية والقاهرة، مجموعة من معارض الصور الفوتوغرافية، التي يركز الفنانون من خلالها على تقديم مفردات الحياة بلقطات جاذبة، يستغلون فيها قدرتهم على التقاط لحظة فريدة تمر بنا في الحياة، أو يلتقطون ملمحاً من ملامح الوجه الإنساني، التي تعبر عما بداخله، وفي أحيان أخرى تكون مثل هذه المعارض بمثابة اللوحة الكاشفة عن مجتمع بأسره.. وهو ما ينطبق حالياً على المعرض الذي تشهده مكتبة الإسكندرية، بعنوان "المدينة.. رؤى فوتوغرافية" الذي يضم أعمال مجموعة كبيرة من الفنانين الفوتوغرافيين.


عن هذا المعرض يقول جمال حسني، مدير إدارة المعارض والمقتنيات في مكتبة الإسكندرية: يأتي هذا المعرض من ضمن احتفال مكتبة الإسكندرية بمرور خمسة عشر عاماً على افتتاحها، وبداية نشاطاتها المتعددة في مجال الفنون التشكيلية والبصرية، وتم الإعلان عن المشاركة في المعرض للمصورين الهواة والمحترفين، واختيرت الأعمال المشاركة عن طريق لجنة تحكيم لاختيار الأعمال التي تتناسب مع فكرة المعرض، الذي قدم أعمال 57 من المصورين الفوتوغرافيين، الذين أبدعوا 105 أعمال فنية؛ تباينت بين محاكاة الواقع من خلال التوثيق؛ إما لأماكن في مدينتهم الإسكندرية، وإما مشاهد لأعمال الناس اليومية أثناء أداء مهامهم؛ مثل الصيادين وهم منهمكون في جدل شباكهم، أو المارة في الشوارع، أو بورتريهات لأشخاص. بينما قدم فنانون آخرون استهوتهم جماليات الشكل من خلال تماس الأشياء والعلاقات اللونية وتجاورها على الأسطح المتنوعة، أو ركز على تفصيلة من الطبيعة، كفرع شجر وتتبع جزئياتها في حالة صوفية، في محاولة لتقديم عالم ورؤية خاصة بهم.

وأضاف حسني: "وفي سياق آخر، هناك من الفنانين المشاركين من أخذ يصنع حكايته في الصورة. فكانت هناك محاولات لإنشاء جو أسطوري في بعض الأعمال؛ فمنها ما بدا كرسوم المناظر الطبيعية الصينية المرسومة بالأحبار، وهناك من استخدم جسده كجزء لا يتجزأ داخل حدود الصورة ليخرج بإطار الصورة لمنطقة أكثر جدلاً مع الجسد".

ومن يتأمل لوحات المعرض بتفاصيلها المتنوعة، يكتشف أنها عكست بالفعل أوجه الحياة في مدينة الإسكندرية، مثل القصور الأثرية والأخرى ذات الطبيعة المعمارية الخاصة، كما رصدت الأعمال لمظاهر الحياة في شوارع الإسكندرية المشهورة بتجارتها، وكان للإنسان – أيضاً - في هذا المعرض نصيب كبير، إذ عكست اللوحات الوجه الإنساني بانفعالاته المختلفة، ومن الفنانين الذين شاركوا في هذا المعرض: آمال عجلان، محمد قاسم، ممدوح شعبان.

وعلى جانب آخر، قامت مجموعة من الفنانين الفوتوغرافيين بمغامرة مهمة لتوثيق حياة الغجر وجمالهم وخصوصيتهم، إذ التقط ثلاثة فنانين صوراً فوتوغرافية لهذه الحياة المتميزة بتنويعاتها وعاداتها الخاصة، وهؤلاء الفنانون هم أحمد هيمن، ريم أسامة، وخالد مرزوق، وتراوحت صورهم ما بين كشف لجمال الطبيعة وسحرها، وخصوصية الملابس والأزياء، وقد التقطوا صورهم من منطقتي قصور العرب ومدينة ديمية السباع بالفيوم، وكذلك تم التركيز على الوجوه الإنسانية المتفردة بجمالها وطريقة ملابسها وزينتها.

وأخيراً أيضاً، شهدت القاهرة معرضاً ركز على الوجوه بتفاصيلها وهمومها وأفراحها، فالفنان عاطف أحمد واحد من الأسماء الفاعلة والمؤثرة في المشهد التشكيلي المصري المعاصر، ولتجربته الإبداعية بصمة خاصة ومتفردة، ويتميز عالمه الفني بانتمائه الى المجتمع وانحيازه الى المواطن العادي، الذي عبر عنه وعن واقعه في كثير من الأعمال، وقدم الفنان منذ بداية مشواره الفني المنطلق في تسعينات القرن الماضي، العديد من المعارض الخاصة والمشاركات الجماعية محلية ودولية، وحصد العديد من الجوائز، وتقتني أعماله جهات وأفراد في مصر والخارج.

وعن هذا المعرض، يقول الفنان والناقد ياسر سلطان: "في أعمال الفنان عاطف أحمد، يتم التعامل مع الصورة الفوتوغرافية ضمن إطار تصويري، فالصورة الفوتوغرافية هنا هي مجرد أداة لتحقيق الهدف وليست هدفاً في ذاتها، هي سطح ملون مسكون بالحياة والعناصر البصرية؛ يمكن التعامل معه بالحذف والإضافة باستخدام أدوات التعامل كافة مع اللوحة التصويرية، وتستكشف أعماله المعروضة هنا حالات مختلفة وقريبة لأشخاص في لحظات متباينة، بشر في حالة حركة أو سكون، فرادى أو جماعات، ومن دون تهيؤ تام للمشهد في غالبية الأحيان، في اللوحات تم انتزاع هذه العناصر من محيطها البصري ثم استبداله بإطار بصري آخر مختلق، إطار يختصر الإيهام بالعمق داخل الصورة إلى مساحات لونية مليئة بالخطوط والتأثيرات الغرافيكية، وهي حلول سمحت له بالاقتراب أكثر من العناصر وحصارها داخل الإطار أو بؤرة التركيز، والابتعاد بها كذلك خارج سياق المكان والزمان، تتيح حالة الاقتراب؛ التي أكدها الفنان في لوحاته التصويرية المعروضة؛ شعوراً بالألفة والتوحد مع هؤلاء الأشخاص، وتخلق مجالاً لتبادل الأدوار مع هؤلاء الهامشيين المُحتفى بهم، والذين تحولوا في لوحات عاطف أحمد إلى أبطال المشهد".

وكانت الصورة الفوتوغرافية حاضرة مع تقنيات فنية أخرى في معرض ثلاثة من الشباب المبدعين، وهم: عادل الليثي، محمد المنياوي، ومصطفى خضير، فقد ضم المعرض لوحات فوتوغرافية عبرت عن الحياة في بعض أحياء القاهرة، لا سيما المناطق الشعبية التي تزخر بالبشر وحكاياتهم، فقد نطقت بعض هذه الأعمال بحكايات سجلتها الكاميرا، بجانب حكايات أخرى سجلتها وسائط فنية، مثل الرسم بالحبر الجاف والرصاص.