ريهام عبدالحكيم: نظرتي الى الحياة تغيرت بعد إنجاب ابنتي

القاهرة – محمود الرفاعي 20 فبراير 2020
تعيش الفنانة ريهام عبدالحكيم حالة من السعادة بعد تكريمها في مهرجان الموسيقى العربية مع عدد من نجوم الغناء في العالم العربي، على رأسهم الفنان الكبير محمد منير والفنان كريم العراقي. في حوارها مع "لها"، تتحدث ريهام عن هذا التكريم، وخروجها من عباءة الفنانة أم كلثوم، وما تعلّمته من والدها وتحب أن تعلّمه لابنتها.


- كيف تقيّمين تكريمك الأخير ضمن فعاليات مهرجان الموسيقى العربية؟

تكريمي في دار الأوبرا المصرية له مذاق مختلف وترك أثراً في نفسي، خاصة أنني نلته في مهرجان الموسيقى العربية، والذي تشرّفت بالغناء ضمن فعالياته. فمنذ سنوات طويلة غنّيت في الفرقة القومية مع المايسترو سليم سحاب، وكانت الراحلة رتيبة الحفني تُشرف عليه، أضف إلى ذلك أن التكريم مع كبار النجوم، وعلى رأسهم "الكينغ" محمد منير والشاعر فاروق جويدة، هو مدعاة فخر لي، ويعني لي الكثير، لأن المهرجان يفكر في تكريم الشباب. صحيح أننا اعتدنا على التكريم في سنّ صغيرة، لكن هذا التكريم مختلف تماماً، إذ يعكس الجهد الذي بذله كلٌ من معالي وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم، ومجدي صابر رئيس دار الأوبرا والمهرجان، والدكتورة جيهان مرسي مديرة المهرجان، فقد تربيت وسطهم ونلت ثقتهم، وأتمنى أن أكون على قدر هذه الثقة، وسعادتي بهذا التكريم لا توصف.

- هل كنت تتوقعين هذا التكريم؟

دُهِشتُ حين علمت بتكريمي ضمن فعاليات مهرجان الموسيقى العربية من الدكتورة جيهان مرسي، لكنني كنت أتوقع شيئاً من هذا القبيل. فقبل هذا المهرجان، كرّمتني معالي وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم في معرض الكتاب إذ أتاحت لي المشاركة بأغنية في المعرض، وكان لذلك وقع في نفسي، وتناهى الى مسامعي حينذاك أن مفاجأة أكبر تُحضّر لي، لكنني لا أعرف ما هي... بصراحة، عندما تسلّمت درع التكريم في المهرجان، شعرت بأن رحلة الكفاح التي خضتها في الفن لم تذهب سدىً، فالتكريم ليس وليد يوم وليلة، بل هو ثمرة جهود ومشوار طويل من المعاناة والحفلات والنجاحات والإحباطات التي تجاوزتها، آملةً دائماً تقديم الأفضل. والتكريم يحمّلني مسؤولية إذ يجعلني أحرص على ألاّ أخذل من كرّموني، وجمهوري في المقام الأول. ولا أخفيك أن المهرجان يُعتبر عيداً خاصاً بنا لكوننا أبناء دار الأوبرا، ونستضيف في دارنا هذه كبار النجوم في العالم العربي، فكيف لي أن أتخيّل أنني مكرّمة في بيتي؟! وما زاد في سعادتي هو إصرار إدارة المهرجان على إشراك كل الفئات العمرية في فعالياته، وتنمية المواهب، وهذا يدل على أن مهرجان الموسيقى العربية يشهد تطوراً ملحوظاً.


- هل ما زالت ريهام عبدالحكيم ترتدي عباءة أم كلثوم؟

لم نعد اليوم نغنّي في عباءة أم كلثوم، لكن انطبع في أذهان الجمهور أننا نغنّي لأم كلثوم منذ انطلاقتنا الفنية، واستمر هذا الانطباع لفترة. ففي البدايات لم تسمح لنا أعمارنا الصغيرة بغناء اللون العاطفي، واقتصر عملنا على الغناء ضمن فِرق تقدّم تترات المسلسلات، لذا غنّينا لـ"كوكب الشرق" أم كلثوم. وأذكر أنني حين خضعت لاختبارات دار الأوبرا في الصغر غنّيت لأم كلثوم، أما اليوم فقد اختلف الأمر بحيث خلعت جلباب أم كلثوم تدريجاً، وقدّمت أعمالاً خاصة بي، لعل أهمها غناء تترات أعمال فنية علقت في أذهان الجمهور، مثل مسلسلَي "بالورقة والقلم" و"فيها حاجة حلوة"، ثم قدمت ألبوماً خاصاً بي، ولم يعد أحد يسألني عن الغناء لأم كلثوم. ولا أنكر أنني أقدّم أعمالي الخاصة بالتوازي مع أعمال تراثية لكبار نجوم الغناء في العالم العربي.

- هل تتفاعلين مع عالم الغناء الذي أصبح مرتبطاً بمواقع التواصل الاجتماعي؟

للأسف الشديد، السوشيال ميديا غطّت على كل شيء، وفي الغناء أصبحت محرّكاً قوياً للأحداث، فلم يعد المطرب يعوّل على الألبوم أو الأغنية "السينغل"، بل أصبح يطمح الى ما هو أبعد من ذلك بكثير، بحيث بتنا نرى أشخاصاً لم يقفوا يوماً على خشبة المسرح، ويغنّون وتنتشر أعمالهم من طريق السوشيال ميديا وتحقق نِسب مشاهدة عالية، وبالتالي يظهرون في برامج وعلى شاشات الفضائيات ويسعى وراءهم كثر. مواقع التواصل الاجتماعي حلّت محل برامج اكتشاف المواهب، وتولّت منصّاتها تقديمهم، أما الألبومات الكاملة والأغاني المنفردة فقد اختفت نظراً لسهولة ترويج الأغاني عبر السوشيال ميديا. كذلك اختفى الإنتاج الموسيقي، وتعرّض لأزمات، ولم يتبقَّ إلا بضع شركات تتولّى مهمة إنتاج الأعمال الغنائية. وأحدث واقعة، النجاح الباهر الذي حققته أغنية "ملطشة القلوب" لمصطفى شوقي، فصوته جيد والأغنية بسيطة. لكن أخطر ما في الأمر، هو اقتحام عالم الأصوات من جانب مجموعة من الدخلاء لا صوت لهم، وأصبح لهم جمهورهم الخاص، وللأسف السوشيال ميديا تدخل كل بيت، لذا أجد صعوبة في السيطرة عليها، خاصة مع ابنتي لأعلّمها ما تسمع وما لا تسمع. ففي الماضي كان المطرب يُعتمد من جهة واحدة، وهي الإذاعة المصرية، حيث يخضع لاختبارات أمام لجنة من كبار الموسيقيين في مصر، ولا ينجح إلا إذا غنّى بصوت مميز.

- هل تؤيدين الحرب التي يشنّها نقيب الموسيقيين هاني شاكر على الأصوات الرديئة؟

ما يقوم به نقيب الموسيقيين الفنان الكبير هاني شاكر في الفترة الأخيرة من تنقية لكشوف النقابة، أمر في غاية الإيجابية. فهو بذلك ينأى بذائقة الجيل الجديد عن كل ما هو غث من أصوات، لكن اللافت هو دفاع فنّاني هذه الفئة عمّا يقدمونه من أغانٍ، متذرّعين بحجج واهية...، مثلاً حمو بيكا قال إنه "أكل عيش"، فهذا صحيح، لأن كل من يعمل في مهنة الفن يسعى لجمع المال لكي يستمر في العيش هو وأفراد عائلته، لكن هذا لا يعني أن يُفسح في المجال لأي شخص لا يمتلك أدنى موهبة ليغنّي ويصبح مطرباً تسمعه الجماهير. هناك تدرّج في المهنة وتراتبية، فهؤلاء يغنّون اللون الشعبي وهو لون مطلوب، لكن الموهبة الحقيقية تفرض نفسها، فالفنان أحمد عدوية غنّى اللون الشعبي وهوجم في البداية، ما أقصده أن اللون الشعبي مطلوب ويحبّه الجمهور، لكن على من يؤديه أن يمتلك الموهبة.

- هل ارتباطك الدائم بالأوبرا هو سبب ابتعادك عن الساحة الغنائية؟

منذ انطلاقتي الفنية في دار الأوبرا وأنا أعرف أن الأوبرا ليست جهة تسويق أو إنتاج، بل هي منوطة بحفظ التراث وتقديمه واكتشاف مواهب وصقلها فنياً، وتركّزت مهنة التسويق على الإعلام والقنوات الفضائية، التي أصبحت تلهث وراء كل ما هو غريب وليس أصيلاً. كما تخلّت عن دورها، فأصبح تسويق الأصوات المميزة صعباً جداً. لكن هناك نافذة مشرقة في تسويق أعمال الفنان، وهي التترات التي تساعد في نجاح المطرب، وهو بدوره يساعد في نجاح الأعمال الدرامية. ولا أنكر فضل تترات فيلم "عسل أسود" في تقديمي بشكل جديد ومختلف، بحيث عبّرت كلمات الأغاني عن الأحداث الدرامية، سواء في "بالورقة والقلم" أو "فيها حاجة حلوة".

- لماذا تقدّمين دائماً أغاني مختلفة عن تلك السائدة في السوق الغنائي؟

تجذبني دائماً الأغاني التي تحمل فكرة ورسالة، وتتناول حالة وجدانية نابعة من الواقع، ولا تكون مجرد كلمات رنّانة، وأنا لا أحبّ الأغاني الحزينة، لأن الفن بالنسبة إليّ متعة، ويجب أن يستمتع الجمهور بصوتي، ولا يكون سبباً في الآهات أو الدموع، فمن الممكن أن أُعبّر عما في داخلي من غضب، وأشارك المستمع لحظاته الحزينة، ثم أمنحه القوة والأمل في الغد، وهذا أكثر ما جذبني في "الكوبليه" الأخير من أغنية "بالورقة والقلم"، فالفن هو القوة التي تمنح الإنسان الصبر ليتحمل شظف العيش. هذا على صعيد كلمات الأغاني، أما بالنسبة إلى ألحانها فقد تعاونت فيها مع كبار الملحنين، من أمثال عمّار الشريعي وعمر خيرت وحلمي بكر وعبدالعظيم محمد وميشيل المصري وأمير عبدالمجيد ومنير الوسيمي ومحمود طلعت وخالد حماد وغيرهم. لذا أرفض أن أقدّم عملاً يقلّل من شأني ولا يضيف الى رصيدي الفني الذي لا يُعدّ ضخماً لكنه ثري، فأنا أبحث عن أعمال تضيف إليّ، وهو ما سيجده الجمهور في أغنية لي بعنوان "شكله طيب"، من كلمات عصام حسن وألحان محمدي، وأتمنى أن تنال إعجاب الجمهور.

- هل غيَّر الزواج كثيراً في شخصية ريهام عبدالحكيم؟

الزواج وبيتي وابنتي قلبت حياتي رأساً على عقب، خصوصاً بعد الإنجاب، بحيث تغيّرت نظرتي الى الأمور، وشعرت بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي كأم، فالفن والأسرة لهما الأولوية في حياتي، ويسيران بالتوازي كسكّتَي القطار.

- ما الذي تعلّمته من والدك وتحرصين على تعليمه لأولادك؟

والدي علّمني أن أرفض الوساطة والوسطاء، وأن أعتمد على نفسي وموهبتي واجتهادي منذ الصغر، وهو نفسه شقّ طريقه في الجيش بمفرده، ولم يلجأ الى وساطة أحد ليُحسّن مستواه، بل اتّكل على اجتهاده الشخصي والدراسة المستمرة، وأذكر يوم خضعت لاختبارات الأوبرا وأنا صغيرة أنه قال لي: "محدّش يساعدك إلا نفسك ولازم تكبري وحدك وتعافري في الحياة"، وهي نصيحة مهمة حرص على إسدائها لكل أفراد عائلتنا، لكنه في الوقت نفسه كان يساعدنا بأسلوبه الخاص ويدعم جهودنا في الحياة. وأبسط مثال على ذلك، أنه وقف معي كثيراً حتى أصبحت مطربة ولم يمتعض أو يتذمّر يوماً، وكان متنفسي من الضغوط الي أتعرّض لها. والأيام أثبتت لي صحة كلامه بأن الوساطة لا تصنع فناناً أو مطرباً، فقد تأتيك الفرصة من خلال الوساطة، لكن الاستمرارية رهن بتقبّل الجمهور لفنّك، ولا يمكن أحداً أن يستغبي الجمهور.