هند صبري: لولا زوجي وأمي لما حققت كل هذا النجاح

الجونة (مصر) – محمود الرفاعي 09 نوفمبر 2019

تعيش الفنانة التونسية هند صبري حالة من السعادة بعد أن اقتنصت جائزة أفضل ممثلة من مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثالثة، عن دورها في الفيلم التونسي "نورا تحلم"، وذلك بعد أيام معدودة على النجاح الساحق الذي حققه فيلمها المصري" الفيل الأزرق" في جزئه الثاني، بحيث تخطت إيراداته حاجز الـ100 مليون جنيه مصري."لها" التقت هند صبري في حوار، تحدّثت فيه عن كواليس أفلامها الثلاثة الأخيرة: "نورا تحلم"، "الفيل الأزرق" و"الممر" الذي شاركت فيه كضيفة شرف، وعبّرت من خلاله عن شعورها بعد حصولها أخيراً على جائزة أفضل ممثلة من مهرجان الجونة عن فيلمها "نورا تحلم"، كما كشفت عمّا طلبته منها مخرجة الفيلم وصدمها في البداية، وتحدثت عن ابنتيها "عليا" و"ليلى"، ودور زوجها ووالدتها في نجاحها.


- بمَ شعرتِ بعد حصولك على جائزة أفضل ممثلة في الدورة الثالثة من مهرجان الجونة السينمائي عن دورك في فيلم "نورا تحلم"؟

هو شعور لا يوصف، فهذه الجائزة من أهم الجوائز التي حصلت عليها في حياتي، وهنا لا بد من أن أوجّه الشكر الى كل القائمين على مهرجان الجونة ولجنة تحكيمه، والى جميع الفنانين المشاركين في الفيلم، والذين كانوا سبباً في حصولي على هذه الجائزة التي ستشجّعني دائماً على تقديم الأفضل.

- كيف بدأت العمل في هذا الفيلم؟

بدأت العمل على الفيلم خلال حضوري العام الماضي الدورة الثانية من مهرجان الجونة السينمائي، حيث تعرفت هناك إلى المخرجة هند بو جمعة التي نالت وقتذاك جائزة منصّة الجونة، والتي تهدف إلى دعم المشروعات الفنية التي تحتاج الى دعم مادي، فعرضت عليَّ فكرة فيلم "نورا تحلم"، وبعد أن اطّلعت على تفاصيله تحمسّت كثيراً للمشاركة فيه ووافقت على تقديم شخصية البطلة، خاصة أنني لم أشارك في أي عمل سينمائي تونسي لسنوات عدة، ورأيت أن فيلم "نورا تحلم" هو أفضل عمل يمكنني من خلاله العودة الى جمهوري التونسي بعد طول غياب.

- سمعنا أنك قمتِ بتجارب أداء من أجل تجسيد شخصية "نورا"، فما السبب؟

أكثر ما فاجأني أو بالأحرى صدمني هو طلب هند بو جمعة مني القيام بتجارب أداء لكي تتأكد من أنني مناسبة للدور أم لا، ولا أنكر أن طلبها هذا صدمني في البداية، لأنني أحترف التمثيل منذ ما يقارب الـ 20 عاماً، وأتمتع بخبرة واسعة في مجال الفن، ونظراً لأنني فنانة محترفة كان من الضروري أن أحترم وجهة نظر هند لكونها المخرجة، فأدّيت تجارب الأداء برحابة صدر، لأن هند من المخرجين المستقلين الذين لا يهتمون ببريق نجومية الممثلين بمقدار ما يركّزون على أهلية الممثل للدور، وقد فزت فعلاً بالدور بعد عمل التجارب التي مكّنتي من ملامح الشخصية الشكلية والنفسية.

- بعد عرض الفيلم في ثلاثة مهرجانات هي "تورنتو" و"سان سيباستيان" وأخيراً "الجونة السينمائي"، هل اختلف استقبال الجمهور له؟

أبرز ما رأيته من المشاهدين هو "الخضة" التي انتابت كل من فهم تفاصيل الفيلم، فمثلاً لدى عرضه في مهرجان "تورنتو" شعرت أن الجمهور "مخضوض" بعد مشاهدته، وفي مهرجان "سان سيباستيان" كان استقبال المشاهد الأوروبي للفيلم مخيفاً، بحيث استمر الجمهور بالتصفيق لعشر دقائق متواصلة، أما عرض الفيلم في مهرجان "الجونة" فأعادني الى الجوائز.

- هل جازفت هند صبري بتقديم فيلم مع مخرجة جديدة مثل هند بو جمعة؟

لا أنظر الى الأمور على هذا النحو، فأنا فنانة أقدم كل ما يلامس مشاعري وأشعر نحوه بالنجاح والتفوق، فمثلاً هذا العام قدّمت فيلماً من الأفلام الضخمة والتي صُرف عليها ملايين الجنيهات، مثل "الفيل الأزرق"، ومع نجوم كبار من أمثال كريم عبدالعزيز، وفي الوقت نفسه لا بد من أن أشارك في تلك المشروعات الصغيرة التي تقدّم أفكاراً جديدة ومختلفة، مثل "نورا تحلم"، ولا مشكلة لديّ في التعاون مع مخرجين ومؤلفين جدد، لأننا كنا في يوم من الأيام صغاراً ونحتاج إلى من يدعمنا لتحقيق النجاح، وأنا مسرورة بالجائزة التي حصلت عليها عن فيلم "نورا تحلم"، وأتمنى الفوز بجوائز عن كل أفلامي.

- البعض عاب على الفيلم أنه يدور في فلك الحياة التونسية فقط، فما ردّك؟

هو فعلاً فيلم تونسي يكشف أسرار الشارع التونسي وكواليسه، والحياة الصعبة التي يعيشها البعض في تونس، ولكن قصة الفيلم لا تنطبق على التوانسة وحدهم، بل تشمل مختلف شعوب العالم، فما حصل مع نورا في سياق أحداث الفيلم والظروف التي مرت بها، هو معاناة يمكن أن تعيشها آلاف النساء حول العالم، وقد فوجئت بترحاب الناس الشديد بالفيلم حين عُرض في مهرجانات عالمية، كما سُررتُ بالإشادات التي حظي بها الفيلم بعد عرضها في مهرجان "تورنتو".

- ألم يقلقك الظهور في الفيلم بدون ماكياج؟

أبداً، لأنني أعشق تقديم الأدوار المستفزّة والتي تختلف عن شخصيتي كلياً، ولو شاهدت أعمالي السابقة ستجد عشرات الأدوار التي أدّيتها بدون ماكياج، مثل "أحلى الأوقات" و"الجزيرة" و"أسماء" و"إبراهيم الأبيض"، فما يهمّني هو النجاح، وفي فيلم "نورا تحلم" ظهرت على طبيعتي، بل اضطررت للعبث بوجهي وشعري وأظفاري، فصبغت شعري بلون بشع، ولوّنت أظفاري بطلاء منفّر، وتركت وجهي بلا ماكياج ليظهر متعباً وشاحباً وخالياً من الجمال والنضارة، حتى أقترب من شخصية نورا الكادحة والمهمومة، والتي لا تجد وقتاً لغسل وجهها والعناية ببشرتها وشعرها وملابسها.

- كيف تقيّمين أوضاع السينما التونسية الحالية فنياً؟

في تونس كوادر وطاقات فنية قوية في صناعة السينما، ولذلك نرى من حين إلى آخر أفلاماً تونسية تنافس في مهرجانات عربية وعالمية، لكن الأزمة الحقيقية التي تواجه صناعة السينما التونسية هي قلة دور العرض، فنحن لا نملك سوى 20 دار عرض يقصدها عشرة في المئة من الشعب التونسي فقط، حتى إن بعض المحافظات والمدن التونسية ليس فيها دار عرض واحدة، علماً أن الجمهور التونسي متعطّش لارتياد دار السينما المستقلة؛ ونحن لا نجد صناعة سينمائية مستقلة متقدمة وسوقاً تجارية رائجة إلا في مصر وحدها من بين الدول العربية كلها.

- هل نفذت فيلم "نورا تحلم" قبل الشروع في تصوير "الفيل الأزرق"؟

نعم، صوّرت "نورا تحلم" قبل تصوير فيلم "الفيل الأزرق" مع المخرج مروان حامد، وقد أخبرته بذهابي إلى تونس لتصوير الفيلم، وكان هو من أبرز داعميّ.

- "لا تخافوا ولكن احذروا"... جملة في سياق حوار في فيلم "الفيل الأزرق"، عبارة أحدثت انقلاباً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فهل كنت تتوقعين هذا الدويّ؟

قبل الحديث عن نجاح الجزء الثاني من فيلم "الفيل الأزرق"، لا بد من أن نذكّر الناس بأن الجزء الأول من الفيلم الذي عرض عام 2016، حقق إيرادات فاقت 50 مليون جنيه مصري، وكان في ذلك الوقت رقماً قياسياً، وهذا العام ومع طرح الجزء الثاني، حقق الفيلم 100 مليون جنيه، فالفيلم ناجح بسبب الإمكانات التي جُنّدت له، وبفضل صنّاعه سواء كريم عبدالعزيز أو المؤلف أحمد مراد أو المخرج مروان حامد. وكم كانت سعادتي غامرة وأنا أنطق بتلك الجمل التي كنت أردّدها في الفيلم بحماسة قلّ نظيرها، فلم أكن أتوقع كل هذا النجاح لها، سواء كانت "إوعى تنام يا يحيي" أو "لا تخافوا ولكن احذروا".

- كيف كانت كواليس العمل الذي جمعك بكريم عبدالعزيز ونيللي كريم؟

دائماً ما تكون الكواليس ممتعة حين يكون العمل صعباً ومجهداً، فكريم من الشخصيات اللطيفة وذو حس فكاهي، وأنا سعيدة للغاية لأنني وكريم ونيللي من جيل واحد، وهذه المرّة الأولى التي نجتمع فيها معاً.

- هل وجدت صعوبة في تقديم شخصيتين في فيلم واحد حين جسّدت شخصيتَي "فريدة" و"لوليا" في فيلم "الفيل الأزرق"؟

بالطبع، الأمر كان مرهقاً ومتعباً للغاية، واستلزم مني تركيزاً عالياً ومجهوداً كبيراً، لاختلاف طبيعة كلٍّ من الشخصيتين، وحتى يلمس الجمهور الفارق بينهما، والحمد لله حقق العمل النجاح الذي كنت أتمناه ويستحقه ولامس مشاعر الجمهور في الشارع العربي.

- ماذا عن تخوفك من شخصية "فريدة" التي جسّدتِها في الفيلم؟

في طبيعتي لا أخشى تجسيد أي دور، لأن موافقتي على أي دور هي بمثابة تحدٍ لنفسي، وخصوصاً شخصية "فريدة" في هذا الفيلم، فلها طبيعة خاصة وفيها جانب من الغموض والإثارة.

- هل أنت صاحبة الشكل الأخير الذي ظهرت به شخصية "لوليا" أمام الجمهور؟

هناك فريق عمل ضخم كان يعمل على تلك الشخصيات، وكانت التحضيرات التي تسبق التصوير تستغرق يومياً ثلاث ساعات من العمل المتواصل، وهنا لا بد من أن أشكر فريق العمل على جهوده التي أثمرت عن فيلم ناجح، وهم مصمّمة الأزياء ناهد نصر الله وفريقها، ومصمّمة الحُلي دينا سليمان، وزينة حسني التي صمّمت ملابس "فريدة"، ومصمّم الخدع البصرية طارق مصطفى وفريقه... للأمانة، كل منهم أبدع وتفانى في عمله حتى خرج الفيلم بأبهى صورة.

- هل قابلت أشخاصاً في الواقع تعرضوا لمثل هذا النوع من السحر؟

من منّا لم يقابل أشخاصاً أصابهم الجنون أو عانوا أمراضاً نفسية؟! فالسحر والمسّ مذكوران في القرآن الكريم.

- ما أصعب المشاهد التي جسّدتها في "الفيل الأزرق"؟

كل مشاهدي في الفيلم كانت صعبة، لكنني لم أطلب تغيير أو إلغاء أي مشهد، فأنا كما قلت أحبّ خوض التحدّي مهما بلغت صعوبة المشهد.

- ابنتاك "عليا" و"ليلى" هل ستشاهدان الجزء الثاني من "الفيل الأزرق"؟

لا أقدّم أعمالاً لا تشاهدها ابنتاي، لكنهما ستتابعان "الفيل الأزرق" بعد سنوات عدة، لأنه فيلم رعب، وهما لا تزالان صغيرتين على هذا النوع من الأفلام.

- ما رأيك بالعمل مع المخرج مروان حامد؟

مروان صديق عزيز على قلبي حتى قبل أن نعمل معاً، فقد قدّمنا فيلمين من الأفلام المهمة في مسيرتي الفنية، هما "عمارة يعقوبيان" و"إبراهيم الأبيض"، وهذا هو التعاون الثالث بيننا، وأنا سعيدة بالعمل معه لأنه مخرج له مدرسته الخاصة.

- في الجزء الثاني من فيلم "الكنز" جسدت دور الملكة الفرعونية المصرية "حتشبسوت"، هل تتمنين تقديم شخصية فرعوينة مثلها في عمل ضخم؟

بالتأكيد، لأن تلك الشخصيات عاشت حياة مليئة بالأحداث، وستكون كل عناصر الدراما الناجحة متوافرة فيها.

- هل اختفت البطولة النسائية أخيراً؟

لا أؤمن بهذه المقولة، وهناك أفلام كثيرة تولّيت أنا فيها دور البطولة أو ياسمين عبدالعزيز أو منى زكى، لكن السوق تتجه اليوم الى الأفلام الضخمة التي تجمع أكثر من نجم ضماناً لجذب الجمهور أكثر.

- بعد أن شاركت في لجنة تحكيم مسابقة العمل الأول في مهرجان "فينيسيا"، ما تقييمك للأفلام العربية التي عُرضت هناك؟

أحببت كثيراً الفيلم السوداني "ستموت في العشرين"، خصوصاً أنه جاء من بلد يفتقر الى صناعة السينما، ربما هو أول فيلم سوداني أشاهده في حياتي، وقد نال إعجابنا جميعاً، بمن فينا أمير كوستوريكا الذي يعدّ من أهم المخرجين في العالم، كذلك أعجبني الفيلم التونسي "بيك نعيش"، وكل ما علينا فعله هو الإيمان بطاقات الشباب في الوطن العربي والثقة في مواهبهم، فليس شرطاً أن يكونوا على جانب من الخبرة حتى يصنعوا عملهم الأول، بل المهم أن تكون لكل منهم رؤيته الخاصة.

- لماذا وافقت على المشاركة كضيفة شرف في الفيلم المصري الملحمي "الممر"؟

كما تقول، هو فيلم ملحمي يسرد بطولات الجيش المصري ودوره في حرب الاستنزاف، وهذا النوع من الأعمال نادر في السينما العربية، والظهور فيها سيخلّد صاحبه الى الأبد، وبالنسبة إليّ فقد وافقت على المشاركة كضيفة شرف في الفيلم لإيماني القوي بدور المرأة العربية في تسطير البطولات العسكرية في كل الدول العربية، فأنا قدّمت دوراً يُبرز دور المرأة في الحرب، وقدرتها على تحمّل الصعاب وتدبير شؤون المنزل طوال فترة غياب زوجها البطل الذي يحارب من أجل الوطن... وبعيداً من قصة الفيلم، في داخلي شوق للعمل من جديد مع زميلي الفنان أحمد عز، والذي قدّمت معه منذ ما يقارب الـعشرين عاماً أول بطولة سينمائية لنا في فيلم "مذكرات مراهقة"، بالإضافة إلى أنه تعاون جديد مع المخرج الكبير شريف عرفة، كما أنها ليست المرة الأولى التي أقبل فيها دور ضيفة شرف، فقد سبق لي أن ظهرت في مشهد واحد في فيلم "لا مؤاخذة"، وفي فيلم WHAT EVER LOLA WANT للمخرج التونسي نبيل عيوش، وأؤكد أن "الممر" فيلم فريد من نوعه وغير مسبوق في تاريخ السينما العربية، فهو ملحمي، ودائماً يخاف المنتجون من خوض مثل هذه التجارب المكلفة، وهذه الفرصة الذهبية لا تأتي مرتين في هذا الإطار.

- هل من أعمال جديدة تحضّرين لها حالياً؟

بعد نوعية الأدوار التي جسّدتها أخيراً في أفلام: "نورا تحلم" و"الفيل الأزرق" و"الكنز" و"الممر"، أرغب في العودة الى تقديم الأعمال الكوميدية، فأنا مشتاقة إليها كثيراً.

- ماذا عن دور زوجك في حياتك الفنية؟

لولا دعم زوجي ووالدتي لي لما حققت كل هذا النجاح، فلهما كل الفضل في ما أنا عليه اليوم، ولذلك حرصت على إهدائهما الجائزة فور حصولي عليها، كنوع من ردّ الجميل لهما.

- لماذا يبتعد زوجك عن الأضواء؟

لأنه من الأشخاص الذين لا يحبّون الشهرة.

- هل صحيح أنك تحجبين ابنتيك عن الأضواء خوفاً من الحسد؟

"عليا" و"ليلى" ما زالتا صغيرتين، ولا يحق لي أن أعرّضهما للأضواء والشهرة، لأنهما حين تكبران ربما ترفضان فكرة الأضواء، فأنا لا أريد أن أسرق طفولتهما بوضعهما دون رغبتهما أمام الكاميرات، وأنتظر الى أن تكبرا لتحدد كلٌ منهما مصيرها وترسم مستقبلها بنفسها.