زاهي وهبي: 'خليك بالبيت' أصبح من الكلاسيكيات

مقابلة, منتدى الإعلام العربي, سياسة, محمود درويش, مارسيل خليفة, زاهي وهبي, مركز المشاعر الإنسانية, كاتبة, محمود سعد, قناة المستقبل, برنامج حواري تلفزيوني, برنامج مباشر تلفزيوني

11 سبتمبر 2009

شاعر وكاتب وإعلامي من الدرجة الأولى. تتميّز جملته بالواقعية البعيدة عن الغموض والتعقيد. أما حواره، فيتميّز بالأسلوب الرصين والجاد الذي أثبت أنه أكثر بقاء من ذاك الذي يعتمد على الإستفزاز والإثارة الخالية من الهدف. يعترف زاهي وهبي بحبّه للضوء والشهرة. فهو يؤمن بأنّ ما من أحد يعمل في التلفزيون والإعلام ويكره الضوء ويعادي الشهرة. ورغم هذا يقول إنه لو كُتب له أن يرتاح مادياً بالمطلق لترك العمل التلفزيوني وتفرّغ للكتابة والشعر وتحقيق طموحه في كتابة رواية... فزاهي لديه وجهات نظر عدّة في طريقة الحوار والأسلوب والمادّة التلفزيونية التي يقدّمها للجمهور. وبمناسبة العام الثالث عشر على مواصلة «خليك بالبيت»، يعتبر أنه مادام استمرّ هذه الأعوام وأصبح ماركة مسجّلة فليحافظ عليه. كما أن صدور كتابه الشعري الجديد "يعرُفك مايكل أنجلو" منذ أيام استدعى أيضاً استضافته لسؤاله عنه. في هذا الحوار تحدّث زاهي عن جديده، حواراته، شعره، علاقته بزوجته الإعلامية رابعة الزيات، والأبوّة وابنه «دالي» وانتظاره شقيقة له، وعلاقته بولدي رابعة، والعرضين اللذين تلقّاهما من محطتين فضائيتين، وغيرها من الأمور. 

- لاحظنا توقف عرض برنامج «خليك بالبيت» خلال شهر رمضان المبارك وابتعاد زاهي وهبي كلياً عن الشاشة الرمضانية وحتى عن البرامج الإنسانية والاجتماعية. هل كان ذلك خشية من زحمة المسلسلات وتأثيرها سلباً على نسبة مشاهدتك؟
في العادة يوقَف بثّ برنامج «خليك بالبيت» خلال الشهر الفضيل الذي يكون فيه الناس منجذبين أكثر إلى المسلسلات. وكنت في كلّ شهر رمضان أقدّم برنامج «ستّ الحبايب» ولكنني منذ سنتين لم أقدّم هذا البرنامج لأسباب عدّة، أبرزها أنه بعد وفاة والدتي صرت أتجنّب طرح موضوع الأمهات بانتظار أن يبرد التأثّر والحزن، وحتى لا ينعكس حزني الشخصي على البرنامج والضيوف والناس. لذلك يوقف «خليك بالبيت» خوفاً من زحمة المسلسلات بل بسببها، وذلك أن إقبال المشاهد على متابعة هذه الأعمال أكبر بكثير من البرامج المعتادة. وهناك العديد من البرامج الحوارية توقيت إجازتها السنوية في هذا الشهر الفضيل.

- هل نجاح «خليك بالبيت» جعلك تعيش تحت عباءته إلى درجة أنك حاولت التغيير ولم تنجح في سواه؟
بصراحة من الصعب أن أقوّم برامجي بنفسي. ولكن أعتبر أن برنامج «ست الحبايب» كان من أنجح البرامج، وكان يُعرض بالتزامن مع برنامج «خليك بالبيت». فأنا من أنصار نظرية أنه إذا نجح برنامج معيّن واستمرّ أعواماً وكان يحظى برضا المشاهدين وبتجاوب الضيوف يصبح تغييره نوعاً من الدلال والترف. فبالنسبة إليّ أجد نجاحه لأعوام متتالية استمراراً له وليس العكس. فقد دخل «خليك بالبيت» في سنته الـ 13إلى قائمة البرامج التي تعدّ من ضمن كلاسيكيات التلفزيون. فعندما يُقال «خليك بالبيت» يخطر ببالك على الفور تلفزيون «المستقبل» والعكس صحيح. فهو من البرامج التي استمرّت وارتبط اسمها بالشاشة. من هنا لا أجد ضرورة للتغيير خصوصاً أنني أقدّم برنامجاً حوارياً إنسانياً ثقافياً. فطالما أصبح الإسم ماركة مسجّلة فليحافظ عليه.  

- هل تشعر بأنه مازال للبرامج الحوارية مشاهدون خصوصاً مع تكرار الوجوه والضيوف وانتقالها من محطة إلى أخرى؟
لا يجوز التعميم علماً بأن جزءاً مما تقولينه صحيح. فهناك ضيوف باتوا يتكرّرون كثيراً من برنامج إلى آخر، وينتقلون من محطة إلى أخرى، وبالتالي المواضيع هي نفسها. فلذلك أحاول أن أستضيف وجوهاً وأسماء غير مستهلكة أو مكرّرة أو ضيوفاً ربما غير موجودين دائماً في دائرة الضوء والإستهلاك الإعلامي، وذلك حتى يرى المشاهد تجارب مختلفة يُسلّط الضوء عليها للمرّة الأولى أو لمرّات نادرة. فهناك عشرات الأسماء التي استضفتها وكانت نادرة الظهور، ورغم هذا ما زال برنامجي يحظى بنسبة عالية من المشاهدة.

- ولكن عرفنا أن «خليك بالبيت» في حلّته الجديدة سيركّز على نوعية ضيوف جديدة. فهل هذا هو التغيير الذي سيطرأ عليه؟
سأتحدّث بكثير من الصراحة. مدير تلفزيون «المستقبل» الجديد الأستاذ سمير حمود الآتي من القطاع المصرفي لديه علاقات قوية مع المصرفيين ورجال الأعمال، وقد تمنّى عليّ استضافة بعض الشخصيات الناجحة في المجالين المالي والمصرفي بمعدّل مرّة أو مرّتين في الشهر، وذلك ليضفي نكهة خاصة على البرنامج الذي سيحافظ على نكهته السابقة لجهة الإبقاء على عرض تجربة الضيف الإنسانية، وكيف تكوّنت، وما هي المراحل التي مرّ بها، ماذا تعلّم، كيف صنع نجاحه، كيف صنع شهرته، وكلّ ذلك ضمن أسلوب «خليك بالبيت» المتعارف عليه مع الأخذ في الإعتبار المتغيرات في الصناعة التلفزيونية بمعنى أن يكون إيقاع الحوار أسرع مع تخفيف السيرة الذاتية أكثر من ذي قبل. فقد كنّا نعتبر أننا نقدّم شبه سيرة ذاتية للضيوف خصوصاً أن مدّة البرنامج كانت أكثر من ثلاث ساعات في بداياته. لذلك يمكن القول إن السيَر الذاتية أصبحت شبه معروفة وقدّمت مئات الحلقات منها. 

- هل انتقالك إلى استضافة رجال الأعمال هو بسبب بدء ظهور الوجوه والشخصيات الصعبة من محطة إلى أخرى إلى درجة أننا لم نعد نستغرب إطلالة محمد عبده وعادل إمام ويسرا وعبد الرحمن الأبنودي وغيرهم على الشاشات؟
كلمة انتقال لا تدلّ على حقيقة الموضوع. فأنا مستمرّ في استضافة هذه الشخصيات الناجحة والمهمة، ولكنني منفتح على استضافة شرائح جديدة. وقد أستضيف شخصيات ناجحة اجتماعياً أو إنسانياً وليس بالضرورة رجال أعمال ومال. ويمكن أن تكون هذه الشخصيات من قطاع معيّن أو أصحاب تجارب معيّنة، تجارب إنسانية تستحقّ أن يتوقف عندها الإنسان مع الإستمرار في استضافة مثقفين وشعراء وفنانين خصوصاً أن السمة الثقافية أساس فيه بدليل أنه بعد عودة البرنامج استضفت الفنان عبد الكريم الشعار ونضال الأشقر ونعمان الأزهري رئيس بنك لبنان والمهجر، وبعد ذلك هناك حلقة عن محمود درويش وأخرى عن عزة فهمي. وسيبقى التنوّع سيّد البرنامج مع إضافة لمسات جديدة خفيفة.

- كيف يمكن للإعلامي أن يميّز نفسه باستضافة شخصية تظهر في أكثر من وسيلة إعلامية؟ وما هو التميّز في أسلوب زاهي؟
أجد صعوبة في التحدّث عن نفسي وعمّا يميّزني عن زملاء آخرين. ولكن إذا استرجعت مسيرة «خليك بالبيت» في شكل خاص وجدت في هذه التجربة احترام الضيف وعدم إشعاره بأنه في جلسة استجواب أو أنه يتعرّض لعميلة استفزاز مجانية بالأسئلة وطريقة الحوار، بالإضافة إلى عدم لجوء المحاور إلى استعراض العضلات وتحوّل المضيف إلى ضيف. كما وجدت أن الإحترام والتهذيب والإصغاء تجعل الضيوف يبوحون بأشياء أكثر لم يفشوا بها في برامج أخرى أو حوارات أخرى. وأظنّ، وإنما بعض الظن إثم، أنه ربما هذا ما ميّز «خليك بالبيت». فقد تعلّمت هذا الأمر ليس من أولى حلقات البرنامج بل حلقة بعد حلقة وحوار بعد حواراً وسنة بعد سنة أصبحت أخفّ وطأة على الضيف وأقل استفزازاً له رغم أن الكثيرين يفضّلون الحوارات المستفزّة، إلا أن الإستفزاز المجاني والإثارة المجانية الخالية من الهدف يتحوّلان مع الوقت إلى صراع الديَكة الذي لا يحمل أي معنى.

- ولكن الجمهور ينجذب إلى هذا الأسلوب سواء كان مكتوباً أو مرئياً؟
صحيح ولكن لوقت قصير. ولا أعتقد أنه يستمرّ بدليل أن الحوار الرصين والهادف غير المملّ وغير المضجر يُكتب له الاستمرار كما كُتب لـ «خليك بالبيت» كلّ هذه السنوات.

 

- ذكر مرّة الإعلامي محمود سعد أن زاهي وهبي من أهمّ المحاورين والإعلاميين على الساحة. كيف تفسّر رأي زميل لك ومن «الكار» نفسه يقول عنك ذلك؟
محمود سعد شهادته فيّ مجروحة وهو صديق عزيز وزميل محترم وراقٍ. أشكره من كلّ قلبي ويُسعدني جداً أن يكون إعلامي وصحافي بمستوى محمود سعد له تجربة طويلة وناجحة في هذا المجال، وابن مصر وما فيها وما لها، أن يقول عني هذا الكلام، الأمر الذي يُشعرني بالفرح والإعتزاز. ولا أريد أن أردّ له المجاملة أو التحية بأحسن منها، ولكن دون شكّ أنه من أنجح الإعلاميين العرب. وهذه أخلاق نبيلة أن يعطي زميل رأيه بزميل آخر بهذه الإيجابية والمودّة العالية.

- هل تتابع عادة البرامج الحوارية التي تبثّ على الشاشات العربية خصوصاً أنه ضمن مجالك وعليك متابعة كلّ ما يحدث ويعرض؟
أتابع عندما أكون موجوداً في البيت. ويقول المثل بما معناه أن ابن المهنة أقلّ اهتماماً من الإنسان الذي لا ينتمي إلى المهنة نفسها. فأحياناً أخرج مساءً من المنزل وأجلس في مقهى أو في مطعم مع زوجتي رابعة أو أكون في زيارة. ولكن عندما يتسنّى لي مشاهدة حوار على قناة ما أتابعه أو أتابع جزءاً منه لمعرفة ما يحدث، ومن هم الضيوف الذين يظهرون أكثر من غيرهم والعكس صحيح، وكيف هو أسلوب هذا الزميل وكيفية حواره. كما يمكنني الإستفادة من الأصغر والأكبر ومن الجديد والقديم.

- ما هي البرامج التلفزيونية التي تشدّ انتباهك وتحرص على مشاهدتها دائماً؟
لا أحرص على متابعة عمل أو برنامج معيّن، ولكن حين أكون في المنزل أشاهد معظم الزملاء.

- كيف تمضي يومك منذ بداية النهار حتى آخر الليل؟ وهل أنت كائن ليلي أم نهاري؟ 
أنا مزيج من الاثنين، نهاري وليلي. وأسمح لنفسي أن أقول إني شخص مجتهد وأحترم عملي وأُنجزه على أكمل وجه مهما كان. ولكني لست كائناً مكتبياً وليس لديّ مكتب أساساً وليس لي دوام يومي، فبالتالي أستخدم المقهى كمكان ومتنفّس للخروج والجلوس مع الأصدقاء وأيضاً كمكان للعمل بمعنى أنني أحمل معي أوراقي وكتبي ودفاتري وأحضّر لبرنامجي في المقهى، كما أكتب قصيدة أو مقالاً في المقهى، فبالتالي جزء كبير من وقتي نهاراً يكون في المقهى، والجزء الثاني الليلي يكون في المنزل. فأنا إلى حدّ ما بيتوتي.. في السابق لم يكن اسم برنامجي ينطبق عليّ أيام العزوبية لأنني كنت دائماً خارج المنزل. ولكني أصبحت بيتوتياً بعد ارتباطي برابعة ومجيء دالي واليوم بانتظار شقيقة لدالي. أما نهاري فيبدأ عند الساعة الثامنة صباحاً أبقى خلالها في المنزل لألاعب دالي الذي أعاد إليّ طفولتي التي مازالت في داخلي، ومن ثمّ أذهب إلى المقهى لأقوم ببعض الأعمال، كما أتابع مع فريق الإعداد برنامجي. ومن ثمّ أكتب مقالين ينشر أحدهما في صحيفة والثاني في مجلّة. بعدها أعود إلى المنزل لتناول طعام الغداء في شكل شبه يومي، وكذلك طعام العشاء. فرابعة طبّاخة ماهرة جداً، وأكبر دليل على ذلك زيادة وزني.

- هل تشتاق إلى وجبات والدتك التي كانت تطهوها لك؟ وبين أطباق رابعة وأطباق الوالدة أيها تفضّل؟
طبخ والدتي مختلف عن طبخ رابعة. كانت والدتي رحمها الله طباخة ماهرة في إعداد الأطباق التقليدية والقديمة، وكنت أسمّيها ملكة «المجدرة الحمراء» والملوخية والكبّة. ودائماً لقمة الأم لها طعم خاص. أما طبخ رابعة فأكثر معاصرة لكنه شهيّ  جداً.

- تقدّم برنامجاً تلفزيونياً أسبوعياً وتكتب مقالين في صحيفة ومجلّة وتصدر تقريباً كلّ سنة كتاباً أو ديوان شعر. فهل هذا يعني أن هناك زخماً وطاقات تريد أن تفجّرها أم أنّ لديك حبّاً للظهور؟
الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى روية وتفكير عميق، ولكن سأكون صريحاً وبسيطاً وأقول إن لا أحد يعمل تحت الضوء ويكره الضوء، ولا أحد يعمل في مجال الشهرة ويعادي الشهرة. لذلك أحبّ عملي، ولكن في الوقت نفسه لا أستطيع إنكار أن للضوء والشهرة ضغوطاً نفسية ومعنوية وحتى مادية، إذ أن كلفة حياة الإنسان المعروف باهظة جداً. والحقيقة أن الإعلامي يحتاج إلى الشهرة والظهور ليبقى اسمه في التداول لأن هذا من طبيعة المهنة نفسها. أما الشاعر فعلى النقيض تماماً فهو يحتاج إلى سكينة وعزلة وهدوء والإبتعاد عن الصخب والضوضاء. وهنا تكمن الكارثة بحيث يدور الصراع بين ميل الشاعر إلى العزلة وضرورة وجود الإعلامي تحت الضوء. ويمكن القول إن عملي في كلّ المجالات التي ذكرتها هو طاقات موجودة في داخلي وفي الوقت نفسه لا أستطيع الإدعاء أنني لا أحبّ الضوء والشهرة. ومن ثمّ لديّ الكثير ولولا عملي التلفزيوني لكنت كتبت شعراً أضعاف ما كتبته حتى الآن، ولكنت كتبت رواية وحقّقت طموحي. ولكن الرواية تحتاج إلى تفرّغ ووقت ومعلومات وبحوث بحسب موضوع الرواية طبعاً، وفي الوقت نفسه الإعلام مهنتي ويجب أن أعطيه، ويجب أن أكون موجوداً وحاضراً في وسائل الإعلام الأخرى لكي أقدّم عملي ولكي أفسّر بعض ما يدور. لا يستطيع أحد الإدعاء بأنه يعمل في الإعلام مكرهاً وغصباً عنه وإلا فليبحث عن مهنة أخرى. نعم أحبّ هذا العالم ولا أستطيع أن أسمّيه حبّاً بالظهور أو الشهرة لأنني عملت بالتلفزيون صدفة، ولم أسعَ يوماً للعمل في التلفزيون لأنه لم يكن ضمن أحلامي.

- وما هي أحلامك؟
 حلمي دوماً أن أكون كاتباً أو صحافياً في أحسن الأحوال. ولكن حلمي الحقيقي الشعر والكتابة. 

- هل يحقّق لك العمل الصحافي والتلفزيوني المردود المادي الذي تتطلّع إليه ويؤمن لك حياة كريمة؟
هناك سبب جوهري لعملي في أماكن عدّة، منها لقمة العيش. فلا يستطيع أحد فينا أن يعيش حياة مرتاحة نسبياً بمعنى أن يكون حرّاً في سفره ورحلاته، في اختيار مدارس لأولاده دون أن يعمل. فأنا أعمل في ثلاث مؤسسات، في تلفزيون وصحيفة ومجلّة وزوجتي تعمل في تلفزيون وفي مجلّة أي في خمس مؤسسات لنضمن لأنفسنا حياة مريحة وكريمة.

- هل تستطيع القول إذاً إنك وصلت إلى مرحلة الرخاء؟
لقد مررت بظروف صعبة جداً في حياتي، كما مررت بسنوات طويلة من الفقر والجهد والكفاح. أنا لا أدّعي اليوم أنني لم أتجاوز تلك الظروف، فقد أنعم الله عليّ ولكن ظروفي عادية جداً وبسيطة. ويمكن القول إني حقّقت إنجازات قياساً بظروفي السابقة، ولكن إذا قستها بظروف آخرين فإنني أعتبرها عادية وبسيطة. أتمنى أن أرتاح مادياً بالمطلق، ولو كنت فعلاً كما قيل لكنت تركت كلّ العمل المهني حتى التلفزيون وتفرّغت للكتابة. وحلمي أن يأتي يوم أتفرّغ لكتابة الشعر والرواية وأن يبقى لي منبر في صحيفة أو مجلّة لكي لا ينقطع حبل السرّة مع الكلمة المكتوبة والصحافة.

 

- لمن يقرأ حالياً زاهي وهبي؟
بالطبع أعدت قراءة محمود درويش بعد وفاته لأن غياب الشاعر يجعل القارئ ينظر إلى القصائد والكتب نظرة مختلفة، ويكتشف حينها أموراً مذهلة لم يكن توقّف عندها من قبل. فعلى سبيل المثال يكتشف القارئ أن موضوع الموت لدى محمود درويش طاغٍ وموجود ليس فقط في كتاب «جدارية» الذي يرتكز على هذا الموضوع بل في كثير من الأعمال. كما قرأت كتاباً جديداً بعنوان «أبجدية الياسمين» يضمّ قصائد للشاعر نزار قباني لم تُنشر من قبل، أصدره أبناؤه حديثاً بمناسبة عشر سنوات على غيابه. كما قرأت ديواناً جديداً للشاعرة الكويتية سعدية مفرح، ورواية للزميل أحمد علي الزين وهي جزء من ثلاثية، كما قرأت منذ فترة روايات علوية صبح.

- هل لفتتك مواهب جديدة أو روايات لمؤلفين شباب؟ 
هناك روايات شبابية كثيرة تصلنا من سورية ومصر والسعودية منها الجيّد ومنها العادي الذي لا يرسخ في الأذهان.

- أصدرت منذ أيام كتابك الشعري الذي عنْونته باسم قصيدة كتبتها لزوجتك رابعة «يعرفُكِ مَايكِل أنجِلو». وعرفنا أن أجواء توقيعه ستكون مختلفة عن الطريقة التقليدية التي كنت تعتمدها سابقاً. أولاً ماذا عنه؟ ولماذا اخترت طريقة جديدة لتوقيعه؟
قصيدة «يعرفك مايكل أنجلو» التي احتلت عنوان غلاف الكتاب كتبتها إثر وفاة والدتي، وهي مزيج من الغزل والرثاء. فقد كنّا أنا ورابعة في روما وفلورنسا حيث وُلدت هذه القصيدة فجعلتها عنواناً للديوان بمجمله. وهذا الديوان مهدىً إلى ذكرى الشاعر الكبير محمود درويش الذي جمعتني به وتحديداً في السنوات الأخيرة صداقة حميمة. وكلمة الغلاف الأخيرة كتبها الفنان مارسيل خليفة الذي هو صديقي وتوأم محمود درويش في أمور كثيرة. وتقديم الكتاب سيكون مختلفاً عن الأعوام السابقة لأنني بصراحة شعرت بالحرج خصوصاً أنني أصدرت في السنتين الأخيرتين كتباً عدّة وأصبحت محرجاً أمام أصدقائي. وكما يقول المثل الشعبي "كلّ ما دق الكوز بالجرّة" أدعوهم إلى حفلة توقيع أحد كتبي وينتهي الأمر إلى مجيئهم واقتناء نسخة من الكتاب ومغادرة المعرض. ولكن هذا العام سيكون التوقيع مسبوقاً بأمسية شعرية موسيقية ويقرأ خلالها الممثل الصديق رفيق علي أحمد نماذج من الكتاب ويرافقه موسيقياً الفنان الصديق هاني سبليني. وسيكون هذا الإحتفال لمدّة ساعة من الوقت وبعد ذلك سأقوم بالتوقيع. وقلت لأصدقائي ممازحاً إن قاعة الأمسية ستكون بعيدة نسبياً عن مكان التوقيع بحيث أن من يريد فقط الإكتفاء بالإستماع إلى الشعر ومن ثمّ المغادرة يمكنه ذلك دون أي حرج ودون المرور بجناح التوقيع.

- هل كان هناك علاقة وطيدة بينك وبين الشاعر الراحل محمود درويش حتى أنك شاركت في تشييعه في عمّان وفي ذكرى أربعينه؟ أي علاقة كانت تربطك بمحمود درويش؟ وماذا كان يمثّل لك؟
أولاً على المستوى الشعري أثّر فيّ كثيراً منذ كنت يافعاً. وهو أحد الذين ساهموا في تكوين ذائقتي الشعرية. وهذا الكلام ذكرته مراراً وتكراراً قبل رحيله بسنوات. ومن حسن حظي أني تعرّفت إليه، ولكن ليس أيام بيروت السبعينات وفترة ما قبل الإجتياح الإسرائيلي عام 82، إذ لم أتعرّف إلى محمود درويش كما كان حال معظم الشعراء اللبنانيين وذلك نظراً إلى وجودي في الجنوب اللبناني في تلك الفترة وكنت يافعاً. وبداية تعرّفي إليه كانت في السنوات العشر الأخيرة. ونشأت بيننا علاقة حميمة ومودّة عالية. وزارني في بيتي وزرته في بيته وجلسنا جلسات عديدة ومطوّلة، وتمشينا في شوارع بيروت وأمكنة أخرى. وأكثر ما أسعدني أنه حين منحني الرئيس محمود عباس جواز السفر الفلسطيني حرص محمود درويش على أن يكون حاضراً في ذاك الإحتفال الصغير حيث أعطى وجوده شرعية ثقافية لهذه المناسبة باسم فلسطين وشعرائها وشهدائها. وقد نُقل إليّ أخيراً أن محمود درويش كان صاحب إقتراح منحي جواز السفر الفلسطيني. لذلك أقلّ الواجب وأبسطه المشاركة في ذكراه ووداعه. ولو كنت قادراً على الذهاب إلى رام الله لذهبت إلى ضريحه أيضاً.

- دائماً تقول إن غادة السمان لها تأثير مباشر في تكوينك الأدبي ومن الصعب أن يعترف رجل بأهمية امرأة في حياته سواء المهنية أو الخاصة. هل ما زلت تحلم بلقائها خصوصاً أنه معروف عنها رفضها للظهور الإعلامي؟ وهل تجمعك صداقة معها؟
هناك مودّة وسؤال من بعيد لبعيد. ولديّ بعض البطاقات البريدية من السيدة غادة السمان، ولكن لم يحصل أي لقاء مباشر مع أنها في إحدى البطاقات التي أحتفظ بها كتبت لي عبارة «ابني الروحي زاهي». ولكن بالنسبة إليّ سواء التقيتها أو لا، حاورتها أو لا، لا أنكر أبداً أن رواياتها وقصائدها وكتبها الشعرية والنثرية شكّلت بالنسبة إلي زوّادة شهية جداً، ونقلتني من قراءات كانت بمعظمها كلاسيكية إلى دنيا الحداثة التي اكتشفت في ما بعد أن عالمها واسع جداً.  

- هل يمكن للشاعر أن ينظم الشعر لزوجته وهي أمام عينيه طوال الوقت خصوصاً أنه معروف أن ما من شاعر قديم أو حديث كتب عن زوجته بل كانت ملهمتهم الحبيبة والخليلة؟
لا أعرف، كنت أسمع من شعراء كثيرين أنهم لم يكتبوا لزوجاتهم. ولكن أنا كتبت لرابعة أكثر من قصيدة قبل الزواج وبعده. وأعتقد أن الشاعر إذا أراد أمراً لا يستعصي عليه. كما كتبت لها قصيدة يوم كانت حاملاً بدالي وهي موجودة في هذا الديوان الجديد. ويقول لي الأصدقاء إنك أوّل شاعر يكتب عن هذا الموضوع أي عن الحمْل.

- كيف تشعر بالأبوة بعد سنّ الأربعين وبعد زواج متأخّر؟
تجربة أكثر من رائعة. وأشكر الله أنني لم أُحرم من هذه النعمة الإلهية وهذه النعمة الإنسانية، وهذا هو سرّ الحياة. ابتسامة دالي عندي أغلى من أي شيء ومن كلّ الدنيا.

- معروف أنك لم تعش في كنف عائلة وسطها أب يشرف على أبنائه. اليوم ما الذي ستمنحه لإبنك وأنت حُرمت منه؟
سأمنحه الأبوّة. فوالدي كان بعيداً دائماً، وكان مهاجراً يعيش وراء البحار في سيدني في أوستراليا. سأحاول أن أعوّض هذا الحرمان الذي عشته إلى ولدي، لأن هذا الأمر زادني عطفاً وحناناً وأبوّة. وأنظر الآن إلى دالي وهو يلعب ويلهو وكيف يعيش طفولة مختلفة جداً عن الطفولة التي عشتها. فأشعر وكأنني أنا شخصياً الذي أعيش طفولتي من جديد وذلك من خلاله.

- معروف أن لرابعة ولدين، فهل يعيشان معكما في المنزل نفسه؟ وكيف تصف علاقتك بهما؟
في الصيف يعيشان معنا. وعلاقة كريم وعلي بدالي علاقة أخوّة حقيقية وحميمة جداً. وبالنسبة إليّ سأُنشئه على حبّهما أيضاً. وأشعر بسعادة أن لدالي أكثر من سند في حياته.

- ولكن في حديث سابق مع هادي شرارة ذكر أنه يحبّ كثيراً ابن كارول صقر الذي هو أخ ابنته آية ولكنه يعانده لأنه يعرف أنه ليس أباه؟
كلّ حالة قائمة بذاتها وليس هناك وصفة لذلك. ولكن أنا أتكّل على الأمومة الواحدة للأطفال التي تُشعرهم بأنهم سواسية، كما أتكّل على وعيي وعاطفتي العالية لكي أمنع أي خلل.

 

- هل الزواج يلغي الحب؟ وما الذي يُحدثه الزواج؟
إطلاقاً، بل يصبح الحب أكثر عمقاً وثباتاً. فصحيح أنه تنشأ عادات في الزواج وعشرة يومية، ولكن التعوّد يختلف عن المشاعر والأحاسيس. إذ يصبح بين الحبيب والحبيبة والرجل والمرأة والزوج والزوجة حياة مشتركة، أبناء وتفاصيل يومية، يزداد خلالها الحبّ وتزداد اللهفة والخوف على الشريك والحرص عليه، وكلّ ذلك يضاعف الحبّ ويشدّ من أزره.

- ما الشيء الذي تحبّه أكثر في رابعة وفي المقابل الشيء الذي يكون عادة نقطة خلاف بينكما؟
أكثر ما أحبّه في رابعة وعيها واتزانها وعدم اكتفائها بأنها سيدة جميلة. فهي تحصّن نفسها بالقراءة والثقافة، وأنا شاهد على هذا الأمر. فأحياناً كثيراً آتي بكتب وروايات تسبقني رابعة إلى قراءتها.

- هل وجودك في حياتها شجّعها على تدعيم نفسها بالقراءة والثقافة؟
رابعة لديها القابلية، ولكن ربما وجودي في حياتها ساهم في ذلك. أما الصفة التي نختلف عليها قليلاً فربما بعض العناد. وهناك أمر آخر أظنّ أن كلّ الرجال يعانونه مع السيّدات وهو الإنتظار لحظة الخروج، وتحديداً خلال استعدادها حين نكون ذاهبين إلى العشاء أو إلى زيارة. أما بالنسبة إليّ فأظنّ أن رابعة تعاني من مزاج الشاعر الموجود فيّ والذي يتقلّب كثيراً، وأن تعيش معه ليس بالمسألة السهلة.

- هل سيبقى زاهي وهبي وفياً لتلفزيون «المستقبل» أم أنك تفكّر في الإنتقال إلى محطة أخرى أكثر شهرة وانتشاراً؟ 
لتلفزيون «المستقبل» الفضل الأكبر في حياتي الإعلامية. فقد أعطاني الإطلالة والإستمرار. وأكرّرها دوماً أن أهمّ ما أعطاني إياه هامش الحرية الكبير إلى درجة أنه ساهم في جعل برنامج «خليك بالبيت» برنامجاً لكلّ الناس وليس لفئة معينة خصوصاً في ظلّ الظروف المعروفة في لبنان والعالم العربي. ولكن هذا لا يعني أن أحداً يستطيع التيقنّ من الغد وما يحمله من مفاجآت ومتغيّرات. الآن بين يديّ عرضان من محطتين فضائيتين عربيتين، ولا أخفي أنني أدرس هذين العرضين، ولكنني دائماً أقول إن الأولوية بالنسبة إليّ لقناة «المستقبل» ولبيروت لكون معظم المراكز الرئيسية للفضائيات موجودة في عواصم عربية مختلفة.

 

دمية روسية

بماذا تفكرين الآن
بالجنين المبتسم
لموسيقى موزار
بالربيع المرتعش
على صدركِ.

أيخطر لكِ
تشذيبُ الظلام
تصويب النسيم بين يديه
تقبّلين أنامله السعيدة
تتحسسين بطنك
قائلةً:
أنظر كم يشبهكَ
هذا أنفكَ على وجهه
هذا نهركَ في أوردتي
هذا حرثكَ
وبذرتكَ الطيبة.

طيبةَ القلب
كلانا يشبهكِ
كلانا تحت سماءِ يديكِ
لولاكِ
كيف له النبض الأكيد
كيف له الابتسامة الطرية

لولاكِ
لما كنا معاً
مثل دمية روسية:
قلبه
في قلبكِ
في قلبي

 

يا زاهي،
في دفتر الشمس أخطاؤنا الفاتنة تضيء الطريق لمن يُحسن الحلم، وفي كتاب الشعر من الأحلام ما يكفي لإيقاظ العالم.
نسمحُ جراحنا من نافذة مفتوحة على غيمة صادحة في شرفة شاسعة تسعُ الحبَّ كلَّهُ والعاشقين جميعاً.
غيمٌ طفيفٌ يزينُ غربتنا في مساء عمّان الحزين، وأسمعكَ تصرخُ بشوقٍ إلى ساكننا: افتح نافذتك ترانا. وكان بردُ غيابه يلسعنا.
يجب أن أعترف يا صديقي بأن لقاء عمّان قد أعطى للصداقة أبعاداً إنسانية في منتهى العمق والتقدير. اكتبْ يا زاهي وتحسّس أجنحتك عبر المغامرة التي تجعلكَ عاشقاً أبدياً، وأجعل ثقتك في الريح حتى يشع البنفسج فرحاً.
الشعر ليس أقلّ من هذا درساً للعالم.
مارسيل خليفة