حسين عبدالبصير يكشف أسرار: "ملكات الفراعنة" دراما الحب والسلطة

القاهرة – طارق الطاهر 01 ديسمبر 2019

استطاع الأثري حسين عبدالبصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أن يقوم بجولة في مصر الفرعونية، ليعود لنا بكتابه "ملكات الفراعنة.. دراما الحب والسلطة"، الذي أكد فيه أن المرأة في مصر القديمة هي سيدة المجتمع المصري القديم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد حصلت منذ زمن بعيد على ما حصلت عليه المرأة في العالم المعاصر، وقد قدم حسين عبدالبصير عالم الملكات المصريات المثير من خلال مجموعة منتقاة من ملكات مصر العظيمات منذ عهد صاحبة الجلالة الملكة نيت حتب، إلى عهد الساحرة الجميلة والفاتنة الذكية الشهيرة الملكة كليوباترا السابعة. حول هذا الكتاب، ، دار الحوار للكشف عما يتضمنه مع مؤلفه حسين عبدالبصير.


- هل توقفت عند مكانة المرأة المصرية القديمة؟

تعتبر المرأة المصرية القديمة عماد الأسرة والمجتمع المصري القديم، ولولا المرأة المصرية القديمة، ما كانت مصر القديمة، فالمرأة المصرية هي رمانة الميزان، ومركز الدفع والتحفيز على العمل والإبداع، وشحذ الهمم والطاقات لدى رجال مصر العظام. وسبقت مصر العالم في احترام المرأة ومنحها حقوقها كاملة. وتمتعت المرأة في مصر القديمة بمكانة عالية، وحظيت بحقوق كثيرة لم تحظ بها مثيلاتها في العالم القديم، بل في العصر الحديث، إلا منذ فترة قريبة. وكان دور المرأة في مصر القديمة كبيرًا ومهمًا للغاية، وكانت مساوية للرجل، ومشاركة له في الحياة، وملازمة له في العالم الآخر. وكانت سيدة مجتمعها ووصلت لأعلى درجات التقدير فيه. وكانت خير رفيق للرجل في الدنيا والآخرة. وتميزت بالسبق والإبداع والتميز في مجالات عدة. وحملت العديد من الألقاب، سواء في البيت أو القصر أو المعبد أو المجتمع. وشجع المجتمع المصري القديم على الزواج، ونصح الحكماء بالإقدام عليه في سن مبكرة. وكانت المرأة المصرية القديمة سيدة في بيتها. وتنوعت أدوارها في مجتمعها منذ بداية الحضارة المصرية القديمة. وحملت من الألقاب ما يدل على ذلك، مثل لقب «نبت بر» أي «سيدة البيت»، مما يدل على عظم المكانة والتقدير اللذين حظيت بهما في بيت زوجها. فكانت تقوم بأعمال بيتها وتساعد زوجها في عمله، مثل العمل في الحقل وأعمال الزراعة وعمل السلال والحصر وتربية الماشية والطيور وطحن الحبوب وتجهيز العجين وخبز الخبز والفطائر في الفرن وصناعة الجعة وورش النسيج. وكانت تعمل كمربية للأبناء والبنات في بيوت كبار رجال الدولة والملوك. وكانت أيضًا تعمل في المعابد. وكان البعض منهن يجيد القراءة والكتابة والحساب.

- كان للملكات المصريات دور في انتقال الحكم بين الملوك أليس كذلك؟

نعم كان دور بنات الملوك مهمًا وحلقة وصل في سلسلة تتابع الملوك على العرش، نظرًا لما يجري في عروقهن من دم ملكي، وكان لمن يتزوجهن الحق في أن يصبح حاكمًا على مصر. ويوضح ذلك دور الملكات المصريات الرائد وعظمتهن في انتقال الحكم، وفي تكوين ملوك مصر العظام. وكان يتم تكليف الملكة الأم بحكم البلاد نيابة عن ابنها، الملك الطفل. وتعد هذه الواقعة التاريخية من أوائل الحوادث في هذا السياق. وكان دور النساء مهمًا في الحفاظ على عرش البلاد لأبنائهن حتى يبلغوا سن الرشد. وقد تردد العالم الحديث في اتباع نظام وصاية النساء على العروش. وتم اتباعه في مصر القديمة، نظرًا لأن الأم هي الشخص الأكثر ولاءً ووفاءً وإخلاصًا لابنها الملك الطفل، فضلاً عن كونها تنتمي بالدم للعائلة المالكة، وأيضًا كانت متدربة على تحمل مسؤوليتها التاريخية والدفاع عن ابنها الطفل حتى يشب عن الطوق. وكانت الأمهات، وليس الآباء أو الإخوة، اللائي يقمن بهذا الدور المجيد حين يرحل الزوج فجأة. وهذه السنة الحسنة سوف يسير عليها العالم بعد ذلك وتصبح من أدبيات وآليات انتقال الحكم في دنيا الحكم والسياسة.

- هل كانت العلاقة بين المرأة وزوجها فيها نوع من الصراع أم التكامل؟ وما دورها في الدفاع عن الدولة المصرية؟

كانت علاقة المرأة قوية وقائمة على الحب مع زوجها، وكانت محل تقدير أبنائها. وصورت المرأة واقفة إلى جوار زوجها في حجم مقارب لحجمه. وتطوق جسده بذارعها، وتضع يدها اليمنى أسفل صدره، وتلامس بيدها اليسرى ذراعه اليسرى في حنان وحب واضحين. ويحمل هذا التصوير الفني مغزى حضاريًا معاصرًا؛ يعبر عن قمة الحب والتراحم والحنان والتواصل بين الرجل والمرأة في المجتمع المصري القديم. ويمثل الزوج في صورة إنسانية كزوج محب لزوجته وشريكة كفاحه. كما شاركت المرأة المصرية في الدفاع عن الوطن، مما يوضح عظمة الدور الذي من الممكن أن تقوم به النساء في تحرير الأوطان وشحذ همم الرجال من الأبطال كي يعيدوا لمصر كرامتها وعزها. وكان للملكة المناضلة «تتي- شري» دور كبير في تحرير مصر من احتلال الهكسوس على يد حفيدها الملك أحمس الأول، الذي حرر مصر من الهكسوس وطاردهم إلى خارج الحدود المصرية. وفي هذا ما يوضح عظم دور ملكات مصر العظيمات في الدفاع عن أرض مصر الخالدة، وتنشئة الملوك الأبطال الجديرين بحكم مصر. وساهمت أمه الملكة إياح حتب الأولى في تسيير الفرق العسكرية، ولعبت دورًا كبيرًا في الدفاع عن العاصمة طيبة، وحمت مصر واعتنت بها وبالجنود، وقامت بأداء الشعائر، وجمعت الهاربين وأعادت الفارين، وأنزلت السلام والسكينة على مصر العليا، وطردت المتمردين. وعُثر ضمن آثارها على عدد كبير من الآثار العسكرية، مثل فأس يدوية وخنجر وأنواط عسكرية على شكل ذبابات ذهبية، مما يؤكد دورها العسكري الفريد.

- هل حملت المرأة المصرية القديمة أي ألقاب دينية؟

بالفعل حملت الملكة أحمس- نفرتاري اللقب الديني الكاهنة الثانية للإله آمون. ومن خلال هذا اللقب منحها زوجها أحمس الأول وأبناؤها العديد من الأوقاف للأبد، وكذلك منحها اللقب الديني الجديد «الزوجة الإلهية للإله آمون» وجلب لها الكثير من الثروات. وهو من الألقاب الجديدة التي ارتبطت فيها نساء البيت المالك بعبادة الإله. ويعد لقب الزوجة الإلهية للإله آمون لقبًا كهنوتيًا ليس إلا، ولم تكن حاملة هذا اللقب زوجة فعلية للإله. ومن خلال هذه الثروات الطائلة التي خُصصت لتلك الملكة المعشوقة من زوجها الفرعون، صار ممكنًا لهذه الملكة القيام بالعديد من الطقوس وتقديم القرابين، وصار اسمها منقوشًا في عدد كبير من المعابد. ونظراً لأن تحتمس الثالث كان طفلاً، وكانت أمه إيزيس غير مؤهلة للوصاية عليه؛ لأنها ليست من الدم الملكي، قامت المرأة الطموح والقوية الملكة حتشبسوت بالوصاية على ابن زوجها لفترة ما، ثم قادها طموحها وبريق السلطة وروعة العرش وإغراء الحكم، فتصرفت كأنها ملك ذكر، وتم ذكرها في النصوص وتصويرها في المناظر في هيئة الملوك من الرجال. وكانت الملكة حتشبسوت عظيمة العظيمات، وجميلة الجميلات، وأفضل النساء، والمرأة القوية التي هزت الدنيا وغيرت الرياح في اتجاهها، وجعلت الجميع يحنون إجلالاً وتعظيمًا لتلك المرأة التي خلبت الجميع بجمالها، وسحرها، وقوة شخصيتها وثراء الأحداث في فترة حكمها اللافت في تاريخ مصر القديمة قاطبة. ولم يكن هناك مثيل لقدرتها الكبيرة على إدارة حكم البلاد. وتعد المرأة الذكية وصاحبة الشخصية القوية الملكة «تي» هي الزوجة الرئيسية لفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث. ولعبت تي دورًا كبيرًا في حياة وحكم زوجها، وأنجبت له وريثه وولي عهده الملك أمنحتب الرابع؛ أو الملك أخناتون بعد ذلك. وفي العقيدة الدينية والملكية لفترة حكم زوجها، اعتبرت الملكة تي إلهة السماء الأم.

- هل توجد آثار عبرت عن ما يمكن أن نطلق عليه بـ"حقبة المرأة"؟

تشير الآثار من عهد أمنحتب الثالث إلى أهمية زوجته تي طوال فترة حكم زوجها، فعثرنا على عدد كبير من التماثيل في أحجام ومواد مختلفة تصورها مع زوجها، بينما تظهرها النقوش تساعده في كثير من طقوس العبادة، وتشاركه كذلك في الاحتفالات، خصوصًا الاحتفال الخاص بعيد جلوسه على عرش مصر. ووصف أحد النصوص الملكة تي بأنها ترافق الملك أمنحتب الثالث مثل الإلهة ماعت حين ترافق إله الشمس رع. وأقام الملك بحيرة للراحة والاستجمام في بركة هابو في غرب مدينة الأقصر حبًا لزوجته الغالية قوية الشخصية وصاحبة الحضور الطاغي؛ الملكة الذكية تي. ونري حكام الشرق الأدنى القديم العظام يتوددون للملكة ويطلبون توسطها لدى أمنحتب الثالث وولدها إخناتون، نظرًا لأهمية دورها وعظم قدرها في البلاط عند زوجها وابنها. كما فاقت قوة المرأة الجميلة الملكة نفرتيتي قوة الرجال، وشاركت في أمور الحكم، وكانت ذات دور كبير في تحريك السياسة وتوجيه دفة الحكم في عهد زوجها الملك إخناتون. وربما حكمت نفرتيتي بعد وفاته قبل تولي توت عنخ آمون عرش البلاد. وكانت جميلة الجميلات نفرتاري ملكة قوية ومؤثرة بقوة في عهد زوجها الملك رمسيس الثاني. ولعبت دورًا كبيرًا في الشؤون الدبلوماسية في الدولة المصرية العريقة، نظرًا لما كانت تتمتع به من مهارات عديدة؛ مثل فنون الكتابة والقراءة وأصول وفنون علم المراسلات الدبلوماسية، فأفادت مصر بمهاراتها الكبيرة وزوجها، فضلًا عن حبها لزوجها الملك، مما جعل من قصة حب رمسيس الثاني ونفرتاري أعظم قصص الحب وأخلد حكايات العشاق؛ التي خلدها الإنسان في الحجر والفن قبل أن يخلدها البشر في فنون الأدب والقول.

- هل رصدت علاقة الملك رمسيس بزوجته نفرتاري التي شاركته في معظم ما خلفه من آثار؟

نعم، فقد كان من فرط وعظم حب وإعزاز وتقدير رمسيس الثاني لزوجته المحبوبة نفرتاري هو تصويرها معه في معظم آثاره، وبناء الآثار الكبيرة والجميلة لها، مثل معبدها في أبوسمبل. وتم السماح لبعض الملكات بتشييد مقابر ملكية بين مقابر الملوك الخالدين من حكام مصر تكريمًا وتقديرًا لهن. وأمر رمسيس الثاني بإنشاء مقبرة رائعة لها في وادي الملكات هي الأجمل بين مقابر الوادي الجميل.