منسّقة الإعلام والعلاقات العامة والتواصل الاجتماعي في"صالة أثر" أبرار القيّم: 2030 غيّرت المنظومة المجتمعية وأحدثتْ ثورة

جدة: آمنة بدر الدين الحلبي 21 ديسمبر 2019
أخذ الفن التشكيلي حيّزاً كبيراً في المملكة العربية السعودية، وأصبح له مكانة مرموقة في الآونة الأخيرة، لما له من أثر في تنمية الذوق الفنّي والتعبير الحرّ ورقيّ الأمم، واهتم به القاصي والداني حكومة وشعباً، وأصبح له مراكز لتعليم الأطفال والكبار، وصالات لعرض أعمال الفنانين السعوديين والفنانين التشكيليين من مختلف أنحاء العالم، لأنّ الفن التشكيليّ تعبير صادق عن ثقافة الشعوب الحية، والحسّ الإنساني الذي يفهمه العالم بلا لغات أبجدية. وسعياً وراء الفن التشكيلي الجميل سارعت "لها" إلى لقاء أبرار القيم منسّقة إعلام وتواصل اجتماعي لـ "صالة أثر" في مدينة جدّة فكان هذا الحوار عن الفن التشكيلي وأهمّيته في تعزيز الثقافة المجتمعية وتطور المجتمعات قاطبة.


- شهدت الساحة التشكيلية في الآونة الأخيرة اهتماماً حكومياً واضحاً بتطوير قطاع الفنون التشكيلية، إلى ماذا يعود هذا الاهتمام؟

لأن الفن يعكس صورة حقيقية لثقافة المجتمع السعودي خلافاً لما هو معروف، ويظهر تنوعاً كبيراً بتراثه في جميع مناطق المملكة، مبرزاً ما يكتنزه هذا التراث من ثراء في مخزونه المعرفي، بدأت وزارة الثقافة السعودية تولي اهتماماً متزايداً بالحركة التشكيلية خصوصاً، عبر الدعم المالي والإعلامي والقانوني، لأن "رقي الأمم برقي فنونها".

وما يجدر ذكره أن "صالة أثر" مرّت بمعاناة صعبة وطويلة خلال العشر سنوات الماضية لبُعدها عن عدسات الإعلام ومنصّاته، وواجهت تحدّيات كبيرة في إقناع الإعلام، بأهمّية الفن التشكيلي وأثره في نهضة المجتمع، وطوال هذه الفترة ظلت المعارض التشكيلية حبيسة الجدران المغلقة إلى أن أبصرت النور "رؤية 2030" التي غيرت المنظومة المجتمعية لناحية الفن بكل أنواعه.

وهنا أذكر مثلاً على "الحجْر الفني" الذي كان سائداً، أن أحد الفنانين استحصل على إقامة فنية طويلة في ألمانيا ليرتقي بفنه، وحين عاد ليقيم معرضه الشخصي المتكامل، لم تجد "أثر" وسيلةً تسلّط بها الضوء على أعماله الرائعة، أما الآن فقد فُتحت الآفاق وزالت العقبات أمام أمثال هذا الفنان المبدع الذين يذخر بهم الوطن.

- وما هي الفنون التراثية التي تعملون في "أثر" على الإضاءة عليها؟

ـ لدبنا الكثير من الفنون ومن مختلف المدارس الفنية، كالفنون الإسلامية الزخرفية، والفنون الأثرية، والمجسمات النحتية، والفنون التجريدية، وفن "الكولاج"، وفن "الغرافيك"، وتدوير بعض القطع القديمة وإدراجها ضمن المصنوعات الفنية الراقية.

- ألم تؤدّ وسائل التواصل الاجتماعي دوراً إدارة عجلة الحركة التشكيلية؟

وسائل التواصل الاجتماعي ألقت الضوء على الفن التشكيلي وفتحت له المنصات الإعلامية، وأبواب الانتشار والوصول إلى المجتمع بكافة شرائحه، سواء عبر الأخبار التي تنشرها الصالة أو بصور الأعمال الفنية أو بالحوارات عبر الأثير، وبنت لهذه الأعمال جسراً متيناً للعبور إلى الصحافة الورقية كي تقوم بواجبها تجاه هذا الفن الجميل، لأن الصحافة التقليدية لن تموت ولن تنتهي بل سيبقى صوتها صادحاً وقوياً، وتعطي لكل ذي حق حقه، ومهما قدّمت وسائل التواصل الاجتماعي من خدمات لن ترقى بأهميّتها إلى مصاف الصحافة الورقية.

- كيف تقوّم "أثر" الأفكار المغلوطة عن الفن التشكيلي لدى بعض الناس؟

صحيح هناك خطأ شائع في مفهوم البعض مفاده أن الفن التشكيلي حكرٌ على فئة معيّنة من الناس، وأن زيارة المعارض محصورة بهؤلاء، لكن في الواقع زيارة المعارض لكل فئات المجتمع، للأفراد والعائلات، وللصحافة والفنانين، وهي ثقافة تنقّي الفكر وتوسّع المدارك، كما أنها بمثابة علاج طبيعي لإزالة الاكتئاب. وتكمن مهمّتي التنسيقية في تصحيح تلك المفاهيم الخاطئة وتقريب مفاهيم بالفن التشكيلي وغاياته السامية إلى شرائح المجتمع كافة، والمساهمة في "حَمل" الصحافيين على التعريف بهذا الفن وتبيان أهميته ومواكبة أهم النتاجات المرتبطة به والمتفرعة عنه.

- ارتبطت أعمال بعض فناني الستينيات بالمكان والزمان، ومن هؤلاء صفية بن زقر وعبد حليم الرضوي، مَن سار على هذه الخُطى من فناني اليوم؟

خلال عملي في معارض "أثر" رأيت بعض الفنانين يركّزون في أعمالهم على الفن التصويري، فتخرج فيها أفكارهم الخاصة مرتبطةً بالزمان والمكان والهوية، علماً أن الهوية ترتبط بالتراث المخزون في جسد الذاكرة، فتكون المحصّلة فناً رائعاً ومميزاً، ذا دلالات واضحة منها قائم على الهوية الثقافية، ومنها ما يعتمد على التحليل العقلي القائم على التكرار والتشعب في الزخرفة الإسلامية، فكل فنان يصوّر الفكر المخزون في خياله وربما مراحل حياته، أو التجارب العلمية والاجتماعية التي مرّ بها، ويسقطها على فنه، مما يعكس صورة التراث بحدّ ذاته.

- وهل هناك فنانون أكثر إقبالاً على التراث؟

أرى في أعمال بعض الفنانين عودةً إلى الماضي الثريّ ونبشاً في ذاك الفن الرائع على امتداد الحضارة الإنسانية، وكلما عاد الفنان إلى تراثه اتّسع خياله، وأنتج فناً راقياً، وإبداعاً مميزاً، وحقّق أفكاراً متفرّدة، تبلورت في أعمال لها طابعٌ مميّز في المجتمع، وصورة مختلفة في الإعلام، لأن مناطق المملكة زاخرة وثرية بالتراث والإرث التاريخي الممتد على مدار السنين المديدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر جدة التاريخية، ومدائن صالح، وقصر مارد وغيرها الكثير من آثار الحضارة الإنسانية.

- على الرغم من تأخر انتشار الحركة التشكيلية في المملكة نرى أنها برزت بقوّة وتميّزت بخصائص دالّة لعل أهمها الارتباط القوي بالمعطى التراثي الذي أصبح إحدى السمات الواضحة فيها، لماذا؟

الارتباط بالتراث يعني الارتباط بالهوية الثقافية وهو من ركائزها التي تميّز الشعوب عن بعضها البعض، ولطالما كان التراث الثقافي للأمم منبعا للإلهام ومصدراً حيوياً للإبداع المعاصر نهل منه الفنانون والأدباء والشعراء، فكيف بتراث المملكة العربية السعودية المليء بعدة حضارات متشابكة ومتناثرة في كل بقاعها. وفي هذا المجال تبرز فناناتٌ مبدعات في "أثر"، منهنّ دانة عورتاني التي لها تصوّراتٌ وأعمال تراثية جميلة، ذات طابع خاصّ في فن الزخارف الإسلامية، تطور ونما على نحو مدهش، حتى بدأت المعارض والمتاحف تطلب أعمالها، من "أثر". وأمثال دانة في "أثر" كثرٌ من الفنانات والفنانين السعوديين الذين ينهلون من التراث والفن الإسلاميين.

- هل تقيم "أثر" دورات فنّية للتشكيليين والتشكيليّات؟

من أهداف صالة "أثر" أن تصبح مركزاً لورشات العمل الفني إضافة إلى المعارض المتخصّصة في أنواع الفنون المتعددة، إلى جانب برامج انطلقت بالفعل مع موسم جدة وهي قيد التطوير على مدار العام، وأقصد الورشات الفنية التي شارك فيها أطفال ومراهقون في جدة البلد، منهم الفنان محمد فرج الذي قدم أعمالًا فنية رائعة من خلال الفيديوهات. أما الفنانة بسمة فلمبان، فشاركت بورشات عمل عن الفن الإسلامي، وأحدث ضجّة كبيرة في موسم جدة.

- هل تحصل "أثر" على دعم من وزارة الثقافة؟

قدّمت لنا وزارة الثقافة الدعم تزامناً مع بدايةً موسم جدة، وفي جدة البلد، وجدة التاريخية، وقصر خزام، لكن مازال هذا الدعم مستجداً ونطمح إلى المزيد.

- نشهد هذه الأيام انخراط الفنانين بدورات ثقافية للخط أو الرسم، كيف تبدو لك هذه الظاهرة؟

الدورات مهمّة للمجتمع وتكسر الحاجز بين الناس والفنان، خصوصاً أن البعض له تصوّر خاص عن الفنانين يضعهم في برج عاجيّ. كما أن هذه الدورات توضّح للطفل أو المراهق أو الفنان الجديد، كيفية الالتحاق في ركب الفن؟ وكيف يتصور نفسه بعد عشر سنوات من العمل الفني مثلاً.

- كيف تقرأ أبرار الحركة التشكيلية السعودية في 2030؟

الفن التشكيلي سيحتلّ المكانة التي يستحق في 2030 ولذلك مؤشرات توحي بنجاحات كبيرة للفنانين المخضرمين، وفرص متعددة في هذا المجال أمام الهواة والموهوبين للتعلم وتنمية مواهبهم، من خلال تلك الصالات والمعارض والدورات التشكيلية التي تُقام باستمرار.

- ما هو تصور صالة "أثر" المستقبلية؟

احتضان أكبر عدد من الفنانين التشكيليين للوصول إلى 2030 بأبهى الحلل من الفن الجميل، وستصبح "أثر" قريباً مركزاً مهماً للدورات لربط الفن بالتعليم، وصقل المواهب على أيدي اختصاصيين فنيين لتكتمل الصورة الحضارية المشرقة، مع إيجاد فرص وظيفية كافية.

- كيف تهيئ "أثر" الفرص الوظيفية؟

حين تُباع أعمال فنان قدير، أو تطلبها متاحف مرموقة، مما يدرّ عليه مبالغ طائلة، يعتبر ذلك بمثابة فرصة وظيفية أمنتها له "أثر".

- هناك من يعمل على حماية البيئة من خلال إعادة التدوير للتصنيع الجمالي؟

لدينا في "أثر" الفنانة غادة الربيع، التي تستعين بالفن التشكيلي لصناعة ورق الحلويات مستخدمة الخامات البيئة بألوان جميلة، وقدّمت ورشات عمل في جدة التاريخية استقطبت الكثير من الأطفال.

- ما أهمية اللقاءات الفنية التشكيلية من كل بقاع العام للمملكة العربية السعودية في صالة "أثر"؟

صالة "أثر" تفخر بما لديها من فنانين حول العالم، وتكمن أهمية تلك اللقاءات في إطلاق الحوارات بين الثقافات المختلفة، وإرساء تعاون ثقافي عربي/ غربي/ أميركي/ لكون الفن لا يعترف بالحواجز ولا بالجنسيات، وتقام هذه الأنشطة في مناخ ثقافي مفعم بروح التعاون والاحترام عابر للقارات.

- ما الذي يميز الفن التشكيلي السعودي عن الفنون الأخرى؟

يتميز بالتنوع والنمو والاتساع من خلال مساحات تعبيرية وبصرية، ويُعدّ الأكثر إنتاجًا والتصاقاً بالحداثة، مما يجعلنا نفخر بتلك الأعمال المتنوعة والتي تنعكس في كل ركن من أركان المعرض، وبالتالي تؤدي إلى فتح الفضاءات الثقافية على بعضها البعض مما يجعل المساحة الإبداعية بلا حدود ولا قيود، وفيها الدافع لجميع الفنانين إلى المشاركة الفعالة، وإطلاق العنان لكل فن جميل.

- أبرار.. أيضا مدير مشروع في منظمة مجتمعية تُدعى "جدة تقرأ" ما مهمة تلك المنظمة؟

ـ بدأنا تلك المنظمة بعد أن لمسنا احتياج كبير في المجتمع لموضوع القراءة الجماعية بدون شروط، وعدم تحفيز على القراءة، وكل له ظروفه، هناك من ينافس ويقرأ أكثر من كتاب في الشهر، وهناك من يدعي عدم الوقت، أو يقرأ ببطء شديد، فعملنا تغيير على مفهوم القراءة بالمجتمع، وعملنا ورش عمل يقودها أناس تعمل على التحفيز، وليس على القراءة فقط، حتى يتشكل الفضول لدى كل إنسان للحصول على المعرفة من أي وسيلة كانت، سواء من وسائل التواصل الاجتماعي أو من قراءة الكتب، وفتح حوار إبداعي للنقاش، مع مختلف الشخصيات الفنية والأدبية والثقافية والتطويرية.

- إلامَ تهدف تلك الفعاليات؟

الأهداف متنوعة وكل ورشة لها هدف، وتتراوح ما بين الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وغير ذلك من المجالات. وأحياناً يكون الهدف استضافة شخصية بعينها، سواء من داخل السعودية أو من خارجها، وتشاركنا مع منظمات أخرى، قي تأسيس مركز يحتوي على مكتبة للأطفال، حيث نجتمع كل يوم سبت ونجمعهم على كتاب معين، وينقسم اللقاء إلى قراءة وفعاليات ثقافية بوجود فنانة تقوم بأعمال فنية مع الأطفال تدور حول الكتاب الذي يوزَّع عليهم أسبوعيّاً، وتتغير الفنانة حسب الكتاب الذي يُقدم لهم، وكل ما نرمي إليه عميلة تفاعلية بين الكتاب والطفل.

- هل نستطيع أن نطلق عليها اسم منظمة خدمية؟

هي منظمة خدمية وغير ربحية تستفيد منها كل فئات المجتمع بشكل أو بآخر، وكل مناسبة تهم المرأة أو الطفل، كما وتخدم المجتمع في القراءة والكتابة والإبداع الفني. وعلى سيبل المثال، أقمنا فعاليةً لتجميع الكتب لمصلحة تلاميذ المدارس في الأحياء الفقيرة، وفعالية أخرى لمساعدة مريضات سرطان الثدي، وتوعية النساء بأهمية الفحص الدوري، وفعالية ثالثة للرجال حول كيفية التصرف تجاه نسائهم في تلك الظروف.

- حدّثينا أكثر عن فعالية الرجال؟

هي لتوعية الرجال حول كيفية التفاعل مع الزوجة والأخت والبنت إذا تعرضت إحداهن إلى مشكلة أو مرض، وخصوصا مرض السرطان، وهناك توجه كبير لتثقيف الرجل اجتماعيا أيضا بعدما تفككت الأسر نتيجة لقلة التوعية، وما علينا إلا القيام بمسؤوليتنا الاجتماعية على أكمل وجه، للعمل على لمّ شمل تلك الأسر في نمط حياة معيّن.

- ماذا حققتم من خلال تلك الفعاليات؟

تلقّينا أخباراً سارّةً كثيرة عبر رسائل الشكر بعد لم شمل بعض الأسر، ومعالجة الكثير من المشاكل، حيث أصبح الأزواج أكثر تفهماً في العلاقة مع أسرهم، وكسرنا حاجز الخوف وخرجنا من ثقافة العيب في المجتمع، وفتحنا الأبواب لرفع الصوت، وإطلاق حوار بحرية عن كل ما يؤلم سواء مرضياً أو نفسياً أو اجتماعياً...ويكفينا مسح دمعة هنا أو زرع بسمة هناك.

- ما هي توقعاتك المستقبلية لجمعية اقرأ مع صالة "أثر"؟

يساورني شعور قويّ بأنّ "أثر" ربما تنشئ مدرسة تعليمية للفن التشكيلي أو التصويري بعيداً عن التعليم المدرسي لمادة التربية الفنية، بل من خلال تعليم معرفي، وهذا ما نرمي إليه بتوافقٍ فكريّ بين الجمعية وصالة "أثر" نظرا للغات حوار جديدة خُلقت بين الفنانين ورجال الأعمال، كما "جدة تقرأ"، المنظمة غير الربحية التي استطاعت أن تمدّ جسوراً مع شركة ربحية لمساعدتها مادياً ومعنوياً، وبذلك حقّقت تلك الشركة أسس المسؤولية الاجتماعية بجدارة، من خلال التزاوج بين المعرفة و"البزنس".

- ماذا تقول أبرار للمرأة السعودية؟

برؤية 2030 حققت المرأة السعودية مكاسب عديدة، وأصبح أمامها فرص عديدة ومتنوعة، لهذا عليها أن تثبت نفسها بجدارة. انطلقي أختي بقوة ولا تخافي، واغتنمي فرص الحياة.