أستاذ مساعد قسم الطفولة المبكرة... الدكتورة سارة العبد الكريم: المعلمة أقدر على احتواء الطفل من المعلم

الرياض: آمنة الحلبي 09 مارس 2020
واثقة من نفسها، معتمدة على أدواتها، داعية بكل ما تملك من قوة لاحتضان الأطفال بحب وتربيتهم بالمحبة، بدءًا من البيت وصولا إلى المدرسة، لأنهم أحباب الله على الأرض. نتقرّب منهم، نفهم لغتهم، نصادقهم ليشعروا بروحنا تحميهم، نوائم بين عملنا وطلباتهم، فإن لم نفهمهم تصبح لغتنا عقيمة أمامهم ولا نستطيع فضَّ أختام قلوبهم الصغيرة، ولا لغتهم البسيطة بل الذكية. هذا ما أكدت عليه الأستاذ المساعد ـ قسم الطفولة المبكرة ـ في جامعة الملك سعود الدكتورة سارة العبد الكريم. الحاصلة على الدكتوراه في المناهج وطرق التدريس في رياض الأطفال، جامعة كلمســـون "University Clemson" Carolina" South" الولايات المتحدة الأمريكية في 2003 بدرجة امتياز . في حوارها مع "لها" حكت عن الطفولة وكيفية التعامل معها في البيت والمدرسة، من خلال رسالتها.


- كانت عنوان رسالتك "رحلة تعلم للقراءة والكتابة: دراسة لحالة إحدى معلمات رياض الأطفال و طريقتها في تعليم القراءة و الكتابة " ما هي الحالة التي أسقطت عليها دراسة الدكتوراه؟

كباحثة مهتمة بالتعرف على محاور التعلّم الفعّال في القراءة والكتابة للطفولة المبكرة، كان من المهم دراسة نماذج ناجحة لبرامج ممتازة في الولاية التي درست فيها، ومن ضمن هذه النماذج إحدى المعلمات في الطفولة المبكرة التي تميزت على مستوى الولاية في هذا المجال فجاء موضوع الرسالة، دراسة لحالتها ودراسة للتعرف على محتويات برنامجها، وتغيرها الكمّي والنوعي على مدار العام.

- ما هي النتيجة التي خلصت إليها؟

الدراسة أرشدتنا إلى أن الطرق التقليدية التي تتم ممارستها في معظم روضاتنا الأهلية هي أساليب غير فعّالة في زراعة الدافعية للتعلم كونها تعتمد فقط على التعليم الموجه في حصة مدتها ثلاثين دقيقة لتعليم تقليدي لا معنى له عند الطفل وخارج عن السياق بتطبيقات لا تتناسب مع خصائص النمو.

- ما هو التعلّم الفعال؟

التعلم الفعّال يحتوي على أنواع وممارسات لا يعتمد فقط على تعلم الحَرْف وكتابته، إنما يدرج الأساليب المتنوعة والمناسبة لخصائص النمو والمعتمدة على التعلم الذاتي والتعلّم باللعب لإنتاج طفل قادر على القراءة والكتابة في رياض الأطفال وهو مستمتع وليس مجبر.


- أهم النقاط التي خرجت منها باختيارك لهذا العنوان؟

التعامل مع الطفل يتطلب مرونة شديدة، والنظرة إلى العملية التعلّمية للطفل تتطلب القدرة على التغيير والتغيّر، وتبنّي الأفكار غير المعهودة، وكسر النمطية.

- هل تقومين بتدريب معلمات الروضة لكسر النمطية؟

حين كنت معلمة في رياض الأطفال مع الوزارة، كان تأثيري جدا محدود، لكن بعد انتقالي للجامعة أصبحت قدرتي في التأثير على معلمات رياض الأطفال أكثر كوني أعمل على إعدادهن في المستقبل، وبعد مسيرة طويلة استطعت تغيير طرق تعليم الطفل للغة، من خلال إعداد معلمته، مع تبني بعض من المدارس لبرنامجي تحت عنوان "توازن".

- برنامج "توازن" لتعلم الطفل من خلال الأنشطة اللامنهجية أليس كذلك؟

الطفل يستطيع تعلم اللغة من خلال جميع الأساليب والوسائل من لحظة ولادته، ولا تتوقف تعلم اللغة أيا كانت على حصة من ثلاثين دقيقة لتعلم الحرف وكيف يُكتب، لأن الفكرة المنتشرة في بلدنا خاطئة جدا.

- بعد خروجنا من المرحلة التحضيرية إلى المرحلة الابتدائية، ما هي المعوقات التي تواجه الطفل في تلك المرحلة؟

سؤال رائع ومهم جاء في الوقت الذي أسندنا فيه تعليم الأولاد في الصفوف الأولية للمرأة، كونها أقدر على التعامل واحتواء الطفل في هذا العمر، حيث ثبت بعد دراسات مطولة قامت بها الوزارة بأن مخرجات الطلاب لدى المعلمة كانت أقوى من الناحية الأكاديمية من المعلم، فإذا تم إقران ذلك بمناهج مناسبة لخصائص النمو من خلال إدخال اللعب بالعملية التعلمية في الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية، وأصبح التعلم ذاتيا، بعيدا عن حشو المعلومات التي لا تفي ولا تذر، فسنحصل على نقلة نوعية عظيمة في التعلم المبكر.

- في إحدى حوارات "لها" تبين أن الحكومة السعودية تعمل على برامج ممتازة بناء على التعاون السعودي الفلندي في التعلّم مفاده أن الطفل في المرحلة الابتدائية يتعلم من خلال وسائل النشاط اللامنهجي، أين وصل ذاك التعاون؟

هذا السؤال تجيب عليه وزارة التعليم، لكن نحن متفائلون جدا في التغيير نحو الأفضل، نظرا لتحقيق نقلة نوعية إيجابية السنوات القليلة الماضية ، وربما تتطلب العملية وقتا لتحقيق ذاك التعاون، فلننتظر متفائلين.

- أحيانا يتعرض الطفل للعنف الأسري ويواجه العنف المدرسي بنفس الوقت، كيف نساعده ليخرج من تلك المحنة، لأن العقل السليم في الجسم السليم؟

الأسرة والمدرسة توأمان من التكاتف والتعاون من أجل مصلحة الطفل، إن اختل أحدهما، كان الأمل في الطرف الآخر كي يعوّض أو يقوّم، فإذا وُجد ضعف في الأسرة تقوّمه المدرسة، وإن وُجد ضعف في المدرسة تقوّمه الأسرة، لكن حين يكون القصور من الطرفين يصبح الضحية هو الطفل. ولدينا اليوم نظام حماية الطفل صدر منذ عدة سنوات، كان الهدف منه أن الكل مسؤول عن سلامة الطفل النفسية والجسدية، لو رأت المدرسة آثار الإيذاء الأسري على جسد الطفل، عليها تبليغ لجان الحماية الاجتماعية لأخذ اللازم. والكل محاسب، والكل مسؤول، مما يدل على تحرك قوي وقانوني للحفاظ على الطفل وحمايته.

- على أثر العنف الأسري إما يصبح الطفل عنيفا أو خجولا منكسرا، كيف نعالج هذه الحالة؟

في بعض الحالات يؤدي المعلمات والمعلمين دور البطولة لإنقاذ الطفل، ويختلف الانقاذ إن رأت المعلمة عملها كمهنة، وضعت بصمة وغيّرت حياة الطفل. لكن إن رأتها وظيفة فقد لا تتحرك الحراك الفعال المطلوب الذي ينقذ الطفل.

- هل يكون الحل من داخل الأسرة التعليمية؟

التعليم رسالة كبيرة إن أدركت المعلمة رسالتها في العملية التعليمية أخرجنا منتجات واعية متوازنة، لأن العملية التعليمية ليست إكساب الطفل مجموعة من المعارف إنما تشكيل الشخصية وبناء المواطن ولا يحدث ذلك إلا بالعمل على الجانب النفسي.

- التنمر من أصعب الحالات التي تواجه الطفل، وتحوله إلى طفل منعزل تماما، ما الأسلوب الذي يجب اتباعه في المدارس؟

نحتاج إلى نظام حازم وصارم تحت عنوان "لا للعنف" لأننا اليوم نعيش تضارباً ما بين الأسس التربية التي تقول "لا للعنف" وبين ثقافة محلية بائدة تقول أن العنف جزء أساسي من الثقافة، وأن ضرب الأطفال جزء من التربية، وأن الضرب قوة، فكيف نقبل بخلل في الشخصية وننظر لها على أنها إيجابية أو مسلّمات اجتماعية، ولا ندعم تحقيق الأسس التربوية التي يجب أن تسود. لأن التنمر ليست مسؤولية الضحية، وإنما مسؤولية القائد والمشرف والأبوين، ومن الصعب رمي المسؤولية على الضحية والطلب منه أن يكون قويا، فلو كان يمتلك القوة النفسية والجسدية للدفاع عن نفسه لما احتاج للجوء للراشدين لإنقاذه.

- أين دور الراشدين لتخفيف هذا التنمر أو ترويض المتنمر والحد من تصرفاته؟

هذه قاعدة أساسية ومهمة، الراشدون هم المسؤولون عن ايقاف التنمر وليس الطفل المتنمر ولا الضحية. فالضحية محتاجة احتواء والمتنمر محتاج إرشاد وعلاج. والمطلوب من المدارس أن يكون لديها سياسة واضحة وخدمات إرشاد للطلاب يعينهم على التعرف على الحالات وإرشادها أو توجيهها للخدمات النفسية خارج أسوار المدرسة. فالمتنمر هو نفسه ضحية، إما أن يكون لديه مشاكل أسرية كبيرة، أو مشاكل مدرسية، يجب حل مشكلة المتنمر ومن ثم نضع حداً للتنمر، وللأسف الجهود ضعيفة في مدارسنا لعلاج المتنمر الذي يحتاج لإرشاد نفسي وأكاديمي واجتماعي، لأن معظم المتنمرين ضعفاء دراسيا، لذلك يبرزون قوتهم في مجال آخر.

- ما أثر التنمر على الطفل نفسيا واجتماعيا ودراسيا، إن لم يجد من يقف إلى جانبه؟

مدمر وخطير وآثاره تمتد حتى الكهولة، لأنها مرحلة بناء شخصية ـ فإن لم ننظر له بجدية لعلاجه كونه ثقافة مجتمع، فإنه سيأخذ منحى آخر، لأن التنمر فعل مدمر وقاتل للطفل وللمجتمع ويجب محاربته.

لدينا نسب تنمر عالية لكن لا يوجد دراسات لها، أما السبب الأول والمتصدر في انتحار الأطفال في أمريكا فهو التنمر، لكن الفرق شاسع بيننا وبين أمريكا كون أمريكا ترفض التنمر وتقوم بعمل برامج له وتعالج الاثنين معا.

- أمة اقرأ لا تقرأ، وأنتِ أكدتِ على زرع حب القراءة لدى الأطفال، ما هي الطريقة المثلى لزرع تلك المحبة؟

أول وأهم نشاط ممكن أن يقوم به المربي في المدرسة والمنزل هو أن يقرأ للأطفال، ونحن لا نقرأ لأطفالنا للأسف سواء في المدرسة أو في المنزل، مع العلم أن القراءة للطفل تُعتبر المفتاح لتوليد حب القراءة عند الأطفال، ويجب على المعلمة ممارسة القراءة يوميا على طلابها لخلق جيل مميز بشخصيته وتفكيره.

- تلك الثقافة شبه معدومة وإن وُجدت هل تفي بالغرض المطلوب؟

من يُؤمنون بالقراءة أمام الأطفال قد يُخطئون في انتقاء الكتب، ويرون أن الكتب يجب أن تكون ذات رسالة واعظة ودروس لا تفي بالغرض ويأتي ذلك على حساب الحبكة الجذابة الممتعة، لأنهم يرفضون ويستبعدون خيارات مناسبة للأطفال من باب أنها لا تحمل رسالة أخلاقية، لكن ربما يكون لها رسالة علمية أو رياضية أو ثقافية وقد يكون لها رسالة أخلاقية غير مباشرة، والسبب لدينا تزمت في انتقاء أدب الطفل ومن ضحايا ذلك، استبعاد الحبكات الجاذبة لينتج استبعاد تعلق الطفل بها.

- لماذا نرى أساليب عقيمة في المدارس لتخويف الأطفال دينيا واجتماعيا؟

لأن هناك اختلاف بالفكر الديني الذي ينطلق من الترغيب بالترهيب، وهذا يعود إلى المدرسة الفكرية للمعلم والبيئة التي أتى منها، إن كان سلوكيا فهو يريد النتيجة بغض النظر عن الوسيلة، أما المعلم التربوي فينظر للوسيلة التي تحقق الحدث.

- من محاضراتك تؤكدين على توظيف أدب الأطفال الجيد في المناهج الابتدائية، ما الأسلوب لتوظيفها؟

الأدب لم يدخل إلى مدارسنا، ولننظر إلى القطع المدرسية في كتاب القراءة التي نجدها خالية من الحبكات المثيرة ولا تمت إلى حياة الطفل بصلة مما أفقدها جاذبيتها، بل تُعلّم القراءة ولا تُحبب فيها وعلى سبيل المثال لا الحصر لماذا لا نضع فقرة "يرقة تحولت إلى فراشة" لماذا لا تدخل تلك العبارة في مادة العلوم، وتدخل المعلمة بقصة مشوقة، وتنتقي ما يناسبها لتستفتح به الدرس، لأننا لا نعترف بفتح كتاب ورقي أمام الطفل والقراءة أمامه، وبالتالي حرمنا الطفل من حب الكتاب الورقي والقراءة فيه.

- لذلك ركزتِ جهودك في المجال التربوي وعملت على تبسيط المعلومة للطفل بطابع مرح وحصدت جائزة "الثريا" عن خدمة المجتمع؟

أقوم بعمل دورات للمعلمات والأمهات تحت عنوان "كيف تحبب الطفل بالقراءة" من خلال قراءة قصة بأبسط صورة بلحظات ممتعة وحميمية وليست وعظية، لأن الأدب العربي لا يهتم بالفكاهة للطفل، ويختلف عن الأدب الأجنبي الذي يهتم بهذه الناحية فحبب الطفل في القراءة.

- لكن أدبنا العربي يعجُّ بقصص الأطفال ومنهم الشاعر السوري سليما العيسى حين يقول: ماما ماما يا أنغاما ...تملأ قلبي بندى الحب؟

فهم بعض الكتّاب العرب للطفل قاصر، لأنهم يكتبون للطفل من منظور راشد وليس من منظور طفل عكس الأدب الغربي وهذا فرق كبير، لذلك ليس كل كاتب للكبار يصلح أن يكتب للصغار، وإن وُجد فهم قلائل.

- ماذا منحتك جائزة الثريا؟

هي دافع للمتابعة والسير للأمام، وعدم التوقف عن الجهود الحثيثة من أجل الطفل، تلك زكاة العلم، لأن الجائزة تخص تحديدا الخدمة الاجتماعية التي أقوم بها من أجل الأيتام ومع الأمهات لرفع الثقافة الوالدية ونشر ثقافة القراءة وحماية الطفل من التحرش، وكل ما أقدمه في خدمة الطفل.

- كيف نستخدم الفن التشكيلي في العلاج النفسي؟

هذا بحد ذاته علم مستقل ومعتمد وناجح، لكن نحن في المدارس لم ندرك بعد الجانب العلاجي للفن وركزنا على الجانب الجمالي لدرجة أننا نطلق أحكاما على عمل الطفل بكل جهل وتعسف، وما علينا إلا ترك الطفل ليعبر بحرية عما رسمه، وربما يظهر بالعمل جوانب نفسية بحتة وخاصة إذا دلّ الرسم على مشاكل أو حوادث مرّ بها الطفل، وبهذا نستخدم الفن كمفتاح للدخول إلى عالم الطفل.

- ما النصيحة التي توجهها د. سارة للأمهات ولمعلمات الأطفال؟

لتكن قاعدتك التربوية التي تلتزمين بها ألاً تمارسي ما لا ترضيه أن يُمارس عليك، لأن القاعدة الأساسية التي نسير عليها "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" وما لا ترضيه لنفسك لا ترضيه لطفلك، وانتقاء الأساليب التي تتسم بالإنسانية أمام الأطفال، ولتكن التربوية النبوية دليلك العملي في التربية لتنشئي جيلا مستقيما لبناء المجتمع والوطن.