wander women مبادرة فريدة: رحلات نسائية للبحث عن السعادة

القاهرة - جمال سالم 08 أبريل 2020

قديماً قالوا "إذا لم تجد السعادة فاصنعها"، هذا الشعار آمنت به مجموعة من الزوجات من مختلف الأعمار وقرّرن تحويله إلى مبادرة نسائية خالصة بعنوان wander women هدفها بث السعادة في نفوسهن ونفوس أسرهن، ونسيان الهموم والمشكلات واستبدالها بالطاقة الإيجابية. فما هي قصة هذه المبادرة؟ وكيف تطورت؟ وماذا تقول عضواتها؟ وما هي فوائدها للمشارِكات معهن واللواتي يزيد عددهن على الألف سيدة؟ وكيف يمكن تعميمها عربياً؟

‏‎‎

في البداية تقول أمنية عفيفي، صاحبة المبادرة: "أنا خرّيجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتزوجة من مدير مبيعات في إحدى الشركات، وعندي ثلاثة أولاد، وقد راودتني الفكرة منذ حوالى ثلاث سنوات، حين توفيت أختي الصغرى فجأة، وكنت متعلّقة بها كثيراً، لدرجة أنني أُصبت بالاكتئاب وعشت في عزلة عن العالم، إلى أن ألحّت عليَّ صديقاتي لكي نخرج معاً ونرفّه عن أنفسنا، فخرجت معهن وشعرت ببعض الارتياح النفسي، نسبياً، وتكرر خروجنا معنا، وانعكس ذلك إيجاباً علينا وعلى أسرنا، بحيث توطّدت علاقتنا بأزواجنا وأولادنا وجيراننا وزملائنا في العمل، باختصار وجدنا السعادة في الخروج الجماعي".

وتضيف أمنية قائلةً: "ومع مرور الأيام، أصبح الخروج عائلياً، بحيث انضم إلينا أنا وصديقاتي، أزواجنا وأولادنا وآباؤنا وأمهاتنا وحمواتنا، وغمرتنا السعادة جميعاً، بعدها فكرتُ أنا وعدد من صديقاتي، لماذا لا نبلور هذه الفكرة في مبادرة؟! وكان لنا ما أردنا، واخترنا للمبادرة اسم "Wander Women"، لتكون للنساء فقط، وخاصة المتزوجات خلال فترة ذهاب الأولاد الى المدرسة والأزواج الى العمل، بحيث تبدأ الرحلة في تمام الثامنة صباحاً وتنتهي في الثانية ظهراً، تزور النساء خلالها الأماكن السياحية والشعبية والترفيهية، وعندما بدأنا الإعلان عن فكرة المبادرة، وجدنا تجاوباً غير عادي من السيدات اللواتي كسرن شعور الإحساس بالذنب، وأكّدن أنهن يقمن بنشاطات تسعدهن بدون مشاركة أزواجهن وأولادهن، وأن سعادتهن الشخصية تنعكس إيجاباً على أفراد أسرهن".

تضحك أمنية عفيفي وهي تتذكر التنفيذ العام للمبادرة وتقول: "تطورت الفكرة، وأصبحت لها مواعيد منتظمة وشهدت إقبالاً كبيراً، حتى أن قائمة الانتظار لدينا باتت طويلة بعد تخصيص صفحة لها على "فايسبوك"، خصوصاً أننا نهتم بالكيف وليس بالكم، لتكون الرحلة بأعلى مستوى من التنظيم والفائدة، وقد اضطررنا للاعتذار من مئات السيدات الراغبات في المشاركة معنا، لأننا نفضل ألاّ يتجاوز العدد في أي رحلة الخمسين أسبوعياً، وتكون الأفضلية للسيدات الأكثر مشاركةً معنا في الرحلات".

وتتحدث أمنية عفيفي عن أهداف المبادرة وتطورها للأفضل، فتوضح: "فريق Wander Women مكوّن من خمس عضوات متزوجات، ولديهن أولاد، ونشعر بالسعادة ليس لأن رحلاتنا تقتصر على الأماكن الترفيهية، بل لأننا نحرص على زيارة معظم المناطق الأثرية والشعبية في القاهرة والمحافظات، بهدف تثقيف أنفسنا، كما نخطط لاستكشاف مواطن الجمال في مصر وخارجها مستقبلاً، كما نحرص على التواصل الإيجابي مع الناس البسطاء في الأماكن التي نزورها، فيدعون لنا بالخير لأننا نرسم البسمة على وجوههم من خلال الكلام الحسن والتصوير معهم والإشادة بالأعمال اليدوية التي يقومون بها، فمثلاً نقف أكثر من 50 سيدة أمام عربة فول وطعمية، أو نجلس في مقهى بلدي، أو نشتري منتوجات يدوية، أو نصعد الى مركب في النيل يأخذنا في رحلة من القاهرة الى الأقصر وأسوان، ونعمل دعاية لصاحب المركب على "فايسبوك" ليستقطب الناس إليه، وبذلك نكون مصدر رزق وسعادة لغيرنا من المكافحين في مختلف المهن".

وتُكمل أمنية حديثها مؤكدةً: "إذا شعرت الزوجة بالضيق وأصبحت عصبية، فيتأثر أفراد عائلتها بحالتها المزاجية، وإذا كانت سعيدة فستنقل سعادتها الى أسرتها، وقد طبّقنا ذلك عملياً، حتى أن الأزواج والأولاد اتّصلوا بنا وشكروا جهودنا التي ساهمت في إسعاد الزوجة أو الأم، مما أوجد نوعاً من الحوار والتفاعل الإيجابي، لأنني أؤمن بمقولة أن "المرأة إما "نور" تنير به حياتها وحياة أسرتها، أو "نار" تحرق نفسها وأسرتها بها"، ولهذا دشّنت مبادرة Wander Women".

وتنهي أمنية كلامها قائلةً: أحب القراءة في التاريخ بوجه عام، وتاريخ مصر بوجه خاص، لكن حين لاحظت أن أولادي وزملاءهم ليس لديهم انتماء كافٍ الى البلد، ولا يشعرون بهموم البسطاء، لأنهم يعيشون في أماكن بعيدة عنهم ولم يشاهدوا كنوز مصر الأثرية والتاريخية التي يأتي إليها السيّاح من مختلف دول العالم، آمنت بأهمية المبادرة التي تعرّف المشارِكات فيها بقيمة مصر، عندما يزرن الأماكن المميزة فيها، كما نخطط لتنظيم رحلات نسائية الى الخارج".

طاقة إيجابية

تنفي إيمان أمين، عضو المبادرة والعقل المدبّر لها من حيث التنظيم والتنفيذ، أن يكون للرحلات الأسبوعية التي تنظّمها "Wander Women" للسيدات كل أربعاء، أي تأثير سلبي في أداء الزوجات والأمهات فيقصّرن في واجباتهنّ تجاه أسرهنّ، بل العكس هو الصحيح، بحيث يصبحن أكثر نشاطاً وحيوية، بعد تفريغ الطاقات السلبية الناجمة عن جلوسهن في المنزل وخدمة أسرهن وعدم تغيير نمط حياتهن.

وتعبّر إيمان عن سعادتها وعضوات المبادرة إذا عمدت نساء أخريات الى تقليدهن، لأن الفكرة ليست حكراً عليهن، بل هي مبادرة عامة، ويتمنّين تعميمها، ليس في مصر فقط بل كل الدول العربية، لأن هموم النساء العربيات واحدة، ويجب التخفيف منها بمبادرات تهتم بهن، مثل مبادرة المصريات، لأن السيدات هنّ مصدر السعادة في الحياة، والفكرة بدأت تنتشر وتنال إعجاب كثيرات، وهذا ما تتمناه صاحبات المبادرة، لأنهن يهدفن الى إسعاد المرأة في كل مكان، وتتسم عضوات فريق المبادرة بالعطاء والبُعد عن الأنانية، فليس مهمّاً أن نرفع راية سعادة المرأة، بل الأهم أن نرفع راية السعادة في كل مكان وزمان".

وتؤكد إيمان أنها سعيدة جداً بعملها، وقد انعكست سعادتها على علاقتها بزوجها، الذي يعمل مديراً في شركة كبرى، ورغم أنه كثير الأسفار، يحرص على التنسيق معها في موضوع الرحلات ورعاية البنات في فترة الرحلات، سواء القصيرة أو الطويلة، كما تؤدي إيمان دوراً ديبلوماسياً إذ تسعى الى التعامل المريح مع كل سيدة، وتحرص على مراعاة اختلاف الطباع، وتحاول تغيير الانطباع السلبي عن السيدات بأنهن "نكديات"، وقد نجحت المبادرة في تغيير هذه النظرة السلبية عن المرأة واستبدالها بطاقة إيجابية.

التعامل بدبلوماسية

وعن كيفية التعامل مع أي مشكلة قد تحدث بين السيدات خلال الرحلة، بسبب اختلاف الطباع، تقول ريهام نبيل، عضو مؤسّس في المبادرة، التي تصفها عضوات المبادرة بأنها "القلب النابض" بالمسؤولية والعاطفة وإضفاء حس الأنوثة على الرحلات في التعامل مع السيدات: "لقد تولدت لدينا خبرات عملية، بالإضافة إلى القراءة عن كيفية التعامل الأمثل مع الشخصيات المختلفة، واحتوائها وتمرير المواقف وجبر الخواطر وتطييبها، ومعاملة كل شخصية بما تحب، وكيفية السيطرة على المواقف بدبلوماسية وذكاء، وإزالة أي سوء تفاهم فوراً، وإضفاء الجو الأنثوي المرح، كما نجحنا في تغيير الصورة النمطية السلبية عن علاقة الزوجة بحماتها، لتشعر الحماة بأن كنّتها كابنتها، وتشعر الزوجة بأن حماتها كوالدتها، وأنا شخصياً لمست التأثير الإيجابي لهذه الرحلات في علاقتي مع زوجي، الذي يعمل مديراً في شركة شحن، وكذلك ابنيَّ، فهم جميعاً سعداء ومتفهمون لطبيعة المبادرة، لأنهم لاحظوا تغيراً عملياً إيجابياً في حياة العائلة". وتضيف ريهام قائلةً: "نحن نتبادل الأدوار باستمرار، ونعمل بروح الفريق المحبّ لعمله، ولسنا شركة سياحية هدفها "البيزنس"، بل مجموعة من النساء الباحثات عن السعادة في السفر، وبالكاد نحقق الاكتفاء الذاتي من تكاليف المبادرة، أي أنها لا تشكّل مصدر دخل لنا، إنما نمارس من خلالها عملاً نحبه ونسعد به الأخريات".

تصوير السعادة

إنجي عفيفي ودينا هاني، المشاركتان في المبادرة "اللتان ترصدان وتسجلان تفاصيل الرحلات بالصوت والصورة"، من خلال تصوير الفيديو والفوتوغرافيات ونشرها على صفحة المبادرة على "فايسبوك"، تؤكدان أنهما سعيدتان بعملهما، الذي يمثل "ذاكرة المبادرة"، وتقولان: "ننشر التعابير الصادقة للوجوه السعيدة، حتى أن كثيراً من السيدات اللواتي لا يحببن التصوير، تغيرت نظرتهن إلى هذا الفن بعدما رأين كيف تحولت ملامحهن، من خلال تعليقات المشارِكات في الرحلات، ولعل أشدها تأثيراً قول إحداهن "صالحتُ بكم الحياة"، وقالت أخرى "أنتم هدية ربّنا لي في الوقت المناسب"، وقالت ثالثة "حياتي معكم كلها دلع وحب وتفاؤل"، وقالت رابعة "شتّان ما بين حالتي مع زوجي وأولادي قبل المشاركة في المبادرة وبعدها".

وتشير دينا وإنجي، إلى أنهما تفكران في إنشاء قناة على "يوتيوب" مستقبلاً، لعرض كل ما تصوّرانه في الرحلات، لتكون ذكرى جميلة للمشارِكات، حتى أن أيّ واحدةٍ يمكنها الرجوع إليها وقت شعورها بالضيق، لتسترجع الذكريات السعيدة وتخرج من أزمتها النفسية، وخاصة أننا صورنا المشارِكات في كل الأماكن الأثرية المصرية الشهيرة، كالأهرامات وسقارة والأقصر وأسوان والمناطق الشعبية والراقية على حد سواء، مثل خان الخليلي والحسين والخليفة والخيامية ودار الأوبرا والعديد من المسرحيات الجماعية.

‏‎وتنهي محدّثتانا دينا وإنجي كلامهما بالتأكيد على التطور الذي شهدته المبادرة أخيراً، حيث بتن ينخرطن في "كورسات" علمية وثقافية مفيدة، ويتواصلن مع منظميها، وكذلك عمدن إلى تنظيم صالون "Wander Women الثقافي" في الحدائق العامة، مثل "حديث الأزهر والأندلس"، بحيث تقرأ كل منتسبة كتاباً مختاراً بعناية وتعرض ما فيه من أفكار وتطرحها للمناقشة بين المشارِكات في الرحلة، كما تنظّم المشارِكات رحلات سفاري ومبيتٍ في الصحراء وتحاضر متخصصات في شتى المجالات، مثل العلاج بالفن، والرسم بالألوان، والتنمية البشرية ومسابقات المواهب وغيرها، مما يجعل رحلاتنا تجمع بين الترفيه والثقافة والتعليم.

الحياة المثالية

تُثمّن الدكتورة أسماء مراد الفخراني، خبيرة التنمية البشرية وأول وأشهر مدرّبة أنوثة في مصر، الفكرة العبقرية للمبادرة، التي يمكن أن تنفذها أي مجموعة من السيدات في أي بيئة وبأقل الإمكانيات، حسب ظروفهن الاجتماعية والاقتصادية، فإذا أرادت المرأة أن تعيش حياة مليئة بالفرح والرضا، فما عليها إلا أن تجعل التفاؤل والسعادة منهجاً وهدفاً تسير عليه، لأن بالتفاؤل تتحقق السعادة، وبالسعادة يتحقق الرضا، فهما من أساسيات الحياة المثالية التي يتمناها كل إنسان، وقد قال أحد الحكماء "السعادة لا تهبط عليك من السماء، بل أنت من يزرعها في الأرض، سافر في كل مكان فلن تجد سفراً هانئاً كسفرك إلى نفسك".

وتضيف الفخراني قائلةً لكل امرأة: "إذا كان الأمس قد ضاع، فما زال بين يديك اليوم والغد، لا تحزني على الأمس فهو لن يعود، ولا تأسفي على اليوم، بل أسعدي نفسك فيه لأنه راحل، واحلمي بشمس مضيئة في غد جميل، لأن السعداء في الدنيا اليوم وغداً، هم الهاربون منها بالأمس، ولو نظر كل إنسان بعين التفاؤل إلى الوجود، ولو كانت السعادة تعني الحياة بلا قلق، لكان المجانين هم أسعد الناس، ولكن السعادة تكون بالتفاؤل مهما صغر، لذا حاولي أن تجعلي حالة الانكسار بداية لحلم جديد، وارمي أحزانك وراء ظهرك، واخرجي من سجن همومك الشخصية الأسرة والعملية".