الوزيرة اللبنانية غادة شريم: حان الوقت لتغيير النهج والتفكير

حوار: روزي الخوري 25 أبريل 2020
لطالما وضعت تفعيل دور المرأة نصب عينيها منذ بداية كتاباتها الصحافية، وهي اليوم تعتبر أنّ الأزمة اللبنانية التي يعيشها لبنان تخطّت التمييز بين الرجل والمرأة، فهمّ الوطن فوق كلّ شيء. جيل الشباب الذي تعوّل الوزيرة اللبنانية الدكتورة غادة شريم عليه، توليه أهميّة كبيرة انطلاقاً من عملها الأكاديمي كمديرة وأستاذة جامعية. تحضّ الشباب على التحلّي بالروح الإيجابية وانتهاجها كعنوان لاجتياز المرحلة الصعبة التي يعيشها لبنان. فهي من المتفائلين رغم الصعاب والتحدّيات التي تدركها تماماً. حديث مُشبع بالأمل والثقافة وبُعد الرؤية مع الوزيرة شريم. ماذا تقول المسؤولة السياسية والأستاذة الجامعية والمُلمّة بعالم الإعلام والأمّ في الوقت نفسه، عن غد لبنان وشبابه؟ وأيّ صورة تقدّم للمرأة اللبنانية؟


- من الإعلام إلى السياسة وتحديداً حقيبة وزارة المهجرين. هل سعيت للوصول إلى هذا المنصب؟ وهل من جهة داعمة لك؟

لم أسعَ إلى المنصب، لكنّ كان لديّ نشاط سياسي في البلد من خلال ندوات ومحاضرات ومؤتمرات شاركت فيها ومحورها إدخال المرأة في السياسة، وأيضاً من خلال صفحة الفايسبوك "السياسة كلمة مؤنّث" التي أملكها، والتي تسعى لإدخال المرأة إلى عالم السياسة من باب إرساء الكوتا النسائية الموقتة على سبيل المثال. أما الجهة الداعمة لي فهي الشعب اللبناني الذي يريد أن يخلّص بلده من الأزمة المستفحلة. فقد حان الوقت لتغيير النهج والتفكير وإعطاء فرص لمن هم من خارج النادي السياسي والإقطاعية، ولمن هم من رحم الناس، ليتفهّموا معاناتهم ومشاكلهم. فمعظم الوزراء في هذه الحكومة مواطنون لبنانيون وموظّفون وقادرون على تفهّم مطالب الشعب.

- أيّ حقيبة كنتِ تفضّلين غير حقيبة المهجّرين؟

كوني أستاذة جامعية، لربّما كنت أكثر ميلاً إلى وزارة التربية أو الثقافة. لكن لا أخفي أن دخولي وزارة المهجّرين والعمل فيها على خط الإنماء الريفي يتماشيان مع اختصاصي الجامعي في العلوم الإنسانية.

- هل يمكن القول إنّك استثمرتِ خبرتك الأكاديمية والإعلامية في هذه الحقيبة الوزارية؟

هنا الخبرة مزدوجة، خبرة إدارية لكوني كنت مُشرفة على مجلّة "فيروز"، ومديرة كليّة الآداب في الجامعة اللبنانية، وهذا ما سهّل عليّ العمل الإداري في الوزارة. واختصاصي في العلوم الإنسانية يتلاقى مع متطلّبات الوزارة التي تفرض التعامل مع الناس. فهدف الوزارة هو العودة الحقيقية لأبناء القرى إلى قراهم. البعد الإنساني نوليه أهمية كبيرة، وهدفنا عودة البشر وليس الحجر فقط. ومن هنا عملنا مزدوج، عودة المهجرين مادياً بالتوازي مع الإنماء الريفي، وخصوصاً الإنماء الاقتصادي ليترسّخوا في قراهم.

- كنت في حقلَي التعليم الأكاديمي والإعلامي وعينك على السياسة، هل الصورة من داخل الحدث مختلفة، خصوصاً أنّ البلد يمرّ في ظروف استثنائية؟

عندما دخلت شعرت بأنّ التغيير ضروري. فالتغيير مطلوب في كلّ مكان وفي مختلف الظروف. النفَس الجديد يعطي جواً مختلفاً. وآن الأوان للبنان أن يتعامل مع شؤونه العامة بنمط جديد ومختلف كالذي تسير عليه الحكومة اليوم.

- هل اشتقتِ إلى مهنة الإعلام التي تعيش اليوم أزمة غير مسبوقة، أو تعتبرين نفسك محظوظة لأنك ابتعدت عنها في هذا الظرف؟

لم أخرج يوماً من مهنة الإعلام التي لا تزال تسكن فيّ. وما يمرّ به القطاع ليس أزمة بمقدار ما هو اختلاف في الظروف والمعطيات. على الإعلام أن يواكب التطور، فالعصر الحالي هو عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. ومع محبّتي للورق ورائحة الحبر، نحن الآن في مرحلة انتقالية ستشهد غياب الصحافة الورقية لاعتبارات عدة، على سبيل المثال اعتبارات بيئية أو تواصلية من حيث السرعة في بثّ الخبر. ولكي يتجاوز الإعلام أزمته، عليه المواكبة السريعة والاقتناع بأن هناك مرحلة جديدة تولد. والأمر نفسه ينسحب على الكتب، ولكن هذا لا يعني أنّه إذا غاب الورق غابت القراءة بدورها، وحدها طريقة القراءة والأبحاث اختلفت. كما أنّ التكنولوجيا والإنترت إذا عرفنا استغلال إيجابيتهما فستسهُل علينا أمور وأبحاث كثيرة. هناك فرق كبير بين كيف كان والدي الأستاذ الجامعي يحضّر الدروس، وكيف أحضّرها أنا اليوم بصفتي أستاذة جامعية، إذ إنّ المهمّة أصبحت أسرع وأسهل إلى حدّ ما.

- هل هذه الحكومة قادرة على إحداث فرق وانتشال البلد من الغرق أكثر؟

نعم، وأنا متأكدة رغم أن الصعوبات كبيرة والأمور تتأزّم أكثر. ولكن نأمل أن نتخطّى هذه الأزمة لأنّ الناس يدركون حجم المخاطر، والتماسك والتكاتف ضروريان. كل بلدان العالم تمرّ في أزمات كبيرة، والأزمات تذهب وتعود وتبقى البلاد. الحكومة بتركيبتها الحالية وبإصرارها على العمل والشفافية ستصل بالتأكيد إلى برّ الأمان.

- هناك اتجاه أو سعي لإلغاء هذه الوزارة، أين دورك؟ وهل هي خطوة ممكنة؟

هي حقيقة وليست اتجاهاً أو سعياً. فالوزارة أُسحدثت لتكون موقتة لمدّة ثلاث أو أربع سنوات. ولكنّها للأسف لا تزال قائمة بعد 28 عاماً. ملفّ المهجرين بذاته يجب إقفاله لأنّه ذكرى أليمة وأيام سوداء مرّت على لبنان. نأمل أن يُقفل هذا الملّف وتتحوّل وجهة الوزارة إلى الإنماء الريفي، بدءاً بإنماء المناطق المهجّرة، وصولاً إلى مختلف الريف اللبناني.

- مشاكل وقضايا عالقة كثيرة في لبنان، أيّ قضية كنت تتمنّين حملها إلى المجلس النيابي ويمكنك فعل ذلك اليوم؟

هناك العديد من المشاكل وأنا مستعدة لحملها إلى المجلس النيابي، لعلّ أبرزها قضية الجامعة اللبنانية وضرورة الاهتمام بها وتفعيل دورها، وكذلك ومن خلال احتكاكي بجيل الشباب، وقبل بروز المشكلة المادية والاقتصادية في البلد، كنا نلاحظ كأساتذة جامعيين أنّ الجيل الشاب لا يتنشّأ بطريقة سليمة لناحية الثقافة والانتماء الوطني والفكر التعميري وليس التدميري. ومن هنا أودّ التوجّه إلى الحراك اللبناني، ليعمل بطريقة صحيحة وسلمية وإيجابية ولا يركب الموجة بطريقة عمياء، فنحن كوزراء بحاجة الى الشعب الذي يقف بالمرصاد كي يردع الخطأ إذا حصل. الشباب اللبناني المنتفض، ونحن معه، عليه أن يكون إيجابياً وليس سلبياً، وهذه التنشئة يجب أن تكون في البيوت والجامعات والمدارس وتلاقي المواطنة. فبدل أن يتعب الشباب ويفكروا بالرحيل، عليهم مساعدتنا بدل التركيز على الأمور السلبية. الشعار المرفوع في التظاهرات "كلّن يعني كلّن" أنا ضدّه، ويجب استبداله بشعار "متابعة ملاحقة محاسبة" كما اقترحت إحدى الصديقات. وعلى الحراك أن يتوزّع مجموعات في كلّ وزارة تراقب سير عملها. فالتهجّم على حكومة عمرها أسابيع غير منطقي. ساعدونا للعمل، وعندما تشعرون بعدم تجاوبنا، لكم الحقّ في مواجهتنا.

- منذ تسلّمك المهمّة إلى اليوم، هل من تقدّم أحرزته أشعرك بالسعادة؟

نعم، لكوني استطعت أن أضبط الأرقام وتمكنت من تيسير 1049 ملفّاً عالقاً في الوزارة. وأتوجّه إلى كلّ معترض بأن يراجعنا، ونحن مستعدون لدراسة أيّ ملف وأيّ إشكال.

- ستّ وزيرات في الحكومة اللبنانية، هل هذا دليل على أنّ المرأة في لبنان قادرة على الوصول وتحقيق الأهداف؟

من النتائج الإيجابية للثورة أنّها أظهرت فاعلية المرأة في الساحة اللبنانية، وإلى أيّ مدى تخاف على بلدها. ووجود السيّدات في الأزمات له فاعليته، لأنّهن محصّنات في مواجهة الفساد. هذا لا يعني أنّ الرجال أكثر فساداً، ولكن الفرق أنّ المرأة تريد أن تثبت نفسها في المعترك السياسي وتُبرز قدراتها.


- ماذا ينقص المرأة اللبنانية بعد؟ وأيّ قضيّة نسائية في صلب اهتمامك؟

اليوم لا نفرّق بين رجل وامرأة، لأنّ وضع البلد أخرجنا إلى حدّ ما من قصّة رجال ونساء. فبسبب أهمية المسألة الوطنية لم يعد في إمكاننا التفريق، وهذا من الإيجابيات، بمعنى أننا انصهرنا بالاهتمامات. في الوقت الحاضر، الأولوية هي للاهتمام بمشاكل المواطن الذي يريد أن يخلّص وطنه.

- هل الكوتا النسائية أمر أساسي لحفظ دور المرأة في الحكم؟ وأيّ إضافة يمكن أن تقدّمها؟

أنا مع الكوتا الموقتة، أقلّه ثلاثون في المئة. وقد أثبتت الانتخابات النيابية الأخيرة ضرورة إقرار هذه الكوتا، لأنّ الذهنية السائدة في البلد لا يمكن تغييرها إلا بذلك. وبعد أن يتلمّس الناس فاعلية المرأة في السياسة ستتغيّر هذه الذهنية تلقائياً، لذا أنا مع إقرارها موقتاً. فكما شعروا بالإيجابية اليوم على الصعيد الحكومي، سينسحب ذلك على النيابة.

- هل كان المحيطون بك يتوقّعون خبر تعيينك وزيرةً في الدولة اللبنانية؟

لم يتوقعوا ذلك رغم أنّ المقرّبين كانوا دائماً يردّدون على مسمعي "يليق بكِ المنصب السياسي". وطُرح اسمي في اللحظة الأخيرة، والدليل أنّ الإعلام لم يتحضّر لطرح اسمي ولم يوردوا تفاصيل شخصية عنّي لحظة إعلان خبر التعيين.

- ماذا عن العائلة وكيف يدعمك أفرادها؟ أخبرينا عنهم؟

زوجي العميد المتقاعد شارل عطا، وابنتي ليا عمرها 22 عاماً وحائزة إجازة في التسويق وتحضّر للماستر. وابني مارك (18 عاماً)، سنة أولى حقوق. وأنا حائزة دعمهم المطلق. مارك سعيدٌ بوصولي إلى هذا المنصب، وليا القريبة من الحراك تخشى أن أؤخذ بجريرة الآخرين وأن "أحترق"، وكانت تتمنى أن يكون التعيين في مرحلة أخرى.


- كيف تبدّدين هواجسها؟

أقول لها إن التحدّي جميل والمراحل الصعبة هي التي تُبرز الكفاءة. وهي في انتظار الإنجازات لتواجه بها المعارضين.

- زوجك، كيف يدعمك؟

الزوجان إذا أرادا أن يدعم أحدهما الآخر فهما قادران على الوصول كلّ إلى هدفه. وإذا كان الهدف غير ذلك فالرجل قادر على التأثير سلباً. وفي رأيي أنّ السيدة المتزوّجة إذا لم يدعمها زوجها فقد تتراجع عن طموحاتها. في ما يخصني، الدعم مشترك، فأنا أدعمه عند الحاجة، وهو أيضاً.

- لكنك اليوم في منصب قيادي، هل الأمر هو نفسه؟

لم يتغيّر شيء، لأن زوجي وصل إلى مناصب سابقاً وكان الأمين العام للمجلس الأعلى وله حيثية اجتماعية، ولم يشعر بنقص في مكان ما، بل على العكس فرح بمنصبي وبقي على دعمه المطلق لي.

- هل يصعب على ربّة المنزل المواءمة بين الداخل والخارج؟

عندما تكثر الأولويات يصبح التنظيم ضرورة. واعتدت دوماً في مسيرتي المهنية والتعليمية التنظيم، وما ساعدني أكثر أنّ ولديّ في سن الشباب ويتفهمان.


- كيف تصفين نفسك كأمّ؟

لست أمّاً متطلّبة مع أولادي، وأؤمن بأنّ كلّاً منهما يعطي على قدر طاقته. لم أسألهما يوماً عن العلامة الأعلى في الصفّ، بل عمّا كانت علامتهما السابقة. في نظري، تشكّل الأمّ لأولادها نموذجاً وهم يندفعون لمجرّد رؤية أمّهم مندفعة ومؤمنة بما يقومون به. لا أفرض شروطاً قاسية لأنني أمّ متفهّمة وقريبة منهما، وأناقشهما بودّ انطلاقاً من خبرتي في التعامل مع جيل الشباب في التعليم.

- بعد أن تغادر غادة شريم الوزارة، هل تعود إلى العالمَين الأكاديمي والإعلامي؟

بالطبع سأعود إلى العمل الجامعي. وهنا أريد أن أتحدّث عن الجامعة التي هي من صلب اهتماماتي وسأنقل معاناتها إلى المجلس النيابي. يجب تفعيل المؤسّسات الحكومية، ففي الأزمات ليس لنا سوى الدولة. وقد أظهر طلاب هذه الجامعة قدراتهم، كما أظهرت المستشفيات الحكومية في الأزمات فاعليتها.

- أخبرينا عن تجربتك الإعلامية؟

كتابة المقالات قادتني إلى طَرق هذا الباب عندما كنت طالبة جامعية. وأولى كتاباتي كانت "خواطر امرأة". وأُسندت إليّ كتابة صفحة خاصة بي في مجلّة "فيروز" حيث تطوّرت وتسلّمت بعدها الإشراف على المجلة. إلى جانب كتابات أخرى لي نُشرت في جرائد ومجلات مختلفة. تجربة الصحافة كانت غنيّة وجميلة ولا تزال حتى اليوم تسري في عروقي.

- إذا طلبنا منك كتابة مقال، تحت أيّ عنوان تضعينه؟

"حلم امرأة".

- هل حقّقتِ حلمك في الحياة؟

على الصعيد الشخصي نعم، لكنني أحلم بأبعد من ذلك، أن أرى بلدي كما أحب أن يكون.

- كلّ الأهداف التي رسمتِها لنفسك تحقّقت، هل من أهداف أخرى بعد؟

بعد أن أُنهي عملي الوزاري وأعود إلى الجامعة، قد تركّز أبحاثي والمؤتمرات التي سأرأسها أو أحضّرها على الاتّجاه الإنمائي الريفي الذي أعمل عليه في الوزارة ويتلاقى مع الأدب. هذا إلى جانب دور المرأة ومشاركتها الفعلية في السياسة.

- ماذا تقولين لامرأة طموح تريد الوصول؟

أن تظلّ واقعية وتضع أولويات وترسم مخططاً تسير عليه وتتذكّر أنّ المحافظة على بيئتها ووجودها وعائلتها أساس، وما وصلت إليه لن يدوم إلى الأبد.

- ما هي حكمتك في الحياة؟ وهل أنت متفائلة أم متشائمة بالوصول إلى حلّ ينقذ البلد؟

لا حكمة محدّدة لي، بل أميل إلى التفاؤل حتى في الأزمات الكبرى، وأنا متفائلة وواثقة بأننا سنصل إلى برّ الأمان.