فرانكفورت المدينة الجميلة التي لم تبهتها تجاعيد الزمن

فرانكفورت, ألمانيا, سياحة, طبيعة, قاعة /صالة / غرفة فندق, متحف, السفر

23 نوفمبر 2013

قبل خمس سنوات سألت نفسي: هل سأعود لزيارة فرانكفورت؟ هذه المدينة الألمانية التي يخترقها نهر الماين منذ أن تفجرّت الأنهر قبل آلاف السنين.
رغم أن زيارتي لها في ذاك الوقت كانت خاطفة، فإنها تمكّنت من الإلتصاق بذاكرتي بطبيعتها الجميلة، ومعالمها الرائعة.
عندما تلقيت دعوة من فندق جميرا- فرانكفورت، راودني شيء من القلق والخشية أن يزيل مكوثي في فرانكفورت ثلاثة أيام كل مشاهدها الجميلة التي خزّنتها ذاكرتي، فأحيانًا تجمّل ذاكرتنا ماضينا، وتسقط منه حتى في لاوعينا كل ما هو قبيح، والعودة إلى المكان نفسه سيف ذو حدين، فإما يجعلنا نندم لأنه حرق كل الصور الجميلة التي خزنّاها، وإما يجعلنا نعيش مرة ثانية جذوة السعادة بلقاء الماضي ونضيف المزيد من الصور الرائعة.

                                                            
الأمسية الأولى وتجربة التاكسي

وصلت إلى فرانكفورت مساءً برفقة زميلة لي في الرحلة آتية من لبنان، وركبنا سيارة أجرة.
كان السائق يسابق ليل المدينة الخريفي، وللحظة ظننت إنه بطل سباقات الفورمولا مايكل شوماخر! أخيرًا وصلنا إلى مدخل جميرا - فرانكفورت بعدما حبسنا أنفاسنا على وقع سرعته، لم تفتح البوّابة الخارجية فحاول عبر البوابة الثانية، وطلبت منه أن ينادي البواب، فسألني بلهجة مضحكة ذكّرتني بسائقي الأجرة في الأفلام الهوليوودية «هل لديك نقود» “ You Have money”، بلكنة بدت متوسطية، لا أنكر أنني أردت أن أعرف رد فعله إذا ما قلت له « لا» ولكن خشيت ذلك.
المهم أننا حملنا حقائبنا ومشينا خطوات إلى الفندق، وكان في استقبالنا ماركو الذي رحّب بنا وأعطانا مفتاحي غرفتينا.

لا يخلو بهو فندق جميرا من اللمسة الشرقية في تصميمه، وبالتأكيد التكنولوجيا كانت حاضرة، فالمصعد لا يحتوي على أزرار وإنما لوحة رقمية مثبتة على الحائط الخارجي، تختار عبرها الطبقة التي تريد، فتنافست وزميلة الرحلة على استعمالها، وغرفتينا كانتا في الطبقة العاشرة، فكان الصعود نحو عالم جميرا الداخلي فيه نكهة آخر صيحات التكنولوجيا التي لم تنته عند هذا الحد.

أخيلة قصص الأطفال تتحوّل حقيقة تكنولوجية في غرف فندق جميرا- فرانكفورت
دخلت غرفتي التي بدأت استكشافها قبل النوم، الستائر الكلاسيكية استعمالها إلكتروني رقمي، إذ يكفي أن أضغط الرمز الموجود في اللوحة الرقمية حتى أسدلها وكذلك الأنوار وكل شيء. ولكن المفارقة التكنولوجية الفريدة كانت، تلفزيون المرآة في الحمام، وكأن كاتب قصة «سنو وايت» الألماني جاكوب فايلهيم غريم، عندما تخيّل عام 1812 خالة سنو وايت بجملتها الشهيرة أمام مرآتها السحرية « مرآتي، مرآتي، من أجمل امرأة في العالم؟»، فترد عليها المرآة «سنو وايت»، ألهم مبتكري هذا العصر بإمكانية جعل المرآة بصرية سمعية، فكان التلفزيون الذي أصبح جزءًا منها.
في البداية استغربت وجود بقعة داكنة وسط المرآة، وآلة تحكّم ظننتها لتشغيل المذياع ولكن فجأة انبثقت صورة من المرآة، ضحكت وقلت «مرآتي مرآتي ما لديك من أخبارعن مدينتي الجميلة».


اليوم الأول لقاء بعد غياب

استيقظت على صباح فرانكفورت الخريفي الذي بدا غارقًا في العتمة، فالشمس هنا تظهر على المدينة بعد الثامنة صباحًا، ولحسن حظنا طردت السماء بمؤازرة الرياح والشمس الغيوم الخريفية وأمطارها الخفيفة، مما حمّسني للنزول إلى مطعم الفندق «ماكس أون وان» لتناول فطوري.
خلال الفطور ظهرت ميساء، منظمة الرحلة والعاملة في سلسلة فنادق جميرا، رحبت بنا بابتسامتها الدافئة التي تحمل كل الحنين إلى مدينتها النازفة حمص، فرغم وصولها في ساعات الصباح الأولى من دبي، لم تتردد في النزول والتعرّف إلينا.

بعدما أنهينا فطورنا التقينا بقية أفراد الفريق الصحافي، الريم وعبد العزيز ومرشدنا السياحي ميخائيل، وبدأنا رحلة السير في أحضان فرانكفورت، ففندق جميرا يقع في قلب وسط المدينة التجاري في شارع تسايل Zeil الذي تنتشر على امتداده العديد من المحلات والمتاجر والمطاعم وعلى مسافة أمتار قليلة من الفندق.
فعلى يمين الفندق مجموعة شوارع مرصوفة تحتشد فيها كل بوتيكات دور الأزياء العالمية مثل كريستيان ديور وفيراغامو وشانيل وغيرها، وعلى يساره تقع مقاهي الرصيف والبوتيكات التي تعرض لدور الأزياء ذات الأسعار المتوسطة لأصحاب الميزانيات المحدودة مثلي، والمراكز التجارية الكبرى مثل سي أند أي وبرايم ماركت وغيرها.

وسط المدينة ومتاهة التسوّق
لم تتغير المدينة، وحاضرها لم يلغِ ماضيها القريب الجميل المطبوع في ذاكرتي، تفاصيلها ومعالمها لم تتغير بل ازدادت جمالاً وأناقة.
ومرشدنا ميخائيل يسير بنا وسط حدائق غّناء بناها أثرياء فرانكفورت في أوائل القرن الماضي، وتحوّلت إلى متنزّهات عامة، يمضي الكثير من سكانها وقت استراحاتهم فيها، يستمتعون بجمال مدينتهم التي دُمرّ70 في المئة من معالمها التاريخية خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن القيّمين على المدينة أعادوا بناءها كما كانت على سيرتها الأولى بلسمة عصرية جميلة.
الناطحات والأبراج الشاهقة عددها محدود، ونوستالجيا الماضي هي المنتصرة. فالعصر هنا لم يقزّم الماضي بل تحالف معه لمصلحة مدينة تعتبر مركز ألمانيا الإقتصادي والثقافي. لم أكف عن سؤال ميخائل عن ساحة رومير بورغ التي أعرفها وطبعت أناقة أبنيتها في ذاكرتي، فأكد لي أننا سنزورها.
تناولنا الغداء في أحد مطاعم قصر «ثورن أوند تاكسيس» المواجه للفندق والذي يعود إلى عائلة ألمانية عريقة، كانت تملك بريد فرانكفورت في القرن الثامن عشر، تم تجديده بالكامل وتحويله إلى معلم ترفيهي يضم مجموعة مطاعم وصالة للمناسبات الكبرى تحت الأرض.


 من متحف غوته إلى ساحة رومير برغ

بعد الغداء مررنا بمتحف غوته ولكن لم نتمكن من الدخول إليه لأن الوقت المحدد للزيارة انتهى، فاكتفينا بتأمله من الخارج.
تابعنا المسير نحو ساحة رومير برغ الجميلة حيث الأبنية القديمة و البيوت التقليدية متحلقة حولها ببهاء، تنظر إلى حشود السياح وسكان المدينة، تستمتع بعروض الفنانين الذين اختاروا الساحة لاستعراض مواهبهم، يسعدون المارة إما بعزفهم أو بتمثليهم الإيمائي.
وعلى أطراف الساحة تقع كاتدرائية «دوم» الأثرية من أهم الأبنية الدينية الموجودة في المدينة. كان يجتمع فيها الأمراء من أنحاء البلاد لانتخاب إمبراطور جديد من بينهم.

بعد الساحة توجهنا نحو نهر الماين وصعدنا السلم إلى جسر «إيسرن ستيغ» والمعروف بجسر الحب حيث علقت على درابزينه أقفال الحب التي ترمز إلى أبدية العلاقة بين حبيبين أو زوجين يوثقان علاقتهما من خلال قفل حُفر عليه اسماهما ومفتاحه مرمي في مياه النهر!

على جسر الحب المعلّق بدت لي المدينة والنهر عاشقين كل واحد منهما يروي الآخر بجرعة من الجمال. مفتاحهما لم يرمَ بل بقي سرًا أبديًا. أثناء العودة إلى الفندق تناولنا الآيس كريم في أحد المقاهي الذي يقدّمه بنكهة الفواكه الطبيعية، ثم عبرنا سوق الخضار والمأكولات المسقوف... هنا الألوان الطبيعية تثير فيك شهية تناول الفاكهة خصوصًا أن البسطات رُصّت بشكل أنيق فتبدو الخضر والفاكهة وحتى البهارات واللحوم زينة.

تجربة السبا لا يمكن تفويتها في السفر
في الفندق كنا على موعد مع سبا « تاليز» حيث كانت في انتظارنا جلسة تدليك، المفارقة أنني قد تهت وبدل السبا نزلت إلى النادي الرياضي الموجود في الفندق Premium Fitness First Health Club الذي يمكن لنزلاء الفندق الاستفادة من خدماته مجانًا. جلسة التدليك كانت أكثر من رائعة في سبا تاليز، أعادت النشاط إلي للإستعداد لعشاء لذيذ في مطعم الريان الموجود في مركز تسايل التجاري الملاصق للفندق والذي يمكن الدخول إليه عبر بهو استقبال الفندق. يقدّم المطعم الأطباق اللبنانية، فما كان مني إلا أن امتحنت خبرة الشيف بتحضير التبولة.
وقد انضمت إلينا سامية التي وصلت ظهرًا آتية من ميونيخ، وبدت أنها وقعت في غرام المدينة التي لم تتوقف عن الحديث عن روعتها.
كانت الجلسة مع ريكي مضيفتنا ومديرة العلاقات العامة والتسويق في فندق جميرا، لطيفة جدًا، فريكي كانت حريصة جدًا على أن نكون مرتاحين وسعيدين، وأخبرتنا أن في انتظارنا غدًا مفاجأة.


اليوم الثاني في كواليس لوفتهانزا ودرس الطيران

في صباح اليوم الثاني استيقظت وكلي استعداد لمفاجأة عيد الأضحى التي وعدتنا بها ريكي، وبعدما هنأنا بعضنا باليوم الأول للعيد، جاءت ريكي برفقة آغي، مدير العلاقات في لوفتهانزا في جنوب شرق أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وهنآنا بالعيد وسألانا عن استعدادنا للمفاجأة.
ركبنا الحافلة متوجهين نحو مطار فرانكفورت ولكن ليس للسفر وإنما لاكتشاف كواليس شركة طيران لوفتهانزا. وصلنا إلى الشركة وكان في انتظارنا هانس، وهو طيار متقاعد أخذ على عاتقه الإهتمام بزوار لوفتهانزا.
المفاجأة كانت Flight Simulator، أي ركوب مجسم يشبه مقطورة قبطان الطائرة الحقيقية وخوض تجربة الإقلاع والهبوط كمساعد طيار بأسلوب ثلاثي الأبعاد.
الشعور فريد من نوعه، وشعرنا أنا وميسا ولبنى بأننا فعلاً نطير، رغم أن مجسم الطائرة لم يتحرك من مكانه.
لثلاثين دقيقة تقمصت دور الطيار رغم التحليق الإفتراضي، وبحسب ما قاله لنا الطيار أن تعليم قيادة الطائرة يكون على هذا النحو وأن الطيارين في لوفتهانزا يتلقون هنا الدروس، ويجرون التمارين.

بعد درس الطيران عقدنا اجتماعًا مع آغي الذي عرفنا إلى تاريخ لوفتهانزا والخدمات التي توفرها على طائراتها حول العالم. ولفتني موضوع نادي أطباء لوفتهانزا الذي ينضم إليه الركاب الأطباء، فيحوزون مميزات.
فأحيانًا يستعين طاقم الطائرة بطبيب مسافر لمساعدة أحد الركاب. ولتجنب استغلال بعضهم ممن يدّعون قضائيًا أحيانًا على الطبيب المسافر الذي ساعدهم بحجة أنه آذاهم عن غير قصد، كما حدث في إحدى المرات، توفر لوفتهنزا بوليصة تأمين صحي إذا أراد أحدهم مقاضاة الطبيب، فلا يكون على الطبيب المسافر أي مسؤولية.
بعد الإجتماع تناولنا الغداء في مطعم الشركة المخصص للموظفين والذي يوفر كل أنواع الطعام الصحي بأسعار مخفضة.

بعد الغداء توجهنا إلى الكاراج حيث يتم صيانة طائرات الشركة، الإجراءات الأمنية مشدّدة إلى درجة أننا لم نعرف كيف ظهر فجأة أمامنا رجال الأمن حين أردنا التقاط صورة بالقرب من طائرة متوقفة في إحدى باحات مدرج المطار. أكملنا الطريق نحو الكاراج بعدما منينا بخيبة أمل التقاط الصورة.

من الجميل أن تعرف كيف تتم صيانة الطائرات وتدخل في كواليس عالم ميكانيك الطيران وتعرف خباياه، فتضيف إلى ثقافتك جزءًا ميكانيكيًا وتشعر بالغبطة لأنك تتذكر المعادلات الفيزيائية التي درستها في المدرسة، وترى بأم عينيك كيف تطبق على أرض الواقع، هذا ما حدث معي.
صعدنا إلى طائرة إيرباص 380 أي، وتعرفنا إلى كل مميزاتها، لا سيما درجة رجال الأعمال والدرجة الأولى اللتين توفران كل سبل الراحة والرفاهية لركابهما، فالمقاعد تتحول سريرًا كاملاً والأنوار تتبدل بحسب تواتر الليل والنهار.
زملاء الرحلة القادمون من دبي عاشوا هذه التجربة، ولكني ولبني رغم أننا سافرنا على درجة رجال الأعمال لم نحظ بهذه التجربة لأن مقصورة رجال الأعمال للطائرة التي تحلق بين بيروت وفرانكفورت صغيرة وبالتالي يعتبرون أن السفر بين المدينتين محليًا، فثلاث ساعات ونصف الساعة ليست بالكثير، كما قال لي آغي اثناء الإجتماع، وليست بيروت وحدها بل عمّان في الأردن ودمشق والقاهرة وفلسطين، والسبب الحفاظ على البيئة، فالطائرات الكبيرة تستهلك الوقود المضر بالبيئة.
ولكنهم يعملون على إيجاد مخرج لهذه المعضلة في ظل التنافس الكبير بين شركات الطيران.

انتهت زيارتنا للشركة وعدنا أدراجنا إلى الفندق، حيث قررنا التسوّق. تعتبر فرانكفورت فردوس التسوق، فهي موجّهة لجميع الميزانيات، مما يعني أنك لن تشعر بالغصة، بل تطلق العنان لبطاقة الإتمان تأخذ مجراها في طريق التسوّق.
ولا عجب أنني وجدت نفسي وسط حشود متسوقين كانوا من جنسيات مختلفة، العربي والتركي والأوربي (غير الألماني) والصيني والياباني، وكأني في برج بابل وكأنما العالم اجتمع في وسط فرانكفورت التجاري، ورغم أن المحلات تغلق عند الساعة الثامنة فإنها تغض الطرف عندما يكون الزبائن في البوتيك.

بعد التسوق قمنا بجولة استكشافية لأجنحة الفندق وغرفه التي تجمع بين الرفاهية والترف في التصميم. كل تفصيل فيه مدروس بشكل يشعر النزيل بأنه في منزله وليس في فندق.

أنهينا يومنا الثاني في فرانكفورت بعشاء مميز في مطعم «ماكس أو وان» بصحبة ريكي وآغي. وقد قدّمت لنا ريكي زجاجة عسل يصنعونه في منحلة الفندق الموجودة في الطبقة الأخيرة. مما يعني أن العسل نقي مئة في المئة.

عدت إلى غرفتي استعدادًا لليوم الثالث في أجمل مدن ألمانيا وأكثرها حيوية، فغدًا سوف نعيش مغامرة في كروم العنب في ألتفيت Eltville. فسألت مرآتي السحرية كيف ستكون هذه البلدة.

 

عناوين مهمة

للحجز في فندق جميرا فرانكفورت
متحف غوتيه
متحف الفن المعاصر


معلومة

من قال إن الألمان لا يتمتعون بروح النكتة! فهانس جعل الضحكة رفيقتنا طوال جولتنا في كواليس شركة لوفتهانزا، فقد كان يقول لنا المعلومات بأسلوب طريف ممتع.

إذا رغبت أن تجول في فرانكفورت على دراجة هوائية يمكنك استئجار واحدة  بكلفة 4 يورو في اليوم.

لا تنسي تناول الشاي الأخضر في فرانكفورت فقد أصبح عادة سكان المدينة يتناولونه قبل الغروب.

CREDITS

إعداد: شكر خاص لهيئة السياحة في فرانكفورت، وطيران لوفتهانزا وفندق جميرا- فرانكفورت على حسن ضيافتهم.