عبادي الجوهر

طلال المداح, سراج عمر, يارا خوري مخايل, ذكرى سنوية, أصالة نصري, عبادي الجوهر

25 مايو 2009

في الطائرة المسائية العائدة من القاهرة إلى جدة، التقيت الفنان عبادي الجوهر  عائداً من رحلة استجمام استمرت أياماً قليلة، أمضاها في القاهرة بعد إصدار ألبومه الأخير «أوفى الخلق». بدت عليه ملامح الراحة والهدوء بعد فترة عمل طويلة في تحضير الألبوم، فاقتربت منه معرفةً بنفسي وطالبة اجراء حوار معه لمجلة «لها». أبدى ترحيباً وبدا سعيداً ومتفائلاً بعمله الجديد وحددنا موعداً للقاء في جدة.

بعدأيام من الوصول زرناه في منزله، حيث كان ينتظرنا في الحديقة قبل غروب الشمس، وهو يحتسي فنجان الشاي ويستمتع بالهواء الطلق.

ساعات طويلة مرت في لقائنا مع عبادي، فتح فيها قلبه ل «لها»، وتحدث عن كثير من الأمور، مؤكداً أن كل أعمال الألبوم الجديد أوليت الإهتمام التام وكلها قريبة من قلبه، ومتمنياً زوال الأغنية السخيفة، على حد قوله، ورفض المستمع للأغاني المتدنية. لا يعتبر نفسه خليفة لأحد وهو أيضاً ليس له خليفة. يؤمن بأن لكل فنان لوناً ورائحة يميزانه عن غيره، ويستمع الى جميع المطربين والمطربات، ولكنه يفضل أصالة. يفتقد الفنان الراحل طلال مداح كصديق وتجمعه علاقة طيبة بأبي نورة. يؤكد أن فنه لايعكس حياته الشخصية وإنما يعبر عن مشاعر الناس كافة، ويقول، انه لم يشعر بالظلم يوماً، وعندما لم يجد ما يقدمه، لظروف خاصة، ابتعد عن الفن حتى استطاع أن يأتي بالجديد. الكثير من الأمور الخاصة والعامة باح بها عبادي في هذا الحوار.

-هل يقاطع عبادي الجوهر الإعلام أو بالأحرى يتجنب اللقاءات الصحافية؟
أبداً، ولكني أفضل أن أجري لقاءات صحافية عندما أكون في صدد إصدار ألبوم جديد أو أعد عملاً جديداً. لا أحب أن أجري اللقاءات التقليدية التي لا تضيف إلي ولا الى جمهوري، خاصة أن الجمهور يعلم عني كل شيء وسبق أن أجريت الكثيرمن المقابلات. لذا أفضل دائماً أن أقول جديداً في كل مقابلة. وهذا لايعني أني أقاطع الإعلام أو الصحافة. واليوم أنا أجري معكم هذا اللقاء لأن لدي ألبوماً جديداً.

-بعد رحلة فنية طويلة قاربت الأربعين عاماً، يقال إن عبادي الجوهر قرر الاعتزال وإن «أوفى الخلق» هو الألبوم الأخير، فما صحة هذا الكلام؟
الاعتزال لا بد منه في يوم من الأيام وفكرة واردة لأي فنان، ولكن ليس في الوقت الحالي. هذا كلام غير صحيح ولم أصرح بمثل هذا الكلام، وعندما أقرر الاعتزال سأعلن ذلك بنفسي. صحيح أني ابتعدت قليلا عن الفن في الفترة الأخيرة نتيجة ظروف خاصة، ولكني لم أنوِ الاعتزال.

-«أوفى الخلق» الألبوم الثالث لك مع روتانا. يبدو أن روتانا مازالت تحتكر عبادي الجوهر، فإلى متى سيظل الاحتكار؟
بالتأكيد روتانا احتكرتني، فعقدي معها مستمر وقائم على تسليم ألبومين في العام. سلمت ثلاثة ألبومات وهي «الجرح أرحم»، و«جلسة طرب 2008»، و«أوفى الخلق»، وتبقى ثلاثة أخرى.

-في «أوفى الخلق» حالة عاطفية واضحة بين الحب والهيام والعتب والخصام، فهل يعبر الألبوم عن واقع يعيشه عبادي الجوهر؟
لا يعبر الفنان عادة عن واقعه أو عن شخصه، بل يعبر عن أحاسيس الناس. ففي الألبوم نفسه يمكن أن تجد أغنيتين متناقضتين. الفنان يعبر عن أحاسيس الناس وأحيانا يعبر عن أحاسيس الشاعر الذي كتب كلمات الأغنية، وعادة ما تتحدث أغانينا العربية عن البعد وعن الحب وعن الألم وعن الهجر.

-كيف تقوّم ألبومك الجديد وماهي الأغنية الأقرب إلى قلبك فيه؟
للمرة الأولىأنفذ ألبوماً وأشعر بأن كل الأعمال قريبة من قلبي وأني أوليتها كلها الاهتمام. في ما سبق كنت أهتم بعملين أو ثلاثة من الألبوم وأعطي نصف الاهتمام لباقي الألبوم. في هذا الألبوم بذلت مجهوداً كبيراً في اختيار الكلمات والألحان وتسجيل الأغاني. فأغنية «أول ليلة» من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن جميلة جداً وأحببتها كثيراً، وكذلك أغنية «أوفى الخلق» للأمير عبدالرحمن بن مساعد. وقدمنا مجموعة كبيرة من الأعمال. كذلك أغنية «ماخذ على خاطري» من كلمات سعود سالم وألحان طلال باغر، وهي من اللون الحجازي، وأنا دائماً مطالب بتقديم هذا اللون. أنا راض تماماً عن جميع أعمال الألبوم وكلها قريبة من قلبي.

-تفردت كالعادة بتلحين الألبوم كاملاً ما عدا أغنية «ماخذ على خاطري» التي لحنها طلال باغر، ألم يجد عبادي أي لحن يشده أو يعجبه عند الملحنين السعوديين؟
معظم الأغاني الناجحة التي لاقت قبولاً كبيراً عند الناس من ألحان عبادي الجوهر. ولا تعتبري ذلك غروراً، فكل ألبوماتي من ألحاني. ودائماً أقول «لدي ملحن ملاكي» فلماذا آخذ ألحاناً من غيري إذا كان عندي اللحن المناسب خاصة وأني ألحن لنفسي ولغيري؟ وأي ملحن لديه عمل جديد يناسبني يمكن أن يقدمه لي ولقد قدمت كفنان الكثير من المواهب الجديدة عندما تعاملت معها.

-وهل وقع اختياركم على العمل الذي سيتم تصويره كفيديو كليب من الألبوم؟
قررنا تصوير ثلاثة أعمال، ولكن لم نستقر على ثلاث أغانٍ معينة. الأعمال ستكون بقيادة المخرج ياسر الياسري وستصور على شكل كليب مسرحي بعيدا عن الكليب التقليدي الذي يراه الناس حالياً. فأنا لا أحب أن أصور القصة بنفسي وعادة ما أكون في دور الراوي للقصة ولا أقوم بالتمثيل شخصياً، وهذه المرة قررت أن أنفذ تصوير الأغاني بشكل مسرح.

-هل انعزل عبادي عن صداقات الوسط الفني خاصة بعد وفاة الفنان طلال مداح واكتفى بصداقاته من خارج الوسط الفني؟
جميع من في الوسط أصدقاء وزملاء وأنا دائم التواصل معهم. صحيح أن صداقتي الكبيرة والحميمة كانت مع الفنان الراحل طلال مداح والتي تخطت كل الحدود وكل المصالح. علاقتنا كانت من نوع خاص، لكن تربطني بالجميع علاقة طيبة.

-كيف تغيرت حياتك بعد غياب طلال مداح؟
افتقدت الأستاذ والصديق والرجل الذي أستشيره في كل الأمور الفنية والخاصة. لقد كان الصديق القريب من الوسط الفني وبالتالي لم يحل أحد مكانه ولا يمكن أن يشغل مكانه أحد.

-وماذا عن علاقتك بأبي نورة الفنان محمد عبده، وهل انتهى التنافس بينكما؟
علاقتي بمحمد طيبة جداً. لم يعد هناك تنافس فالعالم العربي مليء بالمطربين. والتنافس بيننا كان قائماً على تقديم الأعمال الجميلة والجيدة. لماذا قدمنا الكثير من الأعمال الرائعة في ما سبق؟ أنا ومحمد وطلال قدمنا أعمالاً تعتبر الآن من الروائع. كنا نتنافس في تقديم الأفضل ولقد واكبنا فترة ذهبية سواء في وجود الكتَاب والشعراء أو الملحنين أمثال الأمير بدربن عبدالمحسن، الأمير خالد الفيصل، إبراهيم خفاجي وغيرهم ومن الملحنين أمثال عبدالله محمد وعمر كدرس وسراج عمر وغيرهم. كانت فترة ذهبية والمستفيد الأول هو الجمهور لأننا قدمنا مئات الأغاني الرائعة. أما اليوم فلايوجد هذا التنافس، لأن لديك أكثر من 40 محطة غنائية وكل مستمع يختار لمن يسمع.

-بالحديث عن سراج عمر، لماذا لم تتعاون معه بشكل مستمر خاصة أنه قدم ألحاناً عديدة لكل من محمد عبده وطلال مداح، وماذا عن لومه للفنانين السعوديين بأنهم لم يتعاونوا معه ولم يدعموه كملحن؟
تعاونت مع سراج عمر في بداياتي ولكنه في الفترة الأخيرة لم يقدم أعمالا للفنانين. سراج ملحن متخصص ويفترض أن يقدم أعماله للفنانين كي يغنوها. أتصور أنه لم يبادربأعماله ويقدمها للفنانين.

-الفنانة الراحلة ذكرى كانت أيضا من المقربات إليك وتأثرت كثيراً بوفاتها، وسافرت خصيصاً لتحضر جنازتها، فماذا كانت تعني لك ذكرى؟
ذكرى صوت عظيم وفنانة من طراز نادر لم تقدم إلا جزءاً صغيراً مما تمتلكه من موهبة. كانت تربطني بها علاقة صداقة حميمة وقريبة.

-بعد رحيل ذكرى، هل فكرت أو تمنيت لو أنك غنيت مع ذكرى أو قدمت لها لحنا خاصا بها؟
عملت مع ذكرى والكثير من الفنانين العرب في أوبريت «ملك القلوب» بمناسبة مرور عشرين عاماً على تولي الملك فهد رحمه الله للحكم. وكانت هناك بداية فكرة لحن خاص بذكرى قبل وفاتها ولكنها رحلت قبل أن يكتمل اللحن.

-لم تفكر في الغناء مع ذكرى أو غيرها من الفنانات العرب؟
الحقيقة لا، فأنا لا أحب فكرة الدويتو. فهي فكرة قديمة جداً ويمكن أن ينفذها الفنان لمرة واحدة ويفرضها النص. لا يمكن أن أغير نص أغنية تحديداً ليناسب الدويتو. يجب أن تفرض نفسها الكلمات لوجود رجل وامرأة يغنيانها.

-من المطربة العربية التي يطربك صوتها؟
أصالة من أقوى الأصوات العربية وأجملها، وأنا أحب صوتها جداً.أيضاً أحب صوت يارا.

-كيف وجدت يارا في اللون الخليجي وهل أقنعتك كفنانة في تأديتها للأغنية الخليجية؟
يارا صوتها جميل وأدت اللون الخليجي بشكل جيد ومن القليلات اللواتي أتقنّ اللون الخليجي. ففي رأيي افضل من غنى خليجيا أصالة وذكرى وأيضا يارا أعجبني أداؤها.

-مَن من المطربين العرب يطربك صوته سواء من الشباب أو من القدامى؟
أسمع للجميع من الجديد ومن القديم، ومعظم سمعي من القديم، ولكن أحب أن أسمع لجورج وسوف وصابر الرباعي.

-في أي من المطربين الشباب يرى عبادي الجوهر نفسه؟
لا أرى نفسي في أحد. لايمكن أن يخلف الفنان أي فنان آخر، فلكل شخصيته وبصمته، والنسخة المقلدة دائماً خسرانة.

-دائماً ما تشيد بصوت أصالة ولكنك لم تلحن لها إلا في أغنية « قد الحروف»، فلماذا لم يجمعكما أي عمل آخر؟
اللحن الذي غنته أصالة لحن صعب وكبير ويقدر بعشرة ألحان. أنا أحب صوت أصالة جداً ويسعدني أن أتعامل معها ولكن لا أجد دائما النص الذي يناسبها، فهو أمر ليس بسهل. والنص هو الذي يعرقل أي مشروع فني، فإذا وجد النص المناسب إنتهت المشكلة.

-وهل صحيح أن أغنية « تغيب الناس» لبنت العطا في ألبومك الجديد كنت تنوي أن تعطيها لأصالة ومن ثم عدلت عن رأيك؟
الحقيقة أني كنت أرى أصالة في هذه الأغنية لكني لم أقرر أني سأعطيها إياها، خاصة أني لم ألتق أصالة في الفترة الأخيرة. والحقيقة أني أنهيت الأغنية وطبخت تماما كما يقال، لذا فلا يمكن أن تنتظر.

-تعتبر أحلام مطربة الخليج الأولى ولكن لم يتم بينكما أي تعاون، فهل هذا يرجع الى خلافاتها مع أصالة؟
أنا لست محامي أصالة وليس لي علاقة بخلافات الفنانات. وليس بالضرورة أن أتعامل مع كل الفنانين والفنانات الذين أحبهم فأنا لست ملحناً متخصصاً. إذا وجدت فرصة وطلب مني أي فنان أو فنانة أن أقدم لهم لحناً، فأنا أرحب بذلك ولكني لا أعرض ألحاني على الآخرين.

-من من المطربات الخليجيات يحب عبادي؟
عندما أسمع أحلام أشم رائحة الخليج الحلوة ونوال تطربني.

-من أستاذك وأنت أستاذ من؟
كنت أعتبر الراحل طلال مداح أستاذي باعتبار أنه هو أول من قدمني من خلال شركته وقدم لي ألحانا. أما أنا فلست أستاذا لأحد.

-وماذا عن محمد الجوهر ولماذا لم تعمد الى تبنيه؟
ذكرت أني لست ملحناً متخصصاً.  تبني الفنانين ليس تخصصي ولا وظيفتي. الملحن المتخصص هو الذي يتبنى الفنانين ويعطيهم ألحانه أما أنا فملحن متخصص لنفسي فقط وأتعاون إذا طُلب مني مع الفنانين والفنانات.

-وأين عبادي من المهرجانات كالجنادرية لهذا العام وأيضا مهرجان «هلا فبراير» الذي غبت عنه مع أن روتانا هي المنظم للمهرجان؟

لم أدع للجنادرية هذا العام وسبق أن كانت لي العديد من المشاركات فيه. أما «ليالي فبراير» فوجهوا إلي دعوة قبل أحداث غزة ثم أخروا الحفلات. بعدها ألغوا بعض الحفلات ومن ضمنها  حفلتي، وحفلة وردة، وحفلة رابح، وحفلة خالد بسبب ضيق الوقت. وأنا إذا دعيت إلى مهرجان ألبي الدعوة وإن لم أدع لا يؤثر في ذلك. فإذا غنيت في «ليالي فبراير»، فأنا إضافة الى «فبراير» وإن لم أغن لن ينقص مني شيء.

-هل هناك أغنية عزيزة على قلبك وكنت تتوقع لها النجاح ولكن لم تحقق توقعاتك مع الجمهور؟
أيام غزو الكويت كانت لي أغنية اسمها «شهر» للأمير عبدالرحمن بن مساعد. كانت أغنية جميلة جداً ولكنها ظلمت في ذلك الوقت. هي أغنية جميلة وبذلتُ فيها مجهوداً كبيراً.

-دائماً ما يقال ان أعمال عبادي الجوهر لا تنجح أو لا تأخذ حقها فور نزولها الى  الأسواق، لكنها تحصد النجاح تدريجياً وتستمر لوقت طويل. فما السبب؟
هذا بالنسبة إلى الأغاني المكبلهة والتي لا يقدمها في السعودية إلا أنا والفنان محمد عبده. الأغاني المكبلهة عادة لا يستوعبها الناس من المرة الأولى، مثل «دخون» و«مليت» و«مزهرية». كلها أغان طويلة ومكبلهة وتحتاج الى أن تُسمع عدة مرات. وأنا أعتقد أن النجاح التدريجي للأغنية أفضل من النجاح المفاجىء. وعادة أنا أتفاءل بالنجاح التدريجي للألبوم أو الأغنية، ليظل العمل في حالة نجاح مستمرة.

-يقال أيضاً إن عبادي ظلم كفنان ولم يأخذ حقه، فهل تشعر بهذا الأمر
أبداً على الإطلاق. لا أشعر بالظلم أبداً لأني عندما أقدم شيئاً لا أنتظر مقابلاً، فعادة لا أشعر بالظلم. يقال إني ظلمت إعلامياً وكثيراً ما كتبت عني أمور غير حقيقية، ولكني لا أهتم. ما يعنيني هو جمهوري الذي أقدم له كل ما في استطاعتي. أنا أقدم للناس أعمالاً جيدة لتصل إليهم وهي أبقى من أي شيء آخر.

-لماذا ارتبط الحزن بعبادي الجوهر حتى أنك لقبت بسفير الحزن، فهل هذا يرجع الى تجاربك الحزينة في الحياة مع الموت والفراق والألم؟
أنا أختلف مع من يصف أعمالي بالحزن، ولا أستطيع أن أصفها بالحزن ولكنها عاطفية بشكل كبير وملحوظ وليست حزينة. الأغاني لا تعبر عن واقع حياة الفنان.

-ولكن الأمير عبدالرحمن بن مساعد هو من أطلق عليك لقب سفير الحزن والمعروف أنه توأم روحك، كما يقال، فلماذا أطلق عليك هذا الاسم وهو مقرب جدا منك؟
لا أنكر أن أغنياتي فيها شيء من الحزن ولكن هذا لايعني أنها تعبر عن واقعي الحزين. كما قلت لك أنا أعتبرها عاطفية جدا. ومعظم أغنياتي من أغاني القصة، وعادة القصة تكون قصة حب. والحب فيه الهجر والبعد والنوى والشاعر لا يبدع إلا عندما يكون حزينا، وأنا أعبر عن المعاناة بشكل يترك الانطباع لدى الآخرين بأني حزين. كلمات الأغاني قد تلامس حزناً ما في داخلي، لكنها لاتعبر عن حياتي وواقعي.

-ولكن كنت قد لحنت أغنية « الجرح أرحم» للفنان محمد عبده ومن ثم غنيتها أنت لأنها عبرت عن واقع تجربتك المؤلمة عندما فقدت زوجتك، فهل بالفعل عبرت هذه الأغنية عن مشاعرك وهل تتجدد معها الأحزان كلما غنيتها؟
شعرت في تلك الفترة بأن هذه الأغنية تتلاءم مع ظروفي وشعرت بأني أولى بغنائها. هناك جروح لاتندمل وتأتي أغانٍ تنبش في هذه الظروف.

-المعاناة هي التي تولّد الإبداع، فلو لم تعش معاناة في حياتك كإنسان وتتعامل مع تجارب فقدان الأعزاء من سن صغيرة هل كنت أبدعت كفنان؟
بالتأكيد المعاناة تولّد الإبداع ولكن ليس بالضرورة أن تكون المعاناة حزينة. أنا تعاملت مع أحزاني كإنسان مؤمن بقضاء الله وقدره. بالتأكيد أثرت في بشكل كبير خاصة أني فنان أتعامل مع المشاعر والأحاسيس. لا أستطع كفنان أن أقدم شيئاً مالم تكن مشاعري وأحاسيسي مستقرة، وهذا ما حدث معي بعد وفاة زوجتي وأخي. لم أستطيع أن أقدم شيئا لمدة عامين.

-من المعروف أنك فقدت والدك في سن صغيرة وعشت مع والدتك التي ربتك بمفردها. كرجل ربته إمرأة كيف أثرت هذه التجربة في حياتك؟
كانت تقوم بدور الأب والأم، وكنت أحاول جاهدا أن أكون ناجحا حتى لا أخذلها. لها دور كبير في تربيتي ورعايتي بشكل سليم.

-حياتك مليئة بالسيدات، ماذا تمثل المرأة في حياة عبادي؟
كل شيء. ربتني والدتي رحمة الله عليها عشت مع زوجتي رحمة الله عليها ومن ثم رزقني الله ابنتين الله يحفظهما. فأنا محاط بالمرأة من كل مكان وهي كل شيء في حياتي.

-من صديقك الحميم؟
العود.

-علاقتك بالعود قديمة وحميمة تعود أصولها الى طفولتك، فمتى تتجلى بالعود وتصبح أنت وهو كياناً واحدا؟
في أي وقت وفي كل وقت. كلما شعرت بأني أريد الفضفضة أمسك بعودي.

-عرفت بخليفة فريد الأطرش وقال الراحل طلال مداح أنك تذكره بفريد.
أنا لست خليفة لأحد. لي أسلوبي وطريقتي في العزف وشكلي الخاص كعازف عود. الناس تطلق أحيانا ألقابا تعتقد أنها تفرح الفنان ولكنها لاتفرحني. فأنا لست بخليفة لأحد. أنا عبادي الجوهر فقط.

-هل تميزك كعازف للعود أثرى تجربتك كمغن؟
ليس هناك علاقة بين العزف والغناء.

-صرحت أنك ثلاثة في واحد: عازف ومطرب وملحن، أيهم أقرب إلى نفسك؟
أنا الثلاثة وكلهم مكملون لبعض. الملحن يكمل المغني والمغني يكمل العازف. عزفي يساعدني على ترجمة الجمل من خيالي.

-هل تعتبر نفسك أفضل عازف عود في العالم العربي؟
بالطبع لا. لا أعتبر نفسي أفضل عازف عود وهذا ليس تواضعا وإنما حقيقة. آلة العود مثل البحر، آلة كبيرة جدا وليس لها حدود. وكل شخص يمكن أن يبدع في منطقة معينة في العود. هناك العديد من العازفين غير المعروفين لأنهم لم يتمكنوا من أن يقدموا موهبتهم من خلال التلفزيون. قابلت الكثير من عازفي العود الجيدين ولكن لا أحد يعرفهم.

-نصير شمة عازف العود المعروف ومؤسس معهد العود العربي، كيف تقوّمه كعازف للعود ولماذا لم يفكر عبادي في نقل موهبته الفريدة في عزف العود للأجيال من بعده؟
نصير شمة عازف جيد ولديه من الوقت لكي يفرغه لتعليم العود. أما أنا فلست متفرغا للعود، لدي الغناء والتلحين وليس لدي متسع من الوقت. هناك الكثير من مدارس تعليم العود التي يمكن أن يلتحق بها أي هاو أو راغب في تعلم فن العود.

-يقال إن عبادي يتجلى ويبدع في الغناء عندما يغني لأم كلثوم أو عبدالحليم حافظ، فهل هذا دليل على تفوق الألحان المصرية وقدرتها على إخراج طاقات معينة في الفنان؟
هذه الأغاني هي التي تربينا عليها وتتلمذنا عليها، فنغنيها بشيء من التقدير والاحترام. ليس لأنه لحن مصري أو لبناني بل لأنه لحن جيد أو غير جيد.

-هل كونك فناناً سعوديا ضيق اختياراتك كفنان في الكلمات والألحان وجعلك تؤدي اللون السعودي أو الخليجي فقط؟
الفن ليس له وطن أو هوية. فعبدالحليم حافظ غنى باللهجة الكويتية وكثيرون من المطربين الخليجيين غنوا باللهجة المصرية. يمكن أن أغني بالمصري أو السوري أو اللبناني من باب التجربة، ولكن من الطبيعي كفنان سعودي أن أرغب في نشر ثقافة ولون بلدي. لدينا موروث شعبي كبير جدا ننهل منه ونبرزه بشكل جيد ونقدمه للناس. فرسالة الفنان السعودي أن يقدم اللون السعودي للآخرين كي يسمعوه، كما قدم لنا الآخرون ألوانهم. والأغنية السعودية اليوم تطورت واختلفت مما قدمناه أنا ومحمد عبده وطلال مداح وغيرنا من الفنانين السعوديين من خمسين سنة حتى الآن.

-كيف تصف تجربة راشد الماجد وعبدالمجيد عبدالله بخروجهم عن اللون الغنائي السعودي التقليدي ومحاولة إدخال نغمات سريعة وغربية على اللحن السعودي، هل هو محاولة منهم لمواكبة التغير الحاصل في الأغنية العربية بشكل عام؟
هذا لونهم الذي اختاروه. لكل فنان لونه وأسلوبه. الفنانون كالورود في المزهرية، لكل واحد لونه. فمنا من يقدم الخفيف ومنا من يقدم الكلاسيكي والجمهور يعرف لمن يسمع عندما يختار أن يسمع لونا معينا. فكل فنان يبدع في لونه الخاص به.

-وماذا عن تجربة الفنانات اللبنانيات؟ فهناك إليسا وأيضا نانسي التي سبق أن أشاد بصوتها الفنان محمد عبده بلونها المختلف وهيفاء وهبي بإثارتها للجدل.
الحقيقة أن لإليسا صوتاً جميلاً وتعرف كيف تختار أغانيها بشكل جيد، ونانسي أيضاً لها صوت ناعم ورقيق ولون خفيف وجميل، أما هيفاء فلاتغني. والفن اللبناني فن جميل وله قيمة ثقيلة تمثلت في السيدة فيروز وصباح ووديع الصافي وملحم بركات، فنانون لهم قيمة حقيقية.

-الكثيرات من الفنانات العربيات كفلة ويار ونانسي وديانا حداد وأصالة وغيرهن، لهن تجارب غناء بالخليجي، فهناك موجة أو شبه هجوم من الفنانات العربيات على الألحان السعودية والخليجية، فما تفسيرك لذلك؟
لو أن الفنانين السعوديين لم يقدموا اللون السعودي بهذا الشكل، هل كنا سنجد هذا الإقبال العربي على الغناء الخليجي وبالأخص اللحن السعودي؟ العمل الجيد ليس له جنسية ويصل بجودته وبقيمته  بعيدا عن جنسيته للجمهور، وجميعهن يبحثن عن العمل الجيد.

-من متابعتك لبرنامج «ستار أكاديمي»، هل لفت نظرك أي من المواهب السعودية التي قدمها البرنامج؟
الحقيقة أن «ستار أكاديمي» لم يقدم أي فنانين حقيقين، وربما التي وجدتها تتمتع بمقومات لا بأس بها هي العراقية شذا حسون. عدا عن ذلك لا أذكر أياً من نجوم «ستار أكاديمي» ولم يستمر أي منهم ممن خرجوا من البرنامج.

-ما سر العلاقة بينك وبين مصر؟
تربطني بمصر علاقة قديمة وطويلة وكل أعمالي سجلتها في القاهرة. علاقتي طيبة بالبلاد ذاتها ولي علاقات كثيرة في مصر. ولكن أيضاً لي علاقة حميمة مع لبنان، فهو البلد الأول الذي سافرت اليه وأيضاً أول تسجيل لي في حياتي عام 1969 كان في لبنان. لذا دائماً أتردد على مصر ولبنان.

-بعد أربعين عاما من العمل الفني، ألم تفكر في كتابة مذكراتك أو تجربتك الفنية؟
أنا دائما أكتب وعادة ما أدون مشواري الفني. هناك شيء مكتوب ولكنه ليس للنشر.

-ماهي أحلام عبادي الجوهر؟
على المستوى الفني أتمنى زوال الأغنية السخيفة وعودة الفن الى عافيته وليقدم الأعمال الجيدة والمميزة. الغناء حضارة وإن أردت أن تعرف حضارة قوم فاسمع موسيقاهم. أتمنى أن يرفض المستمع الأعمال الضعيفة والسخيفة والمتدنية. أما على المستوى الشخصي فأتمنى الستر من عند الله.