ريهام الحربي مزجتُ الأصالة مع الحداثة لتصميم أجمل المجوهرات

جدة: آمنة بدر الدين الحلبي 05 أكتوبر 2019
شابة تتمتع بالطموح والإرادة القوية، تفانت في عملها واستطاعت تحويل هوايتها في تصميم المجوهرات إلى حِرفة وضعتها في مصاف المصمّمين العالميين لما قدّمته من تجارب ناجحة في تصميم المجوهرات وصياغتها، ونالت إعجاب الأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز فلقّبها بـ "المبهرة" حين أقامت ورشة عمل مفتوحة لتصميم المجوهرات أمام أعين الحاضرين في المعرض الدولي للمجوهرات في مدينة جدّة. ريهام الحربي أبهرت زوّار المعرض بما ابتكرته من تصاميم فريدة في عالم المجوهرات، حتى باتت مثالاً يُحتذى، وأصبحت شريكة مهمة في برامج التنمية والتدريب. "لها" زارت الحربي في محترفها كي ترصد بعدستها جمال المجوهرات التي تصمّمها بحِرفية وجودة عالية، وعادت بهذا الحوار.


- كيف تحولت تلك الهواية في التصميم إلى حِرفة تمتهنها ريهام؟

أنا خرّيجة "فنون إسلامية" في جامعة الملك عبدالعزيز- قسم الاقتصاد المنزلي، وكان هذا الاختصاص يتضمن مادة الصياغة، فأحببتها واستهوتني وظلت الفكرة عالقة في ذهني، إلى أن حانت الفرصة، وصمّمتُ قطع مجوهرات جميلة حظيت بإعجاب كل من رآها.

- رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، كيف بدأت مسيرتكِ في عالم المجوهرات؟

أولى خطواتي بدأتها بالتعلّم، لعدم خبرتي في هذا المجال، وتتلمذت على أيدي مصمّمين عالميين من أمثال بيكي سار، جنكز، وبلتون، ومن ثم أصبحت مدرّبة في هذا المجال، وأقمت دورات عدة لتدريب الفتيات على تصميم المجوهرات وصياغتها في جامعتَي "دار الحكمة" و"الملك عبدالعزيز"، وأكاديمية "نفيسة شمس" وبعض الجمعيات الخيرية، وهذه الدورات تهدف الى تطوير اليد العاملة في مجال الصياغة، لأن المملكة العربية السعودية "معقل الذهب" ولا ينقصنا إلا اليد العاملة.

- لماذا يقلّل البعض من شأن المرأة ويؤكدون أن من الصعب عليها صياغة المجوهرات؟

هذا اعتقاد خاطئ لدى البعض، فالمرأة إذا صمّمت على تعلّم أي حِرفة، تعلّمتها وأتقنتها بنجاح، وورشة العمل التي أستضيف فيها "لها" خير شاهد على الإرادة الصلبة للمرأة السعودية، والتي برعت في تنفيذ قطع مجوهرات فريدة من نوعها.

- كم عمر هذه الورشة؟

أعمل مساعدَ مدرّب في هذه الورشة، وأتولّى إدارتها والإشراف عليها منذ تأسيسها في عام 2017.

- ما أهم مميزات هذه الورشة؟

أجمل ما في هذه الورشة أنها تضم سيدات من مختلف التخصّصات الأكاديمية يجمعهن شغف واحد ألا وهو تعلُّم حِرفة جميلة تُسمّى "صياغة المجوهرات". وهؤلاء النساء هنّ: سميرة مجلّي، منيرة الزهراني، ندى سمان، انتصار الحسيني، بشاير باحسن، سامرين أحيد، وسلافة رواس... وقد بدأنَ العمل على خامة النحاس، وتحوّلن من ثم إلى الفضة، وسينتقلن مستقبلاً إلى صياغة الذهب.

- وهل شاركت الورشة في معارض دولية؟

بالطبع، فأول معرض شاركتْ فيه الورشة كان في مدينة طوكيو في اليابان، وشهد إقبالاً كبيراً من أفراد المجتمع الياباني، ذلك لاهتمامهم بأدقّ التفاصيل، وكنا حريصين على أن نصمّم كل قطعة من مجوهراتنا بدقة متناهية وجودة عالية.

- قدّمتِ تجربة فريدة من نوعها لزوّار المعرض في عام 2018، ألم تخافي من الفشل؟

كنت أطمح للمشاركة في معرض "صالون المجوهرات"، وفي كل عام كنت أُمنّي نفسي، لكن قبل موعد المعرض بأسبوع، تلقّيت اتصالاً من صالون المعرض أخبروني فيه أنهم خصّصوا لي مساحة مجانية للمشاركة وعرض تصاميمي. فرحت كثيراً، ورحت أفكّر بطريقة مميزة لجذب الزوّار، خصوصاً بعدما عرفت أن "صالون المجوهرات" لم يُقم بعد أي ورشة عمل، وكانت المرة الأولى في تاريخ الفعاليات السعودية، التي أُنظّمُ فيها ورشة عمل مفتوحة جنباً إلى جنب العروض الأوروبية والعالمية أمام الزوّار من دون خوف أو وجل.

- كيف يسير العمل في الورشة؟

أولاً صممتُ طاولة كبيرة، وركنتُها في إحدى زاويا المحترَف، وعلى هذه الطاولة نستعرض أمام الزوّار مراحل صياغة قطع المجوهرات، بدءاً من القصّ، مروراً بالنشر ووصولاً الى التلميع. وقد صمّمت مجموعة "انتماء"، أي الشهادة بـ" أن لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وقدّمت من خلالها رسالة الى نساء وطني اللواتي يعشقن العمل اليدوي الحِرَفي، ليستفدن من تجربتي وينضممن إلى هذا القطاع الحيوي الذي يوفر فرصاً وظيفية عدة لهن.

- للمجوهرات أبجدية خاصة، كيف استطاعت ريهام أن تقرأ حروف تلك الأبجدية وتفهم لغتها لتحقق ما تصبو إليه؟

كنت أبحث دائماً عن شيء مختلف ومميز، فوجدت أن لدينا إرثاً جميلاً من المجوهرات ولم يعمل عليه أحد بما يحفظ قيمته من الاندثار، وكل ما قمت به هو المزج بين الأصالة والحداثة لابتكار تصاميم مميزة وجديدة في عالم المجوهرات، تلبي أذواق النساء من مختلف الأعمار وتمكّنهن من التزيّن بها في كل المناسبات... فأحييت الزخرفة الإسلامية والتراث بأسلوب جميل.

- أناملك أبدعت في تحويل القطع المعدنية إلى أطقم شهيرة، من الذي ساعدك لتُصبحي مصمّمة بارعة؟

رغبتي الجامحة دفعتني لتحقيق ما أصبو إليه في عالم المجوهرات، هذا بالطبع مع دعم الأهل الكبير.

- حدّثينا عن المجموعات التي صمّمتها؟

صمّمتُ أولاً مجموعة "انتماء"، وهي مكوّنة من ثلاث قطع: الانتماء الى الوطن (شهادة التوحيد والسيف)، الانتماء الى الزخرفة الإسلامية (عبارة عن زخارف)، والانتماء الى التراث (تصميم المكحلة)، أتبعتُها بمجموعة "زري" المستوحاة من الزري/ الزخرفة التي تزيّن "البشت"، فحاولت إدخال هذه الزخارف في تصاميم العقود والأساور وأقراط الأذنين، ذلك أن أكثر ما يميز "الزري" هو الخيوط الموجودة في "البشت"، وكل طقم مكوّن من ست قطع، كلٌ منها عبارة عن عقدين وسوار وحلق للأذنين وخاتمين. كما صمّمتُ قطعاً فريدة من نوعها.

- العمل اليدوي الحِرفي يُعتبر جزءاً من رؤية 2030، فكيف تنظرين إليه؟

بدأنا اليوم بالتوجّه الى تصنيع المجوهرات بدلاً من شرائها، وعرّفنا سيدات المجتمع السعودي على أصول تلك الحِرفة ليزاولنها ويساهمن في تطويرها لاعتبارها من المهن الرائعة، لأنها تساعد على تمكين المرأة في المجال الحِرفي، وهذا ما تسعى إليه رؤية 2030 حتى تستطيع المرأة الاعتماد على نفسها والعمل في هذا القطاع الذي يدرّ عليها ربحاً وفيراً.

- ما هي الأحجار الكريمة التي تعملون عليها في الورشة؟

نعمل على أحجار شبه كريمة مثل العقيق واللازورد والجاد والفيروز.

- وهل تستطيعين قص الحجر؟

لا، لم أصل بعد إلى هذه المرحلة، لأنني أشتري الأحجار الجاهزة وليس تلك الخام، وأثبّتها، لكنني أقدر على قصّ المعدن وتلميعه وتلحيمه وطلائه، فقد بدأنا العمل على معدن النحاس ووصلنا إلى الفضة.

- بمَ تشعرين وأنتِ تعملين على الفضة؟

ينتابني شعور جميل، كلّما نجحت في تحويل قطعة معدنية خام إلى تصميم رائع ينطق جمالاً ويلفت إليه الأنظار.

- المرأة السعودية تعشق الألماس والأحجار الكريمة، كيف استطعت إقناعها بمعدن الفضة؟

المرأة السعودية تحب التميّز، وحين أصمّم لها قطعة مجوهرات فريدة، فهي حتماً ستُعجبها مهما كان نوع المعدن المستخدم في صنعها.

- صقلت موهبتك في تصميم المجوهرات على يد مدرّبة بريطانية، كيف وصلت الى مرحلة التنفيذ بهذه السرعة القصوى؟

كنت قد انتسبت الى إحدى الدورات التي أُقيمت في جدة، وتدرّبت كثيراً، وساهم شغفي بهذا المجال في تحوّلي السريع من الهواية إلى الاحتراف. بعدها، زرتُ عدداً من متاجر الذهب للاستفسار عن بعض القطع وكيفية تنفيذها، وحاولت الحصول على معادن خام لأُجري تجارب عليها، وهكذا إلى أن حققت ما أصبو إليه، وبدأت بتدريب النساء السعوديات.

- حدّثينا عن معرض صالون المجوهرات

بعد أن صقلت موهبتي على أيدي المدرّبات، صرتُ أساعدهنّ في تطوير تلك الحِرفة اليدوية، وشكّل معرض "صالون المجوهرات" في جدّة فرصةً استثنائية أعطتني دفعة الى الأمام، لأنه أفسح لي المجال للمشاركة وللمرة الأولى بورشة عمل مباشرة، كشفتُ من خلالها لزوّار المعرض عن أسرار تلك المهنة الرائعة.

- التجربة التي قدّمتها على مرأى من الزائرين، ماذا منحتك؟

منحتني الكثير وجعلتني في تحدٍ مع نفسي، بحيث كنت أعمل مباشرةً أمام أعين الحاضرين، وأُصمّم القطع فتخرج بمنتهى الجودة والروعة، وقد أشاد زوّار المعرض بعملي، وعلى رأسهم الأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز، والذي لقّبني بـ "المبهرة"، وعبارات المديح والإشادة التي سمعتها من الحاضرين تدفعني للاستمرار والنجاح في هذا المجال.

- تسعى المملكة العربية السعودية الى تأسيس أكاديميات للفنون، ضمن مبادرات برنامج "جودة الحياة"، كيف قرأت ريهام الخبر؟

هو من الأخبار التي تبشّر بالخير، فقد وجّه وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، تعليماته الى الوزارة بتأسيس أكاديميات للفنون، ضمن مبادرات برنامج "جودة الحياة"، لأنه يرى أن "الاستثمار في بناء القدرات من أهم مقومات تشجيع القطاع الثقافي، الذي يحظى بدعم غير محدود من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، وتنفيذاً لتوجيهات القيادة في تنمية الإنسان، وتماشياً مع رؤية وتوجّهات الوزارة للمساهمة في تحقيق أهداف رؤية 2030".

- بما أنك أصبحت شريكاً رئيسياً في برامج التنمية، ما الذي تحقّق بتلك الشراكة؟

بدلاً من حفظ أسرار الحِرفة في ذاكرتي، درّبتُ السيدات اللواتي يطمحن للتعلّم في هذا المجال، وأعطيتهنّ خلاصة ما اكتسبته من خبرات، لتطوير المجال الحِرفي يداً بيد، والسعي لتعليم حِرفيات من الطراز الرفيع، وتأسيس شراكات للعمل في هذا القطاع المهم.

- من هو الشريك في تلك البرامج؟

بالتعاون مع البنك الأهلي تمت تلك الشراكة التي تهدف الى التنمية البشرية، وقد أقمنا أكثر من تسع دورات لتدريب النساء في هذا المجال، إضافة الى تدريبهن على صنع المسابح، ذلك الفن الذي أوشك على الاندثار.

- كم هو عدد الفتيات المتدرِّبات؟

درّبنا أكثر من 400 فتاة، وقد حققن نجاحات باهرة، بعدما تمكّن من التعرف على أسرار تلك المهنة، وهنّ يطمحن للسير على الطريق نفسه وحصد المزيد من النجاحات.

- ما الأمنية التي تنتظرين أن تتحقق من خلال رؤية 2030؟

أتمنى تطوير المناهج الدراسية في مختلف المراحل التعليمية، وإدخال المواد المهنية إليها والتشجيع على دراستها، والعمل على تثقيف الفتيات بأهمية الحِرفة قبل الوصول الى المرحلة الجامعية، فإلى جانب الطبيبة والمهندسة والصحافية، لا بد من أن يكون هناك حِرفية تُفتح أبواب الرزق أمامها.

- هل من رسالة توجّهينها الى شبان وشابات الوطن؟

أقول لهم، ما من مستحيل أمام الشباب الطموح الذي يسعى الى بناء الوطن، وهذه الحِرفة اليدوية لن تبقى مقتصرة بعد اليوم على الرجال، بل ستشارك فيها النساء بأناملهن الذهبية.

- وهل تحضّرين لمشروع يهدف الى تعليم الفتيات السعوديات؟

أطمح لتأسيس مركز أو معهد خاص لتدريب السيدات على تصميم قطع مجوهرات بحِرفية عالية.

- ما هو حجرك المفضل؟

الزمرد الأخضر، فهو يضج بالحياة ويحفّزني على تقديم المزيد من العطاء.