الإعلامية شهد بلاّن: الإعلام سرق مني حياتي الشخصية وجعلني امرأة واقعية وحزينة!

حوار: فاديا فهد 06 فبراير 2020

تنحدر الإعلامية شهد بلّان من عائلة تعشق الفنّ، لكنها اختارت الإعلام طريقاً تعبّر فيه عن أفكارها الاجتماعية والإنسانية، فانغمست في الإعلام الذي سرق منها حياتها الشخصيّة، وجعلها امرأة أكثر واقعية وحزناً… هي امرأة في بحث دائم عن الأمل وسط أخبار الموت والحرب والدمار. وحده الجيل الجديد في طموحاته وأفكاره الجامحة وغير التقليدية، يحمل الأمل الذي نبحث عنه جميعاً. هذا الجيل الذي ترغب شهد أن تقدّمه كمثال يُحتذى به في برنامج خاص بها. 


- من هي شهد الإعلامية؟

شهد بلاّن، إعلامية ومقدّمة برامج تلفزيونية، سورية الأصل، ولدت ونشأت في دولة الإمارات العربية المتحدة. لقد عشت طفولة مليئة بالحنان والحب والاستقرار وسط عائلة تضمّ والديّ وأخواتي الثلاث. نضجت وأدركت الحياة واخترت طريقي الخاص. بالتأكيد لم يكن ذلك من خلال كتاب قرأته أو يوم أو لحظة عشتها، بل من طريق تجارب ومواقف مررت بها… أحب القيام بأمور كثيرة، فأنا فتاة تهوى التجربة والمغامرة، ودائماً كنت أتخيّل نفسي في مجازفات ومغامرات جديدة. 

- كيف اختارك الإعلام لتسلكي طريقه؟

عندما التحقت بالجامعة، لم أكن قد قررت بعدُ ما هو الاختصاص الذي أنوي اختياره. كنت أُدرك ما أريد أن أكون عليه: شخصية متحدّثة، وصوتها مسموع… كنت أبحث عن مجال يصقل شخصيتي وينمّي مهاراتي ويحقق طموحاتي… التحقت بالجامعة الأميركية في دبي، وأذكر أنه طوال مرحلة الدراسة الجامعية كنت دائمة العمل والاعتماد على نفسي، خصوصاً في ما يتعلق بمشاريع الدراسة التي تقدَّم في نهاية الفصول الدراسية… وقد اخترتها كلّها تحمل رسالة. أحبّ أن أطّلع على كل ما يجري حولي في عالم الإعلام… فأنا اليوم مقدّمة برامج تلفزيونية، لكن لديّ خبرة كافية في إعداد البرامج وكتابة النصوص والحوارات، والإضاءة وضبط الكاميرات وغيرها من الأمور المتعلقة بالتصوير التلفزيوني، وكل ذلك أضاف قيمة كبيرة إلى عملي وخبرتي.

- تتحدّرين من عائلة فنية معروفة، هل فكّرت بالفن طريقاً لك، علماً أنك درست الإخراج السينمائي؟

أهوى الفن والموسيقى حتى أنني درست الفنون لمدة سنتين، وكنت أفكر بامتهان الغناء على خطى ابن عم والدي المطرب الراحل فهد بلان. لكن عندما التحقت بالجامعة، وسلكت طريق الإعلام وتعرّفت أكثر على أجواء الفن في الوطن العربي، أدركت أن هذا الجو لا يناسبني، وهو ليس ما أبحث عنه لبناء مستقبلي. الفن والغناء بالنسبة إليّ اليوم هما هواية، ولا أعتقد أنني سأحترفهما يوماً كمهنة. 

- ماذا سرقت منك مهنة المتاعب؟

أشعر منذ بداية عملي في مجال الإعلام، وتحديداً في قسم الأخبار، بأنني أفتقد عالم الطفولة والبراءة. لا أريد أن أقول إنني بدأت أفقد الأمل بغدٍ عربي أفضل، لكن هذا هو الواقع. عندما تقفين وراء الكواليس وتعرفين الكثير من التفاصيل عن حقيقة الخبر وأبعاده وبشاعته، تشعرين بمسؤولية كبيرة، خصوصاً أنك في بعض الأحيان لا تستطيعين أن تتشاركي بعض التفاصيل مع المشاهدين والجمهور.


- ماذا عن حياتك الشخصية؟ هل تضحّين بها من أجل الإعلام؟

الإعلام سرق منّي حياتي الشخصية: منذ أن عملت في مجال الإعلام، صرت أفكر ملياً بكل كلمة سأقولها، وبكل خطوة سأخطوها، وبكل صديق سأضيفه إلى حياتي، وفي كل تجربة قد أمر بها… أفكر بالشائعات والأخبار الخاطئة وسوء الفهم.

- من هو حبيب قلبك؟ وما هي صفاته؟ 

في الوقت الحالي، ما من رجل في حياتي. عندما أفكر في الارتباط، أحب أن يتحلّى شريك حياتي بالصفات التي تحلم وتبحث عنها كل فتاة في زوج المستقبل. أريده رجلاً يتمتع بالإخلاص والحب والحنان والشخصية القوية والرجولة الحقيقية. كذلك أريده طموحاً ويدعمني في كلّ خطواتي فنكمّل بعضنا البعض في النجاح وتأسيس العائلة. وأريد لهذا الشخص الذي سأختاره أن يكون حلو الحديث وكثيف الخبرات، متصالحاً مع نفسه ومع الآخرين. لا يهمّني الشكل والمظهر بقدر ما يهمّني المضمون والشخصيّة، فأنا لست من الأشخاص الذين تبهرهم المظاهر.

- هل تخافين الزواج؟

طبعاً أخاف الزواج... لا أخاف من الارتباط لأنه شيء جميل، لكنني أخشى أن يتغيّر الشخص بعد الزواج. لقد قابلت أصدقاء كثراً كانت السنوات كفيلة بتغييرهم… حتى أنا تغيّرت بطريقة تفكيري. هناك أمور كثيرة كفيلة بأن تغيّرنا. وفي الزواج، أخاف أن أتعرّف إلى رجل أحبّه وأتزوّجه ثم أكتشف أنه شخص آخر تماماً. كثيرات عانين من تغيّر أزواجهن بعد الارتباط، وهو ما أدى الى الخلافات التي انتهت بالطلاق. 

أحب أن يكون زواجي ناجحاً، ولا أحب التفكير في الفشل أو في الطلاق. لذا سأصبّ كل جهدي وتفكيري وعملي على إنجاح علاقتي بشريك حياتي الذي سأختاره. الشراكة الزوجية تستحقّ البذل والعطاء. وكما يقولون، كلما كبُر الشخص وتقدّم في السنّ، صار اختياره لشريك حياته أصعب… وأنا أؤمن بهذا القول. مع تقدّمي في العمر، أصبحت أقيس الأمور وأحسبها بطريقة مختلفة تماماً عن ذي قبل، لذلك أتريّث وأخشى من الاختيار الخاطئ.    

- هل من شروط معيّنة في اختيار زوج المستقبل؟

أنا شخصية بسيطة، ولا أعتقد أن لديّ شروطاً صارمة أو صعبة، وإنما حاجات وأمور أتمنى توافرها في زوج المستقبل. أرغب في أن يحترمني ويقدّرني ويحترم عملي ويخلص لي، وأن يكون شخصاً سوياً ومستقيماً في حياته وقراراته، ناجحاً وطموحاً. والأهم من ذلك كله، ألاّ يكون شخصاً ذا وجهين. 

- هل تتزوجين بسياسي، ولماذا؟ 

لن أقول لا بالتأكيد، لأن الزواج قسمة ونصيب في النهاية، ولا أحد منا يعرف ما قد يطرأ من تغيرات على حياته. ثمّة أمور نقول فيها لا ومستحيل أن تحصل، ولكن مع مرور السنين نراها جزءاً من حياتنا بشكل ما. مع ذلك، لا أحبّذ القيام بهذه الخطوة والارتباط بسياسي، لأن السياسة مهنة جد معقّدة وفيها الكثير من التشعّبات والتفاصيل، ولا أشعر بأنها مبنيّة كلياً على الشفافية والصدق، وأرى أن أهدافها ليست في كل الأوقات وجميع الحالات سامية. في السياسة الكثير من المصالح والتنازلات التي تحرّك مهنة السياسي، وشخصياً لا أحبّ هذا الأسلوب في الحياة، وأفضّل ألاّ أرتبط بسياسي.

- عملتِ في مجال برامج السياحة ثم انتقلتِ إلى الأخبار؟ هذه النقلة هل جعلتك أكثر تعاسةً، خصوصاً أن أخبار العالم العربي تعيسة الى حد الكآبة؟

عملت في مجال الإعلام السياحي في بداياتي في الإعلام، وعلى مدى سنتين، كانت خبرة جميلة بالنسبة إليّ. وعندما انتقلت الى قسم الأخبار، شعرت بصعوبة الأمر لأنني كنت أرغب في تقديم المساعدة في المآسي التي أذيعها، ولم أقدر على ذلك. لن أقول إن هذه التجربة جلبت لي التعاسة، لكنها كانت تحزنني كثيراً. أذكر أنني عندما انتقلت إلى هذا القسم، كانت الأخبار عن بلدي سوريا تتفاقم وتسوء، وكان أمراً في غاية الصعوبة عليّ. تعرّضت لحالة انهيار، خصوصاً عندما سافرت إلى تركيا وقمت بتغطية الأخبار من هناك على المعبر التركي - السوري. لقد أتعبني ذلك وأبكاني وجعلني أفكر: كيف يمكن أن يحدث ذلك لبلدي ولأهلي؟ أُصبت بحالة تخبّط: هل عليّ أن أغطّي أخبار بلدي بموضوعية، أم يجب أن أكون الشاهد الإنساني الذي يضع ورقته وقلمه وكاميرته جانباً ويسعى ويركض لمساعدة الناس؟ بدأت أفكر بماذا أريد ومن أنا وما هو هدفي وما هي رسالتي في الحياة… مما دفعني لتغيير هذا النهج والابتعاد عن الأخبار نهائياً.

أختي الصغيرة (آخر العنقود) درست الإعلام والصحافة، وهي تعمل الآن في مجموعة "أم بي سي" في مجال الأخبار. وها أنا أحاول، ومن خلال خبرتي في مجال الأخبار، إقناعها بأن تغيّر مسارها وتختار تقديم البرامج أو أي مجال إعلامي بعيداً من أخبار الدم والقتل والدمار. هي تذكّرني بنفسي وببداياتي، ولا أريد أن تسرق الأخبار بريق الأمل في عينيها.


- الفرح هل هو تمرين يومي؟

الفرح بالنسبة إليّ هو قرار وليس تمريناً يومياً. علينا أن نقرّر أن نكون أشخاصاً سعداء، ولا أعني بالسعادة الضحك والمُزاح والفرح اليومي. فالفرح بالنسبة إليّ هو حالة من السلام الداخلي نعيشها وتنعكس علينا شعوراً بالرضا والامتنان لكل ما وصلنا إليه وحققناه. سعادتي عندما أجلس في بيتي خلال عطلة نهاية الأسبوع وأفرح بكتاب أقرأه وصديق ألتقيه على فنجان قهوة. السعادة قرار داخلي.

- كيف تحصّنين نفسك من الحزن والإحباط؟ 

لا نستطيع أن نحصّن أنفسنا من الحزن، لكن يمكننا أن نعبّر عن أحاسيسنا وعن أحزاننا من أجل مزيد من الراحة الداخلية.  التحدّث عمّا يحزننا والصراخ والبكاء هي ردود فعل صحية أكثر من كبت المشاعر في داخلنا وتجاهلها. علينا أن نعطي كلّ لحظة حقّها كي تنتهي بسلام، ونتنفس الصعداء من جديد.

- ماذا علّمتك هذه المهنة؟ وماذا كرهت فيها؟ 

علّمتني ألا أستهين بنفسي، وأن أُجيد التعبير عن رأيي وأفكاري بطريقة لبقة ومحترمة للآخرين، وحتى إن كانوا مخالفين لرأيي تماماً. وعلمتني ألاّ أستسلم! أذكر أنني كنت في صغري انطوائية وخجولة، أخشى إبداء رأيي، وكنتُ قليلة الكلام. لكن عملي في مجال الإعلام، ساعد وبشكل كبير في صقل شخصيتي، وتغيّرها جذرياً. علّمتني هذه المهنة أن أكون وسطية في كل الأمور. ولم أعد تلك الفتاة الخجولة الانطوائية، ولا تلك العجولة المتسرّعة في قراراتها وحكمها على الآخرين، وصرت أكثر اتّزاناً. التجارب والصعاب التي مررت بها في هذا المجال كانت كفيلة بتعليمي وصقل شخصيتي، ولم يكن ذلك سهلاً أبداً. 

- هل حصل أن بكيت على الهواء؟

لا، لم يحدث هذا أبداً. لطالما تأثّرت بأخبار وأنباء سمعتها وأذعتها، لكن الأمر لم يصل إلى درجة البكاء على الهواء.

- هل كنت من أصدقاء نجوى قاسم؟ وهل تأثرت بغيابها المفاجئ؟ 

لم أكن من أصدقاء نجوى، لكن خبر وفاتها أحزنني كثيراً وتأثرت جداً بغيابها المفاجئ. لقد كانت نجوى مثال الإعلامية النشيطة والقديرة بالنسبة إليّ. لا أحد يستطيع أن يملأ الفراغ الذي تركته نجوى! لقد كانت مدرسة في الإعلام الإخباري. عزائي لأهلها ولنا جميعاً، فوفاتها تعتبر خسارة للإعلام العربي الذي فقد رمزاً من رموز القوة والذكاء والصمود والحِرفية والمهنية والرسالة والكلمة.  

- أي الأخبار هي الأحبّ إلى قلبك؟

الأخبار التي تبعث الأمل. أحبّ قصص النجاح والصمود، وأحبّ أن أشاهد أفلاماً وثائقية لأشخاص كانوا قد عانوا في حياتهم وتغلّبوا بالصبر وطول الأناة على واقعهم. هذا النوع من الأخبار يغذّي روحي.

- دبي، بماذا أفادتك الحياة فيها؟ وماذا علّمتك؟

دبي أتاحت لي فرصة كبيرة للالتقاء بأشخاص كثر من جنسيات وأعراق مختلفة وأديان متعدّدة والتعرّف إليهم. دبي علّمتني أن أتقبّل الآخر، لأنها الإمارة أو المدينة التي تقبّلت الجميع واحتضنتهم. نجاح إمارة دبي وتطوّرها وحضارتها انعكست فينا نجاحاً وتفاؤلاً وسعياً دائماً إلى الأفضل، وهي اليوم تحتضن الكثير من المفكرين وأصحاب المشاريع الناجحة والمبدعين والأسماء العالمية الكبرى. دبي بالنسبة إليّ هي مدينة الفرص الذهبية ولها الفضل الكبير في تطوّري ونجاحي. 


- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

أعمل على حملة توعية حول القيادة الآمنة في الطرقات، والتحذير من خطر السرعة. وأريد من خلال هذه الحملة أن أوصل رسالتي إلى فئة الشباب الذين لديهم شغف بالقيادة السريعة، بأن هناك أماكن مخصّصة لهواة هذا النوع من القيادة، وأن الطرقات العامة والشوارع ليست المكان المناسب لذلك، ويجب ألاّ نعرّض حياتنا وحياة الآخرين للخطر بسبب نزوة السرعة.

كذلك أطمح إلى تقديم برنامج حواري خاص بي، بعيد كل البعد عن الآلام والحروب المدمّرة التي تستنزف عالمنا العربي اليوم، وأريد أن يكون التركيز فيه كاملاً على مواضيع الشباب، فأحاورهم وأستمع إلى قصصهم، وألتمس الأمل الذي في داخلهم وأشاركهم تطلعاتهم وأحلامهم ومشاريعهم وإمكانياتهم التي يجب تسليط الضوء عليها وتعزيزها ومنحها الفرصة، ليكون هؤلاء الشباب هم النجوم والمثال الذي يحتذي به الجيل القادم. 

- كلمة أخيرة لقرّاء وقارئات "لها".

أشكر مجلة "لها" وقرّاءها وقارئاتها، لمتابعتهم هذا الحوار اللطيف والثري، وأود أن أوجّه لهم رسالة تقول: "لا تسمحوا لأي أمر أن يعكّر صفو حياتكم، ولا تتأثروا بالأمور المحبِطة أو التي تُشعركم بأنكم أقل شأناً من غيركم. لا تصدّقوا كل ما تسمعونه وترونه على السوشيال ميديا. ركّزوا على أنفسكم وحياتكم وعلى علمكم وعملكم ومستقبلكم. لا تسمحوا لأي شخص أن يقلل من قيمة طموحاتكم.. فلا شيء في هذه الحياة صعب المنال، هناك أشياء صعبة نعم، ولكنها ليست مستحيلة… ولكلّ مجتهد نصيب".