قرارات وقضايا وخلافات... أسرار أزمة مطربي المهرجانات في مصر

القاهرة - ماجد رشدي 20 مارس 2020
فجأة اشتعلت أزمة مطربي المهرجانات في مصر... فنقابة المهن الموسيقية في مصر تقرّر منعهم من الغناء، ونقيب الموسيقيين هاني شاكر يعلن: «القرار نهائي». بعض هؤلاء المطربين لم يجد أمامه سوى التعبير عن الندم والمطالبة بفرصة أخرى، والبعض الآخر قرر اللجوء إلى القضاء. أما الجمهور والوسط الفني فانقسمت آراؤهم حول هؤلاء، فبعضهم رحّب بقرار إيقافهم عن الغناء وطالب النقيب بالتمسّك بقراره وعدم التراجع عنه، والبعض الآخر قرّر دعمهم بطرق مختلفة رافضاً فكرة منعهم من الغناء. مطربو المهرجانات في مصر قصة مثيرة وتفاصيلها مليئة بالمفاجآت.


حتى سنوات قليلة مضت، لم نكن نسمع بمَن يسمَّون بـ “مطربي المهرجانات”، وهم فئة من المطربين شكّلوا ظاهرة تُعنى بتطور الأغاني الشعبية لكن بإيقاعات راقصة وكلمات غريبة تمتلئ في معظم الأحيان بالألفاظ والإيحاءات المزعجة.

البداية

انطلقت أغاني المهرجانات للمرة الأولى في مدينة الإسكندريةمن خلال فرقة “الدخلاوية” المكوّنة من “فيلو” و“توني” و“محمود ناصر”، حيث كان “مهرجان الدخلاوية” أول مهرجان يُنظَّم في مصر، تبعته مهرجانات عدة للفرقة نفسها، ثم ظهرت فرق متنوعة في كل مناطق الجمهورية، وكان مهرجان “السلام”  لـ”أحمد فيجو” و“علاء فيفتي”، أول مهرجان يُقام في القاهرة، بعد ذلك دخلت شركات الإنتاج المصرية في صناعة المهرجانات وانضم إليها العاملون في «الديجيهات»، ثم انتقلت تلك الموسيقى إلى عالم الإعلانات التجارية.

وبمرور الوقت، تطورت هذه الموسيقى وتوالى ظهور مطربي وفِرق تلك النوعية من الأغاني، خاصة في الأحياء الشعبية، بل وتم تصنيف «أوكا وأورتيغا» و«شحتة كاريكا» كمطربي مهرجانات خاصة بعد أغنيتهم الشهيرة «إلعب يلا».

ووجد مطربو المهرجانات لهم جمهوراً من البسطاء، خصوصاً سائقي سيارات التاكسي والميكروباص وأبناء الطبقات الفقيرة، وسرعان ما انتشرت أغاني المهرجانات في أوساط الطبقات الاجتماعية المصرية، ولم يعُد يخلو حفل زفاف أو خطوبة منها، ويصاحب تلك الأغنيات نوع من الرقص الشعبي يتناسب مع إيقاعها الموسيقي الصاخب.

خارج السيطرة

ومع المكاسب المادية الكبيرة التي بدأ يجنيها مثل هؤلاء المطربين - إن جازت التسمية -، زاد عددهم وظهرت أسماء كثيرة غريبة مثل «الدخلاوية» و«كزبرة» و«حنجرة» و«حمو بيكا» و«مجدي شطا» و«الصواريخ» و«العفاريت»، وآخرهم «حسن شاكوش» و«عمر كمال» صاحبا أغنية «بنت الجيران» التي أحدثت ضجة كبيرة وحققت نِسب استماع غير مسبوقة، حتى أنها احتلت المركز الثاني في قائمة الأغاني الأكثر استماعاً في العالم على موقع «ساوند كلاود».

وكانت معظم أغاني المهرجانات تصدر بعيداً من أعين الرقابة على المصنّفات الفنية ونقابة الموسيقيين، وهو ما جعل صنّاع تلك الأغاني يتمادون في استخدام كلمات خارجة عن المألوف.

مقابل مادي

يؤكد الملحن حلمي بكر، الذي يُعد أحدّ الرافضين لهذه الظاهرة المسمّاة بـ»مطربي المهرجانات»، أن نقابة المهن الموسيقية كانت سبباً في انتشارهم بعد أن سمحت لهم بالغناء من خلال إصدارها تصاريح «دي جي» مخصّصة لهم، وأن النقابة فعلت هذا لدعم نفسها مادياً، لأن هؤلاء يدفعون مبلغاً مالياً مقابل كل تصريح.

ويرى بكر أن قرار نقيب الموسيقيين المصريين هاني شاكر ليس سوى مجرد مسكّنات لتهدئة جمهور عريض يرفض هذه النوعية من الأغاني، وأن أصحابها سيعودون مجدداً، ولا حلّ إلاّ بتطبيق القانون عليهم بحزم.

لكن هاني شاكر يؤكد أن النقابة عندما سمحت لهؤلاء بالغناء كان هدفها الرئيس هو استيعابهم وضمّهم إلى حضن النقابة لمراقبة كل يغنّونه وإبقائهم تحت السيطرة... لكن ورغم تعهّد معظمهم بالالتزام بكلمات لا تخدش الحياء، لم يفوا بوعدهم، وهو ما اضطره الى إصدار قرار بإيقافهم عن الغناء.

وجاء هذا القرار بعد أزمة حفل «حسن شاكوش» و«عمر كمال» في «ستاد القاهرة» حيث قدّما النسخة القديمة من أغنيتهما الشهيرة «بنت الجيران»، والتي تضمّنت ألفاظاً غريبة، وهو ما جعل هاني شاكر يستشيط غضباً، خاصة أنه كان قد اتفق معهما على تغيير تلك الكلمات.

ورغم أن «شاكوش» و»كمال» اعتذرا وأكدا أنهما فوجئا بالنسخة القديمة من الأغنية في الحفل، ولم يتعمّدا غناءها، لكن هذا لم يشفع لهما عند النقيب الذي أصرّ على قراره مؤكداً أنه يشمل جميع مطربي المهرجانات وليس «شاكوش» و«كمال» وحدهما.


القائمة الكاملة

شملت قائمة الممنوعين من الغناء، والتي أصدرتها نقابة المهن الموسيقية 16 مطرباً وفرقة مهرجانات، وهم: «حمو بيكا» و«مجدي شطا» و«كزبرة» و«حنجرة» و«الصواريخ» و«العفاريت» و«العصابة» و«بصلة» و«الزعيم» و«وزه ومطرية» و«عمرو حاحا» و«الديزل» و«علاء فيفتي» و«الكعب العالي» و«شواحة» «أبو ليلة» و«أندرو الحاوي».

وطلبت النقابة من مديريات الأمن وأقسام الشرطة في محافظات الجمهورية كافة تنفيذ قرارها، في حال مخالفة أي شخص من المذكورة أسماؤهم أعلاه، استناداً إلى المادة 5 مكرر من قانون 35 لسنة 1978، والتي تنص على عقوبة السجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على 3 أشهر، وغرامة لا تقل عن 2000 جنيه ولا تزيد على 20 ألف لكل من يخالف قرار النقابة.

كما طلبت النقابة من المنشآت السياحية والفنادق العامة، عدم استضافة أو تنظيم حفلات لتلك الأسماء حتى لا يقع أصحابها تحت المساءلة القانونية، لعدم امتلاكهم تصاريح نقابية.

انقسامات

وزادت الأزمة اشتعالاً حيث هاجم بعض مطربي المهرجانات نقيب الموسيقيين هاني شاكر، حتى أن “حمو بيكا” قرر رفع دعوى قضائية ضد النقابة بسب قرار إيقافه عن الغناء، وأصدر عدد كبير منهم بياناً أكدوا فيه أن قرار منعهم من الغناء تسبّب في خراب بيوتهم بعد أن وجدوا أنفسهم مطالَبين بدفع مبالغ مالية ضخمة كشروط جزائية لعدم قدرتهم على إحياء الحفلات التي تعاقدوا عليها بالفعل، مطالِبين بمنحهم فرصة ثانية مع الالتزام بكل ما تطلبه منهم نقابة الموسيقيين.

الأزمة لم تقتصر على طرفَي النزاع، المطربين والنقابة، بل امتدت لتشمل الجمهور والوسط الفني الذي انقسم بدوره ما بين مؤيد لقرار هاني شاكر، بل ويرى أنه قرار تأخر كثيراً في الصدور، ومطالباً أيضاً بإدراج محمد رمضان في تلك القائمة بسبب ما يقدّمه من أغانٍ لا تقل هبوطاً عن أغاني المهرجانات، ومن يصرّ على أن تلك الأغاني مطلوبة ولها جمهورها، مُطالباً النقيب بالتراجع عن قراره، لدرجة أن البعض أطلق “هاشتاغ” بعنوان “هاني شاكر ضد الشباب”.

كذلك انقسم الوسط الفني الى فريقين، أحدهما أيّد النقيب، والآخر قرّر دعم هؤلاء المطربين بطُرق مختلفة، مثلاً عرضت الفنانة رانيا يوسف عبر حسابها على “إنستغرام” فيديو وهي ترقص على أنغام أغنية المهرجانات “بنت الجيران”، كما استضافت مذيعات البرنامج الشهير “نفسنه” الذي يُعرض على فضائية “القاهرة”، حسن شاكوش وقد رقص الجمهور معه على أغنيته، ونشر الفنان هشام ماجد مقطع فيديو وهو يغنّي “بنت الجيران” تعبيراً عن رفضه لقرار منع مطربي المهرجانات من الغناء. كما طالبت لقاء الخميسي باحتضان هؤلاء المطربين مؤكدةً أن منعهم ليس الحل.

وهكذا تتواصل أزمة مطربي المهرجانات في مصر ما بين محاولاتهم العودة وإصرار نقيب الموسيقيين على منعهم من الغناء، وانقسام آراء الجمهور والوسط الفني حولهم.